زيارة وارث (الزيارة السابعة المطلقة لأبي عبدالله الحسين (عليه السلام)) وهي زيارة علمها الإمام الصادق (عليه السلام) لبعض الأصحاب وذكر الشيخ عباس القمي في كتاب مفاتيح الجنان تفاصيل ذلك والآداب التي ترتبط بهذه الزيارة.
روى الشيخ في (المصباح) عن صفوان أقول: هذه الزيارات الثلاث مروية عن كتاب (المزار) لابن قولويه قال: استأذنت الصادق (عليه السلام) لزيارة مولاي الحسين (عليه السلام) وسألته أن يعرّفني ما أعمل عليه فقال: «يا صفوان صم ثلاثة أيام قبل خروجك واغتسل في اليوم الثالث ثمّ اجمع إليك أهلك ثمّ قل: اللهمّ إنّي استودعك» الدعاء، ثمّ علمه دعاءً يدعو به إذا أتى الفرات ثمّ قال: «ثمّ اغتسل من الفرات فإنّ أبي حدّثني عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ ابني هذا الحسين (عليه السلام) يقتل بعدي على شاطئ الفرات فمن زاره واغتسل من الفرات تساقطت خطاياه كهيئة يوم ولدته اُمّه فإذا اغتسلت فقل في غسلك:
بِسمِ اللهِ وَبِاللهِ اللهُمَّ اجعَلهُ نُوراً وَطَهُوراً وَحِرزاً وَشِفاءً مِن كُلِّ داءٍ وَسُقمٍ وَعاهَةٍ وآفَةٍ، اللهُمَّ طَهِّر بِهِ قَلبي وَاشرَح بِهِ صَدري وَسَهِّل لي بِهِ أمري.
فإذا فرغت من غسلك فالبس ثوبين وصلّ ركعتين خارج المشرعة وهو المكان الذي قال الله تعالى: (وَفي الأرضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِن أعنابٍ وَزَرعٌ وَنَخِيلٌ صِنوانٌ وَغَيرِ صِنوانٍ يُسقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعضَها عَلى بَعضٍ في الاُكُلِ).
فإذا فرغت من صلاتك فتوجّه نحو الحائر وعليك السكينة والوقار وقصّر خطاك فإنّ الله تعالى يكتب لك بكلّ خطوة حجة وعمرة وصر خاشعاً قلبك باكيةً عينك وأكثر من التكبير والتهليل والثناء على الله عزّ وجلّ والصلاة على نبيه (صلى الله عليه وآله) والصلاة على الحسين (عليه السلام) خاصة ولعن من قتله والبراءة ممّن أسس ذلك عليه، فإذا أتيت باب الحائر فقف وقل:
اللهُ أكبَرُ كَبِيراً وَالحَمدُ للهِ كَثِيراً وَسُبحانَ اللهِ بُكرَةً وَأصِيلاً الحَمدُ للهِ الَّذي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهتَدِيَ لَولا أن هَدانا اللهُ، لَقَد جاءَت رُسُلُ رَبِّنا بِالحَقِّ.
ثمّ قل: السَّلامُ عَلَيكَ يا رَسُولَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا نَبِيَّ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا خاتَمَ النَّبِيِّينَ، السَّلامُ عَلَيكَ يا سَيِّدَ المُرسَلِينَ، السَّلامُ عَلَيكَ يا حَبِيبَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا أمِيرَ المُؤمِنِينَ، السَّلامُ عَلَيكَ يا سَيِّدَ الوَصِيِّينَ، السَّلامُ عَلَيكَ يا قائِدَ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، السَّلامُ عَلَيكَ يا بنَ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمِينَ، السَّلامُ عَلَيكَ وَعَلى الأئِمَّةِ مِن وُلدِكَ، السَّلامُ عَلَيكَ يا وَصِيَّ أمِيرِ المُؤمِنِينَ، السَّلامُ عَلَيكَ أيُّها الصِّدِّيقُ الشَّهِيدُ، السَّلامُ عَلَيكُم يا مَلائِكَةَ اللهِ المُقِيمِينَ في هذا المَقامِ الشَّرِيفِ، السَّلامُ عَلَيكُم يا مَلائِكَةَ رَبّي المُحدِقِينَ بِقَبرِ الحُسَينِ (عليه السلام)، السَّلامُ عَلَيكُم مِنّي أبَداً ما بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَيلُ وَالنَّهارِ.
ثمّ تقول: السَّلامُ عَلَيكَ يا أبا عَبدِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يابنَ رَسُولِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يابنَ أمِيرِ المُؤمِنِينَ، عَبدُكَ وَابنُ عَبدِكَ وَابنُ أمَتِكَ المُقِرُّ بِالرِّقِّ وَالتَّارِكُ لِلخِلافِ عَلَيكُم وَالمُوالي لِوَلِيِّكُم وَالمُعادي لِعَدُوِّكُم قَصَدَ حَرَمَكَ وَاستَجارَ بِمَشهَدِكَ وَتَقَرَّبَ إلَيكَ بِقَصدِكَ، أأدخُلُ يا رَسُولَ اللهِ أأدخُلُ يا نَبِيَّ اللهِ أأدخُلُ يا أمِيرَ المُؤمِنِينَ أأدخُلُ يا سَيِّدَ الوَصِيِّينَ أأدخُلُ يا فاطِمَةُ سَيِّدَةَ نِساءِ العالَمِينَ أأدخُلُ يا مَولايَ يا أبا عَبدِ اللهِ أأدخُلُ يا مَولايَ يا بَن رَسُولَ اللهِ.
فإن خشع قلبك ودمعت عينك فهو علامة الإذن، ثمّ ادخل وقل: الحَمدُ للهِ الواحِدِ الأحَدِ الفَردِ الصَّمَدِ الَّذي هَداني لِولايَتِكَ وَخَصَّني بِزيارَتِكَ وَسَهَّلَ لي قَصدَكَ.
ثمّ ائت باب القبّة وقف من حيث يلي الرأس وقل:
السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ آدَمَ صَفوَةِ اللهَ، السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ إبراهِيمَ خَلِيلِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ مُوسى كَلِيمِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ عِيسى رُوحِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ أمِيرِ المُؤمِنِينَ (عليه السلام)، السَّلامُ عَلَيكَ يابنَ مُحَمَّدٍ المُصطَفى، السَّلامُ عَلَيكَ يابنَ عَلِيٍّ المُرتَضى، السَّلامُ عَلَيكَ يابنَ فاطِمَةَ الزَهراءِ، السَّلامُ عَلَيكَ يابنَ خَدِيجَةَ الكُبرى، السَّلامُ عَلَيكَ يا ثارَ اللهِ وَابنَ ثأرِهِ وَالوِترَ المَوتُورَ. أشهَدُ أنَّكَ قَد أقَمتَ الصَلاةَ وَآتَيتَ الزَّكاةَ وَأمَرتَ بِالمَعروفِ وَنَهَيتَ عَنِ المُنكَرِ وَأطَعتَ اللهَ وَرَسُولَهُ حَتّى أتاكَ اليَقِينُ، فَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتكَ وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً ظَلَمَتكَ وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً سَمِعَت بِذلِكَ فَرِضِيَت بِهِ. يا مَولايَ يا أبا عَبدِ اللهِ أشهَدُ أنَّكَ كُنتَ نُوراً في الأصلابِ الشَّامِخَةِ وَالأرحامِ المُطَهَّرَةِ لَم تُنَجِّسكَ الجاهِلِيَّةُ بِأنجاسِها وَلم تُلبِسكَ مِن مُدلَهِمَّاتِ ثِيابِها، وَأشهَدُ أنَّكَ مِن دَعائِمِ الدِّينِ وَأركانِ المُؤمِنِينَ وَأشهَدُ أنَّكَ الإمامُ البَرُّ التَّقِيُّ الرَّضِيُّ الزَّكِيُّ الهادي المَهدِيُّ وَأشهَدُ أنَّ الأئِمَّةِ مِن وَُلدِكَ كَلِمَةُ التَّقوى وَأعلامُ الهُدى وَالعُروَةُ الوُثقى وَالحُجَّةُ عَلى أهلِ الدُّنيا، وَأُشهِدُ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأنبياءَهُ وَرُسُلَهُ أنّي بِكُم مُؤمِنٌ وَبِإيابِكُم مُوقِنٌ بِشَرائِعِ دِيني وَخَواتِيمِ عَمَلي وَقَلبي لِقَلبِكُم سِلمٌ وَأمري لأمرِكُم مُتَّبَعٌ، صَلَواتُ اللهِ عَلَيكُم وَعَلى أرواحِكُم وَعَلى أجسادِكُم وَعَلى أجسامِكُم وَعَلى شاهِدِكُم وَعَلى غائِبِكُم وَعَلى ظاهِرِكُم وَعَلى باطِنِكُم.
ثمّ انكب على القبر وقبّله وقل: بَأبي أنتَ وَاُمّي يابنَ رَسُولِ اللهِ بِأبي أنتَ وَاُمّي يا أبا عَبدِ اللهِ لَقَد عَظُمَت الرَزِيَّةُ وَجَلَّتِ المُصِيبَةُ بِكَ عَلَينا وَعَلى جَمِيعِ أهلِ السَّماواتِ وَالأرضِ، فَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً أسرَجَت وَألجَمَت وَتَهَيَّأت لِقِتالِكَ يا مَولايَ يا أبا عَبدِ اللهِ قَصَدتُ حَرَمَكَ وَأتَيتُ إلى مَشهَدِكَ أسألُ اللهَ بِالشَّأنِ الَّذي لَكَ عِندَهُ وَبِالمَحَلِّ الَّذي لَكَ لَدَيهِ أن يُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأن يَجعَلَني مَعَكُم في الدُّنيا وَالآخِرةِ.
ثمّ قم فصلّ ركعتين عند الرأس اقرأ فيهما ما أحببت فإذا فرغت من صلاتك فقل:
اللهُمَّ إنّي صَلَّيتُ وَرَكَعتُ وَسَجَدتُ لَكَ وَحدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ لأنَّ الصَّلاةَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ لا يَكُونُ إلاّ لَكَ لأنَّكَ أنتَ اللهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ، اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأبلِغهُم عَنّي أفضَلَ السَّلامُ وَالتَّحِيَّةِ وَاردُد عَلَيَّ مِنهُمُ السَّلامَ، اللهُمَّ وَهاتانِ الرَّكعَتانِ هَدِيَّةٌ مِنّي إلى مَولايَ الحُسِينِ بنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام)، اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَيهِ وَتَقَبَّل مِنِّي وَأجُرني عَلى ذلِكَ بِأفضَلِ أمَلي وَرَجائي فِيكَ وَفي وَلِيِّكَ يا وَلِيَّ المُؤمِنِينَ.
ثمّ قم وصر إلى عند رجلي القبر وقف عند رأس علي بن الحسين (عليه السلام) وقل:
السَّلامُ عَلَيكَ يابنَ رَسُولِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يابنَ نَبِيِّ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يابنَ أمِيرِ المُؤمِنِينَ، السَّلامُ عَلَيكَ يابنَ الحُسَينِ الشَّهِيدِ، السَّلامُ عَلَيكَ أيُّها الشَّهِيدُ، السَّلامُ عَلَيكَ أيُّها المَظلُومُ وَابنُ المَظلُومِ، لَعَنَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتكَ وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً ظَلَمَتكَ وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً سَمِعَت بِذلِكَ فَرَضِيَت بِهِ.
ثمّ انكب على القبر وقبّله وقل: السَّلامُ عَلَيكَ يا وَلِيَّ اللهِ وَابنَ وَلِيّهِ لَقَد عَظُمَتِ المُصِيبَةُ وَجَلَّتِ الرَّزِيَّةُ بِكَ عَلَينا وَعَلى جَمِيعِ المُسلِمِينَ فَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتكَ وَأبرَءُ إلى اللهِ وَإلَيكَ مِنهُم.
ثمّ اخرج من الباب الذي عند رجلي علي بن الحسين (عليهما السلام) ثمّ توجّه إلى الشهداء وقل:
السَّلامُ عَلَيكُم يا أولياءَ اللهِ وَأحِبّاءَهُ، السَّلامُ عَلَيكُم يا أصفياءَ اللهِ وَأوِدَّاءَهُ، السَّلامُ عَلَيكُم يا أنصارَ دِينِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكُم يا أنصارَ رَسُولِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكُم يا أنصارَ أمِيرِ المُؤمِنِينَ، السَّلامُ عَلَيكُم يا أنصارَ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمِينَ، السَّلامُ عَلَيكُم يا أنصارَ أبي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ الوَلِيِّ النَّاصِحِ، السَّلامُ عَلَيكُم يا أنصارَ أبي عَبدِ اللهِ، بِأبي أنتُم وَاُمّي طِبتُم وَطابَتِ الأرضُ الَّتي فِيها دُفِنتُم وَفُزتُم فَوزاً عَظِيماً فيا لَيتَني كُنتُ مَعَكُم فَأفُوزَ مَعَكُم.
ثمّ عد إلى عند رأس الحسين (عليه السلام) وأكثر من الدّعاء لك ولأهلك ولوالديك ولإخوانك فإنّ مشهده لا تردّ فيه دعوة داع ولا سؤال سائل.
الدس في زيارة وارث
أقول: تُعرف هذه الزيارة باسم زيارة وارث وهي مأخوذة عن كتاب (مصباح المتهجد) للطوسي وهو من أرقى الكتب المعتبرة المشهورة في الأوساط العلمية وقد اقتطفت هذه الزيارة نصّاً عن ذلك المأخذ الشريف من دون واسطة أتكلّ عليها فكانت كلمة الختام لزيارة الشهداء هي: فيا لَيتَني كُنتُ مَعَكُم فَأفُوزَ مَعَكُم. فالزيادة التي ذُيّلت بها هذه الزيارة وهي: في الجِنانِ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ اُولئِكَ رَفِيقاً، السَّلامُ عَلى مَن كانَ في الحائِرِ مِنكُم وَعَلى مَن لَم يَكُن في الحائِرِ مَعَكُم… الخ، إنّما هي خروج عن المأثور ودسّ في الحديث.
قال شيخنا في كتابه الفارسي (لؤلؤ مرجان): إنّ هذه الكلمات التي ذيّلت بها هذه الرواية إنّما هي بدعة في الدّين وتجاسر على الإمام (عليه السلام) بالزيادة فيما صدر منه وفوق ذلك فهي تحتوي على أباطيل وأكاذيب بيّنة الكذب.
والغريب المدهش أنّها تنبث بين الناس وتذيع حتى تهتف بها في كلّ يوم وليلة آلاف المرّات في مرقد الحسين (عليه السلام) وبمحضر من الملائكة المقرّبين وفي مطاف الأنبياء والمرسلين(عليهم السلام) ولا منكر ينكرها أو رادع يردع عن الكذب والعصيان. فآل الأمر الى أن تدوّن هذه الاباطيل وتطبع في مجاميع من الأدعية والزيارات يجمعها الحمقى من عوام الناس فتزعمها كتاباً فتجعل لها اسماً من الأسماء ثمّ تُطبع وتُنشر فتتناقلها المجاميع من مجموعة حمقى إلى مجموعة أحمق منها.
وتتفاقم المشكلة فيلتبس الأمر على بعض طلبة العلم والدّين وإني صادفت طالباً من طلبة العلم والدين وهو يزور الشهداء بتلك الاباطيل القبيحة فمسست كتفه فالتفت إليّ فخاطبته قائلاً: ألا يشنع من الطالب أن ينطق بمثل هذه الاباطيل في مثل هذا المحضر المقدّس؟ قال: أليست هي مرويّة عن الإمام (عليه السلام) فتعجّبت لسؤاله وأجبته بالنفي.
قال: فإنّي قد وجدتها مدوّنة في بعض الكتب فسألته عن الكتاب فأجاب كتاب (مفتاح الجنان). فسكت عنه فإنّه لا يليق أن يكالم المرء رجلاً أدّت به الغفلة والجهل إلى أن يعد المجموعة التي جمعها بعض العوام من الناس كتاباً من الكتب ويستند إليه مصدراً لما يقول ثمّ بسط الشيخ (رحمه الله) كلامه في هذا المقام وقال: إنّ عدم ردع العوام عن نظائر هذه الامور غير الهامة والبدع الصغيرة كغسل أويس القرن وأبي الدرداء وهو التابع المخلص لمعاوية وصوم الصّمت بأن يتمالك المرء عن التكلّم بشيء في اليوم كلّه وغير ذلك من البدع التي لم يردع عنه رادع ولم ينكره منكر قد أورثت الجرأة والتطاول ففي كلّ شهر من الشهور وفي كلّ سنة من السنين يظهر للنّاس نبيّ أو إمام جديد فترى الناس يخرجون من دين الله أفواجاً انتهى.
وأقول: أنا الفقير لاحظ هذا القول وأنعم النظر فيه أنّه القول الصادر وعن عالم جليل واقف على ذوق الشريعة المقدّسة واتجاهها في سننها وأحكامها وهو يبدي بوضوح مبلغ اهتمام هذا العالم الجليل بالأمر ويكشف عمّا يكظمه في الفؤاد من الكآبة والهم، فهو يعرف مساوئه وتبعاته على النّقيض من المحرومين من علوم أهل البيت (عليهم السلام) المقتصرين على العلم بضغث من المصطلحات والالفاظ فهم لا يعبأون بذلك ولا يبالون بل تراهم بالعكس يصحّحونه ويصبّونه ويجرون عليه في الأعمال فيستفحل الخطب ويعاف كتاب (مصباح المتهجد) و(الاقبال) و(مهج الدعوات) و(جمال الاسبوع) و(مصباح الزائر) و(البلد الامين) و(الجنة الواقية) و(مفتاح الفلاح) و(المقباس) و(ربيع الاسابيع) و(التحفة) و(زاد المعاد)، ونظائرها فيستخلفها هذه المجاميع السخيفة فيدس فيها في (دعاء المجير) وهو دعاء من الأدعية المأثورة المعتبرة كلمة بعفوك في سبعين موضعاً فلم ينكرها منكر.
و(دعاء الجوشن الكبير) الحاوي على مائة فصل يبدع لكلّ فصل من فصوله أثراً من الآثار ومع ما بلغتنا من الدعوات المأثورة ذات المضامين السامية والكلمات الفصيحة البليغة يصاغ دعاء سخيف غاية السخف فيسمّى بدعاء الحبّى فينزّل من شرفات العرش فيفتري له من الفضل ما يدهش المرء ويبهته من ذلك والعياذ بالله: أن جبرئيل بلّغ النبي محمداً (صلى الله عليه وآله) أن الله تعالى يقول: إنّي لا اُعذّب عبداً يجعل معه هذا الدعاء وإن استوجب النار وأنفق العمر كلّه في المعاصي ولم يسجد لي فيه سجدة واحدة إنّني أمنحه أجر سبعين ألف نبيّ وأجر سبعين ألف زاهد وأجر سبعين ألف شهيد وأجر سبعين ألف من المصلّين وأجر من كسى سبعين ألف عريان وأجر من أشبع سبعين ألف جائع ووهبته من الحسنات عدد حصى الصحارى وأعطيته أجر سبعين الف بقعة من الأرض وأجر خاتم النبوّة نبينا (صلى الله عليه وآله) وأجر عيسى روح الله وإبراهيم خليل الله وأجر إسماعيل ذبيح الله وموسى كليم الله ويعقوب نبي الله وآدم صفيّ الله وجبرئيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل والملائكة.
يا محمد من دعا بهذا الدعاء العظيم (دعاء الحبّى) أو جعله معه غفرت له واستحييت أن اُعذّبه… الخ.
وجدير بالمرء أن يستبدل الضحك على هذه المفتريات الغريبة بالبكاء على كتب الشيعة ومؤلفاتهم، الكتب القيّمة التي بلغت الرتبة السامية ضبطاً وصحّة وإتقاناً فكانت لا يستنسخها في الغالب إلاّ رجال من أهل العلم والدين فيقابلونها بنسخ نسختها أيدي أهل العلم وصحّحها العلماء وكانوا يلمحون في الهامش إلى ما عساه يوجد من الاختلاف بين النسخ.
ومن نماذج ذلك إنّا نرى في دعاء مكارم الاخلاق كلمة: وبلّغ بإيماني، فيرد في الهامش أن في نسخة ابن اشناس: وأبلغ بإيماني، وفي رواية ابن شاذان: اللهُمَّ أبلغ إيماني.
وقد نرى الاشارة إلى أنّ الكلمة وجدت بخط ابن سكون هكذا وبخط الشهيد هكذا فهذه هي المرتبة الرفيعة التي نالتها كتب الشيعة ضبطاً وإتقاناً وهذا مبلغ ما بذلوه من الجهد في مداقتها وتصحيحها والآن نجدها قد عيفت وتركت فاستخلفها كتاب (مفتاح الجنان) الذي وقفت على نزر من صفتها فيكون هو الكتاب الوحيد الذي تتداوله الايدي ويرجع إليه العوام والخواص والعرب والعجم وما ذلك إلاّ لأن أهل العلم والدين لا يبالون بالاحاديث والروايات ولا يراجعون كتب علماء أهل البيت الطّاهرين وفقهائهم ولا ينكرون على أشباه هذه البدع والزوائد وعلى دسّ الدسّاسين والوضّاعين وتحريف الجاهلين ولا يصدّون من لا يرونه أهلاً ولا يردعون الحمقى فيبلغ الأمر حيث يلفق الأدعية بما تقتضيه الأذواق أو يصاغ زيارات ومفجعات وصلوات ويطبع مجاميع عديدة من الأدعية المدسوسة وينتج أفراخ بكتاب (المفتاح) وتعم المشكلة فيروج الدسّ والتحريف ونراهما يسيران من كتب الأدعية إلى سائر الكتب والمؤلفات فتجد مثلاً كتابي الفارسي المسمّى (منتهى الآمال) المطبوع حديثاً قد عبث فيه الكاتب بما يلائم ذوقه وفكره ومن نماذج ذلك ان الكاتب دسّ كلمة (الحمد للهِ) في أربعة مواضع خلال سطرين من الكتاب فقد كتب في حال مالك بن يسر اللعين: أنّه قد شلت يداه بدعاء الحسين (عليه السلام) (الحمد للهِ) فكانتا في الصيف كخشبتين يا بستين (الحمد للهِ) وفي الشتاء يتقاطر منهما الدم (الحمد للهِ) فكان عاقبة أمره خسراً (الحمد للهِ)، ودس أيضاً في بعض المواضع كلمة السيدة (خانم) عقيب اسم زينب وأم كلثوم تجليلاً لهما واحتراماً وكأنّ الكاتب معادياً لحميد بن قحطبة فحرف اسمه إلى حميد بن قحبة ثمّ احتاط احتياطاً فأشار في الهامش إلى أن في بعض النّسخ حميد بن قحطبة واستصوب أن يكتب الاسم عبد الله عوض عبد ربّه والاسم زحر بن القيس وهو بالحاء المهملة التزم أن يسجله بالجيم أينما وجده وخطأ كلمة أمّ سلمة فسجلها أمّ السّلمة ما وسعه ذلك، والغاية التي توخيتها بعرض هذه النماذج من التحريف هي بيان أمرين:
أولاً: فلاحظ هذا الكاتب أنّه لم يجر ما أجراه من الدّس والتحريف إلاّ وهو يزعم بفكره وذوقه أنّ في الكتاب نقصاً يجب أن يزال وليس النقص والوهن إلاّ ما يجريه من التحريف فلنقس على ذلك الزيادات التي يبعثنا الجهل على اضافتها إلى الأدعية والزيارات والتغييرات والتصرفات التي تقتضيها طباعنا وأذواقنا الناقصة زعماً أنّها تزيد الأدعية والزيارات كمالاً وبهاءً وهي تنتزع منه الكمال والبهاء وتسلبها الاعتبار عند أهلها العارفين.
فالجدير أن نتحافظ على نصوصها المأثورة فنجري عليها لا نزيد فيها شيئاً ولا نحرّف منها حرفاً ولنلاحظ ثانيا الكتاب الذي تكلمنا عنه أنّه كتاب لمؤلف حي يراقب كتابه ويترصّد له يجري فيه من التّحريف والتّشويه نظائر ما ذكرت فكيف القياس في سائر الكتب والمؤلفات وكيف يجوز الاعتماد على الكتب المطبوعة إلاّ إذا كانت من المؤلفات المشهورة للعلماء المعروفين وعرضت على علماء الفن فصدّقوها وأمضوها.
وقد روي في ترجمة الثقة الجليل الفقيه المقدّم في أصحاب الأئمة (عليهم السلام) يونس بن عبد الرحمن أنّه كان قد عمل كتاباً في أعمال اليوم والليلة فعرضه أبو هاشم الجعفري على الإمام العسكري (عليه السلام) فتصفّحه (عليه السلام) كله ثمّ قال: «هذا ديني ودين آبائي كلّه وهو الحقّ كلّه».
فهذا أبو هاشم الجعفري أراد الجري على كتاب يونس فلم يعتمد على سعة علم يونس وفقاهته وجلاله والتزامه بدينه حتّى عرض الكتاب على الإمام (عليه السلام) واستعلم رأيه فيه.
وروي أيضاً عن بورق الشنجاني الهروي وكان معروفاً بالصدق والصلاح والورع أنه وافى الإمام العسكري (عليه السلام) في سامراء وعرض عليه كتاب اليوم والليلة الذي ألفه الشيخ الجليل فضل بن شاذان وقال: جعلت فداك أردت أن تطالع هذا الكتاب وتصفّحه، قال (عليه السلام): «هذا صحيح ينبغي أن نعمل به».
إلى غير ذلك من الروايات في هذا الباب وإنّي قد قدمت على تأليف هذا الكتاب وإنّي واقف على طباع الناس في هذا العصر وعدم اهتمامهم لنظائر هذه الامور وإنما ألّفته إتماماً للحجّة عليهم فجددت واجتهدت في أخذ الأدعية والزيارات الواردة في هذا الكتاب عن مصادرها الاصيلة وعرضها على نسخ عديدة كما بذلت أقصى الجهد في تصحيحها واستخلاصها من الاخطاء كي يثق به العامل ويسكن إليه إن شاء الله ولكن الشرط هو أن لا يحرّفه الكاتب والمستنسخ وأن يتخلّى القاري عمّا يقتضيه طبعه وذوقه من التغيير.
وروى الكليني (رحمه الله) عن عبد الرحمن القصير قال: دخلت على الصادق (صلوات الله وسلامه عليه) فقلت: جعلت فداك إنّي اخترعت دعاءً.
قال: «دعني من اختراعك». فأعرض (عليه السلام) عن اختراعه ولم يسمح أن يعرض عليه. ثمّ أنعم عليه بتعليمه عملاً ينبغي أن يؤدّيه.
وروى الصدوق عطر الله مرقده عن عبد الله بن سنان قال: قال الصادق (عليه السلام): «سيصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى ولا إمام هدى ولا ينجو منها إلاّ من دعا بدعاء الغريق».
قلت: وكيف دعاء الغريق؟ قال: «تقول: يا اللهُ يا رَحمنُ يا رَحِيمُ يا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّت قَلبي عَلى دِينِكَ ». فقلت: يا مُقَلِّبَ القُلُوبِ وَالأبصارِ ثَبِّت قَلبي عَلى دِينِكَ.
فقال: «إن الله عزّ وجلّ مقلب القلوب والابصار، ولكن قل كما أقول: يا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّت قَلبي عَلى دِينِكَ».
وحسب العابثين بالدعوات إضافةً وتحريفاً بما تقتضيه أذواقهم وطبائعهم التأمّل في هاتين الروايتين والله العاصم.