آداب زيارة أبي عبدالله الحسين (عليه السلام)، ذكرها الشيخ عباس القمي في كتاب مفاتيح الجنان وهي عديدة يذكر الشيخ كثير منها مصحوبة بالروايات الواردة عن أئمة أهل بيت (عليهم السلام).
- مفاتيح الجنان
- » الزيارات
- » آداب زيارة أبي عبدالله الحسين (ع)
وفي ذلك الحرم الطاهر، وهي عديدة:
الأول: أن يصوم ثلاثة أيام متوالية قبل الخروج من بيته، ويغتسل في اليوم الثالث على ما أمر به الصادق (صلوات الله وسلامه عليه) صفوان، وستأتي الرواية عند ذكر الزيارة السابعة وقال الشيخ محمد بن المشهدي في مقدّمات زيارة العيدين: إذا أردت زيارته (عليه السلام) فصم ثلاثة أيام واغتسل في اليوم الثالث واجمع إليك أهلك وعيا لك وقل:
اللهُمَّ إنّي أستَودِعُكَ اليَومَ نَفسي وَأهلي وَمالي وَوَلَدي وَكُلَّ مَن كانَ مِنّي بِسَبِيلٍ الشَّاهِدَ مِنهُم وَالغائِبَ اللهُمَّ احفَظنا بِحِفظِ الإيمانِ وَاحفَظ عَلَينا اللهُمَّ اجعَلنا في حِرزِكَ وَلا تَسلُبنا نِعمَتَكَ وَلا تُغَيِّر ما بِنا مِن نِعمَةٍ وَعافِيَةٍ وَزِدنا مِن فَضلِكَ إنَّا إلَيكَ راغِبُونَ.
ثمّ اخرج من منزلك خاشعاً وأكثر من قول: لا إلهَ إلاّ اللهُ وَاللهُ أكبَرُ وَالحَمدُ للهِ، ومن تمجيد الله تعالى والصلاة على النبي وآله صلوات الله عليهم، وامض وعليك السكينة والوقار.
وروي أنّ الله يخلق من عرق زوّار قبر الحسين (عليه السلام) من كلّ عرقة سبعين ألف ملك يسبّحون الله ويستغفرون له ولزوّار الحسين (عليه السلام) إلى أن تقوم الساعة.
الثاني: عن الصادق (عليه السلام) قال: «إذا زرت أبا عبد الله (عليه السلام) فزره وأنت حزين مكروب شعث مغبر جائع عطشان، فإنّ الحسين (عليه السلام) قتل حزيناً مكروباً شعثاً مغبراً جائعاً عطشاناً واسأله الحوائج وانصرف عنه ولا تتخذه وطناً».
الثالث: أن لا يتخذ الزاد في سفر زيارته (عليه السلام) ممّا لذّ وطاب من الغذاء كاللحم المشوي والحلاوة، بل يغتذي بالخبز واللّبن.
عن الصادق (صلوات الله وسلامه عليه) قال: «بلغني أنّ قوماً إذا زاروا الحسين (عليه السلام) حملوا معهم السفرة فيها الجداء والاخبصة وأشباهها، ولو زاروا قبور آبائهم وأحبّائهم ما حملوا معهم هذا».
قال (عليه السلام) للمفضل بن عمر في حديث معتبر آخر: «تزورون خير من أن لا تزورون ولا تزورون خيرٌ من أن تزوروا» قال قلت: قطعت ظهري. قال: «تالله إن أحدكم ليذهب إلى قبر أبيه كئيباً حزيناً وتأتونه بالسّفر، كلاّ حتى تأتوه شعثاً غبراً».
أقول: ما أجدر للأثرياء والتجار أن يراعوا هذا الأمر في سفر زيارة الحسين (صلوات الله وسلامه عليه)، فإذا دعاهم أخلّاؤهم في المدن الواقعة على المسير إلى المأدب رفضوا الدعوة فإذا عمدوا إلى حقائبهم وسفرهم يملؤونها بما طاب من مطبوخ الزاد كالدجاج المشوي وغيره من الشواء أبوا ذلك وصدّوا عنه قائلين: إنّنا راحلون إلى كربلاء ولا يجدر بنا أن نتغذى بمثل ذلك.
روى الكليني (رحمه الله): أنّه لما قتل الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) أقامت امرأته الكلبية عليه مأتماً وبكت وبكت النساء والخدم حتى جفت دموعهن فاُهدي اليها جؤناً وهو القطا على ما فسّر ليقتتن به فيقوين على البكاء على الحسين (عليه السلام) فلما رأته سألت عنه فقيل هو هدية أهداها فلان تستعنّ بها في مأتم الحسين (عليه السلام) فقالت: لسنا في عرس فما نصنع بها؟ فأمرت بإخراجه من الدار.
الرابع: ممّا ندب إليه في سفر زيارة الحسين (عليه السلام) هو التواضع والتذلّل والتخاشع والمشي مشي العبد الذليل.
فمن ركب من الزائرين المراكب الحديثة التي تجري مسرعة بقوة البخار وأمثالها يجب عليه التحفظ والاحتراز عن الكبر والخيلاء والتمالك عن التبختر على سائر الزوّار من عباد الله الذين هم يقاسون الشدائد والصعاب في طريقهم إلى كربلاء فلا يرنو إليهم نظر التحقير والازدراء.
روى العلماء في أصحاب الكهف أنّهم كانوا من خاصة دقيانوس ووزرائه فلمّا وسعتهم رحمة الله تعالى فاستقام فكرهم في معرفة الله عزّ وجلّ وفي إصلاح شأنهم استقرّوا على الرّهبنة والانزواء عن الخلق والايواء إلى كهف يعبدون الله تعالى فيه فركبوا خيولهم وخرجوا من المدينة فلمّا ساروا ثلاثة أميال قال لهم تمليخا وكان هو أحدهم: يا اخوتاه جاءت مسكنة الآخرة وذهب ملك الدنيا انزلوا عن خيولكم وامشوا على ارجلكم.
(انزلوا عن الخيول وسيروا في سبيل الله على أرجلكم لعلّ الله تعالى ينزل عليكم عطفه ورحمته ويجعل لكم من أمركم مخرجاً) فنزل أولئك العظماء الأجلّاء عن خيولهم ومشوا على أرجلهم سبعة فراسخ في ذلك اليوم حتى تقاطرت أرجلهم دماً. فعلى زائر هذا القبر الشريف أن يراعي هذا الأمر وليعلم أيضاً أنّ تواضعه في هذا الطريق لوجه الله تعالى إنّما هو رفعة له واعتلاء.
وقد روى في آداب زيارته (عليه السلام) عن الصادق (عليه السلام) قال: «من أتى قبر الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) ماشياً كتب الله له بكلّ خطوة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة ورفع له ألف درجة. فإذا أتيت الفرات فاغتسل وعلّق نعليك وامش حافياً وامش مشي العبد الذليل».
الخامس: أن يجتهد ما وسعه الاجتهاد في إعانة الزائر الراجل إذا شاهده وقد تعب وأعياه المسير فيهتم بشأنه ويبلغه منزلاً يستريح فيه، وحذار من الاستخفاف به وعدم الاهتمام لشأنه.
روى الكليني بسند معتبر عن أبي هارون قال: كنت عند الصادق (عليه السلام) يوماً فقال لمن حضره: «ماذا بكم تستخفّون بنا؟» فقام من بينهم رجلٌ من أهل خراسان وقال: نعوذ بالله أن نستخفّ بكم أو بشيء من أمركم.
فقال: «نعم أنت ممّن استخفّ بي وأهانني» قال الرجل: أعوذ بالله أن أكون كذلك. قال (عليه السلام): «ويلك ألم تسمع فلاناً يناديك عندما كنّا بقرب جحفة، ويقول أركبني ميلاً فوالله لقد تعبت؟ إنك والله لم ترفع إليه رأسك واستخففت به، ومن أذلّ مؤمناً فقد أذلّنا وأضاع حرمة الله تعالى».
أقول: راجع الأدب التاسع من آداب الزيارة العامّة فقد أوردنا هناك كلاماً يناسب المقام ورواية عن علي بن يقطين، وهذا الادب الذي ذكرناه هنا لا يخص زيارة الحسين (عليه السلام) وإنّما أوردناه هنا في الآداب الخاصّة بزيارته (عليه السلام) لكثرة مصادفة موارده في هذه الزيارة خاصة.
السادس: عن الثقة الجليل محمد بن مسلم، عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) قال: قلت له: إذا خرجنا إلى أبيك أفلسنا في حجّ؟ قال: «بلى» قلت: فيلزمنا ما يلزم الحاج؟ قال: «يلزمك حسن الصحبة لمن يصحبك ويلزمك قلّة الكلام إلاّ بخير، ويلزمك كثرة ذكر الله ويلزمك نظافة الثياب، ويلزمك الغسل قبل أن تأتي الحير، ويلزمك الخشوع وكثرة الصلاة والصلاة على محمد وآل محمد ويلزمك التحفّظ عمّا لا ينبغي لك، ويلزمك أن تغضي بصرك (من المحرّمات والمشتبهات) ويلزمك أن تعود على أهل الحاجة من إخوانك إذا رأيت منقطعاً، والمواساة (أن تناصفه نفقتك) ويلزمك التقيّة التي قوام دينك بها، والورع عمّا نهيت عنه وترك الخصومة وكثرة الأيمان والجدال الّذي فيه الأيمان فإذا فعلت ذلك تمّ حجّك وعمرتك واستوجبت من الذي طلبت ما عنده بنفقتك واغترابك عن أهلك ورغبتك فيما رغبت أن تنصرف بالمغفرة والرحمة والرضوان».
السابع: في حديث أبي حمزة الثمالي عن الصادق (صلوات الله عليه) في زيارة الحسين (عليه السلام) أنّه قال: «إذا بلغت نينوى فحطّ رحلك هناك ولا تدّهن ولا تكتحل ولا تأكلّ اللحم ما أقمت فيه».
الثامن: أن يغتسل بماء الفرات. فالروايات في فضله كثيرة، وفي رواية عن الصادق (صلوات الله وسلامه عليه) قال: «من اغتسل بماء الفرات وزار قبر الحسين (عليه السلام) كان كيوم ولدته اُمّه صفراً من الذنوب ولو اقترفها كبائر» وروي أنّه قيل له (عليه السلام): ربما أتينا قبر الحسين بن علي (عليه السلام) فيصعب علينا الغسل للزيارة من البرد أو غيره. فقال (عليه السلام): «من اغتسل في الفرات وزار الحسين (عليه السلام) كتب له من الفضل ما لا يحصى».
وعن بشير الدهّان عن الصادق (عليه السلام) قال: «من أتى قبر الحسين بن علي (عليه السلام) فتوضأ واغتسل في الفرات لم يرفع قدماً ولم يضع قدماً إلاّ كتب الله له حجّة وعمرة».
وفي بعض الروايات ائت الفرات واغتسل بحيال قبره. وكما يستفاد من بعض الروايات يحسن إذا بلغ الفرات أن يقول مائة مرة: اللهُ أكبَرُ، ومائة مرة: لا إلهَ إلاّ اللهُ، ويصلّي على محمّدٍ وآله مائة مرة.
التاسع: أن يدخل الحائر المقدّس من الباب الشرقي على ما أمر الصادق (صلوات الله وسلامه عليه) يوسف الكناسي.
العاشر: عن ابن قولويه عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال لمفضّل بن عمر: «يا مفضّل إذا بلغت قبر الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) فقف على باب الروضة وقل هذه الكلمات فإنّ لك بكلّ كلمة نصيباً من رحمة الله تعالى:
السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ آدَمَ صَفوَةِ اللهِ السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ اللهِ السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ إبراهِيمَ خَلِيلِ اللهِ السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ مُوسى كَلِيمِ اللهِ السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ عِيسى رُوحِ اللهِ السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ اللهِ السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ عَلِيٍّ وَصِيِّ رَسُولِ اللهِ السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ الحَسَنِ الرَّضِيِّ السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ فاطِمَةَ بِنتِ رَسُولِ اللهِ السَّلامُ عَلَيكَ أيُّها الشَّهِيدُ الصِّدِّيقُ السَّلامُ عَلَيكَ أيُّها الوَصِيُّ البَّارُّ التَقِيُّ السَّلامُ عَلى الأرواحِ الَّتي حَلَّت بِفِنائِكَ وَأناخَت بِرَحلِكَ السَّلامُ عَلى مَلائِكَةِ اللهِ المُحدِقِينَ بِكَ أشهَدُ أنَّكَ قَد أقَمتَ الصَلاةَ وَآتَيتَ الزَّكاةَ وَأمَرتَ بِالمَعرُوفِ وَنَهَيتَ عَنِ المُنكَرِ وَعَبَدتَ اللهَ مُخلِصاً حَتّى أتاكَ اليَقِينُ السَّلامُ عَلَيكَ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.
ثمّ تمضي إلى القبر ولك بكلّ خطوة تخطوها أجر المتشحّط بدمه في سبيل الله فإذا اقتربت من القبر فامسحه بيدك وقل: السّلام عليك يا حجّة الله في أرضه وسمائه، ثمّ تمضي إلى صلاتك ولك بكلّ ركعة ركعتها عنده كثواب من حجّ ألف حجّة واعتمر ألف عمرة وأعتق في سبيل الله ألف رقبة، وكأنّما وقف في سبيل الله ألف مرة مع نبيّ مرسل» الخبر.
الحادي عشر: روي عن أبي سعيد المدائني قال: أتيت الصادق (عليه السلام) فسألته أأذهب إلى زيارة قبر الحسين (عليه السلام) فأجاب: «بلى اذهب إلى زيارة قبر الحسين (عليه السلام) ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أطيب الطيبين وأطهر الطاهرين وأحسن المحسنين.
فإذا زرته فسبّح عند رأسه بتسبيح أمير المؤمنين (عليه السلام) ألف مرة وسبّح عند رجليه بتسبيح الزهراء (عليها السلام) ألف مرّة ثمّ صلّ عنده ركعتين تقرأ فيهما سورة يس والرحمن، فإذا فعلت ذلك كان لك أجر عظيم» قلت: جعلت فداك، علّمني تسبيح عليّ وفاطمة (عليها السلام) قال: «بلى يا أبا سعيد تسبيح عليّ (صلوات الله وسلامه عليه) هو:
سُبحانَ الَّذي لا تَنفَذُ خَزائِنُهُ سُبحانَ الَّذي لا تَبِيدُ مَعالِمُهُ سُبحانَ الَّذي لا يُفنى ما عِندَهُ سُبحانَ الَّذي لا يُشرِكُ أحَداً في حُكمِهِ سُبحانَ الَّذي لا اضمِحلالَ لِفَخرِهِ سُبحانَ الَّذي لا انقِطاعَ لِمُدَّتِهِ سُبحانَ الَّذي لا إلهَ غَيرُهُ.
وتسبيح فاطمة (عليها السلام) هو: سُبحانَ ذي الجَلالِ الباذِخِ العَظِيمِ سُبحانَ ذي العِزِّ الشَّامِخِ المُنِيفِ سُبحانَ ذي المُلكِ الفاخِرِ القَدِيمِ سُبحانَ ذي البَهجَةِ وَالجَمالِ سُبحانَ مَن تَرَدَّى بِالنُّورِ وَالوَقارِ سُبحانَ مَن يَرى أثَرَ النَّملِ في الصَّفا وَوَقعَ الطَّيرِ في الهَواءِ».
الثاني عشر: أن يصلّي الفرائض والنوافل عند قبر الحسين (عليه السلام) فإنّ الصلاة عنده مقبولة. وقال السيد ابن طاووس (رحمه الله): اجتهد في أن تؤدّي صلواتك كلّها فريضة كانت أو نافلة في الحائر، فقد روي أنّ الفريضة عنده تعدل الحجّ والنافلة تعدل العمرة.
أقول: قد مضى في حديث مفضّل فضل كثير للصلاة في الحائر الشريف.
وفي رواية معتبرة عن الصادق (عليه السلام) قال: «من صلّى عنده ركعتين أو أربع ركعات كتبت له حجّة وعمرة» والذي يبدو من الاخبار أنّ صلاة الزيارة أو غيرها من الصلوات يحسن أداؤها خلف القبر كما يحسن أن تؤدّى ممّا يلي الرأس الشريف وليتأخر المصلّي قليلاً إذا وقف ممّا يلي الرأس حتى لا يكون محاذيا للقبر الشريف.
وورد في رواية أبي حمزة الثمالي عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «صلّ عند رأسه ركعتين تقرأ في الاُولى الحمد ويس وفي الثانية الحمد والرحمن، وإن شئت صلّيت خلف القبر وعند رأسه أفضل فإذا فرغت فصلّ ما أحببت إلاّ أنّ الركعتين ـ ركعتي الزيارة ـ لابدّ منهما عند كلّ قبر».
وروى ابن قولويه عن الباقر (عليه السلام) أنّه قال لرجل: «يا فلان ماذا يمنعك إذا عرضتك حاجة أن تمضي إلى قبر الحسين صلوت الله عليه وتصلّي عنده أربع ركعات ثمّ تسأل حاجتك؟ إنّ الفريضة عنده تعدل الحجّ والنافلة تعدل العمرة».
الثالث عشر: اعلم أن أهم الأعمال في الروضة الطاهرة للحسين (عليه السلام) هو الدعاء، فإنّ إجابة الدعاء تحت قبته السامية هي ممّا خوّله الله الحسين (عليه السلام) عوضاً عن الشهادة فعلى الزائر أن يغتنم ذلك ولا يتوانى في التضرّع إلى الله والإنابة والتوبة وعرض الحوائج عليه.
وقد وردت في خلال زيارته (عليه السلام) أدعية كثيرة ذات مضامين عالية لم يسمح لنا الاختصار بإيرادها هنا، والأفضل أن يدعو بدعوات (الصحيفة الكاملة) ما وسعه الدعاء فإنّها أفضل الأدعية.
ونحن سنذكر دعاءً يدعى به في جميع الروضات المقدّسة في أواخر هذا الباب بعد ذكر الزيارات الجامعة، واحترازاً عن خلوّ المقام نثبت هنا دعاءً وجيزاً ورد في خلال بعض الزيارات وهو أنّه تقول في ذلك الحرم الشريف رافعاً يديك إلى السّماء:
اللهُمَّ قَد تَرى مَكاني وَتَسمَعُ كَلامي وَتَرى مَقامي وَتَضَرُّعي وَمَلاذي بِقَبرِ حُجَّتِكَ وَابنِ نَبِيِّكَ وَقَد عَلِمتَ يا سَيِّدي حَوائِجي وَلا يَخفى عَلَيكَ حالِي، وَقَد تَوَجَّهتُ إلَيكَ بِابنِ رَسُولِكَ وَحُجَّتِكَ وَأمِينِكَ وَقَد أتَيتُكَ مُتَقَرِّباً بِهِ إلَيكَ وَإلى رَسُولِكَ فَاجعَلني بِهِ عِندَكَ وَجِيهاً في الدُّنيا وَالآخِرةِ وَمِنَ المُقَرَّبِينَ، وَاعطِني بِزيارَتي أمَلي وَهَب لي مُنايَ وَتَفَضَّل عَلَيَّ بِشَهْوَتي وَرَغبَتي وَاقضِ لي حَوائِجي وَلا تَرُدَّني خائِباً وَلا تَقطَع رَجائي وَلا تُخَيِّب دُعائي وَعَرِّفني الإجابَةَ في جَمِيعِ ما دَعَوتُكَ مِن أمرِ الدِّينِ وَالدُّنيا وَالآخِرةِ، وَاجعَلني مِن عِبادِكَ الَّذِينَ صَرَفتَ عَنهُمُ البَلايا وَالأمراضَ وَالفِتَنَ وَالأعراضَ مِنَ الَّذِينَ تُحيِيهِم في عافِيَةٍ وَتُمِيتُهُم في عافِيَةٍ وَتُدخِلُهُمُ الجَنَّةَ في عافِيَةٍ وَتُجِيرُهُم مِنَ النَّارِ في عافِيَةٍ، وَوَفِّق لي بِمنٍّ مِنكَ صَلاحَ ما اُؤَمِّلُ في نَفسي وَأهلي وَوَلَدي وَإخواني وَمالي وَجَمِيعِ ما أنعَمتَ بِهِ عَلَيَّ يا أرحَمَ الرَّاحِمِينَ.
الرابع عشر: من أعمال حرم الحسين (عليه السلام) الصلاة عليه، وروي أنّك تقف خلف القبر عند كتفه الشّريف وتصلّي على النبي (صلى الله عليه وآله) وعلى الحسين (صلوات الله عليه).
وقد أورد السيد ابن طاووس في (مصباح الزائر) في خلال بعض الزيارات هذه الصلاة عليه:
اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَصَلِّ عَلى الحُسَينِ المَظلُومِ الشَّهِيدِ قَتِيلِ العَبَراتِ وَأسِيرِ الكُرُباتِ صَلاةً نامِيَةً زاكِيَةً مُبارَكَةً يَصعَدُ أوَّلُها وَلا يَنفَذُ آخِرُها أفضَلَ ما صَلَّيتَ عَلى أحَدٍ مِن أولادِ الأنبياءِ وَالمُرسَلِينَ يا رَبَّ العالَمِينَ، اللهُمَّ صَلِّ عَلى الإمام الشَّهِيدِ المَقتُولِ المَظلُومِ المَخذُولِ وَالسَيِّدِ القائِدِ وَالعابِدِ الزَّاهِدِ الوَصِيِّ الخَليفَةِ الإمام الصِّدِّيقِ الطُّهرِ الطَّاهِرِ الطَّيِّبِ المُبارَكِ وَالرَّضِيِّ المَرضيِّ وَالتَّقِيِّ الهادي المَهدِيِّ الزَّاهِدِ الذائِدِ المُجاهِدِ العالِم إمامِ الهُدى سِبطِ الرَّسُولِ وَقُرَّةِ عَينِ البَتُولِ (صلى الله عليه وآله)، اللهُمَّ صَلِّ عَلى سَيِّدي وَمَولايَ كَما عَمِلَ بِطاعَتِكَ وَنَهى عَن مَعصِيَتِكَ وَبالَغَ في رِضوانِكَ وَأقبَلَ عَلى إيمانِكَ غَيرَ قابِلٍ فِيكَ عُذراً سِرّاً وَعَلانِيَةً، يَدعُو العِبادَ إلَيكَ وَيَدُلُّـهُم عَلَيكَ وَقامَ بَينَ يَدَيكَ يَهدِمُ الجَورَ بِالصَّوابِ وَيُحيِيَ السُّنَّةَ بِالكِتابِ، فَعاشَ في رِضوانِكَ مَكدُوداً وَمَضى عَلى طاعَتِكَ وَفي أوليائِكَ مَكدُوحاً وَقَضى إلَيكَ مَفقُوداً، لَم يَعصِكَ في لَيلٍ وَلا نَهارٍ بَل جاهَدَ فِيكَ المُنافِقِينَ وَالكُفَّارَ.
اللهُمَّ فَأجزِهِ خَيرَ جَزاءِ الصَّادِقِينَ الأبرارِ وَضاعِف عَلَيهِمُ العَذابَ وَلِقاتِلِيهِ العِقابَ فَقَد قاتَلَ كرِيماً وَقُتِلَ مَظلُوماً وَمَضى مَرحُوماً، يَقُولُ: أنا ابنُ رَسُولِ اللهِ مُحَمَّدٍ وَابنُ مَن زَكّى وَعَبَدَ فَقَتَلُوهُ بِالعَمدِ المُعتَمَدِ، قَتَلُوهُ عَلى الإيمانِ وَأطاعُوا في قَتلِهِ الشَّيطانَ وَلم يُراقِبُوا فِيهِ الرَّحمنَ، اللهُمَّ فَصَلِّ عَلى سَيِّدي وَمَولايَ صَلاةً تَرفَعُ بِها ذِكرَهُ وَتُظهِرُ بِها أمرَهُ وَتُعَجِّلُ بِها نَصرَهُ وَاخصُصهُ بِأفضَلِ قِسَمِ الفَضائِلِ يَومَ القيامة وَزِدهُ شَرَفاً في أعلى عِلِّيِّينَ وَبَلِّغهُ أعلى شَرَفِ المُكَرَّمِينَ وَارفَعهُ مِن شَرَفِ رَحمَتِكَ في شَرَفِ المُقَرَّبِينَ في الرَّفِيعِ الأعلى وَبَلِّغهُ الوَسِيلَةَ وَالمَنزِلَةَ الجَلِيلَةَ وَالفَضلَ وَالفَضِيلَةَ وَالكَرامَةَ الجَزِيلَةَ، اللهُمَّ فَأجزِهِ عَنَّا أفضَلَ ما جازَيتَ إماماً عَن رَعِيَّتِهِ وَصَلِّ عَلى سَيِّدي وَمَولايَ كُلَّما ذُكِرَ وَكُلَّما لَم يُذكَر. يا سَيِّدي وَمَولايَ أدخِلني في حِزبِكَ وَزُمرَتِكَ وَاستَوهِبني مِن رَبِّكَ وَرَبّي فَإنَّ لَكَ عِندَ اللهِ جاهاً وَقَدراً وَمَنزِلَةً رَفِيعَةً، إن سألتَ اُعطِيتَ وَإن شَفَعتَ شُفِّعتَ، اللهَ اللهَ في عَبدِكَ وَمَولاكَ لا تُخَلِّني عِندَ الشَّدائِدِ وَالأهوالِ بِسُوءِ عَمَلي وَقَبِيحِ فِعلي وَعَظِيمِ جُرمي فَإنَّكَ أمَلي وَرَجائي وَثِقَتي وَمُعتَمَدي وَوَسِيلَتي إلى اللهِ رَبّي وَرَبِّكَ، لَم يَتَوَسَّلِ المُتَوَسِّلُونَ إلى اللهِ بِوَسِيلَةٍ هِيَ أعظَمُ حَقّاً وَلا أوجَبُ حُرمَةً وَلا أجَلُّ قَدراً عِندَهُ مِنكُم أهلَ البَيتِ.
لا خَلَّفَني اللهُ عَنكُم بِذُنُوبي وَجَمَعَني وَإياكُم في جَنَّةِ عَدنٍ الَّتي أعَدَّها لَكُم وَلأوليائِكُم إنَّهُ خَيرُ الغافِرِينَ وَأرحَمُ الرَّاحِمِينَ، اللهُمَّ أبلِغ سَيِّدي وَمَولايَ تَحِيَّةً كَثِيرَةً وَسَلاماً واردُد عَلَينا مِنهُ السَّلامُ إنَّكَ جَوادٌ كَرِيمٌ وَصَلِّ عَلَيهِ كُلَّما ذُكِرَ السَّلامُ وَكُلَّما لَم يُذكَرُ يا رَبَّ العالَمِينَ.
أقول: قد أوردنا تلك الزيارة في خلال أعمال يوم عاشوراء، وسنذكر في أواخر الباب صلاة يصلّى بها على الحجج الطاهرين (عليهم السلام) تتضمّن صلاة وجيزة على الحسين (عليه السلام) فلا تدع قراءتها.
الخامس عشر: من أعمال هذه الروضة المنوّرة دعاء المظلوم على الظالم، أي ينبغي لمن بغى عليه باغٍ أن يدعو بهذا الدعاء في ذلك الحرم الشريف وهو ما أورده شيخ الطائفة (رحمه الله) في (مصباح المتهجد) في أعمال الجمعة، قال: ويستحب أن يدعو بدعاء المظلوم عند قبر أبي عبد الله (عليه السلام) وهو:
اللهُمَّ إنّي أعتَزُّ بِدِينِكَ وَاُكرَمُ بِهِدايَتِكَ وَفُلانُ يُذِلُّني بِشَرِّهِ وَيَهِينُني بِأذِيَّتِهِ وَيُعِيبُني بِوِلاءِ أوليائِكَ وَيَبهَتُني بِدَعواهُ وَقَد جِئتُ إلى مَوضِعِ الدُّعاءِ وَضَمانِكَ الإجابَةَ، اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأعدِني عَلَيهِ السَّاعَةَ السَّاعَةَ.
ثمّ تنكبّ على القبر وتقول: مَولايَ إمامي مَظلُومٌ استَعدى عَلى ظالِمِهِ النَّصرَ النَّصرَ… حتى ينقطع النفس.
السادس عشر: من أعمال ذلك الحرم الشريف الدعاء الذي رواه ابن فهد (رحمه الله) في (عدة الداعي) عن الصادق (عليه السلام) قال: «من كان له إلى الله تعالى حاجة فليقف عند رأس الحسين (عليه السلام) ويقول:
يا أبا عَبدِ اللهِ أشهَدُ أنَّكَ تَشهَدُ مَقامي وَتَسمَعُ كَلامي وَأنَّكَ حَيٌّ عِندَ رَبِّكَ تُرزَقُ فَاسأل رَبَّكَ وَرَبّي في قَضاء حَوائِجِي، فإنّه يقضي حاجته إن شاء الله تعالى.
السابع عشر: من جملة الأعمال في ذلك الحرم الشريف الصلاة عند الرأس المقدّس ركعتان بسورة الرحمن وسورة تبارك.
روى السيّد ابن طاووس (رحمه الله) أنّ من صلّاها كتب الله له خمساً وعشرين حجّةً مقبولةً مبرورة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله).
الثامن عشر: من الأعمال تحت تلك القبّة السامية الاستخارة، وصفتها على ما أوردها العلّامة المجلسي (رحمه الله) ومصدر الرّواية كتاب (قرب الاسناد) للحميري قال بسند صحيح عن الصادق (عليه السلام) قال: «ما استخار الله عزّ وجلّ عبدٌ في أمر قطّ مائة مرة يقف عند رأس الحسين (صلوات الله عليه) ويقول:
الحَمدُ للهِ وَلا إلهَ إلاّ اللهُ وَسُبحانَ اللهِ، فيحمد الله ويهلّله ويسبّحه ويمجّده ويثني عليه بما هو أهله ويستخيره مائة مرة، إلاّ رماه الله تبارك وتعالى بأخير الأمرين». وعلى رواية اُخرى: «يستخير الله مائة مرة قائلاً: أستَخِيرُ اللهَ بِرَحمَتِهِ خِيَرَةً في عافِيَةٍ».
التاسع عشر: روى الشّيخ الأجلّ الكامل أبو القاسم جعفر بن قولويه القمّي (رحمه الله) عن الصادق (صلوات الله عليه) أنّه قال: «إذا زرتم أبا عبد الله الحسين (عليه السلام) فالزموا الصمت إلاّ عن الخير وإنّ ملائكة اللّيل والنّهار من الحفظة يحضرون عند الملائكة الذين هم في الحائر ويصافحونهم فلا يجيبهم ملائكة الحائر من شدّة البكاء وهم أبداً يبكون ويندبون لا يفترون إلاّ عند الزوال وعند طلوع الفجر فالحفظة ينتظرون حين يحين الظهر أو يطلع الفجر فيكلمونهم ويسألونهم عن اُمور من السماء وهم لا يمسكون عن الدعاء والبكاء فيما بين هاتين الفترتين».
وروي أيضاً عنه (عليه السلام): «إنّ الله تعالى قد وكّل على قبر الحسين (صلوات الله عليه) أربعة آلاف من الملائكة شعثٌ غبر على هيئة أصحاب العزاء يبكون عليه من طلوع الفجر إلى الزوال فإذا زالت الشمس عرجوا وهبط مثلهم يبكون إلى طلوع الفجر».
والأحاديث في ذلك كثيرة ويبدو من هذه الأحاديث استحباب البكاء عليه في ذلك الحرم الطاهر بل الجدير أن يعد البكاء عليه والرثاء له من أعمال تلك البقعة المباركة التي هي بيت الاحزان للشيعة الموالين. ويستفاد من حديث صفوان عن الصادق (عليه السلام) أنّه لا يهنأ للمرء أكله وشربه لو اطّلع على تضرّع الملائكة إلى الله تعالى في اللّعن على قتلة أمير المؤمنين والحسين (عليهما السلام) ونياح الجنّ عليهما وبكاء الملائكة الذين هم حول ضريح الحسين (عليه السلام) وشدّة حزنهم.
وفي حديث عبد الله بن حماد البصري عن الصادق (صلوات الله وسلامه عليه) أنّه قال: «بلغني أنّ قوماً يا تون من نواحي الكوفة وناساً من غيرهم ونساء يندبنه فمن بين قارئ يقرأ وقاصٍّ يقصّ أي يذكر المصائب ونادب يندب وقائل يقول المراثي».
فقلت له: نعم جعلت فداك قد شهدت بعض ما تصف. فقال: «الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا وجعل عدونا من يطعن عليهم من قرابتنا أو غيرهم يهذون بهم ويقبّحون ما يصنعون».
وقد ورد في أوائل هذا الحديث أنّه يبكيه من زاره ويحزن له من لم يزره ويحترق له من لم يشهده، ويرحمه من نظر إلى قبر ابنه عند رجليه في أرض فلاة ولا حميم قربه ولا قريب، ثمّ منع الحق وتوازر عليه أهل الردّة حتى قتلوه وضيّعوه وعرضوه للسّباع ومنعوه شرب ماء الفرات الذي يشربه الكلاب وضيّعوا حقّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووصيّته به وبأهل بيته.
وروى أيضاً ابن قولويه عن حارث الأعور عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) أنّه قال: «بأبي واُمّي الحسين الشهيد خلف الكوفة والله كأنّي أرى وحوش الصحراء من كلّ نوع قد مدّت أعناقها على قبره تبكي عليه ليلها حتى الصباح فإذا كان كذلك فإياكم والجفاء». والاخبار في ذلك كثيرة.
العشرون: قال السيد ابن طاووس (رحمه الله): يستحب للمرء إذا فرغ من زيارته (عليه السلام) وأراد الخروج من الرّوضة المقدّسة أن ينكبّ على الضريح ويقبّله ويقول:
السَّلامُ عَلَيكَ يا مَولايَ السَّلامُ عَلَيكَ يا حُجَّةَ اللهِ السَّلامُ عَلَيكَ يا صَفوَةَ اللهِ السَّلامُ عَلَيكَ يا خالِصَةَ اللهِ السَّلامُ عَلَيكَ يا قَتِيلَ الظَّماءِ السَّلامُ عَلَيكَ يا غَرِيبَ الغُرَباءِ السَّلامُ عَلَيكَ سَلامَ مُوَدِّعٍ لا سَئِمٍ وَلا قالٍ، فَإن أمضِ فَلا عَن مَلالَةٍ وَإن أُقِم فَلا عَن سُوءِ ظَنٍّ بِما وَعَدَ اللهُ الصَّابِرِينَ، لا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ العَهدِ مِنّي لِزيارَتِكَ وَرَزَقَني اللهُ العَودَ إلى مَشهَدِكَ وَالمَقامَ بِفِنائِكَ وَالقيام في حَرَمِكَ وَإياهُ أسألُ أن يُسعِدَني بِكُم وَيَجعَلَني مَعَكُم في الدُّنيا وَالآخِرةِ.