- ThePlus Audio
المؤمن بين المشهد الحسيني والمجلس الحسيني
بسم الله الرحمن الرحيم
أشعة الضريح غير المرئية…!
من النعم التي قد لا يلتفت إليه البعض من الزائرين في العتبات الشريفة؛ نعمة وجودهم في تلك المشاهد في الوقت الذي يُشاهد فيه الملايين هذه العتبات من خلال الشاشات. ولعل الحضور في هذه الأماكن المقدسة مع حرمان الكثير منها؛ دليل على القبول.
قد يسأل سائل فيقول: ما الامتياز للمكان قريب القبة؟ أولا: إن القبة منصوبة على القبر الشريف، وقد أثبت العلم الحديث وجود هالة حرارية وإشعاعية لكل إنسان؛ كما أن للشمس أشعة تُسمى بفوق البنفسجية والأشعة الحرارية أو الأشعة تحت الحمراء. وحتى الذرة لها أشعة قد تكون ضارة فلا يُمكن الاقتراب من مصنع ذري وهناك علامات تحذرية يضعونها هناك؛ قد لا يراها العوام ضرورية؛ إلا أنها علامات تمنع الاقتراب والتضرر من تلك الأشعة. وهذه الأشعة الذرية قد تكون علاجا للبعض أحيانا. فإذا كانت الذرة لها إشعاع؛ فكيف بهذه الذوات الطاهرة التي هي عند الله حية ومرزوقة.
كلما قربت من الضريح كلما زادت الإشعاع
ولهذا يشعر المؤمن بحالة خاصة كلما اقترب من الضريح حيث دائرة الجاذبية أقوى. لقد تشرفت بالصلاة داخل الضريح أو تحت القبر الشريف، وكنت أشعر بإشعاع غير طبيعي كلما اقتربت من القبر. وقد أشارت الروايات إلى خصوصية قبر الحسين (ع)، فمما روي، أن الله سبحانه أوكل ملائكة شعثا غبرا يبكون الحسين (ع) منذ شهادته ولا تستطيع الملائكة أن تُكلهم إلا في ساعة الزوال، وهي ساعة الاستجابة المميزة في الحرم، وقد أكد سبحانه لذلك على صلاة الزوال في قوله: (حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ)[١]. ومع كل هذا الضجيج نحن لا نرى شيئا؛ لا ملكاً ولا بكاء ولا نحيباً. ولو كشف الغطاء لنا لرأينا عوالم وإشعاعات وملائكة وإلى آخر ذلك.
شعبة من قبر الحسين (عليه السلام)
وقبر العباس (ع) شعبة من قبر الحسين (ع). ومن المعروف في أوساط المؤمنين؛ أن العباس (ع) باب الحسين (ع). وقد سألني أحدهم ذات يوم عن صدق هذه المقولة وهل ورد فيها رواية؛ فقلت له: لا نحتاج إلى رواية مع قوله عز وجل: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبۡتَغُوٓاْ إِلَيۡهِ ٱلۡوَسِيلَةَ)[٢]. إننا قد نعصي الله عز وجل فنكون خجلين وجلين من أن نطلب منه حاجتنا ولذلك قد نتوجه إلى قبر النبي (ص) ونجلس في الروضة الشريفة امتثالا لقوله سبحانه: (وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابࣰا رَّحِيمࣰا)[٣].
فالنبي (ص) هو باب الله عز وجل وهذه صفتهم جميعا حيث ورد في الزيارة: (أَنْتَ بَابُ اَللَّهِ اَلْمُؤْتَى مِنْهُ)[٤]. ولذلك قد يستحيي الزائر العاصي أن يدخل على الحسين (ع) بمعصيته مباشرة ولذلك يستشفع أخاه العباس (ع). وفي هذا توقير لمقام أبي الفضل العباس (ع). وقد أضفت من عندي: إن أم البنين (س) هي كذلك باب العباس (ع)؛ فإذا كنت على خجل ووجل فقدم أم البنين (س) بين دعائك عند العباس (ع) وأنشد قولها:
لاَ تدعونّي ويكِ أمَّ البنينْ
تُذَكِّريني بِلُيُوثِ العرينْ
جاذبية المشهد الحسيني والمجلس الحسيني
وهذه الجاذبية التي نراها في مقامات المعصومين (ع) كمقام الحسين (ع) وأخيه العباس (ع)؛ نستطيع أن نجد لها شبيها في مجالس الحسين (ع) التي تُقام في جميع أنحاء العالم. إننا نشعر عند ضريح العباس (ع) بجاذبية شديدة وتخلف هذه الجاذبية باختلاف الأفراد ولكنها قد يشعر بها البعض وكأنها تسحب الإنسان وتشفطه كالمروحة القوية أو محرك الطائرة. والذين يحضرون في مجالس الحسين (ع) يجلبون معهم جاذبية الحسين (ع) ولو جلست مع كل واحد منهم لوجدت لكل واحد منهم قصة خاصة. وقد ترى فيهم المريض الذي جاء من فراش مرضه على الرغم من أوجاعه وآلامه.
ولذلك أوصي المؤمنين دائما بالحضور في هذه المجالس حتى وإن لم يُعجبهم الخطيب أو الرادود، فأقل ما يحصلون عليه الدعاء الذي يُقرأ بعد المجلس. ثم إن حضوره وحضور أمثاله هو الذي يحيي هذه المجالس ويجعلها عامرة بذكر أهل البيت (ع). كل واحد منا رقم يضاف إلى سائر الأرقام فنشكل جميعا ذلك السواد الذي يملأ هذه المجالس. أذكر أنني ذات يوم ولسبب من الأسباب حُرمت أن أكون تحت القبة الشريفة يوم عاشوراء وكنت في مكان من الأماكن النائية في صحراء مع جمع من المحبين البسطاء من الرجال والنساء والولدان؛ فكان لذلك المجلس المتواضع حيث لا قبة ولا مشهد ولا فضائية ولا بث مباشر طعم لا أنساه أبدا.
حضور الشباب في مجالس الحسين (عليه السلام) رغم كيد الأعداء
إنني أتصفح أحيانا وجوه المؤمنين في مجالس الحسين (ع) فأرى من الشباب من لا توحي أشكالهم أنهم زبائن قدماء، وهو أمر يزيدنا أملنا ويزيد أعدائنا خيبة. إننا نسمع البعض يبالغ فيقول: لقد ضاع الشباب وخسرنا الجامعات وانحرف الناس، فنأتي إلى هذه المجالس لنرى فيه الشاب الجامعي وغير الجامعي ونرى فيها مؤمنين من مختلف الأصناف. ويعني ذلك أن القضية الحسينية لها من القدرة والقوة؛ أن تحرك جميع النفوس حتى تلك التي لا تتوقع منها الخير. وهؤلاء كلهم مشمولون بالنظرة الحسينية التي كان للحر منها نصيب فتقدم برجله إلى الحسين (ع) يقدم اعتذاره ويطلب منه التوبة.
ولهذا يُقال: أن هذه المزية وهو أن يأتي الحسين (ع) خجلا جعلت للحر مرقدا مستقلا، وهو أمر إيجابي بخلاف من يعتقد أنه أمر سلبي. فهل دفن العباس (ع) بعيدا عن الحسين (ع) وعن الشهداء منقصة له، لكي تكون منقصة للحر؟ بل لحبيب بن مظاهر أيضا قبر مستقل.
لقد جذب الحسين (عليه السلام) الشباب لكم؛ فاستثمروا هذا الإقبال…!
إن الحسين (ع) قد جذب هؤلاء وعلينا أن نستمثر وجود هؤلاء الشباب للحديث معهم عما فيه شفاء علتهم ودواء غلتهم. لقد دعيت إلى كلية الطب في جامعة الكوفة فرأيت قاعة ممتلئة بالأطباء والطبيبات، وما لفت نظري في جانب النساء أنني لم أرى امرأة إلا وهي مرتدية العباءة الزينبية، وكان منظرا يُلج الفؤاد في مثل هذا الجمع الأكاديمي وفي مثل هذا الفرع الذي يُعد من أرقى الفروع في الدراسات الأكاديمية. لقد طبخ الحسين (ع) الطبخة وجمع لنا هذا الجمع؛ فلابد من أن يستثمر رؤساء الجامعات والخطباء هذا الإقبال. فلنحاول أن نتحدث إليهم بما ينفعهم في التخلص من الانحرافات والأزمات المالية والنفسية وإعطائهم الأمل للمستقبل الذي يجدونه مغلقا في وجوههم من قلة التعيين وما شابه ذلك. ولابد أن يعلم المتحدث أن أسلوب الوعظ القديم من التخويف بالزقوم والضريع وتعذيب السافرات بتعليقهن من شعورهن أسلوب قد لا ينفع مع الكثير.
لقد سمعت من أحد كبار الأولياء: تتلخص آداب الزيارة في كلمة واحدة؛ أن تمشي الهوينى أون تطأطئ برأسك وأن تغتسل غسل الزيارة وأن تطيب هي كلها أمر حسنة ولكن الأفضل منها أن تعتقد بحياة المعصوم. عندها تستطيع أن تخاطب الإمام الحسين (ع) مباشرة وتقول له: يا أبا عبدالله، هل لي من توبة؟ لقد قال الحر هذه الكلمة فاحتضنه الإمام (ع) ولكنك لا ترى الإمام (ع) ولا تسمع كلامه ولكن ثق أنه يُرحب بك ويقول لك: أهلا بك أيها التائب.
لمن لم يُوفق للزيارة
وأقول لمن لم يحالفه التوفيق أن يكون في المشاهد المشرفة أن يغض عينه ويتصور نفسه أمام الضريح الشريف. كما أن الزائر الذي يأتي إلى المقام الشريف لا يرى شيئا إذا أغمش عينيه؛ فكن أنت كذلك. فإذا ما جلست أمام التلفاز واستمعت إلى المحاضرات والنعي واللطم؛ أغمض العين وتصور تحت القبة الشريفة وخاطب الإمام (ع) أو العباس (ع) من هناك. إن للمؤمن قدرة على التجرد؛ لا التجرد المعروف الذي تخرج الروح فيه من بدنه؛ بل القدرة على أن يعيش بروحه في المكان الذي يريده في كل مكان كان ولو في الحمام. إن الروح طاقة تقريبا وهي تستطيع التنقل بسرعة كبيرة. إنني سمعت أن هذه الصور التي تبث من الفضائيات؛ ذهابها وإيابها قد يكون خمسمئة كيلومترا وهي تقطع هذه المسافة في لحظات فلو كنت في القطب الشمالي؛ توجه إلى المولى وسافر بروحك إليه وسترجع بالفائدة المرجوة.
أصحاب المواكب والإمام المنتظر (عجل الله فرجه)
ولابد أن يعلم أصحاب المواكب أنهم يواسون إمام زمانهم (عج) بالخدمة التي يُقدمونها للزائرين. لقد قلت لأحدهم كلاما عفويا: لو فقدت عزيزاً وأنت لا تملك سكنا ولا تستطيع في حالة الذهول تلك أن تستقبل معزيا ولا أن تحضر لهم طعاما ثم جاءك وفد وقالوا: نحن سنتكفل بكل شيء من السكن والطعام والخدمة ماذا كنت تقول لهم؟ لا شك أنك تدعو لهم وتقبلهم أيما قبول. إن الحجة (عج) ينظر إلى زوار قبر جده سيد الشهداء (ع) وينظر إلى من يستضيف زائري جده (ع) ويُزيل عنهم عناء السفر ويُقدم لهم الطعام والشراب وما شابه ذلك ويفرح لذلك؛ كما يفرح بذلك سيد الشهداء (ع). فيالها فرصة سانحة للمؤمنين إن استطاعوا أن ينتهزوها ويُحسنوا اغتنامها.
خلاصة المحاضرة
- من النعم التي قد لا يلتفت إليه البعض من الزائرين في العتبات الشريفة؛ نعمة وجودهم في تلك المشاهد في الوقت الذي يُشاهد فيه الملايين هذه العتبات من خلال الشاشات. ولعل الحضور في هذه الأماكن المقدسة مع حرمان الكثير منها؛ دليل على القبول.
- إن الحجة (عج) ينظر إلى زوار قبر جده سيد الشهداء (ع) وينظر إلى من يستضيف زائري جده (ع) ويُزيل عنهم عناء السفر ويُقدم لهم الطعام والشراب وما شابه ذلك ويفرح لذلك؛ كما يفرح بذلك سيد الشهداء (ع). فيالها فرصة سانحة للمؤمنين إن استطاعوا أن ينتهزوها ويُحسنوا اغتنامها.
- لقد سمعت من أحد كبار الأولياء: تتلخص آداب الزيارة في كلمة واحدة؛ أن تمشي الهوينى أون تطأطئ برأسك وأن تغتسل غسل الزيارة وأن تطيب هي كلها أمر حسنة ولكن الأفضل منها أن تعتقد بحياة المعصوم. عندها تستطيع أن تخاطب الإمام الحسين (ع) مباشرة وتقول له: يا أبا عبدالله، هل لي من توبة؟