- ThePlus Audio
ثلاث وصايا لهشام بن الحكم؛ أنت المخاطب بها…!
بسم الله الرحمن الرحيم
آداب الاستماع إلى الروايات
من آداب الاستماع إلى روايات أهل البيت (ع)؛ أن يشعر المستمع أنه بين يدي المعصوم. فإذا ما سمع مثلا وصايا التي يوصي بها الإمام موسى بن جعفر (ع) هشام بن الحكم، يرى نفسه هو المخاطب لتلك الوصايا وهو الذي ينبغي أن يلتزم بها ويعمل بمضمونها. وهشام بن الحكم هذا، كان متميزاً في مناظراته مع المخالفين لخط الإمامة، وقد أوصاه الإمام موسى بن جعفر (ع) بعدة وصايا منها: (يَا هِشَامُ مَنْ سَلَّطَ ثَلاَثاً عَلَى ثَلاَثٍ فَكَأَنَّمَا أَعَانَ عَلَى هَدْمِ عَقْلِهِ مَنْ أَظْلَمَ نُورَ تَفَكُّرِهِ بِطُولِ أَمَلِهِ وَمَحَا طَرَائِفَ حِكْمَتِهِ بِفُضُولِ كَلَامِهِ وَأَطْفَأَ نُورَ عِبْرَتِهِ بِشَهَوَاتِ نَفْسِهِ فَكَأَنَّمَا أَعَانَ هَوَاهُ عَلَىٰ هَدْمِ عَقْلِهِ وَمَنْ هَدَمَ عَقْلَهُ أَفْسَدَ عَلَيْهِ دِينَهُ وَدُنْيَاهُ)[١].
أين موقعك في هذا الصراع التاريخي؟
إن الصراع بين العقل والهوى؛ صراع قائم منذ أن خلق الله عز وجل آدم وسيستمر إلى يوم القيامة. وقد أراد سبحانه أن يكون هذا الصراع بين البشر؛ فهو أمر يخضع لمشيئة الله سبحانه. أما الهوى فيتمثل في إبليس وجنوده من الجن والإنس، وذلك قوله سبحانه: (مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ)[٢]، فقد يكون الأصدقاء من جنود إبليس إذا كانوا أصدقاء سوء مثلا. ولله سبحانه يريد منا أن ندخل في صراع مع الهوى وهو صراع مع النفس وشهواتها؛ فإذا استطاع الإنسان التغلب على هذه العوامل ووصل إلى درجة من درجات الكمال؛ فاق الملائكة وتقدم عليها لأن الملائكة لا شهوة لها وقوتها التسبيح؛ فهي لا تخوض صراعا كما يخوضه المؤمن السائر في طريق القرب والكمال.
كيف تكون الغلبة للعقل؟
تكون الغلبة للعقل إذا لم نسلط هذه الأمور الثلاثة التي ذكرها الإمام موسى بن جعفر (ع) على العقل، وأولها: طول الأمل. ما الذي يمنع الإنسان من الإنفاق؟ أليس هو طول الأمل؟ ترى الرجل قد بلغ من العمر السبعين وهو يملك من الأموال ما يكفيه هو وعياله خمسين سنة ومع ذلك يبخل عندما يُدعى إلى الإنفاق في سبيل الله، لطول أمله بالحياة وعدم استيقانه بالموت الوشيك؛ فلو ذكر الموت لهانت عليه هذه الدنيا بجميع ما فيها؛ فقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (فَإِنَّ الْمَوْتَ هَادِمُ لَذَّاتِكُمْ وَ مُكَدِّرُ شَهَوَاتِكُمْ)[٣].
ثمرة قلة الكلام
ثانيها: فضول الكلام؛ أي الكلام الزائد الذي لا ضرورة له، الكلام الذي يستنفذ طاقة الإنسان التي لابد أن تُسخر فيما ينفع الإنسان في دينه ودنياه. إنني أشبه كثرة الكلام بمولد الكهرباء الذي إن سحبت منه فوق طاقته، يتأتئ ويوشك على الانطفاء. لماذا تُعطي هذه الطاقة للآخرين؟
كن بخيلا في مثل هذه الحالات
لو كانت بيدك ساعة قيمة، وقال لك احدهم أعطينها لما أعطيتها له لأنه ساعة ثمينة جداً؛ والحال أنك تعطيه أثمن ساعات عمرك التي لا تقاس بهذه الساعة التي ترتديها وذلك أن تدعوه إلى منزلك وتسهر معه لساعات وأنت تتحدث فيما لا طائل تحته وتأكل وتشرب وتدخن والساعات الثمينة تمضي واحدة تلو أخرى من دون أن يرف لك جفن. إن هذه الساعات الفانية في اللهو واللعب، هي الساعات التي نتكسب بها الجنان الخالدة. إنك أولى بالمن على الذي يدعوك إلى مائدته منه عليك؛ فأنت تعطيه من وقتك الثمين ما لا تستطيع أن تعوضه.
ثالثها: عدم السيطرة على شهوات النفس؛ فحبك للشيء يعمي ويصم. لماذا يرتكب عشاق الهوى المحرم وهم لا يكترثون؟ لأنه لا ينظر الواحد منهم إلى الواقع وإنما يطلق العنان لشهواته.
ما علامة قوة العقل؟
أجاب الإمام موسى بن جعفر (ع) على هذا السؤال في ضمن هذه الوصايا، فقال: (اَلصَّبْرُ عَلَى اَلْوَحْدَةِ عَلَامَةُ قُوَّةِ اَلْعَقْلِ فَمَنْ)[٤]. إن البعض من الناس يضطر إلى حياة الوحدة؛ كأن تسافر زوجته وأولاده لفترة فيشعر وكأن الجدران تريد أن تنقض عليه من الوحشة، وقد يصاب بالاكتئاب والتبرم، والحال أن الإمام موسى بن جعفر (ع) شكر الله على نعمة الخلوة في السجن، لأنها تفرغه للعبادة. إن المؤمن تأسيا بأئمته (ع) هو من أقدر الناس على تحمل الوحدة وأصبرهم عليها.
خلاصة المحاضرة
مقتطفات من الخطبة
- لو كانت بيدك ساعة قيمة وقال لك احدهم أعطينها لما أعطيتها له؛ والحال أنك تعطيه أثمن ساعات عمرك التي لا تقاس بهذه الساعة التي ترتديها وذلك أن تدعوه إلى منزلك وتسهر معه لساعات وأنت تتحدث فيما لا طائل تحته وتأكل وتشرب وتدخن والساعات الثمينة تمضي واحدة تلو أخرى من دون أن يرف لك جفن.