Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

دور المجالس الحسينية في تحفيز المؤمن على السفر والسير إلى الله عز وجل

بسم الله الرحمن الرحيم

أين تفر من هذا السفر؟

إن مما لا شك فيه؛ هو أننا في هذه الدنيا في حال سفر شئنا أم أبينا، ومن ينكر هذا السفر يفاجئه ملك الموت ليأخذه على حين غفلة. وقد كثر في أيامنا موت الفجأة ولمن نتوقع لهم عمراً مديداً. قد يقول الواحد منا: سأعيش ستين سنة، ويبرمج حياته على أساس ذلك؛ ولكن يفاجئه الموت في منتصف العمر:

الموت يأتي بغتة
والقبر صندوق العمل

إنه سفر قهري واقعي لا مجال للفرار منه. إن أحدنا إذا ما نوى في الصيف سفرا أعد لذلك السفر عدته قبل أشهر من وقته؛ فيجهز الخطة، ويحدد الوجهة ويُعد العدة ويختار الوسيلة؛ فكيف بهذا السفر الخالد الذي يبدأ لكي لا ينتهي؟ هناك معادلة ترتبط بعالم الأبد محفزة من جانب ومخيفة من جانب آخر. لقد درسنا في الرياضيات هذه المعادلة المعروفة، وهي: أننا لو قسمنا أي عدد على اللانهاية فالناتج اللانهاية. لو قسمنا عمرنا المحدود هذا على اللامحدود، لكانت النتيجة: اللا محدود. وبعبارة أخرى: الأبدية. والأبدية مذهلة حقا…!

هل الموت نهاية المطاف؟

إنك لا تفنى بالموت؛ بل عندما تدخل الجنة يأتيك الخطاب: من الحي الذي لا يموت إلى الحي الذي لا يموت. إن الله سبحانه  هو حي لا يموت بذاته ونحن بتفضل منه، وكما قال سبحانه: (خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَ)[١]. إن رب العالمين يستطيع أن يقطع الأبدية؛ فما المانع بعد ملايين السنين أن يعدم رب العالمين من في الجنة، ويقول لهم: كونوا هباء منثورا؟ بالطبع إن رب العالمين أجل من ذلك.

فيُمكن القول: أن كل لحظة من حياتنا الدنيا تقابلها الأبدية. والذي يعتقد بهذه المعادلة المخيفة؛ من الطبيعي أن يكون بخيلاً بعمره ووقته. هناك مثال لعله مثاله عالمي: لو اشتريت ساعة ثمينة ثم طلبها منك من لا تعرفه لما أعيطتها إياه؛ فكيف تعطي من لا تعرف الساعات من عمرك التي لا تقدر بأي ثمن؟ بل قد يتبرع البعض لأحدهم بتكاليف السفر إلى دولة مكلفة، ويقول: تعال معي نأنس معا؛ فهو قد دفع له مالاً، ودفع له من وقته مقابل أنس فاني.

مصطلح اليقظة

إن بعض المعاني تجعلنا نستيقظ من سباتنا. هناك مصطلح في كتب الأخلاق وهو مصطلح اليقظة. والتعبير في كتب الأخلاق فيه شيء من الشدة، فيقولون: إن الذي يمشي في الطريق، ويمر على مزبلة فيُغمى عليه؛ يقع على تلك المزبلة. ولكن ماذا يفعل عندما يرجع إلى وعيه؟ هل يُكمل نومته أم يفر فراره من الأسد؟ يقول في نفسه: كيف كنت نائما على هذه المزبلة التي لا تطاق؟ إن الواحد منا قد يستيقظ على واقعه؛ فيراه ليس على ما يرام فيحاول التغيير جاهدا.

قد تقول: إن واقعي واقع جيد؛ فلماذا تخيفني؟ أين النقص في حياتي؟ أقول: يكفي أن تضع يدك على الصلاة اليومية، وقس عليها فعلل وتفعلل…! إن الصلاة هي لقاء الله عز وجل؛ فاسئل نفسك: هل هذه الصلاة هي المطلوبة منك؟ البعض يفكر في كل شيء إلا في الإقبال على الله عز وجل. إنني أطلق على هذه الصلاة؛ الصلاة الفاضحة. لو أن أحداً قال لي: كيف هي علاقتك مع فلان؟ فإن قلت علاقتي معه علاقة وطيدة، وفلان يحبني كثيرا. قم أمسك بيدك، وذهب بك إلى فلان ورد فلان عليك السلام بفتور؛ ألا يُعرض عنه ويقول: لماذا خدعتنا؟ إنه لا يعرفك جيداً؛ بل هو ساخط عليك. ليدعي أحدنا وصلاً بليلى ولكن ليعلم أن ليلى لا تقر لهم بذاك. ادع ما تدعي؛ ولكن عند الصلاة تعرف مدى علاقتك بالله عز وجل، وفي أي مستوى أنت؟ بغض النظر عن حالك عند الحرام، وفي الزيارة.

يكاد أحدهم يموت لو لم يخشع في صلاته…!

ولهذا نرى كبار الأولياء أو كبار المؤمنين الخاشعين؛ عندما تمر عليه فريضة لا يُقبل فيها، يكاد يموت هماً وغماً. يقول: لماذا رب العالمين طردني في صلاتي؟ أما أن لا يستيقظ لصلاة الفجر فهذه كارثة الكوارث عنده. أين هذا ممن ينام بين الطلوعين، ويقول: رُفع القلم عن النائم؟ إنه يستند إلى الرواية التي تقول: (أَنَّ اَلْقَلَمَ رُفِعَ عَنْ ثَلاَثَةٍ عَنِ اَلصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنِ اَلْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَعَنِ اَلنَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ)[٢]. ولكن بغض النظر عن هذه الرواية؛ أليست فيها رائحة الطرد؟ فلا فريضة، ولا فريضتين؛ بل قد يمر على البعض شهرا كاملا يُلقى عليه النوم. أو نسيت مناجاة الإمام (ع): (اَللَّهُمَّ إِنِّي كُلَّمَا قُلْتُ قَدْ تَهَيَّأْتُ وَتَعَبَّأْتُ وَقُمْتُ لِلصَّلاَةِ بَيْنَ يَدَيْكَ وَنَاجَيْتُكَ أَلْقَيْتَ عَلَيَّ نُعَاساً إِذَا أَنَا صَلَّيْتُ)[٣]. إنه ليس أمرا طبيعياً.

آية عجيبة في السير إلى الله

لقد بحثت في محرك البحث عن هذه الآية المباركة: (فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِيلًا)[٤]، وقد كنت أظنها آية واحدة في القرآن إلا أننا علمت بوجود آية أخرى مماثلة في سورة الإنسان. وهناك آية أخرى تختلف عن هاتين شيئا قليلا، وهو قوله سبحانه: (فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ مَـَٔابًا)[٥]. عادة ما يكون السبيل في مقابل المآب. إن السبيل هو الطريق والشارع؛ أما المآب هو منزلك والمقصد. أي من شاء أن يتخذ إلى ربه مقصداً ومنتهىً وغاية. فمن أراد أن يصل إلى الغاية لابد أن يمشي في هذا الطريق.

إنها آية في القرآن، وليست رواية في الكافي أو في البخاري؛ فلماذا يتذبذب البعض وينتكس؟ تراه في شهر من الشهور في أفضل حال وفي شهر في أسوء حال؟ في الوطن له حال، وفي السفر يتغير حاله. فهو ليس على وتيرة واحدة. إنه مشكلته تكمن في أنه ليس على الطريق وعلى السبيل. ترى الرجل في أيام الزيارة، وأيام المشي من الماشين وفي أيام العمرة وأيام الحج من الحجاج والمعتمرين، وهذا أمر جيد؛ ولكن هل له سبيل وطريق في هذا المجال؟

لم أنسى وصية هذا العالم أبدا

لقد التقيت بأحد علمائنا السلف، من العلماء المتخصصين في هذا الطريق؛ فقال لي كلمة عابرة لم تكن عابرة أبدا؛ بل كانت في الصميم. وقد أخذت هذه الكلمة بنحو الفتوى لأنه كان فقيهاً. إنها كلمة جامعة مانعة، وهي: من لم يراقب نفسه مراقبة متصلة لا يصل إلى مقام. وضع خطاً تحت كلمة المتصلة. فأنت خارج المنزل قد تكون مراقباً لنفسك، وتخشى من الفضيحة الاجتماعية، وتحب أن تكون وجيهاً في نظر الناس مثلا؛ ولكنك ما إن دخلت المنزل ونزعت الثوب، ولبست ثوب النوم خرجت من المراقبة والمحاسبة. فتراه يتكلم مع زوجته بغلظة، فتقول له: يا فلان، أين حسن الخلق؟ يقول: هذا مع الأصدقاء ومع الآخرين؛ والحال أن الأهل والزوجة أولى بذلك من غيرهم. بل قد يتذرع البعض، ويقول: نحن عشرتنا هكذا؛ فقد أسقطنا الميانة بيننا.

ماذا فعل سيد الشهداء بالغلام الذي ألقى بطعام لكلب أمامه؟

لقد روي أن قضاء حاجة المؤمن فيها إدخال للسرور على قلب النبي (ص): (مَنْ سَعَى لَهُ فِي حَاجَتِهِ حَتَّى قَضَاهَا لَهُ فَيُسَرَّ بِقَضَائِهَا كَانَ إِدْخَالَ اَلسُّرُورِ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)[٦]. إن هذه العبارة هي عبارة مطلقة؛ فإن أدخلت سروراً على أهل بيتك فقد أدخلت بذلك السرور على قلب النبي (ص) وليس بالضرورة أن يكون إدخالك السرور على فقير تجده في الشارع أو ملهوف في قارة بعيدة.

لقد رأى سيد الشهداء (ع) إنساناً يؤاكل كلباً فيقدم له طعاما، وهو يأكل، فقال له الحسين (ع): ماذا تصنع؟ ما هذه الحركة؟ لو كان يرمي العظم للكلب لما لفت النظر؛ ولكنه كان يرمي بطعامه. فقال له: أريد أن ادخل السرور على هذا الكلب لعل الله عز وجل ينقذني مما أنا فيه. عجيب أمره، يريد أن يُدخل السرور على كلب على أمل أن يقضي الله حاجته. وما هي حاجته؟ الخلاص من سيده اليهودي. قال له الإمام (ع): تعال معي لذهب إلى هذا اليهودي، وقال له: أعتق هذا الغلام؛ فقال اليهودي: أعتقه فداء لخطاك يا أبا عبد الله. لقد جئتني لأخلص هذا العبد؛ فني مخلصه، وهذا البستان الذي يعمل فيه هدية له.

تأثير المواعظ في المجالس الحسينية

كيف نصل من ميناء الذات إلى ميناء اللقاء الإلهي بسفينتنا الشراعية؟ لماذا قلنا الشراعية؟ لأننا ننتظر الرياح الموسمية. ومن هذه الرياح الحضور في مجالس الحسين (ع)؛ فإنها مجالس ينفذ فيها الخطاب والموعظة إلى قلب المتلقي. قد تقول: إنني أقرأ كتاباً في هذا المجال، أو أسمع شريطاً مسجلاً، أو أشاهد فضائية في هذا المجال. كل ذلك خير، ولكن ما يُقال في مجالس الحسين (ع) هو كالسهم ينفذ في جوفك. إن الخطيب يقوم بعمله ورب العالمين يقوم بعمله. إن كلام الخطيب صوت يطرق طبلة الأذن؛ ولكن رب العالمين يجعله متغلغلا في وجودك. ولهذا نرى أن بعض المتحولين والمنقلبين والمتأثرين؛ لهم قصص مع المجالس الحسينية.

[١] سورة هود: ١٠٨.
[٢] سورة الخصال  ج١ ص١٧٥.
[٣] البلد الأمین  ج١ ص٢٠٥.
[٤] سورة المزمل: ١٩.
[٥] سورة النبأ: ٣٩.
[٦] عوالي اللئالي  ج١ ص٣٥٥.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن من يمشي في الطريق، ويمر على مزبلة فيُغمى عليه؛ يقع على تلك المزبلة. فماذا يفعل عندما يرجع إلى وعيه؟ هل يُكمل نومته أم يفر فراره من الأسد؟ يقول في نفسه: كيف كنت نائما على هذه المزبلة التي لا تطاق؟ إن الواحد منا قد يستيقظ على واقعه؛ فيراه ليس على ما يرام فيحاول التغيير جاهدا.
  • إن للحضور في مجالس الحسين (ع) مزية لا تجدها في غيرها. إنها مجالس ينفذ فيها الخطاب والموعظة إلى قلب المتلقي. قد تقول: إنني أقرأ كتاباً في هذا المجال، أو أسمع شريطاً مسجلاً، أو أشاهد فضائية في هذا المجال. كل ذلك خير، ولكن ما يُقال في مجالس الحسين (ع) هو كالسهم ينفذ في جوفك.
Layer-5.png