Search
Close this search box.
  • ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

وظائف ثلاث تجاه إمام الزمان (عجل الله فرجه)

بسم الله الرحمن الرحيم

يوم عرفة؛ الدور الثاني للامتحانات…!

من كتب الله له مقدرات سيئة في ليلة القدر المباركة؛ فيوم عرفة هو الذي يستطيع فيه الإنسان أن يغير من ملفه وهو الفرصة الأخيرة له إلى ليالي القدر القادمة. ففي يوم عرفة؛ سيُعاد النظر في الكثير من الملفات. وهو يشبه الدور الثاني للامتحانات المدرسية؛ فمن لم ينجح في الدورين، عليه أن يعيد السنة.

وظائف ثلاث تجاه إمام الزمان

إن للمؤمن وظائف ثلاث تجاه إمام زمانه (عج) وتقسيمنا الثلاثي هذا هو من منطلق عاطفي. أولا: الحب المهدوي، ثانيا: العمل المهدوي، وثالثاً: الدعاء المهدوي. فينبغي للمنتظر أن يعمر قلبه بحبه، وأن يشغل جوارحه بطاعة ربه، وأن يلهج لسانه بالدعاء له.

أما الحب المهدوي؛ فهو التعلق بإمام زماننا (عج) والتعلق القلبي بالإمام هو كالتعلق القلبي بالله عز وجل يحتاج إلى معاملة. إنه لمن السهل التعلق بالحسين (ع)؛ فأنت تأتي إلى ضريحه وإلى المنحر الشريف وتزور العباس (ع) وهي كلها معالم مادية، وتسمع مع ذلك المقتل الشريف وعندما تأتي إلى ذلك المقام تمثل قول الشاعر:

لو جئته لرأيت الناس في رجل
والدهر في ساعة والأرض في دار[١]

ولكن التوجه للإمام (عج) هو كالتوجه إلى عالم الغيب، لا يتسنى إلا لمن امتلأ قلبه من حب الله عز وجل. إذ أن حب الإمام متفرع من الحب الإلهي. إن الإمام وإن كان يعيش بيننا ولكنه غائب وغيبته ملحقة بقوله عز وجل: (ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ)[٢]، والقيامة من الغيب، والملائكة من الغيب، والإمام (عج) برزخ بين الغيب والشهادة.

ما الذي يدعونا لحب إمام زماننا؟

كيف نغرس حب إمام زماننا (عج) في قلوبنا ونحن لم نرى له شكلاً، ولم نسمع له صوتاً، ولم نزر له مشهداً؛ فحتى في سامراء لا نزور إلا قبر والديه، وفي مسجد السهلة نزور مكاناً منسوبا إليه، وكذلك في آخر شارع السدرة حيث يُقال: أن هناك مقام لصاحب الزمان (عج)؟

الخطوة الأولى: أن تفرغ قلبك من حب ما سوى الله عز وجل؛ لأن انعكاس هذا الحب في قلبك، يجلب لك محبة إمامك. إن قلوبنا مشغولة بحب اللات والعزى ولا أعني بهما تلك الأصنام المعهودة وإنما أعني كل ما يشغلنا عن ذكر الله عز وجل، وقد بين ذلك سبحانه في قوله: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُلۡهِكُمۡ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ)[٣]. قد تقول: إنني بحمدالله لست كذلك، ولكن لا تستعجل بالحكم على نفسك قبل أن تختبرها. جرب أن يكون ولدك مريضا وهو يأن من الألم، وأنت تريد أن تصلي، فهل عندما تقول: الله أكبر، تنسى الولد ولا تفكر فيه أو بزوجتك إذا كانت مريضة أو بمشاكلك المالية؟

نماذج ممن أخذ الحب الإلهي بمجامع قلوبهم

إذا وصلت إلى درجة لا يشغلك في الصلاة ولد ولا مال؛ فاعلم أن هذا القلب قلب إلهي، وأن الحب الإلهي قد تخلله. رحم الله أحد علمائنا السلف من أرباب هذا الطريق، سمعته يتحدث عن تاجر له أموال كثيرة وبالإضافة إليها كان يعمل في المضاربة، فيضم أموال الناس إلى ماله ويتاجر بها، فكان إذا دخل وقت الصلاة؛ كأنه رجل عاطل عن العمل لا شغل له إلا العبادة. وقد ذكر هذا التاجر لكي لا يظن أحد أن هذا الطريق لا يسلكه إلا العلماء.

وقد ذكر لي هذا العالم قصة احتضار رجل من رجال السياسة، فقال: كان هذا الرجل يعمل في سفارة إحدى البلدان، فسمعوه يقول ساعة الاحتضار: اللهم اشهد علي أنني لم أعصك منذ أن بلغت. لقد شك فيه من حوله؛ لأنه كان موظفاً في سفارة من السفارات وكان يعمل في السلك الدبلوماسي مع الطواغيت ومع الظلمة؛ ولكنهم غفلوا عن أن شأنه كان شأن علي بن يقطين بين الظلمة. فالطريق مفتوح أمام التاجر والطالب والمقاتل والموظف وغيرهم.

هل تدعونا إلى نبذ العاطفة؟

ولا يظنن أحد أننا ندعو إلى نبذ العاطفة والتبلد؛ فحب الأولاد من الإيمان وحب الوطن من الإيمان؛ ولكن قد روي عن الأمير (ع) ما يُبين الفرق بين هذا الحب وغيره. تقول الرواية أن السيدة زينب (س) سألت أباها في صغرها: (يَا أَبَتَاهْ أَ تُحِبُّنَا قَالَ نَعَمْ يَا بُنَيَّ أَوْلاَدُنَا أَكْبَادُنَا فَقَالَتْ يَا أَبَتَاهْ حُبَّانِ لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ اَلْمُؤْمِنِ حُبُّ اَللَّهِ وَ حُبُّ اَلْأَوْلاَدِ وَ إِنْ كَانَ لاَ بُدَّ لَنَا فَالشَّفَقَةُ لَنَا وَ اَلْحُبُّ لِلَّهِ خَالِصاً)[٤]. إنها (س) تريد أن تطايب أباها بهذه الكلمات ولكنها أشارت إلى مسألة هامة جدا في التفريق بين الحب والشفقة.

لقد اتصل بي أحدهم وقال: طردت ولدي من المنزل لأنه ولد عاص ولا أريد العصاة في منزلي. لقد كنت أحبه عندما كان لله مطيعا، أما الآن فليس له في قلبي أي محبة. رحم الله دعبل القائل:

أحب قصي الرحم من أجل حبكم
وأهجر فيكم زوجتي وبناتي

إنني أحب أرحامي البعيدين إذا كان محبين لله ولأهل بيت نبيه (ص) وأهجر زوجتي وبناتي إذا لم يكونوا كذلك. ولكن عليك أنت تنمي هذا الحب في قلوب من تحب. كلما ازدادت زوجتك إيمانا، ورأيتها تصلي في الليل وفي النهار؛ أكرمها بهدية، وقل لها: أن حبك يزداد لها بذلك. هذا والبعض من النساء تخاف من أن يغلب الحب الإلهي على زوجها فيهجرها، فقد تمنعه من الزيارة وبعض الأعمال خوفا، وهو فهم خاطئ بالتأكيد. إن من يغلب عليه الحب الإلهي يكون من أكثر الناس شفقة بالأهل والعيال وألطفهم بهم وأحنهم عليهم. لقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (أَحْسَنُ اَلنَّاسِ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً وَ أَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ وَ أَنَا أَلْطَفُكُمْ بِأَهْلِي)[٥]، وروي عنه أيضا: (كُلَّمَا اِزْدَادَ اَلْعَبْدُ إِيمَاناً اِزْدَادَ حُبّاً لِلنِّسَاءِ)[٦] لا بالمعنى الشهوي.

الحب الإلهي إلقائي لا كسبي

وينبغي أن نعلم أن الحب الإلهي إلقائي لا كسبي؛ فكلٌ يدعي وصلاً بليلى، وليلى لا تقر لهم بذاكا. إن رب العالمين يجعل حبه في القلوب الخالية من غيره. إن كان في قلبك شوائب وموانع؛ فلا تنفعك مناجاة المحبين ولو قرأتها ألف مرة. لا يأتيك الحب الإلهي رغماً عنك. إننا عندما نريد أن نذكر مثالا عن العصاة، نذكر سحرة فرعون. أن الساحر بمنزلة الكافر، وهم قد حاولوا مناصرة فرعون الذي كان عدوا لله ولأنبيائه؛ فهم كانوا في سوء في سوء في سوء. فما الذي غيرهم؟ ما الذي جعلهم يقفون أمام ذلك الطاغي الذي قال لهم: (لَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰفٖ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمۡ أَجۡمَعِينَ)[٧]، فيقولوا له: (لَا ضَيۡرَۖ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ)[٨]. لماذا دخل هذا الحب الإلهي في قلبوهم؟ الجواب: لأنهم فرغوا انفسهم لله عز وجل عندما علموا صدق موسى (ع)، وأنه ليس ساحر وليست ثعبانه كثعابينهم الوهمية؛ فالعصى السحرية لا تبتلع الحبال.

ماذا نطلب عند ضريح الحسين (عليه السلام)؟

سل الله في يوم عرفة إذا كنت عند الحسين (ع) هذا المقام. إنني أعاتب نفسي أحيانا وأقول: لقد رزت الحسين (ع) عشرات المرات؛ فهلا طلبت هذا المقام؟ يتصل بي في أيام الامتحانت بعض الآباء، يسألونني الدعاء لنجاح أبنائهم فأقول في نفسي: هلا دعوت لنجاحك في الامتحان الإلهي ولاستقامة ولدك في هذه الدنيا. هل تضمن بقاء إيمانه إذا دخل الجامعة؟ لماذا تصر تحت القبة تطلب معدلاً لابنتك؟ هل هذه هي الحاجة العظمى؟ أين المقامات؟ وأين الدرجات؟ قل: (رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُنٖ وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِينَ إِمَامًا)[٩]، ولا تقل: أريد موظفاً يتخرج ويساعدني في آخر العمر مثلا. إنني لا أدعو للشاب بالنجاح وإنما أطلب له ما فيه خيره، فقد يدخل الجامعة ويواجه فيها ما فيه محق دينه.

اطلبوا المقامات العليا عند الضريح؛ كمقام قرب أهل البيت (ع) ومقام الحب الإلهي الذي أخذ بمجماع قلوب أصحاب الحسين (ع).واطلب الحب المهدوي أولا. إنني أرى البعض من المؤمنين؛ تجري دمعته عند سماعه اسم الإمام (عج)، والبعض منا غاية ما يفعل أن يضع يده على رأسه ويقف. إنه عمل بدني؛ فأين اضطراب قلبك؟ ألسنا نقرأ في دعاء الندبة: ليت شعري، أين استقرت بك النوى؟ عزيز علي أن أرى الخلق ولا ترى؟ بنفسي أنت من مغيب لم يخل منا؟ بنفسي أنت من نازح ما نزح عنا؟

دعاء جامع عند الضريح بين الحسين وولده (عليهما السلام)

إذا وقفت عند الضريح؛ فاجمع بين الحسين (ع) والمهدي (عج) بجملة تقولها بدمعة ساكبة وقلب مضطرب: أين الطالب بدم المقتول بكربلاء؟ إن إمامك يفرح بك عند ذلك، وقد تقولها وكتفك يلامس كتف إمام زمانك وأنت لا تعلم. ليس الإمام شبحا أو نورا وإنما يمشي في الأسواق ويأكل الطعام. وعندما يظهر (عج) يقول الناس: هذا الذي كنا نراه في المشاهد وفي غيرها؛ فكأنهم كانوا يعرفونه.

ازرع هذا الحب المهدوي في قلبك ثم ترجمه من خلال العمل. لقد رأيت البعض يتعبد وله برنامج روحي عبادي ولكنه لا يقلد. فقلت له: كيف تحب إمام زمانك وأنت لا تعتني بوكيله؟ إن المرجع وكيل الإمام في زمان الغيبة؛ فإن لم تعترف بالمرجع لن تصل إليه. اجعل عملك مطابقاً لما يريده الإمام في زمان الغيبة.

[١] أبوالعلاء المعري.
[٢] سورة البقرة: ٣
[٣] سورة المنافقون: ٩.
[٤] مستدرك الوسائل  ج١٥ ص٢١٥.
[٥] وسائل الشیعة  ج١٢ ص١٥٣.
[٦] بحار الأنوار  ج١٠٠ ص٢٢٨.
[٧] سورة الأعراف: ١٢٤.
[٨] سورة الشعراء: ٥٠.
[٩] سورة الفرقان: ٧٤.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • لقد رأيت البعض يتعبد وله برنامج روحي عبادي ولكنه لا يقلد. فقلت له: كيف تحب إمام زمانك وأنت لا تعتني بوكيله؟ إن المرجع وكيل الإمام في زمان الغيبة؛ فإن لم تعترف بالمرجع لن تصل إليه.
  • إذا وقفت عند الضريح؛ فاجمع بين الحسين (ع) والمهدي (عج) بجملة تقولها بدمعة ساكبة وقلب مضطرب: أين الطالب بدم المقتول بكربلاء؟ إن إمامك يفرح بك عند ذلك، وقد تقولها وكتفك يلامس كتف إمام زمانك وأنت لا تعلم؛ فليس الإمام شبحا أو نورا وإنما يمشي في الأسواق ويأكل الطعام كسائر الناس.
  • يتصل بي في أيام الامتحانت بعض الآباء، يسألونني الدعاء لنجاح أبنائهم فأقول في نفسي: هلا دعوت لنجاحك في الامتحان الإلهي ولاستقامة ولدك في هذه الدنيا. هل تضمن بقاء إيمانه إذا دخل الجامعة؟ لماذا تصر تحت القبة تطلب معدلاً لابنتك؟ هل هذه هي الحاجة العظمى؟ أين المقامات؟ وأين الدرجات؟
Layer-5.png