- ThePlus Audio
هل لإحياء مجالس الزهراء (عليها السلام) آثار على حياة الإنسان؟
بسم الله الرحمن الرحيم
آثار إحياء مجالس أهل البيت (عليهم السلام)
لإحياء مناسبات أئمة أهل البيت (ع) آثار عظيمة. إن إحياء مناسباتهم هو إحياء لشعائر الله عز وجل وقد قال سبحانه: (وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَـٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ)[١]. لقد ذكر الله سبحانه في كتابه عدة مصاديق للشعائر الإلهية منها الصفا والمروة حيث قال: (إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ)[٢]، ومنها البدن وهي الأضاحي التي يُقدمها الحجاج في قوله تعالى: (وَٱلۡبُدۡنَ جَعَلۡنَٰهَا لَكُم مِّن شَعَـٰٓئِرِ ٱللَّهِ لَكُمۡ فِيهَا خَيۡرٞ)[٣]. فإذا كانت الصفا والمروة والحيوان الذي يُذبح في سبيل الله من شعائر الله عز وجل؛ فكيف لا تكون الذوات الطاهرة من أعظم شعائر الله؟ والشعيرة هي العلامة الدالة على ما يريده الله عز وجل.
من مصاديق المودة
ثم إن إحياء مناسباتهم من مصاديق المودة التي ذكرها الله سبحانه في كتابه: (قُل لَّآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰ)[٤]. لم يطلب الأنبياء أجرا على رسالاتهم إلا نبينا (ص) وهو المودة في القربى والتي تعود بالنفع على المؤمنين أنفسهم. وهناك فرق بين المودة والمحبة. إن المحبة عمل القلب والمودة إظهارها. قد تحب أخاك ولكن لا تُظهر له هذا الحب، فلا تسأل عن أخباره ولا تدعوه إلى منزلك ولا تُكرمه، فأنت في هذه الحالة لا توده. ولذا عبر سبحانه في كتابه عن العلقة الزوجية بالمودة فقال: (وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةً)[٥]. فلا ينبغي أن يكتفي الرجل بقوله للزوجة: أحبك، ولابد أن يتعدى ذلك إلى خطوات عملية تترجم على أرض الواقع.
كما أن هناك فرق بين الخضوع والخشوع؛ فالخشوع عمل القلب والخضوع إظهاره. فإذا ما خضع الإنسان في صلاته فإنما هو يُعبر عن خشوعه الداخلي. ولهذا روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال:
تَعْصِي اَلْإِلَهَ وَأَنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ
هَذَا لَعَمْرُكَ فِي اَلْفِعَالِ بَدِيعُ
لَوْ كَانَ حُبُّكَ صَادِقاً لَأَطَعْتَهُ
إِنَّ اَلْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ
وإن أئمتنا (ع) مع قلة ما نُسب إليهم من الشعر؛ إلا أن هذين البيتين يوضحان لنا الحب الصادق من المزيف ويذكر لنا الإمام (ع) قاعدة نعتمد عليها في تشخيص الحب الصادق، وهي: إن المحب لمن يحب مطيع. فالذي يدعي حب فاطمة (س) ولا يشارك في الفاطمية الأولى ولا الثانية ولا الثالثة ولا يذرف لها دمعة واحدة، ينبغي أن يشك في محبته وأن يعلم أن عينه تلك عين غير ولائية.
اجمع بين أنواع البكاء
ينبغي أن نجمع بين أنواع البكاء؛ البكاء من خشية الله في جوف الليل، والبكاء في أيام محرم على مصيبة الحسين (ع) والبكاء على الزهراء (ع) في أيامها. والموالي لا يطاوعه قلبه ألا أن يحضر هذه المجالس والحال أنه يحضرها المعصومون جميعهم كما نُقل عن أحد المراجع. إن المرجع عندما يذكر أمرا لابد وأن يكون له شاهد أو دليل، فهو يقول: إن كل مجلس يُعقد من أجل ذكر أهل البيت (ع) تحضره أرواح المعصومين ويلتفتون إلى ذلك المجلس، لأنه مجلسهم. لو عُقد مجلس عزاء لأحدهم وحضر الجميع إلا ولده، لقال الناس: لابد وأن ظرفا طارئا من مرض أو عارض منعه من الحضور؛ فلا يُعقل ألا يأتي صاحب المجلس إلى مجلسه.
ولكن ينبغي غلق الباب في وجه المدلسين الذين يدعون أنهم قد رأوا ما رأوا في مجالس أهل البيت (ع) وأنه قد كُشف لهم. والذين يكثر من هذه الادعاءات، ينبغي أن يوضع عليه علامة استفهام، فعادة العشاق الكتمان وعدم التبجح بذلك. والمغيبات والمنامات والمكاشفات ليست حجة علينا وإنما علينا العمل بالقواعد الشرعية.
زمن الشهوات والشبهات والفتن المشتبهات
إننا أصبح في زمان كثرت فيه الفتن وأينما توجهنا في الجامعات أو في المعاهد أو في الأسواق؛ وجدنا الشباب يشتكون من أمرين؛ الشبهات والشهوات. الشهوات في عالم الجوارح والشبهات في عالم الفكر. فالشاب إما أن ينحرف عقائديا فيُصبح مؤمنا ويمسي كافرا وإنما أن تجرفه الشهوة العملية، وإما أن يُبتلى بالأمرين والويل لمن جمع بينهما. إن ما يُسمى اليوم بالإلحاد أو العلمانية، إنما هم جماعة يدعون إلى التحلل والتفكك من القيود التي يضعها عليهم الدين. فهم يريدون التخلص من هذه القيود بإنكار الدين من أصله. لأن المؤمن يلاحقه وخز الضمير عندما يقوم بما يُسخط الله عز وجل؛ فهو من أجل إسكات هذا الضمير الباطني، يصفعه ويقول له: انكر المبدأ والمعاد. وقد كانت لهم صولة وجولة ولكنهم اليوم أذل من أن يقيموا دليلا واحدا على ادعائهم.
النظرة الولائية
ومن موجبات الحصانة المشاركة في الدورات والندوات وقراءة الكتب وما شابه ذلك ولكن هناك طريق أقرب وأنجع وهي مجالس أهل البيت (ع). قد تقول: هذا كلام شاعري، أين دليلك على ما تدعيه؟ وأقول: إن دليلي على ذلك الحر، أيقونة التائبين. مما امتاز به هذا العبد الصالح أن أفرد قبره، وليس هذا ذم له كما يرى البعض. إنني أزوره في أحيان كثيرة طلبا للتوبة والمقامات. ولم ينل ما ناله الحر إلا بنظرة ولائية من إمام زمانه الحسين (ع). فكيف لا نعول على هذه النظرة؟ عندما كان معاوية يراسل أمير المؤمنين (ع) ويُرسل إليه الكتاب من خلال البريد، كان يوصيه بعدم الإطالة عند أمير المؤمنين (ع) والرجوع إليه بسرعة، خشية أن يسحره – بحسب زعمه – أمير المؤمنين (ع). وهذا ليس سحرا وإنما هي نظرة ولائية من نظرات الإمام (ع) يقلب بها المرء رأسا على عقب. وكثيرة هي القصص التي تتحدث عن هذه النظرة الولائية للأئمة (ع) جميعهم.
كيف تشملك هذه النظرة الولائية؟
قد يسأل سائل فيقول: كيف تشملنا هذه النظرة؟ هناك طريقان: الأول طريق الدعاء. إن باب الدعاء مفتوح لأئمة أهل البيت (ع) ولا يرد الله سبحانه دعائهم وهم أحياء بنص القرآن: (وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ)[٦]. هل فكرت في هذا الرزق؟ هل هو أكل وشرل فقط؟ وهل الشهيد همه نفسه؟ إن مما يرزقون؛ إجابة الدعاء. ولهذا يُستجاب الدعاء عند قبر الشهيد؛ فكيف بسيد الشهداء (ع)؟ والسمع من علامات الحياة، فإذا ما شككنا في حياة أحدهم ناديناه، فإن أجابنا تأكدنا من حياته. وبعد أن علمنا أن الشهيد يسمع كلامنا، هل تظنه يسمعنا ولا يبالي؟ هل تظن أن الشهيد يستمع إلى أنين ولده في جوف الليل أو أنين أخيه أو أبيه ثم لا يبالي بهم؟ إن للشهداء مجتمع عند الرب، وهم يسألونه قضاء حوائج إخوانهم.
ماذا يُمكن أن يفعله لك المعصوم عندما تحيي مجلسه؟
وإن أقل ما يُمكن المعصوم فعله لك؛ الدعاء. إن سيد الشهداء (ع) دعا للغلام الأسود؛ أن يطيب الله ريحه، وقد فعل الله سبحانه ذلك به؛ حيث تعرفوا على جثته من طيب ريحه والحال أن الأجساد مقطعة ولم يُمكن معرفة الجثث إلا بصعوبة. ولكن قد لا يستجيب الإمام (ع) لوجود موانع سببها الداعي نفسه. يُقال في علم المنطق: هناك مقتضى وشرط ومانع. إنك إن ألقيت خشبة رطبة في النار لم تحترق ما ترتفع الرطوبة التي تشكل هنا المانع من الاحتراق.
وقد تكون الخشبة يابسة ولكنها بعيدة عن النار وهنا لا تحترق لأن شرط الإحراق المجاورة والمماسة. إن مانع الإجابة في العاصي ما يقترفه من المعاصي؛ فليتركها ولينظر هل يرزقه سبحانه أم لا؟ لقد ذكر لي أحد الإخوة أنه طلب من الحسين (ع) أن يرزقه من حيث لا يحتسب، فوقع في باله أن يذهب إلى مبيعات الحرم وإذا به يعثر على خاتم ألماس بسعر مغر جدا، وقد كان عالما بأسعارها وقيمتها، فيبيعه بعد مدة بآلاف الدولارات.
من هي الزهراء (س)؟
ومن المجالس التي يحييها المؤمنون؛ مجالس السيدة الزهراء (س). كلما زدت معرفة بها، ازددت بكاء عليها وازداد التزامك. لماذا يبكي الحجة (عج) بدل الدموع دما ويندب الحسين (ع) صباحا ومساء؟ لأنه يعلم من هو الحسين (ع) وماذا جرى عليه. كلما زادت المعرفة زادت العلقة، وكلما زادت العلقة زادت الحرقة. إنني أرى البعض من المؤمنين يأتي إلى قم المقدسة فيزور السيدة فاطمة المعصومة (س) زيارة عابرة، أو لا يزورها أصلا، وعندما يُسأل عن ذلك يقول: إنني لا أعرف من هي السيدة فاطمة بنت موسى بن جعفر (ع)، وإنما هي علوية من العلويات. وأقول: إن هذه السيدة وإن لم يكن لها مؤلفات وكتب ولكن عندما يقول إمام معصوم كإمامنا الجواد (ع) عنها: (مَنْ زَارَ قَبْرَ عَمَّتِي بِقُمَّ فَلَهُ اَلْجَنَّةُ)[٧]؛ فهذا كاشف في نفسعه.
إننا قد لا نعرف أستاذا من الأساتذة في الجامعة ولا نعرف مستواه العلمي؛ ولكن عميد الجامعة عندما يقول عنه: إنه أرقى المدرسين في هذه الجامعة؛ فهذا كاشف لنا عن مستواه العلمي ويكفي قول العميد فيه.
فإذا علمنا أن أئمة أهل البيت (ع) كلهم يخضعون للسيدة الزهراء (س) ولعلمها، كالإمام الصادق (ع) الذي كان يُجيب عن بعض المسائل فيسأل عن مصدرها، فيقول: قرأتها في مصحف جدتي فاطمة (س)؛ فهذا كاشف عن عظيم فضلها ومكانتها. إن هذا المصحف هو تراث الزهراء (س)، وهو ليس قرآنا وإنما هو ما أملاه جبريل عليها وكتبه أمير المؤمنين (ع). فقد كانت تتلقى العلوم من جبرئيل؛ فتمليها على بعلها، وهو من أغلى مواريث الأنبياء التي يحتفظ بها إمام زماننا (عج) بالإضافة إلى سائر المواريث كخاتم سليمان (ع) وعصى موسى (ع) وغيرها.
وقد روي عن النبي الأكرم (ص) في شأنها الكثير، منها قوله (ص): (فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي)[٨]؛ ولم يكن يعني بذلك أنها بضعة من جسده؛ فالبنت هي قطعة من أبيها سواء كانت صالحة أم لم تكن كذلك وإنما عنى بذلك النبي (ص) ما نظمه الشاعر السيد محمّد جمال الهاشمي في قوله:
شعَّت فـلا الشمـس تحكيها ولا القمرُ
زهـراءُ من نورها الأكوانُ تزدهـرُ
حـوت خِلال رسـول الله أجمــعَها
لولا الرسالـةُ ساوى أصلـه الثمرُ
الزهراء فرع الأصل النبوي وثمرة الرسالة
فهي ثمرة الرسالة، وفرع ذلك الأصل النبوي. ولذلك عندما قطع الأصل بوفاة النبي (ص) كانت أول أهل بيته لحوقا به ومن الطبيعي أن يجف الفرع بعد قطع الأصل. إنها فرحت عندما أسر النبي (ص) لها بأنها أول أهل بيته لحوقا به مع علمها بما سيجري على الحسنين (ع) وببكاء زينب (س) في جوف الليل وحدة علي بعدها. يُقال: تفرق الناس عن أمير المؤمنين (ع) بعد استشهاد الزهراء (س) وكأنهم كانوا يجتمعون حوله لأنه صهر النبي (ص)؛ فلم يعد له صهرا بعد وفاة ابنته. لو كانت الزهراء حية إلى آخر عمر أمير المؤمنين (ع) لكانت تحمل همومه التي عانى منها في صفين والنهروان والجمل. ولكن بقي إلى آخر عمره كما وصف نفسه: (أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ وَأَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ)[٩]. ولهذا تذكر الروايات أنها لم تبقى بعد أبيها ثلاثة أشهر كأطول مدة وردت في الروايات، والبعض يُرجح رواية الأربعين يوم معللين ذلك، بأنها كانت تتمنى اللحوق بأبيها سريعا.
سر اختيار هذه الألقاب للأئمة (عليهم السلام)
ولا بأس أن نذكر ألقابها وما تحملها من معاني ودلالات؛ فليست ألقاب المعصومين هي ألقاب اعتباطية. إن الله سبحانه هو الذي اختار اسم النبي يحيى (ع)، فقال عز وجل: (يَٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَٰمٍ ٱسۡمُهُۥ يَحۡيَىٰ لَمۡ نَجۡعَل لَّهُۥ مِن قَبۡلُ سَمِيّٗا)[١٠]؛ فهل المعصومون (ع) هم أقل شأنا من النبي يحيى (ع)؟ وسنذكر ألقاب المعصومين (ع) قبل أن نفصل في ألقاب السيدة الزهراء (س).إن لقب نبينا (ص) هو المصطفى ولقب الإمام أمير المؤمنين (ع) هو المرتضى والإمام الحسن (ع) هو المجتبى، وهذه الألقاب الثلاثة تدل على اصطفاء واختيار من قبل الله سبحانه. إن الله اصطفى نبيه (ص) واجتباه وارتضى عليا (ع)، وهما في معنى واحد. فالنبي (ص) هو المصطفى الأول والأمير (ع) هو المصطفى الثاني، ولكننا لو قلنا: المصطفى الثاني، لكان الأمر باهتا شيئا قليلا. وأما ولده الحسن (ع) فهو المجتبى وفيه معنى الاصطفاء.
المصطفى والمرتضى والمجتبى (عليهم السلام)
إن ما نفهمه من هذه الألقاب الثلاثة؛ أن الذي يريد الوصول إلى المقامات، ينبغي أن يجعل نفسه في دائرة الجذب الإلهي. لقد رأينا في الفيزياء أيام المدرسة؛ كيف يجتمع برادة الحديد المتناثر على ورقة إذا وضع تحتها المغناطيس. إن أئمتنا (ع) هم كهذا المغناطيس الذي ينبغي أن نقترب منهم وندخل في مشاهدهم ليشملنا ذلك الجذب الإلهي. لو كشف لك الغطاء، لرأيت تحت القبة عالماً من ملائكة شعث غبر. وباعتقادي ثمة عمود من نور بين القبة والعرش، وما من ساعة إلا وفوج يعرج وفوج يهبط؛ فمراقدهم هي مهبط الملائكة، وهذا جزء من أسرار مراقدهم.
أما لقب الحسين (ع) سيد الشهداء. والإمام زين العابدين (ع) ملقب بالسجاد وكلهم سجادون ولكنها صفة برزت فيه أكثر من غيره بالإضافة إلى سائر ألقابه كزين العابدين وتاج البكائين. أما الإمام محمد بن علي (ع)؛ فهو الباقر؛ أي الذي شق العلم. إنه حفيد ذلك الإمام الذي انتهى أمره بحسب الظاهر في كربلاء، ولكن شاء الله سبحانه أن يكون له حفيد ينشر العلم في العالم من جديد، وكذلك الأمر في الإمام الصادق. أما الإمام موسى بن جعفر (ع) فقد لُقب بالكاظم. فقد يزوره الزائر ولا تُقضى حاجته لأن الإمام يعلم ما وراء الستار كما كان المسيح (ع) يعلم ما يدخر الناس في بيوتهم؛ ويكون (ع) قد اطلع على أن هذا الزائر قد صب جام غضبه على زوجته المسكينة قبل الزيارة فيقول الإمام (ع): تزورني وأنت لست بكاظم لغيظك؟ أي سنخية بيني وبينك؟ أما الحليم فهو أقرب الناس إلى الإمام وأجدرهم بأن يستجيب له (ع).
مظهر الرضا والتسليم
وقد كان الإمام الرضا (ع) مظهر الرضا والتسليم لقضاء الله وقدره. إن المؤمن يصل إلى درجة يطلب الحاجة من دون إصرار؛ وإنما يدعو ويوفوض أمره إلى الله عز وجل. إن البعض من العوام يقولون: إننا إن لم نأخذ حاجتنا من الإمام؛ فنشكوه إلى جدته الزهراء (س) وهذا الكلام باطل. إنما عليك أن تقدم الطلب، فإن رأوا مصلحة تُقضى وإن لم يروا فيها مصلحة تؤجل لتنالها في الآخرة. لو اقترح المريض على الطبيب دواء لأخرجه الطبيب من عيادته لتدخله فيما لا يعنيه…! ولكن لا بأس بالتكرار من باب الرقة والبكاء.
لقد روي عن الأئمة (ع): (إِنَّ اَلْعَبْدَ اَلْوَلِيَّ لِلَّهِ يَدْعُو اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي اَلْأَمْرِ يَنُوبُهُ فَيَقُولُ لِلْمَلَكِ اَلْمُوَكَّلِ بِهِ اِقْضِ لِعَبْدِي حَاجَتَهُ وَلاَ تُعَجِّلْهَا فَإِنِّي أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَ نِدَاءَهُ وَصَوْتَهُ وَإِنَّ اَلْعَبْدَ اَلْعَدُوَلِلَّهِ لَيَدْعُو اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي اَلْأَمْرِ يَنُوبُهُ فَيُقَالُ لِلْمَلَكِ اَلْمُوَكَّلِ بِهِ اِقْضِ لِعَبْدِي حَاجَتَهُ وَعَجِّلْهَا فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَسْمَعَ نِدَاءَهُ وَصَوْتَهُ قَالَ فَيَقُولُ اَلنَّاسُ مَا أُعْطِيَ هَذَا إِلاَّ لِكَرَامَتِهِ وَلاَ مُنِعَ هَذَا إِلاَّ لِهَوَانِهِ)[١١]. فإذا قضيت حاجتك عند الحسين (ع) فلا تغتر بنفسك؛ فقد تكون من الصنف الثاني ممن لا يريد الإمام (ع) أن ترجع إليه ثانية وكأنه يقول لك: خذ حاجتك وانصرف. وقد يأتي صاحب حاجة كل ليلة جمعة فلا يأخذ حاجته إلا بعد سنة.
العسكريان
ثم الإمام الجواد (ع) مظهر الجود والكرم. وينبغي أن تزور الإمامين الجوادين (ع) وكأن لكل واحد منها مقام مستقل. قف بتوجه وبتركيز، فإن ما يعيطكه موسى بن جعفر (ع) هو غير ما يعطيكه الإمام الجواد (ع)؛ فالجد له عطية والحفيد له عطية أخرى. ثم الهادي (ع) مظهر الهداية، ثم الإمامين العسكريين (ع). إن ألقاب الأئمة من الإمام الهادي إلى أمير المؤمنين (ع)؛ هي ألقاب تحمل معاني عظيمة كالهادي والرضا والجواد والكاظم والباقر والسجاد والصادق، بخلاف العسكريين، لأنهما يُنسبان إلى معسكر في سامراء أقامه المتوكل في أيامه ونفى الإمام (ع) نفيا وجعله تحت الإقامة الجبرية.
ولعل سر هذا اللقب؛ هو التأكيد على ما جرى لهما من الظلم. فقد كان من المفترض أن يكونا منارا للعلم في مدينة جدهما (ص) تثنى لهما الوسادة، ويفتيان الناس كالباقرين ويعم علمهما العوالم؛ ولكنهم ذهبوا بهما إلى المعسكر أو إلى السجن في مكان ناء؛ لا قدرة لهما على التواصل مع أصحابهما ومحبيهما. وكان الموالون يتحايلون في لقاء العسكريين؛ كأن يجعل الواحد منهم نفسه مكان بائع بضاعة ما لكي يلتقي بالإمام (ع).
أما الزهراء (س) فلها أسماء عديدة، يرمز كل اسم من أسمائها إلى مدرسة أخلاقية. من أشهر أسمائها، الصديقة. والصديقة هي التي صدقت ربها وأباها تمام الصدق وبلغت أعلى مراتب اليقين كأمير المؤمنين (ع) الذي قال: (لَوْ كُشِفَ اَلْغِطَاءُ مَا اِزْدَدْتُ يَقِيناً)[١٢]، فلو رأى (ع) نار جهنم أمامه، لما زاده ذلك يقينا. إننا نؤمن بالقيامة ولكننا إذا دخلنا نار جهنم – لا قدر الله – عندها نقطع بوجودها. وكما يقول المناطقة: إننا نقطع بالنار من الدخان.
ولكننا عندما نرى النار من قريب؛ فهذا عين اليقين، وعندما نتحسس النار وتحترق أيدينا بها، فذلك حق اليقين. وهكذا هم المحترقون بنار التوحيد. ويُقال: أن الصديقة بمعنى كثرة الصدق؛ الصدق الأول في القول والصدق الثاني في العمل. فالذي يدعي أنه شيعي علوي موال لأهل البيت (ع) ولا يشبه فعله كلام أمير المؤمنين (ع)، فلا يُسمى مشايعا لهم. لو كنت في بغداد وقلت: إنني شيعت جنازة فلان في قم المقدسة لما صدقك أحد؛ فكيف تشيع جنازة وأنت لا تمشي خلفها؟ نعم، بإمكانك أن تقول: لقد بكيت وتمنيت أن أكون مع المشيعين، لا أن تدعي أنك كنت منهم.
الشيعي الأول
لقد كان سلمان الشيعي الأول، وأفضل شخصية وأرقى رجل بعد المعصومين، وقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ اَلْبَيْتِ)[١٣]، وكنا يعلم الاسم الأعظم. إنني عندما أزور قبره في المدائن، كأني أزور المعصومين، لأنك تشعر بنفحة هناك بدرجة من الدرجات. وقد وردت في شأنه رواية تبين سر عظمته وطريقة تشيعه لأمير المؤمنين (ع) ومتابعته له، فقد ذكر أنه كان يضع رجله في الموضع الذي كان يضع أمير المؤمنين (ع) رجله عليه؛ فهو لم يشايعه في السلوك والقول فحسب؛ بل شيعه حتى في تتبع أثره. إن المشايعة الصادقة هي أن نتشبه بهم ولكننا باتأكيد لا نصل إلى مقام أمير المؤمنين (ع) الذي كان يقول: (أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَاِجْتِهَادٍ وَعِفَّةٍ وَسَدَادٍ)[١٤].
الراضية المرضية
ومن صفاتها؛ الراضية المرضية. إننا لا نشك قيد أنملة في أن الزهراء (س) هي أجل من ألا تكون راضية بما جرى من المصائب عليها أو أنها كانت تتمنى غير ذلك. لقد شاء الله أن يرى الحسين (ع) قتيلا فسلم لذلك؛ فكيف بالزهراء (س)؟ لو أن الزهراء (س) ماتت ميتة طبيعية في الستين من عمرها، لما عقدت عليها المجالس الفاطمية المباركة التي عمت بركتها الشيعة جميعا. إنها تجرعت المصيبة التي وقعت عليها ولها عظيم الأجر عند بارئها ونحن الشيعة مشمولين بهذه البركات.
علمها بمصائب أولادها
إن الحسن والحسين (ع) إمامان قاما أو قعدا وهما ريحانتا رسول الله وسيدا شباب أهل الجنة، ومع ذلك سُم الحسن (ع) وقُتل الحسين (ع) وقد كانت الزهراء (س) على علم بما سيجري على أولادها. وقد كانت هذه المجالس تعقد ويعلو فيها الصراخ والبكاء على مصيبتها طوال التأريخ، ولكنها لم تكن بالصورة التي هي عليه الآن. لم تكن الأيام الفاطمية قبل خمسين سنة تُحيى بهذه الكيفية؛ فقد كان الكثير من المؤمنين تمر عليه الفاطمية الأولى والثانية والثالثة ولم يكونوا يعلمون بها. من كان يعقد المجالس لأم البنين وفي وفاة السيدة زينب (س)؟ حتى وإن كانت مجالس تقام لهم في قديم الأيام فكانت مجالس باهتة.
لماذا سميت السيدة فاطمة (سلام الله عليها) بالزهراء؟
ومن أسمائها الزكية والطاهرة والمحدثة، والحوراء، ومن أشهرها الزهراء. إنني أتمنى أن يكون لكل مؤمن ابنة بهذا الاسم، فهو اسم يُنعش القلب ويُثلج الفؤاد. والبيت الذي يكون فيه ولد باسم محمد أو الزهراء؛ هو منزل مقدس. وقد ورد في علة تسميتها بالزهراء عن أبان تغلب أنه قال: (قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ لِمَ سُمِّيَتِ اَلزَّهْرَاءُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ زَهْرَاءَ فَقَالَ لِأَنَّهَا تَزْهَرُ لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي اَلنَّهَارِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ بِالنُّورِ)[١٥]. لقد عظم مصاب أمير المؤمنين (ع) بفقدها، بمقدار فرحته بالاقتران بهذه السيدة التي ملأت حياته نورا وسرورا. وحق له أن يقول:
نَفسي عَلى زَفَراتِها مَحبوسَةٌ
يا لَيتَها خَرَجَت مَعَ الزَفَراتِ
لا خَيرَ بَعدَكَ في الحَياةِ وَإِنَّما
أَبكي مَخافَةَ أَن تَطولَ حَياتي
إن هذه الرواية تفصل في هذا النور الذي كان يسطع منها. فبحسب الرواية: (كَانَ يَزْهَرُ نُورُ وَجْهِهَا صَلاَةَ اَلْغَدَاةِ)، وكذلك إذا: (نَصَفَ اَلنَّهَارُ وَتَرَتَّبَتْ لِلصَّلاَةِ زَهَرَ وَجْهُهَا) وكان يزهر وجهها بالحمرة: (فَإِذَا كَانَ آخِرُ اَلنَّهَارِ وَغَرَبَتِ اَلشَّمْسُ اِحْمَرَّ وَجْهُ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ فَأَشْرَقَ وَجْهُهَا بِالْحُمْرَةِ فَرَحاً وَشُكْراً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) [١٦] . ولهذا يقال: أن الملائكة لم يكن خافيا عليها مولد النبي (ص)، لأنه خُلق وآدم بين الماء والطين، وقد كانت الزهراء (س) بضعة من هذا النور النبوي.
[٢] سورة البقرة: ١٥٨.
[٣] سورة الحج: ٣٦.
[٤] سورة الشورى: ٢٣.
[٥] سورة الروم: ٢١.
[٦] سورة آل عمران: ١٦٩
[٧] كامل الزيارات ج١ ص٣٢٤.
[٨] بحار الأنوار ج٣٠ ص٣٥٣.
[٩] كشف الغمة ج١ ص٥٠٤.
[١٠] سورة مريم: ٧.
[١١] الکافي ج٢ ص٤٩٠.
[١٢] بحار الأنوار ج٦٦ ص٢٠٩.
[١٣] بحار الأنوار ج٢٠ ص١٨٩.
[١٤] بحار الأنوار ج٣٣ ص٤٧٣.
[١٥] علل الشرایع ج١ ص١٨٠.
[١٦] بحار الأنوار ج٤٣ ص١١.
خلاصة المحاضرة
- إذا كانت الصفا والمروة والحيوان الذي يُذبح في سبيل الله من شعائر الله عز وجل؛ فكيف لا تكون الذوات الطاهرة من أعظم شعائر الله؟ والشعيرة هي العلامة الدالة على ما يريده الله عز وجل.
- إن إحياء مجالس أهل البيت (ع) من مصاديق المودة التي ذكرها الله سبحانه في كتابه: (قُل لَّآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰ). لم يطلب الأنبياء أجرا على رسالاتهم إلا نبينا (ص) وهو المودة في القربى والتي تعود بالنفع على المؤمنين أنفسهم.
- لو أن الزهراء (س) ماتت ميتة طبيعية في الستين من عمرها، لما عقدت عليها المجالس الفاطمية المباركة التي عمت بركتها الشيعة جميعا. إنها تجرعت المصيبة التي وقعت عليها ولها عظيم الأجر عند بارئها ونحن الشيعة مشمولين بهذه البركات.
- للزهراء (س) أسماء عديدة، يرمز كل اسم من أسمائها إلى مدرسة أخلاقية. من أشهر أسمائها، الصديقة. والصديقة هي التي صدقت ربها وأباها تمام الصدق وبلغت أعلى مراتب اليقين كأمير المؤمنين (ع) الذي قال: (لَوْ كُشِفَ اَلْغِطَاءُ مَا اِزْدَدْتُ يَقِيناً).