- ThePlus Audio
للدعاء آداب لو تعلمتها؛ اقتربت من الإجابة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله الذي أذن لنا بالدعاء…!
مما ينبغي أن يخاف منه كل إنسان، هو أن يكون مصداق قوله تعإلى: (قُلۡ هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِينَ أَعۡمَٰلًا * ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعۡيُهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ يُحۡسِنُونَ صُنۡعًا)[١]؛ فهذه الآية مخيفة جداً، وهي تضاهي في إخافتها قوله تعإلى: (وَقَدِمۡنَآ إلىٰ مَا عَمِلُواْ مِنۡ عَمَلٖ فَجَعَلۡنَٰهُ هَبَآءٗ مَّنثُورًا)[٢]؛ فينبغي أن يتدارك الإنسان أعماله ويحاسب نفسه ويدعو الله عز وجل في كل حين وآن.
من الفقرات التي وردت في دعاء الافتتاح؛ فقرة يشكر فيها الإمام (عج) ربه أن أذن له بالدعاء: اَللَّهُمَّ أَذِنْتَ لِي فِي دُعَائِكَ وَ مَسْأَلَتِكَ)[٣]. وقد يقول قائل: هذه نعمة متاحة للجميع، فما وجه الخصوصية فيها؟ ليس الأمر كذلك. إن الرجل يطلب من الله يوم القيامة أن يُرجعه وذلك قوله سبحانه: (رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا مِنۡهَا فَإِنۡ عُدۡنَا فَإِنَّا ظَٰلِمُونَ)[٤]. ولكن ما هو الجواب؟ يقول لهم سبحانه: (ٱخۡسَـُٔواْ فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ)[٥]. ولا يُقال اخسئ إلا للحيوان نجس العين كالكلب مثلا. ففي يوم القيامة يخاطب رب العالمين بعض أهل المحشر بهذه الطريقة، فلا يسمح لهم بالتكلم أبدا. ولكن البشر في هذه الدنيا في كل لحظة يستطيعون السجود بين يدي الله سبحانه والدعاء بما يشائون.
كيف ندعو الله سبحانه؟
من الأمور التي ينبغي الالتفات إليها، هي آداب الدعاء. إنك عندما تدخل على وزير؛ فلابد أن تلتزم بما يُسمى بالبروتوكولات. وإذا أردت أن تدخل على الرئيس تتعقد هذه البروتوكولات وتكثر الآداب التي ينبغي أن تراعيها. فما هي الآداب التي ينبغي أن نراعيها عند الدعاء؟ الشرط الأول ما ورد في الدعاء نفسه: (فَاسْمَعْ يَا سَمِيعُ مِدْحَتِي)[٦]. فلا تطلب الحاجات وتُعدد المطالب من دون مقدمات. فاحمد الله عزوجل مدحاً بليغاً، وأطل في المدح والثناء. ومن هذه المدائح الجميلة قولنا: سبحان الله عدد آياته، سبحان عدد خلقه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله رضى نفسه. كم هو العدد؟ لا نعلم. فهل يُعقل أن يكتب لي رب العالمين التسبيح زنة العرش؟ نعم، إن الأمر بيده، وكما قال سبحانه: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ)[٧]. ثم تقول: الحمدلله مثل ذلك.
دور الصلاة على النبي وآله (صلوات الله عليهم) في استجابة الدعاء
ثم بعد أن تقدم الثناء، صل على النبي وآله (ص) صلاةً بليغة. ومن هذه الصلوات قولنا: اللهم صلي على النبي وآله حتى لا تبقى من صلواتك شيء، وبارك على النبي وآله حتى لا يبقى من بركاتك شيء. ولا أعلم بالتحديد صحة هذه الصلوات، وقد يقول قائل: هل من الممكن أن تنفد رحمة الله؟ بالتأكيد لا، ولكننا نبالغ في الصلاة على النبي وآله من خلال هذه الصيغة من الصلوات، ولا نقصد أن خزائن الله سبحانه تئول إلى النفاد؛ فهذا المعنى لا يليق بمقام الربوبية.
وهناك صلاة على النبي وآله (ص) لو أتيت بها في العمر مرة، كنت من أغنى الأغنياء. فإذا أتتك حالة مميزة وكنت في أرض عرفة مثلا، أو عند الطواف أو تحت الميزاب أو تحت القبة في الروضة أو في سائر مواطن الاستجابة، قل: اللهم صلي على النبي وآله، وصل على الصديقة فاطمة (س). قل ذلك ثم اذكر مصائبها في قلبك، وتمتم: وهل أتاك خبر المسمار، أو هي بنت من، هي أم من، وابك قليلا. ثم صل على الحسن المجتبى (ع)، وتذكر حاله وهو يلفظ ما في جوفه دماً. ثم صل على الشهيد بكربلاء الحسين (ع) وعلى ابنه زين العابدين وتذكر الأغلال والجامعة. ثم صل على محمد بن علي الباقر وعلى الإمام الصادق (ع) الإمامان اللذان قتلا بالسم.
ثم صل على موسى بن جعفر (ع) ذي الساق المرضوض بحلق القيود؛ فهذه العبارة تثير دموعك خاصة إذا كنت بجواره. ثم صلي على علي بن موسى (ع) وتذكر قول الشاعر:
وَقَـبرٌ بِطُوسٍ يَا لَهَا مِن مُصِيبَة
تـوقّـد بِـالأحشَاءِ فـي الـحُرُقَات[٨]
وصلي على محمد بن علي الجواد (ع) الذي قُتل في ريعان شبابه، وأول من قُتل من الأئمة (ع) في هذا العمر. ثم صل على الإمام الهادي والإمام العسكري (ع). فإذا وصلت إلى ذكر إمام زمانك (عج)؛ بالغ في إظهار مشاعر الحب له. إنك بذلك تصلي على النبي والمعصومين (ع) ببكاء مع ذكر كل إمام بتفصيل. وأنت لا تحتاج إلى من يقرأ لك المصيبة؛ فيكفي وأنت جالس في مكانك أن تتخيل ما جرى لكل واحد منهم (ع). فإن صليت على النبي وآله في أربعة عشر دمعة؛ كنت أقرب ما تكون إلى الإجابة. أنت في دقائق قليلة قد أثنيت على الله زنة عرشه، ومداد كلماته، وعدد آياته، ثم صليت على النبي وآله (ص) بهذه الدمعة في أربعة عشر مصيبة؛ أفلا ترجو عندها أن تأخذ من الله ما تريد؟
ادع الله بجوامع الدعاء
ولا تكتف بعد هذه المقدمة بطلب زوجة أو دابة أو ما شابه ذلك ولكن ادع الله عز وجل بما ورد في شهر رجب: أعطني بمسألتي إياك جميع خير الدنيا. فالمرأة من الدنيا والأموال من الدنيا، والتعيين[٩] من الدنيا والمنزل من الدنيا. ولا داعي لأن تفصل، فيكفيك أن تقول: علمك بحالي يغني عن سؤالي؛ فهو سبحانه: (يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ)[١٠]. وقولنا: فاسمع يا سميع؛ نعني به: استجب لنا. ولنك هناك عبارة تدعونا إلى التدبر، وكل أدعية أهل البيت (ع) جديرة بالتدبر والعبارة، هي: (يا رحيم دعوتي). فماذا تعني هذه العبارة؟
ما معنى قولنا: يا رحيم دعوتي؟
إن المعنى جميل وشاعري يفهمه أصحاب القلوب الرقيقة ومن الممكن أن ترق قلوبهم هنا. إنه يعني: يا رب، إن الداعي يكسر الخاطر[١١]، وأنا ملهوف مضطر؛ فانظر إلى فقري وذل موقفي. لقد جائني أحدهم يوما كانت له حاجة، ولم أكن مقتنعا بحاجته تلك؛ فكنت أحتمل كثيرا أنه كاذب، ولكنه عندما بكى أمامي أعطيته ما يُريد. إن الواحد منا لا يتحمل أن يبكي أمامه أحد، فلا يريد أن يشاهد منظر الذل والبكاء أمامه؛ فكيف برب العزة والجلال ومن نقول له: يا رحيم دعوتي؟
قد لا تستحق العطاء أحيانا…!
إنه يعز على رب العالمين أن يرد دعاء العبد؛ لأن بنائه على الاستجابة. كيف لا يكون ذلك وهو القائل: (مَّا يَفۡعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمۡ إِن شَكَرۡتُمۡ وَءَامَنتُمۡ)[١٢]. إنه يبحص عن ذريعة ليعطيك؛ ولكنك أنت من يضع الموانع ويُعرقل الاستجابة بأفعاله. تصور كريما له مستودع أو بحيرة من العسل، فتذهب إليه بكأس صغيرة وتقول له: أعطني من هذا العسل، فإذا به يرى نجاسة في كأسك فيقول لك: لا أضع العسل في هذه الكأس. فهو يمنعك لا بخلا؛ فالعطاء جاهز، وأمره كن فيكون؛ ولكنك لا تستحق العطاء أحيانا.
لماذا تبطأ علينا الإجابة؟
قد يزور الرجل جميع الأئمة (ع) في أسبوع واحد؛ فهو يتوجه من مشهد الرضا (ع) إلى العتبات في العراق، ومنها إلى المدينة المنورة، فيزور النبي (ص) وأهل البقيع (ع)؛ وبعد كل ذلك، يقول: لم يستجب الله لي دعائي، فلن أدعو بعد ذلك، وقد يتفوه بكلام لا يليق بمقام العزة والجلال. والحال أن الإجابة موجودة في دعاء الافتتاح: (وَ لَعَلَّ اَلَّذِي أَبْطَأَ عَنِّي هُوَ خَيْرٌ لِي لِعِلْمِكَ بِعَاقِبَةِ اَلْأُمُورِ فَلَمْ أَرَ مَوْلًى كَرِيماً أَصْبَرَ عَلَى عَبْدٍ لَئِيمٍ مِنْكَ عَلَيَّ يَا رَبِّ)[١٣].
إذا طلب من الطفل سكينة ليقطع بها شيئا أو طلب منك مسدسا وألح عليك في الطلب وبكى بكاء الثكلى لما أعطيته ما طلب. لأنك تعلم أن في حاجته هذه ضرره لا نفعه، وقد يكون فيها حتفه. فقدم الطلب وكن مؤدباً مع الله عزوجل؛ فهو أعلم منك بوقت الاستجابة، وما ينفعك مما يضرك. فقد ورد في حديث قدسي: (يَا اِبْنَ آدَمَ أَطِعْنِي فِيمَا أَمَرْتُكَ وَ لاَ تُعَلِّمْنِي مَا يُصْلِحُكَ)[١٤]. لا تقل أريد الزوجة الفلانية ولا أريد غيرها؛ بل قل: يا رب أريد زوجة لي أو لولدي، وهو أعلم منك بالصالحات. وإذا أردت مالاً، لا تقل: أريد مالا من هذه الجهة أو تلك، بل قل: يا رب، ارزقني وأنت خير الرازقين.
ستتمنى يوما لو لم يستجب لك الله دعاء واحدا
لقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (يَتَمَنَّى اَلْمُؤْمِنُ أَنَّهُ لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ دَعْوَةٌ فِي اَلدُّنْيَا لِمَا يَرَى مِنْ حُسْنِ ثَوَابِهِ)[١٥]. فقد تطلب من الله بيتاً صغيراً، فلم يستجب لك وبقيت مستأجراً إلى آخر العمر؛ فيعوضك عن ذلك قصراً عرضه السماوات والأرض. يُقال لك: في دار الدنيا بكيت على منزل تحت القبة الحسينية فما أعطيناك، والآن نعطيك قصراً بجوار قصر النبي وآله (ص). فأين قصر الآخرة من أكواخ الدنيا؟
[٢] سورة الفرقان: ٢٣.
[٣] زاد المعاد ج١ ص٨٦.
[٤] سورة المؤمنون: ١٠٧.
[٥] سورة المؤمنون: ١٠٨.
[٦] زاد المعاد ج١ ص٨٦.
[٧] سورة النحل: ١٨.
[٨] دعبل الخزاعي.
[٩] الوظيفة.
[١٠] سورة غافر: ١٩.
[١١] يثير الشفقة.
[١٢] سورة النساء: ١٤٧.
[١٣] زاد المعاد ج١ ص٨٦.
[١٤] وسائل الشیعة ج١٥ ص٢٣٥.
[١٥] بحار الأنوار ج٩٠ ص٣٧٨.
خلاصة المحاضرة
- من الأمور التي ينبغي الالتفات إليها، هي آداب الدعاء. إنك عندما تدخل على وزير؛ فلابد أن تلتزم بما يُسمى بالبروتوكولات. وإذا أردت أن تدخل على الرئيس تعقدت البروتوكولات وكثرت الآداب التي ينبغي أن تراعيها. من هذه الآداب الثناء على الله سبحانه والصلاة على النبي وآله (ص) قبل الطلب.
- إذا طلب من الطفل سكينة ليقطع بها شيئا أو طلب منك مسدسا وألح عليك في الطلب وبكى بكاء الثكلى لما أعطيته ما طلب. لأنك تعلم أن في حاجته هذه ضرره لا نفعه، وقد يكون فيها حتفه. فقدم الطلب وكن مؤدباً مع الله عزوجل؛ فهو أعلم منك بوقت الاستجابة، وما ينفعك مما يضرك.