- ThePlus Audio
الإدمان على الصور المحرمة
بسم الله الرحمن الرحيم
ما هي أهم العلوم؟
يمكن القول أن أهم العلوم هما علم الأديان وعلم الأبدان. إن الذي يبني بناء؛ له وزنه ومكانته إلا أن الذي يعالج إنساناً ينقذه من الموت له شأن آخر. ولهذا علم الطب هو على رأس العلوم الطبيعية، وبعد ذلك أو قبل ذلك علم الأديان. وهو أن يعرف الإنسان كيف ينقذ نفسه من نار جهنم. وشغل الطبيب أن ينقذك من الأمراض والجراثيم، و شغل العالم أن ينقذك من الشقاء. ويوجد في العلمين بحث مهم وهو علم الوظائف؛ أي وظائف الأعضاء. إن الطبيب الماهر هو الذي يعلم وظيفة العضو والآفات ثم العلاج، وهكذا الأمر في عالم الأرواح. إن العالم الرباني والواعظ المربي ومن شابههم؛ هو الذي يريك آفات الأعضاء من الناحية الباطنية. إن حديثنا سيكون حول جارحة من الجوارح؛ لا من الزاوية الطبيعية فهذا شأن الأطباء وإنما من الزاوية الباطنية: ألا وهي جارحة العين.
من عجائب العين البشرية
إن هذا العضو في الحقيقة عضو مذهل، ورغم أنه كما وصفه أمير المؤمنين (ع): (يَنْظُرُ بِشَحْمٍ)[١]. إلا أنه يعمل لسنوات من دون خلل وعطب. إلا أن الكاميرات تترقى في كل سنة ولو استعملت لسنوات لآل أمرها إلى الخراب بالرغم من أنها مصنوعة من الحديد. إن هذه الكتلة الشحمية اللحمية فيها الأعاجيب. ولو بحث الإنسان عن أسرار هذه الجارحة لذهل في الحقيقة.
وبين قوسين سريعين، أقول: (إن المؤمن إذا أراد أن يتخصص في الطب؛ فإن من أفضل التخصصات هذا التخصص، ابتعاداً عن الشبهات. إذ بإمكان الطبيب أن يعالج امرأة لا يبدو منها إلا عينها[٢]، وذلك أقرب إلى التقوى).
وأما العين وما أدراك ما العين؟ يقول سبحانه: (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ)[٣]. من تأتي هذه الرطوبة فيها؟ فهي مرطوبة دائما ليلا ونهارا، ولو نشفت هذه الرطوبة في عينيك لعشت الأمرين. ثم إن الصورة هي مقلوبة في الشبكية؛ فإنك ترى الأشياء مقلوبة ولكن في الواقع تراها مستويه في الشبكية. هناك صورة من الشبكية إلى المخ، ولا نعلم ماذا يجري من التفاعلات والذبذبات العصبية والأهم من ذلك ما يجري في المخ من تحليل الصور، وإلا فإن عين الميت أيضا تعكس الصورة في الشبكية ولكن الصلة بين العين والمخ منقطعة وكذلك المغمى عليه.
وهناك أعاجيب سألت عنها بعض أطباء العيون. إن أسرار العين من أعقد أسرار الوجود. إنك تنظر إلى القمر ثم تنظر إلى الكتاب فتتأقلم العين في أقل من ثانية؛ بينما هذه الكاميرات الحديثة لابد أن تغير من تركيبتها. إن هذه الكاميرات تريك الصورة بينما أنا أراك بأبعادك الثلاثية الى آخر ذلك من الأمور المذهلة، فلسنا في مقام بيان أسرار العين.
إن من الأمور المسلية تسلية نافعة أن تقرأ وتنظر إلى عجائب البدن. إن هذا الاطلاع في الحقيقة يؤثر في إقبالك في الصلاة. جرب ذلك. انظر إلى عظمة الخلقة من خلال الأفلام الوثائقية وانظر نفسك عندما تأتي إلى المسجد كيف ستقول في صلاتك: (إياك نعبد وإياك نستعين)؟ من دون شك ستقولها بلحن آخر لأنك ترى عظمة الخلق.
إن الإنسان يرى بهذا العين الحلال والحرام. إن مشكلة العين أن الصور التي تلتقطها من الخارج لا تدخل المخ كما هي وإنما تتأطر بأطر الغريزة. قد يرى الإنسان امرأة غير محرم في وضع غير لائق؛ فيتفاعل مع الصورة وتتغير النفسية وتنقدح الغريزة. ولهذا تظهر على بدنه بعض العلامات من أثر هذا النظر، وقبل أن ينام ينظر إلى هذه الصور المختزنة في النفس، فإذا نام يحتلم مثلا. فالقضية معقدة.
إدمان النظر إلى الحرام
وقد ينظر الإنسان نظرة عابرة يستغفر بعدها وتنتهي القصة؛ ولكن تأتينا رسائل من الشباب يذكرون فيها أنهم قد أدمنوا النظر إلى الحرام عشرين سنة وينظرون في اليوم والليلة كذا مرة. ومع الأسف الشديد أصبح هذا الحرام في جيبنا؛ فهذا الجهاز تقرأ فيه القرآن الكريم والدعاء وتبكي وهو نفسه تنظر فيه إلى الصور المحرمة. لو أراد أحدهم أن ينظر إلى الحرام قبل خمسين أو مئة سنة كان يبحث الليالي والأيام ويذهب إلى السوق عسى أن يجد امرأة فاتنة. ولكن هذه الأيام نرى الطفل البريء في الخامسة والسادسة من عمره؛ ينظر إلى الحرام وإن كان لا يتفاعل إلا أنه يخزن الصور وهذه كارثة من الكوارث.
إننا نعتب على الإنسان العاقل؛ فتارة ينظر الإنسان إلى امرأة يعجب بها فيتتبعها ليطلع على عنوان منزلها حتى يخطبها في نهاية المطاف وقد أجاز الفقهاء النظر إلى محاسنها قبل العقد؛ لكي تتزوجها وأنت عالم بها. ولكن أي عاقل ينظر إلى الحرام الصوري أو الحرام الإلكتروني، وهي ليست إلا صورا وذبذبات في الجهاز ولعل أصحاب تلك الصور ماتوا منذ عشرات السنين وولكنك اليوم تقع في الحرام بسببهن؟ ما هي النتيجة من هذه النظرات؟ هل خطبتها؟ هل عقدت عليها؟ هل تزوجتها؟ إنه حرام لا معنى له ولا طعم له.
لو كان شباب المدينة في زماننا هذا..!
وإنني أقول: ساعد الله قلب شبابنا في هذه الأيام لما يرون من الأعاجيب. لقد روي عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: (اِسْتَقْبَلَ شَابٌّ مِنَ اَلْأَنْصَارِ اِمْرَأَةً بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ اَلنِّسَاءُ يَتَقَنَّعْنَ خَلْفَ آذَانِهِنَّ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَهِيَ مُقْبِلَةٌ فَلَمَّا جَازَتْ نَظَرَ إِلَيْهَا وَدَخَلَ فِي زُقَاقٍ قَدْ سَمَّاهُ بِبَنِي فُلاَنٍ فَجَعَلَ يَنْظُرُ خَلْفَهَا وَاِعْتَرَضَ وَجْهَهُ عَظْمٌ فِي اَلْحَائِطِ أَوْ زُجَاجَةٌ فَشَقَّ وَجْهَهُ فَلَمَّا مَضَتِ اَلْمَرْأَةُ نَظَرَ فَإِذَا اَلدِّمَاءُ تَسِيلُ عَلَى صَدْرِهِ وَثَوْبِهِ فَقَالَ وَاَللَّهِ لآَتِيَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَلَأُخْبِرَنَّهُ قَالَ فَأَتَاهُ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قَالَ لَهُ مَا هَذَا فَأَخْبَرَهُ فَهَبَطَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِهَذِهِ اَلْآيَةِ: «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكىٰ لَهُمْ إِنَّ اَللّٰهَ خَبِيرٌ بِمٰا يَصْنَعُونَ »)[٤].
وهذا والنبي في الأمة يخطب فيها وخطبة النبي (ص) مغيرة للنفوس فهي ليست كخطبنا. ثم هل كان النبي (ص) وهو الحاكم في المدينة أن يدع الحرام يرتكب فيها؟ والصحابة كذلك من حوله وعلي (ع) وصيه على رأسهم فكانت الأجواء معقمة. وكان الخمار الذي يضعونهن على الرئوس يربط من الخلف؛ فكان من الطبيعي أن يظهر الصدر والرقبة. ولذلك نزل قوله سبحانه: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)[٥]؛ وفي أوائل الدعوة لم يكن حتى الخمر محرما وإنما حرمت بعض الأمور تدريجياً. وقد عاد الشاب إلى رشده فورا وذهب إلى النبي (ص) يخبره. وهنيئا لمن كان في زمان رسول الله (ص).
ليأت هذا الشاب ولينظر إلى الأعاجيب التي ظهرت في زماننا هذا. ولذلك يروى: (يَأْتِي عَلَى اَلنَّاسِ زَمَانٌ اَلصَّابِرُ عَلَى دِينِهِ مِثْلُ اَلْقَابِضِ عَلَى اَلْجَمْرَةِ بِكَفِّهِ)[٦]. إن الشاب في دولة أجنبية وفي زاوية في جوف الليل حيث لا رقيب ولا حسيب لو قاوم الشهوة لكان أعلى من الملائكة.
المدمن على الصور المحرمة
إن المدمن تتغير تركيبته الغريزية. والغريزة أمر واقعي تجري في الدم؛ فالهرومونات الذكورية والأنوثية لها واقع. ولهذا يعطى الإنسان دواء للتخفيف من هذه الإفرازات في مخه. إن مدمن الحرام دمه فاسد ومخه فاسد وهرموناته تفرز بشكل غير اعتيادي. لقد اعترف أحد الشباب المراهقين من مدمني الحرام أمامنا فقال: تكاد الشهوة تخرج من أعضائي كلها والمقصر في ذلك النظر الحرام. لقد غير من تركيبته. ولهذا عندما تعظه يهز رأسه ولكن سرعان ما تذهب الموعظة أدراج الرياح. إن المدمن إذا وصلت الساعة التي يتعاطى فيها المخدر ولم يجد المخدر ماذا يصنع؟ إنه يفعل كل شيء وقد يتسلق الحائط. لقد سألت بعض الإخوان حول هذه الكلاب التي تبحث عن المخدرات كيف تكتشف المخدرات؟ قال الأمر واضح؛ إنها قد أدمنت على المخدر فعندما تشم رائحة المخدر تخرج عن طورها فتنبح نباحاً كثيرا.
إن الإنسان عندما يدمن على الخمر أو على المخدر أو على النساء أو على الصور – مع فارق التشبيه – يكون مثله كهذا الحيوان فهو عندما يصل إلى الحرام يخرج عن طوره.
خلاصة المحاضرة
- إن من الأمور المسلية تسلية نافعة أن تقرأ وتنظر إلى عجائب البدن. إن هذا الاطلاع في الحقيقة يؤثر في إقبالك في الصلاة. جرب ذلك. انظر إلى عظمة الخلقة من خلال الأفلام الوثائقية وانظر نفسك عندما تأتي إلى المسجد كيف ستقول في صلاتك: (إياك نعبد وإياك نستعين)؟ من دون شك ستقولها بإقبال.
- لقد سألت أحدهم عن هذه الكلاب التي تبحث عن المخدرات كيف تكتشفها؟ قال: إنها قد أدمنت على المخدر فعندما تشم رائحة المخدر تخرج عن طورها فتنبح نباحاً كثيرا. إن الإنسان عندما يدمن على الخمر أو على المخدر أو على النساء أو على الصور المحرمة – مع فارق التشبيه – يكون مثله كهذا الحيوان.