Search
Close this search box.
  • هل يُمكن أن يصلي أحدنا من دون خواطر تُزعجه؟
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

هل يُمكن أن يصلي أحدنا من دون خواطر تُزعجه؟

بسم الله الرحمن الرحيم

كيف أخلص نيتي لله سبحانه؟

كيف يصل المؤمن إلى مرحلة لا يقدم خطوة ولا يؤخر أخرى إلا لوجهه الله سبحانه؟ إن المؤمن يصل إلى هذه المرحلة إذا استشعر شيئاً من جلال المولى وجلاله. فالجاهل أو العالم غير المحب لا تأتيه هذه النية. هل يعمل للمجهول؟ إن الرجل ليعلم إجمالا أن لهذا الكون صانعاً، ولكن هذا العلم لا يُحركه في كثير من الأحيان للعمل، ولابد من أن يصل هذا العمل إلى مرحلة الحب كما قال سبحانه: (وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبّٗا لِّلَّهِ)[١].

إن مركب الحب أقوى مركب في الوجود. هل رأيت إنساناً ينتحر لأنه لم يصل إلى مال؟ قد يكون ذلك، ولكننا أكثر ما سمعنا عمن انتحر لأنه لم يصل إلى من يهوى. وكم سمعنا عن عاشقين انتحرا معا، حيث قالوا: لا خير في الوجود من دون وصال. فما بال الناس يقدمون حياتهم للأباطيل ولا يقدمونها للحق الحقيق. والجواب ببساطة هو: أنهم لم يرو جمالاً إلهيا. إن من رأى الجمال البشري وصار أسيراً؛ كيف به إذا رأى جمالاً إلهياً؟ ولا يرى هذا الجمال من لم يجد في قلبه معرفة تفصيليةً ومحبة. ألسنا نقرأ في دعاء أمير المؤمنين (ع): (اِجْعَلْ لِسَانِي بِذِكْرِكَ لَهِجاً، وَقَلْبِي بِحُبِّكَ مُتَيَّماً)[٢]. إنه (ع) يطلب لسانا ذاكرا ولكنه يذكر العلة التي تجعل اللسان ذاكر وهو القلب إذا كان متيما[٣]، لا أن يكون محباً عادياً.

كيف أنوي نية صادقة؟

إن من يريد النية الصادقة والقلب السليم؛ ولابد وأن يعمل على في هذين الحقلين. صعد من مستوى اليقين، ومن مستوى المعرفة إما بالمشاركة في دورات دينية أو الذهاب إلى الحوزة أو أي طريقة تناسبك من أجل ذلك. ابحث عن المعرفة، ولتكن هدفا من أهدافك بعيدا عن الطعام والشراب والنساء، حتى تكون في ساعة الموت في أعلى درجة، وهذه النية هي النية التي تُبرمج حياتك على أساسها. وكما روي: (إِنَّ نِيَّةَ اَلْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ)[٤]، وقد قيل: (إِنَّ اَللَّهَ يُعْطِي اَلْعَبْدَ عَلَى نِيَّتِهِ مَا لاَ يُعْطِيهِ عَلَى عَمَلِهِ لِأَنَّ اَلنِّيَّةَ لاَ رِيَاءَ فِيهَا)[٥]. كيف ترائي في النية؟ هل تقول للناس: إن في قلبي قصد القربة؟ إن الناس لا يطلعون على قلبك. إن نية المؤمن خير من العمل؛ لأن النية لا تصاب بالآفات والعمل يصاب بالآفة.

هل يدعك الشيطان تصلي بخشوع؟

وقد تُحاول ألا تشوب نيتك بشائبة الرياء وطلب الجنة أو طلب القرب، وقلت: يا رب، أريد أن أصلي كما أمرتني؛ فهل تظن أن العدو الرجيم يدعك وشأنك؟ إنه بالمرصاد، يحاول أن ينقض النية. فقد تبدأ الصلاة بالنية السليمة ثم تكبر تكبيراً خاشعاً وتقرأ الفاتحة خاشعاً وتقرأ السورة خاشعا؛ ولكن يبقى إبليس ينظر إليك وينتظر الهفوة منك، ليدفعك عن السبيل. لقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (يَأْتِي أَحَدَكُمُ اَلشَّيْطَانُ فِي صَلاَتِهِ فَيُلَبِّسُ عَلَيْهِ صَلاَتَهُ حَتَّى لاَ يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِهِ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَجَالِسٌ)[٦]. يقول سبحانه: (فَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ)[٧].

حقيقة الاستعاذة

والاستعاذة لا تكون بألفاظ يجريها العبد على لسان، كأن يقول: أعوذ برب الناس مثلا، وإنما الاستعاذة هي طلب اللجوء إلى الحصن الإلهي والدخول في مأمنه وفي حمايته. إن الشيطان يأتيك وقت قراءة القرآن، فكيف إذا جمعت بين القرآن وبين الركوع والسجود؟ السجود الذي كان جعل إبليس في عداد الملعونين لأنه أبى.

وهنا تقول الرواية: (حَتَّى لاَ يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى)؛ فقد تقرأ الركعة الأولى بتوجه، وتقنت باكيا في الركعة الثانية، ثم تشك في الثالثة والرابعة؛ فأنت بين ركعتين وجيهتين وركعتين تالفتين. فلا تأمن الشيطان من أول الصلاة، وحاول أن تنتبه لكيده حتى آخر لحظة في صلاتك. ما جزاء من راقب قلبه في الصلاة وفي غير الصلاة؟ تقول الرواية: (لَوْ لاَ أَنَّ اَلشَّيَاطِينَ يَحُومُونَ عَلَى قُلُوبِ بَنِي آدَمَ لَنَظَرُوا إِلَى مَلَكُوتِ اَلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرْضِ)[٨].

ابحث عن الملكوت

لقد ذكرنا آنفا أن أصحاب المحبة والعلم، تأتيهم نية القربة، فكيف بمن رأى الملكوت؟ لقد أمضى أحد علمائنا عمراً في تربية نفسه وغيره؛ فلخص قبل الموت في الحياة قائلا: عليكم بصلاة أول الوقت؛ فالكمال كل الكمال يبدأ من إتقان الصلاه. لأنك إن أتقنت الصلاة رأيت الملكوت، وإن رأيت الملكوت، صارت نيتك صافية لا في الصلاة فحسب؛ بل في غير الصلاة. والنتيجة: (قُلۡ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحۡيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ)[٩]. إن رب العالمين قد أرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض؛ فمن أراد أن يكون إبراهيمياً في طلبه، ليكن إبراهيمياً في مرتبته. فاعمل على صلاتك وعلى إبعاد الشياطين منك، ولا تنس قوله سبحانه: (إِنَّهُۥ لَيۡسَ لَهُۥ سُلۡطَٰنٌ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ)[١٠].

إنه لا سلطان له على المتوكلين؛ أي من يبرأ من حوله وقوته ولا يرى لنفسه قدرة على المواجهة. فإذا لم ييأس الشيطان من الأنبياء والمرسلين؛ فما هو وزني ووزن أمثالي؟ حاول قبل أن تكبر، أن تتوكل على الله عز وجل، وأن تأتي بما هو وراد في هذه الساعات. قل: يا رب، أعني على صلاتي، واجعلني مقيم الصلاة، رب أقمها وأدمها، يا محسن قد أتاك المسيء، أعوذ بك من همزات الشياطين.

كيف ندفع الخواطر في الصلاة؟

ولا يُمكن أن يسلم الإنسان من الخواطر التي تترا عليه في الصلاة، ولا يسلم منها إلا المعصوم. ولكن ليس من المستحيل أن تصل إلى مقام تتحكم فيه بهذه الخواطر. ومن أجل ذلك، اجعل همتك أن تصل إلى درجة تصلي لله ولو ركعتين من دون خواطر. ولا بأس بالخواطر القهرية التي لا تكون باختيارك. إن الشيطان يعطيك رأس الخيط، وأنت لست بملوم أو مدان إلا إذا تابعته ومشيت معه. لو أعطاك الشيطان من أول الصلاة إلى آخرها، خمسين خيطاً فقطعت خيوطه فأنت مصل خاشع. يقول لك: اذكر كلمة زوجتك قبل قليل، تذكر أن صاحبك فلان قبل سنوات قال عنك كذا، تجارتك قد تكسد، ألا تفكر فيها؟ وهنا ما عليك إلا أن ترفض الاسترسال معه. فلو عشت من أول الصلاة إلى آخرها حربا مع إبليس فأنت على خير، ولا ينبغي أن تقلق أو تستوحش من الخواطر.

إنه يأتيك بعشر خواطر، فتحاربه، ثم يأتيك مرة أخرى بثمان خواطر، فتحاربه، وبعد سنة يأتيك بخاطرتين إلى أن تُمسك زمام الخواطر بيدك، فلا يستطيع أن يأتيك بخاطرة من الخواطر. وكم رأينا وسمعنا عمن يقول: الله أكبر، فيبحر في بحر الصلاة ولا يرجع إلى بر الدنيا إلا بعد الفراغ منها. وهذه الرحلة الممتعة، لا رحلة صيد السمك والحيوان، ولا الذهاب إلى مصايف الغرب أو الشرق. ابحث عن هذه السياحة الجميلة، والمتاحة في اليوم خمس مرات. أو لا يحق لهؤلاء أن يرقصوا طرباً بعد الفراغ من صلاتهم؟ وَرُوِيَ: أَنَّ الإمام الصادق (ع) (كَانَ يُصَلِّي فِي بَعْضِ اَلْأَيَّامِ فَخَرَّ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ اَلصَّلاَةِ فَسُئِلَ بَعْدَهَا عَنْ سَبَبِ غَشْيَتِهِ فَقَالَ مَا زِلْتُ أُرَدِّدُ هَذِهِ اَلْآيَةَ حَتَّى سَمِعْتُهَا مِنْ قَائِلِهَا)[١١].

[١] سورة البقرة: ١٦٥.
[٢] مصباح الزائر  ج١ ص٣١٧.
[٣] التَّيْمُ :أَنْ يَسْتَعْبِدَه الهَوَى، وقد تامَتْهُ المَرْأةُ تَيْمًا ،وتَيَّمَتْهُ.
[٤] بحار الأنوار  ج٧٤ ص١٧٧.
[٥] مجموعة ورّام  ج١ ص١٨٧.
[٦] عوالي اللئالي  ج١ ص١٠٩.
[٧] سورة النحل: ٩٨.
[٨] بحار الأنوار  ج٦٠ ص٣٣٢.
[٩] سورة الأنعام: ١٦٢.
[١٠] سورة النحل: ٩٩.
[١١] مفتاح الفلاح  ج١ ص٣٧٢.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • ولا يُمكن أن يسلم الإنسان من الخواطر التي تترا عليه في الصلاة، ولا يسلم منها إلا المعصوم. ولكن ليس من المستحيل أن تصل إلى مقام تتحكم فيه بهذه الخواطر. ومن أجل ذلك، اجعل همتك أن تصل إلى درجة تصلي لله ولو ركعتين من دون خواطر. ولا بأس بالخواطر القهرية التي لا تكون باختيارك.
  • لو أعطاك الشيطان من أول الصلاة إلى آخرها، خمسين خيطاً فقطعت خيوطه فأنت مصل خاشع. يقول لك: اذكر كلمة زوجتك قبل قليل، تذكر أن صاحبك فلان قبل سنوات قال عنك كذا، تجارتك قد تكسد، ألا تفكر فيها؟ وهنا ما عليك إلا أن ترفض الاسترسال معه.
  • الاستعاذة لا تكون بالألفاظ كأن يقول: أعوذ برب الناس مثلا، وإنما الاستعاذة هي طلب اللجوء إلى الحصن الإلهي والدخول في مأمنه وفي حمايته. إن الشيطان يأتيك وقت قراءة القرآن، فكيف إذا جمعت بين القرآن وبين الركوع والسجود؟ السجود الذي كان جعل إبليس في عداد الملعونين لأنه أبى.
Layer-5.png