Search
Close this search box.
  • كيف نستعد للصلاة قبل حضورها؟
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

كيف نستعد للصلاة قبل حضورها؟

بسم الله الرحمن الرحيم

الاستعداد للصلوات قبل حلول أوقاتها

من الأمور التي ينبغي الاهتمام بها عند حضور الصلوات؛ التهيئة والاستعداد. لا ينبغي أن يتوقع الإقبال في الصلاة من يتوضأ فيشرع في صلاته من دون أذان وإقامة. إنني لاحظت أن مهندس الوجود رب العالمين؛ قد هندس الصلوات الخمس بصورة يتهيأ فيا الإنسان قبل الصلاة التي ينوي الإتيان بها. فصلاة الفجر مسبوقة بنافلة الليل، وصلاة الظهر مسبوقة بنافلة الظهر، وصلاة العصر مسبوقة بنافلة العصر، وصلاة المغرب مسبوقة بالتسبيح لقوله تعالى: (وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ ٱلۡغُرُوبِ)[١]. إن المؤمن الملتفت أهل التعبد؛ له وقفة ولو لخمس دقائق قبل الغروب يأتي بالآداب المذكورة والأذكار الواردة قبل غروب الشمس. وأما صلاة العشاء فهي مسبوقة بالغفيلة، وبالركعات الأربع نافلة المغرب.

ولم يجعل الله سبحانه هذه النوافل إلا ليهيئ الإنسان نفسه ويستعد للفريضة التي هي اللقاء الرسمي مع رب العالمين. ويستثقل الكثير الإتيان بهذه النوافل ويقول: إنني أقوم إلى الفرائض متثاقلا؛ فكيف تطالبني بالمستحبات التي هي أكثر من الواجبات؛ كنافلة الظهر مثلا؟ ولكنه يغفل عن أن هناك الكثير من الأنشطة اللاغية التي يقوم بها، والتي لا تكون عندها هذه الركعات الثمان إلا عشر معشار ما يصرفه من الوقت في تلك النشاطات.

سجدة تألية قبل كل صلاة…!

فإن كان ولابد من ترك النافلة؛ فهيئ نفسك بسجدة بين يدي الله عز وجل لا تكلفك شيئا، واجعلها سجدة تأملية. إن من السجدات المطلوبة للمؤمن؛ سجدة خالية من أي ذكر يجعل فيها رأسه على التراب ويفكر في أمره ويتأمل. ومن يسجد بين يدي الله عز وجل متأملاً؛ تأتيه الأفكار الجميلة لأنه قريب إلى الله عز وجل. وإن كنت تريد أن تفكر في شيء نافع فكر فيه أثناء السجود في المسجد. وإنني أحيانا عندما أريد أن أفكر في أمر علمي؛ أفكر في السجدة، وتأتيني فكرة محاضرة نافعة. لأن الإنسان فيسجوده هو في حال قرب من الله عز وجل. وبلإمكانك أن تستغفر الله في هذه السجدة، أو تأتي بالذكر اليونسي.

لا فلاح لمن لا صلاة خاشعة له…!

ثم إياك وإياك أن تظن؛ أن الصلاة الخاشعة هي من نافلة القول، فالله سبحانه يقول: (قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ * ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ)[٢]. فالذي لا يخشع في صلاته ليس من المفلحين. إن مشكلتنا تكمن في أننا جعلنا هذه الدرجات، كمالية، أو وقف على رجال الحوزات والعلماء. والحال أن هذه الآية تبين لنا بوضوح وبصراحة أن غير الخاشع، غير فالح، ونقطة على السطر.

أفرغ ذهنك قبل الصلاة بدقائق

من الأمور التي تساعدنا على التهيئ والاستعداد لصلاة خاشعة؛ اختيار حالة برزخية قبل الصلاة. فإن كنت في نقاش جاد مع زوجتك وقرب وقت الأذان، قل لها: يا فلانة، لنؤجل هذا النقاش إلى وقت آخر. اجعل فترة من الهدوء والسكوت قبل الصلاة، وهذه الفترة البرزخية؛ تستعيد فيها القدرة على التركيز. وكذلك من يأتي إلى المسجد يستطيع أن يستثمر هذه المسافة التي يقطعها إلى المسجد؛ للانقطاع عن كل شيء.

ثم إنه – ومع الأسف الشديد – نرى البعض لحين وقت الصلاة؛ مشغول بالاتصالات الهاتفية من معاملات، وبيع وشراء، وحل نزاع، أو غزل أو إلى آخره، وكما يُقال: (كل يغني على ليلاه). والأجدر بالمؤمن أن يدع هذه الأجهزة جانبا دقائق قبل الأذان، ويستعد للصلاة مع رب العالمين. إن الرجل إذا كان له موعد مع وزير أو أمير؛ يفكر قبل الموعد بأيام في كيفية هذا اللقاء وطريقة شروع البحث والكلام وغير ذلك؛ فكيف يمن يريد أن يلتقي مع رب الأرباب وسلطان السماوات والأرض؟

فترة النقاء بين الصلاتين

ومما يعين الإنسان على صلاة خاشعة؛ النقاء بين الصلاتين. إن من كان مشغولا بين الطلوعين بالتعقيبات، ولم يعص الله عز وجل من طلوع الشمس إلى زوالها، لا بنظره، ولا بسمعه، وولا بلسانه؛ يكون قريبا جدا إلى الصلاة الخاشعة، لأنه قد حافظ على نقاءه. ويُمكن الثول إجمالا: أن من لم يرتكب الحرام بين الفريضتين؛ أقرب من غيره إلى الخشوع في الصلاة، بخلاف من ارتكب حراما وخاصة قبيل دخول الوقت. كمن دخل السوق ونظر إلى ما لا ينبغي النظر إليه بشهوة وريبة ثم جاء إلى المسجد؛ فهل يُرجى منه صلاة خاشعة؟ أو ترى الرجل جالسا في المسجد ينتظر الأذان، وإذا به يرى صاحبه بجانبه؛ فبدلا من التنفل، وقراءة القرآن، ينشغل بالغيبة؛ فهو يأمل لحم الميتة في بيت الله، ثم يريد بعد ذلك صلاة خاشعة .إنه بغيبته هذا أصبح محدثا حدثاً باطنياً.

لا تلطخ نفسك بما تستهوي به الشياطين

يذكر العلماء في كتب الأخلاق: أن البعض من الناس يلطخ نفسه بالعسل ثم يذهب إلى بيت النحل أو يقترب من خلية النحل؛ فإذا بالزنابير تهجم عليه، وتلدغه من رأسه إلى قدمه. إن البعض منا هكذا يلطخ نفسه بما يستهوي الشياطين؛ فالذي يكثر من فضول القول والنظر؛ من الطبيعي أن تنجذب له الشياطين لا للملائكة.

احذر من هذه المصيبة؛ إن خالفت الله بين الفرضين

ومن الغريب أن المنشغل بالباطل أو بالحرام؛ يأتيه ما كان منشغلا به في أول فريضة يصليها، وكأن الله عز وجل يريد أن يعاقبه ويقول له: ارجع إلى ما كنت عاكفاً عليه. قد تقول: وكيف يورطني رب العالمين؟ الأمر يبدأ من الإغواء ليصل إلى الخذلان؛ فيكفي أن يرفع عنك رب العالمين الحصانة لتسقط في أحضان الشياطين وتكون أسير أهوائك. فلو شفط الطبيب من جسمك الكريات البيضاء لانتهى أمرك ولسقطت من أول جرثومة تدخل في جسم. إن الله سبحانه بإمكانه أن يرفع عنك الحماية، فهي فضل منه. يقول سبحانه: (وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ أَبَدٗا وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ)[٣]، وقال عز من قائل: (وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ لَٱتَّبَعۡتُمُ ٱلشَّيۡطَٰنَ إِلَّا قَلِيلٗا)[٤]. وهذا لا ينافي العدالة الإلهية، حيث يقول سبحانه: تفضلت عليك بالحماية، وأنا أرفعها عنك وانتهى الأمر.

إلى ما كان يفزع أمير المؤمنين (ع) في شدائده؟

ولا ننسى أننا لا نخلو من المشاكل والهموم؛ فمن منا أموره كلها على ما يرام دائما؟ هب أنك كذلك اليوم، فهل تضمن حالك غداً؟وإلى أن نموت تفاجئنا عشرات الحوادث؛ لا في أنفسنا فحسب، بل في أولادنا ونساءنا. فما هو الحل، وإلى ما نفزع؟ هل نفزع إلى زيد وعمر؟ هب أن زيداً وعمراً أعانانا هذا اليوم، فمن يعيننا غدا؟ لنتعلم من أئمة أهل البيت (ع) إلى ما كانوا يفزعون عند العظائم.

لقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (كَانَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِذَا هَالَهُ شَيْءٌ فَزِعَ إِلَى اَلصَّلاَةِ ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ اَلْآيَةَ: «وَاِسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَاَلصَّلاٰةِ»). فإذا ما وقعت في ورطة أو في مصيبة؛ تطهر وتزين وتعطر واذهب إلى المسجد وصل ركعتين بتوجه، ثم قل: إلهي، عبيدك بين يديك، مسكينك بين يديك، البيت بيتك والعبد عبدك؛ فإن ذرفت عيناك بمقدار جناح بعوضة وخاصة إذا كنت ساجداً؛ ثق بالفرج إما عاجلا وإما آجلاً، وإما أن تُدخر لك الاستجابة في عرصات القيامة أحوج ما تكون إلى الحسنة الواحدة.

[١] سورة ق: ٣٩.
[٢] سورة المؤمنون: ١-٢.
[٣] سورة النور: ٢١.
[٤] سورة النساء: ٨٣.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن من يلطخ نفسه بالعسل ثم يذهب إلى بيت النحل أو يقترب من خلية النحل؛ تهجم عليه الزنابير، وتلدغه من رأسه إلى قدمه. إن البعض منا هكذا يلطخ نفسه بما يستهوي الشياطين؛ فالذي يكثر من فضول القول والنظر؛ من الطبيعي أن تنجذب له الشياطين لا للملائكة
Layer-5.png