Search
Close this search box.
  • مهما حاولت لم أقبل في صلاتي…!
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

مهما حاولت لم أقبل في صلاتي…!

بسم الله الرحمن الرحيم

الصلاة بين الإجزاء والقبول

إن أحدنا ليقوم بإقامة الصلوات المفروضة بشيء من الجهد، ولكنه يغفل عن أمر مهم فيها وهو روح تلك الصلوات. ترى الواحد منا يستيقظ لصلاة الفجر بعد ثقل النوم، ويترك الاجتماع أو العمل ليصلي الظهرين، وهكذا الأمر في العشائين. وقد يصلي صلواته جميعا في أول الوقت وفي المساجد جماعة؛ أي في الوقت والمكان المناسبين. إلا أنه هذه الصلوات هي القالب التي تفتقر إلى روح الخشوع. إن آدم (ع) لم يُصبح مسجود الملائكة إلا بعد أن نفخ الله فيه الروح. فصلواتنا أيضا من دون هذه الروح ليس لها تلك القيمة. بلى، إنها مجزية ولكن الإجزاء غير القبول.

ضرورة المشاركة في دورات الصلاة الخاشعة

فلابد للمؤمن أن يشارك في دورة للصلاة الخاشعة؛ مسموعة كانت أو مقروءة. لقد اهتم علمائنا السلف من أمثال الشهيد وغيره بهذا الموضوع وقد كتبوا في الصلاة الخاشعة. ولا أقول أن المكتبة ثرية بهذه الكتب وأمثالها؛ إلا أنه توجد كتب لا بأس بها والمؤلفين لابد أن يهتموا بهذا الموضوع ليثروا مكتبتنا الإسلامية بالكتب التي تتحدث عن أهم ركن أو عمود في الدين. ولم نصل إلى الآن إلى المستوى المطلوب، وهناك مجال للتجديد والإضافة. إن أحدنا مطالب بأن يقرأ كتابا أو كتابين أو أكثر من ذلك، ويُحاول هو بنفسه أن يكتشف القواعد في هذا المجال.

لا تقنع بصلاتك مهما بالغت فيها

إن الصلاة حديث مع الرب؛ كما أن القرآن حديث الرب مع العبد. وللصلاة درجات؛ فصلاة النبي وآله (ص) لا تقاس بصلوات غيرهم، ولكن لا يجعلنا ذلك أن نييأس؛ فالمؤمن طموح، وهو يسعى بكل جهده أن يرقى إلى أعلى درجة ممكنة. إن أئمتنا (ع) يرفعون سقف هذه الهمة، فقد ورد عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (لَوْ يَعْلَمُ اَلْمُصَلِّي مَا يَغْشَاهُ مِنْ جَلاَلِ اَللَّهِ مَا سَرَّهُ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ سُجُودِهِ)[١]. وليس الإمام (ع) يصف ما يشغى الأئمة (ع) أو ما يغشى النبي (ص) في صلاته، وإنما يتحدث عن عموم المصلين. فكل واحد منا مرشح لهذه الدرجة من العلم. وتعني الرواية: أنك ستعيش بعض العوالم الذيذة التي تجعلك لا ترفع رأسك من السجود.

سكر الصلاة…!

لقد التقيت بعض مدمني هذه المواد المخدرة، وسألتهم: لماذا تتعاطون هذه المخدرات وأنتم على علم بما يقوله الأطباء حول مضارها وتلفها للعقل وللأعصاب؟ يقولون: لأننا نعيش عالما من المتعة واللذة بذلك. وكما جعل الله سبحانه في الخمر وبعض المواد خاصية السكر والتخدير؛ قد جعل سكراً من نوع آخر يشعر بشيء منه المؤمن المتقن لصلاته.

هل هناك ضرورة لإتقان الصلاة والخشوع فيها؟

ولابد لنا من الرجوع إلى روايات أهل البيت (ع) الواردة في هذا الصدد؛ لنقف على ما ينبغي لنا تعلمه والعمل به للوصول إلى صلاة هي غاية في الاتقان والخشوع. وليس هذا الحدث حديثا ترفيا أو استحبابيا، وإنما هو من أصول ما يحتاجه المؤمن في مسيرة تكامله وقربه. إن من أعظم أنواع العذاب يوم القيامة؛ الحسرة على ما فات، ومنها الحسرة على صلواتك الماضية. إن الواحد منا يصلي في اليوم والليلة خمس مرات، وفي السنة قرابة الألفين، وقد تصل هذه الصلوات أو المواقف التي نقف فيها بين يدي الله عز وجل إلى مائة ألف موقف. ولكن لو تأمل أحدنا في هذه الوقفات والصلوات؛ لاستحيى منها. فقد ينهي أحدنا صلاته ويقول: السلام عليكم، وهو قد أنهى التجوال في الأسواق. أو يقول السلام عليكم، وقد أنهى نزاعاً مع زوجته، أو تأتيه في الصلاة الصور الشهوية مثلا. ولذلك لابد من إتقان هذه الصلوات حتى لا تكون علينا حسرة يوم القيامة.

عظمة الموقف لا الواقف…!

لقد روي عن إمامنا الصادق (ع) أنه قال: (لِلْمُصَلِّي ثَلاَثُ خِصَالٍ إِذَا قَامَ فِي صَلاَتِهِ يَتَنَاثَرُ اَلْبِرُّ عَلَيْهِ مِنْ أَعْنَانِ اَلسَّمَاءِ إِلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ وَتَحُفُّ بِهِ اَلْمَلاَئِكَةُ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ إِلَى أَعْنَانِ اَلسَّمَاءِ وَمَلَكٌ يُنَادِي أَيُّهَا اَلْمُصَلِّي لَوْ تَعْلَمُ مَنْ تُنَاجِي مَا اِنْفَتَلْتَ)[٢]؛ لا الإمام المصلي، ولا النبي المصلي؛ وإنما أنا وأنت لو قمنا إلى الصلاة نزلت علينا الرحمة من أعنان السماء. لماذا تحف الملائكة بي وبأمثالي؟ ولعل ذلك من أجل عظمة الموقف لا الواقف…!

للصلاة باطن غير هذا الركوع والسجود

وللصلاة ملكوت غير هذا الركوع والسجود الظاهري. فحتى الأطفال دون سن البلوغ يصلون ويركعون ويسجدون، وإنما الصلاة هي ما وراء ذلك. إن الإمام (ع) في قضية الشبلي – إن صحت الرواية – بيّن له في موضوع الحج ما هو ملكوت الحج، والسر وراء الطواف والسعي وما شابه ذلك من الحركات الظاهرية. وفي كل العبادات هناك باطن بإزاء ظاهر تلك العبادة. فالحج له ظاهر وباطن، والصوم له ظاهر وباطن، والصلاة كذلك لها باطن غير هذا الظاهر المتمثل بالركوع والسجود.

بإمكانك أن تستعين بها

يقول سبحانه: (وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ)[٣]، والمراد من الصبر بحسب بعض أقول المفسرين؛ هو الصيام، ولو كمصداق من المصاديق. أما الصيام الواجب فهو في السنة مرة، ولكنك مشغول بالصلاة طوال العام. فالصلاة حبل محكم، وعروة وثقى؛ بإمكانك أن تتعلق بها لتوصلك إلى الدرجات العليا. إن هذه الآية من الآيات الإعجازية؛ فالله سبحانه يذكر فيها: أن الصلاة كبيرة على غير الخاشع وثقيلة عليه إلى درجة كبيرة، وهذه حقيقية يلمسها كل واحد منا. إننا أحيانا نريد أن تقبل في صلاتنا، فيذهب ذهننا يميناً وشمالا. إنك تريد أن تضبط طائر الخيال؛ فلا يستسلم لك، ومن الطبيعي في هذه الحالة أن لا تُقبل وإذا لم تُقبل كانت الصلاة ثقيلة عليك.

أشوق إلى الطعام اللذيذ منه إلى الصلاة…!

إن الإقبال في الصلاة عند البعض أشبه بالزئبق أو المادة هلامية؛ فكما أنه لا يُمكن الإمساك بالزئبق لا يُمكن إمساك طائر الخيال هذا. ولذلك قد تذهب إلى المشاهد وتقف أمام المعصوم، وتزوره ساعة من دون تثاقل؛ فما إن أردت أن تصلي ركعتين عند الرأس الشريف؛ وجدتها ثقيلة عليك. وهذه من الأسرار الإلهية؛ فمن لا يخشع في صلاته، ولا يستذوق صلاته، ويصلي في المسجد إما للأجر وإما من منطلق العادة؛ يود مغاجرة المسجد بسرعة وهو كذلك. فهو وإن لم يُظهر ذلك ولكنه أشوق إلى الطعام اللذيذ الذي ينتظره في البيت من الجلوس في المسجد والصلاة بين يدي الله عز وجل.

[١] الخصال  ج٢ ص٦١٠.
[٢] وسائل الشیعة  ج٤ ص٣٤.
[٣] سورة البقرة: ٤٥.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • من أعظم العذاب يوم القيامة؛ الحسرة على ما فات، ومنها الحسرة على صلواتك الماضية. إن الواحد منا يصلي في اليوم والليلة خمس مرات، وفي السنة قرابة الألفين، وقد تصل هذه الصلوات أو المواقف التي نقف فيها بين يدي الله إلى مائة ألف موقف. ولكن لو تأمل أحدنا في هذه الصلوات؛ لاستحيى منها.
Layer-5.png