قواعد صلاح الذرية

بسم الله الرحمن الرحيم

أكثر الطوائف ثقافة ومعرفة ووعيا على الاطلاق

لو فتشنا في شعوب العالم وفي الطوائف والأديان والمذاهب؛ لوجدنا حقيقة وبلا مبالغة أن من أكثر الناس معرفة، وثقافة، ووعياً والتفاتاً إلى ما هم عليه هم أتباع مدرسة أهل البيت (ع). ولسنا ندعي ذلك جزافا. إنكم طوال العام تشاركون في مجالس التثقيف مجالس الحسين (ع)، ونسبة النعي وذكر المصيبة هي خمس أو ربع وقت المجلس وما بقي من الوقت يختص بالمواعظ والآيات، أو ما يطرحه بعض العلماء من الأبحاث القيمة التربوية، والاجتماعية، والنفسية. أضف إليها زيارة المشاهد وزيارة الأربعين التي يلتقي فيها المؤمنون ببعضهم البعض ويتعرفون ويتعاملون ويخدمون. إن مشاهد أهل البيت (ع) هي في الحقيقة جامعات ومدارس.

وهناك خصوصية جميلة أخرى عند الشيعة وهي أنهم في بلاد الغرب قد يكونون في مدينة لا يسمعون فيها صوت أذان، أو لا يوجد في تلك المدينة مسجد أصلا؛ ولكن إذا هل هلال المحرم فإنهم لا يقر لهم قرار. ولعلنا لا نجد على وجه الأرض موالياً يعتقد بولاية أمير المؤمنين وأبنائه (ع) ثم لا يحضر مجالس الحسين (ع) ولو ليلة العاشر. والحضور في مجالس الحسين (ع) حضور مغتنم لما ذكرنا.

ما يجري لك بعد موتك

إن عنوان حديثنا هو: كيف نربي أولادنا ليكونوا قرة عين لنا. لقد روي عن النبي (ص) حديث يرويه المسلمون جميعا: (إِذَا مَاتَ اَلرَّجُلُ اِنْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)[١]. وقد تعطى يوم القيامة الدرجات العليا، ومقام العلماء من خلال نشرك العلم. وقد يغبطك صاحبك ويقول: إنك لم تكن عالما فلماذا حشرت معهم؟ فيقال: إن هذا الإنسان قد طبع كتاب عالم فاستفاد الناس من ذلك الكتاب. فنال تلك الدرجة العالم بتأليفه وأنت بترويجه.

وهنا لفتة لطيفة وهي أن أفضل التجارات بحسب ما أرى؛ هي تجارة بيع الكتب. إن تبيع تارة جهازا، أو سيارة، أو ما شابه ذلك، وتارة تطبع كتاباً وتبيعه فتنشر العلم من جانب وتستفيد من بيعه من جانب آخر. وهذه التجارة هي تجارة ذو هدفين.

وأما الصدقة الجارية فمنها المساجد. إن بعض المساجد ملفتة للنظر. إنك قد ترى مسجدا يهجر بعد عشرين أو ثلاثين سنة، أو يهدم من أجل فتح شارع أو ما شابه ذلك فينسى ويعفى أثره؛ إلا أن بعض المساجد لا زالت بعد قرون من الزمن تشع بالعلم. ومن هذه المساجد الخالدة مسجد بجوار الرضا (ع) ملاصق للحرم لا يخلو من زائر أو من مدرس أو من خطبة، ومسجد بجوار سيدتنا المعصومة (ع)، والمسجد الأعظم مثلا الذي أصبح محلا للبحث والتدريس إلى قيام الساعة.

لقد سمعت عن بعض المساجد يدخلها السواح في بعض البلدان وقد منع من إقامة الصلاة فيها؛ أي هذا متحف لا مكانا للصلاة. فهناك مسجد يمنع الصلاة فيه ومسجد لا يخلو من المصلين فما هو السبب؟ إن السبب واضح؛ فما كان لله ينمو وما كان لغير الله يزول وينمحي. وليس الكلام في الصدقة أو العلم، وإنما الحديث في الشق الأخير من الرواية: (وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ).

إنك لا تحصد إلا ما تزرعه

بمقدار ما تزرع، وبمقدار ما تسقي، وبمقدار ما تمنع الحشائش الضارة؛ ينمو ما زرعت. لقد ذهبت إلى مزرعة في صحراء فأراني صاحب المزرعة سنبلة من القمح، وقال: إن في كل سنبلة مائة حبة ولكن انظر إلى سنبلتي ففيها مئة وعشرون حبة، والله يضاعف لمن يشاء. وكان السبب أنه أتقن الزراعة، وأحسن الري، ورش المبيدات إلى آخر ذلك،  فحصل على ما حصل عليه. فبمقدار ما تعطي وتزرع؛ تحصد. فأتقن القواعد كصاحبنا هذا الذي أتقن الزراعة فصار ثرياً من سنته.

اختر أماً لأولادك قبل أن تختار زوجة لك

القاعدة الأولى: ما روي عن النبي (ص): (تَزَوَّجُوا فِي اَلْحُجْزِ اَلصَّالِحِ فَإِنَّ اَلْعِرْقَ دَسَّاسٌ)[٢]؛ فإذا أردت أن تتزوج انظر إلى الذرية كذلك. قد تقول ومن أين لي العلم بما تنجب؟ لقد بين لنا النبي (ص) بقوله: (اِخْتَارُوا لِنُطَفِكُمْ فَإِنَّ اَلْخَالَ أَحَدُ اَلضَّجِيعَيْنِ)[٣]، وقوله: (إِيَّاكُمْ وَ خَضْرَاءَ اَلدِّمَنِ قِيلَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ، وَمَا خَضْرَاءُ اَلدِّمَنِ قَالَ اَلْمَرْأَةُ اَلْحَسْنَاءُ فِي مَنْبِتِ اَلسَّوْءِ)[٤]؛ فاحذر امرأة نشأت في بيئة مشاكسة يكثر فيها النزاع بين الأب والأم فمن الطبيعي أن يؤثر ذلك في الذرية.

استثناءات البيئة الفاسدة

وقد يسافر الأبوان إلى بلاد بعيدة لا يراعون فيها القواعد أكلاً وشرباً؛ فمن الطبيعي أن يكون مولودهم قد نبت لحمه على الحرام. وكذلك من نشأ وأبواه يأكلان الحرام أو يشربان الحرام، وبالطبع هناك استثناءات فنحن لا نريد أن نظلم أحدا. فقد رأينا في بلاد الغرب فتاة ولدت من أبوين كافرين وهي نصرانية ولكنها أسلمت وإسلامها، وأصبحت لا ترى لها مثيلا في الحجاب، وفي العفاف، وفي دعوة الناس إلى الله عز وجل. وفي أسفارنا إلى الغرب كم نرى من هؤلاء ممن يغتبطن بإيمانهن، ولكل قواعد شواذ كما يقال.

الدعاء للولد قبل تكوينه

ثانيا؛ إن أول ما تطلع أن البويضة تلقحت في رحم زوجتك وأنت على وشك استقبال مولود جديد؛ خذ زاوية في المنزل أو في المسجد أو اذهب إلى المشاهد وقل: يا رب، إن زوجتي قد انعقد في جوفها شيء؛ فلا تجعله بلاء لي. قد يصل الأمر بالأب بعد تسعة أشهر من الانتظار أو الأم بعد تسعة أشهر من تحمل الآلام أن يتمنيا لو أنهما لم يرزقا به. إن القرآن يبين لنا صعوبة هذه المرحلة على الأم بقوله: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا)[٥]؛ فالحمل بالإضافة إلى أشهر الرضاعة تمتص رحيق الأم، وقد تبتلى بعض الأمهات ببعض الأمراض في عظامها، أو في دمها من بعد الرضاع. ومن ثم تربيته إلى البلوغ كذلك. فقل: يا رب لا تورطني بمن لا يستحق العناية.

الاهتمام بفترة الرضاعة

ثالثا: الاهتمام بفترة الرضاعة. لماذا يؤكد القرآن الكريم على الرضاعة عامين؟ إن هذه الرضاعة للأسف أصبحت من الأمور المنسوخة. ولو كشف الغطاء لتدفع الوالد الأموال الطائلة من أجل أن تقوم المرأة بإرضاع ولدها بنفسها ولو كلفها ذلك ترك عملها. إن هذا الرضاع لا يعوضه شيء، وحنان الأم في هذين الحولين ينفذ إلى أعماق وجود المولود. ولهذا عندما يكبر الولد ويصبح بالغاً عاقلا، ثم يرى من أمه  ما يثير غضبه، سيقول لها: إن الخادمة هي التي ربتني لا أنت. ما الذي صنعتيه لي غير تلك الأشهر التي حملتني في بطنك. ولهذا عندما تسافر الخادمة ترى الولد يبكي بكاء الثكلى، وعندما تسافر الأم لا يبالي. من المؤسف أن يعتقد الإنسان أن دور الأب لا يتجاوز ليلة ودور الأم تسعة أشهر.

فترة ما بعد الرضاعة حتى البلوغ

ثم حاول أن تكون دقيقا بعد إتمام الرضاعة إلى البلوغ في المطعم والمشرب. إن البعض من المؤمنين يكاد يقطع بحرمة ما يأكل، فتراه قد ذهب إلى مكان صاحبه فاسق فاجر، ويكاد يقطع بكذبه؛ فيأكل عنده كل ما هب ودب. ويقول: هو الذي قال لي أن هذا الطعام مذكى، والحال أنه يعلم بكذبه. فلنفترض أنك حر في اختيار طعامك ولكن ما ذنب الطفل لكي تطعمه طعاما محرما؟ إن لهذا الطعام أثر على الجسم. إن الجسم إذا نبت من السحت فماذا يمكن أن تتوقع منه؟

خطر الشبكة العنكبوتية ووصائل التواصل على الأولاد

لقد رأيت بعض الأطفال الصغار في الرابعة والخامسة يمشي وهو يرقص ويسمع الغناء المحرم، والحديث في هذا المجال ذو شجون. وكذلك رأينا أطفالا في الخامسة والسادسة ينظرون إلى ما لا يمكننا أن نذكره، ويقول لوالديه: لقد رأيت كذا وكذا. من أين للطفل الوصول إلى هذه المحتويات؟ أليس يصل إليها من هذه الشبكة العنكبوتية. والنتيجة أنه يبتلى بالبلوغ المبكر لتجد البنت في العاشرة ترتكب بعض الهفوات الكبيرة لأنها أصبحت بالغة وفي حكم المرأة الكبيرة. أنت الذي:

ألقاه في اليم مكتوفا وقال له
إياك إياك أن تبتل بالماء

أنت شريك في معصية أبناءك..!

قد تقول لي: أنا لست مقصرا، وإنما هو الذي نظر. أليس أنت الذي سلطته على هذه الأجهزة؟ هناك رواية مخيفة في الحقيقة أذكرها دائما، فقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (اَلرَّجُلُ يَأْتِي يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ مَعَهُ قَدْرُ مِحْجَمَةٍ مِنْ دَمٍ فَيَقُولُ وَاَللَّهِ مَا قَتَلْتُ وَلاَ شَرِكْتُ فِي دَمٍ فَيُقَالُ بَلْ ذَكَرْتَ فُلاَناً فَتَرَقَّى ذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ فَأَصَابَكَ هَذَا مِنْ دَمِهِ)[٦]، إن بعض الناس يفتخر ويقول: إنني أرى النملة في المنزل فلا أقتلها لأن قلبي لا يطاوعني، ولكنه يؤتى به يوم القيامة ويقال له: هذا سهمك من دم فلان فيتعجب من ذلك، فيأتيه الجواب: نعم إنك لم تقتل ولكنك تفوهت بكلمة أصبحت سببا في قتل أحدهم.

إنك ترى في بعض البلدان العشائرية؛ يقتل الزوج زوجته لأدنى تهمة. فقد يقال لزوجها مثلا: رأينا زوجتك بكذا وكذا مكان أو ما شابه ذلك من مجرد احتمالات مما يثير غضبه فيؤدي ذلك إلى قتلها. فالقائل شريك في القتل. وهذا يشبه فعلك في تسليطك ولدك على هذه الأجهزة التي يعصي بها الله عز وجل فتكون شريكه في العصيان يوم القيامة. إنني أدعو جميع المؤمنين أن يشاركوا في الدورات التي تقام حول تربية الأولاد وقراءة الكتب النافعة في هذا المجال.

التوسط بين الشدة واللين

من القواعد المهمة في التربية التوسط بين الشدة واللين. إن بعض الآباء يفتخر ويقول: أنا لا أترك حاجة لولدي أو لزوجتي إلا قضيتها. من قال لك أن هذا امتياز وأمر حسن؟ ولهذا عندما يشب نزاع بين الزوجين تقول الزوجة لزوجها: أنت لست إلا صرافا آليا تعطينا المال، ولا نعرف منك العاطفة والحنان.

كن حازماً في مواجهة متطلبات زوجتك وأولادك وإن طلبوا منك مالا في غير محله قل: هذا في غير محله، وهذا إسراف أو تبذير أو لا يرضي الله عز وجل إلى آخره. قد يتبجح الرجل ويقول إثباتا لرجولته: إنني بحمد الله إذا دخلت المنزل، وكأن على رؤوس أهل المنزل الطير. ترى الجميع ساكتا لا يتنفس. وأقول لهؤلاء: إنك لست أكثر من قائد معسكر أو ضابط أو شرطي. أ تفتخر بأن زوجتك وأولادك يخافون منك؟ ما هذه العلاقة المنحرفة؟ لا تكن صرافا آليا ولا تكن كذلك شرطيا؛ كن متوسطا وامزج بين الشدة واللين لتكن موفقاً.

أسلوب النبي (صلى الله عليه وآله) في بيان الغضب

إن الله سبحانه قد أمرنا بالتأسي برسول الله (ص) حيث قال: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)[٧]؛ فماذا كان يصنع النبي (ص) عن الغضب؟ هل كان يرفع صوته كما نفعل نحن؟ أو هل كانت تنتفخ أوداجه؟ نعم. ففي بعض المواضع كان لا يقوم لغضبه شيء إذا كان قد غضب لله عز وجل، ولكن في المعاملات اليومية؛ إذا غضب النبي (ص) أو لم يعجبه شيء كان يعرض بوجهه، وانتهى الأمر. إنه إذا أعرض بوجهه عن أحد كان ذلك الإنسان يموت هماً وغماً. إن بعض الآباء هم هكذا فعندما يدخل المنزل مثلا ولا يأكل معهم، أو يعرض بوجهه عنهم؛ يضطرب أهل المنزل ويتزلزلون. فتأتي الزوجة والأولاد ليتعرفوا السبب. وعندما تقول مثلا: لقد سمعت أمس غناء محرماً من التلفاز، فلم أهنأ بالنوم ليلتي تلك. إن هذا الإعراض يجعلهم يتركون الحرام إلى الأبد.

مراقبة الأصدقاء والتعرف عليهم

من القواعد مراقبة الأصدقاء والتعرف عليهم. من الأمثلة التي يعرفها جميع الملل: أن الفاكهة الفاسدة في الصندوق تفسد ما بقي من الفواكه في ذلك الصندوق. كن مراقباً لمن يدخل بيتك من أصدقاء الأولاد. إنك تفتح المنزل لمن؟ ينبغي للأم أن تسأل عن صديقة ابنتها التي تأتي وتختلي بها في غرفة مقفلة وكذلك الولد. فاسأل وراقب ولا تكن مغمض العين. ابحث عمن يحوم حول ولدك. ولهذا ترد علينا الكثير من الشكاوى عن الأمهات اللواتي يجأرن إلى الله عز وجل أن ابنتي انحرفت في ليلة، وقد تغير مزاجها، وخلعت الحجاب. فهل هناك جني دخلها أو تابع؟ وأقول: دع عنك حديث الجن والتابع، وانظر من عاشرت ابنتك في هذه السنة الدراسية من شياطين الإنس حتى تغيرت عما كانت عليه.

تقوية العلاقة بالأولاد ومصادقتهم

إنني قلما رأيت أباً صادق ولده، وإنما العلاقة بينهم هي علاقة رسمية. ومن غير الجميل أن الأب إذا أراد من ولده شيئا أو أراد تعليمه شيئا، يطلب ذلك من صديقه أو من إمام المسجد أو من المدرس والحال أنه أولى بذلك منهم. وقد يقول: ليست هناك علاقة بيني وبينه، أو بيننا ثقل وبرود في العلاقة. لقد راجعني أحد الأشخاص وطلب مني أن أخبر ولده بعلامات البلوغ، فقلت له: لماذا لا تخبره أنت؟ فقال لي: ليست بيني وبينه علاقة. ينبغي لك أن تصادق ابنك وينبغي للأم المؤمنة كذلك أن تكون صديقة لابنتها.

قد تقول: إن رب العالمين لم يجعل لي هذه الجاذبية التي يمكنني من خلالها التأثير على ذريتي، أو تقول: أن زوجتي لا تقدرني كثيرا فلا يوجد بيننا تعاون في هذا المجال. إن بعض الزوجين للأسف الشديد علاقتهما قائمة لأجل تمشية الأمور والحياة ولولا الأولاد ما استمرت العلاقة بينهما يوما فما فوق. وقد يشتكي الرجل من جفاء الذرية أو حتى من جفاء الأبوين وهو أمر لا يحتمل قياسا إلى جفاء الزوجة والأولاد. وإن كان للجفاء هذا سبب وعلة. إنه قد يزور والديه فلا يرى ترحيباً؛ بل يتوسم الثقل منه في وجوههما.

ماذا نفعل بجفاء الأهل والأولاد؟

سل الله عز وجل أن يحقق فيك قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا)[٨] إنه هو الود الإلهي. إنك قد ترى في موسم الحج طائفا من الطائفين له بشرة سمراء وهو ذو رائحة غير طيبة، ولا تعرف مع ذلك لغته إلا أنك تنجذب إليه، وتحتضنه، وتقبل جبينه، لأنك ترى أمامك وجهاً نيرا. وما ذلك إلا أن الله سبحانه قد جعل له ودا. لقد وقعت حادثة في زمان النبي (ص) تؤيد ما ذكرناه. روي: (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ خَرَجَ فَعَرَضَتْ لَهُ اِمْرَأَةٌ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اَللَّهِ إِنِّي اِمْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ وَمَعِي زَوْجٌ فِي اَلْبَيْتِ مِثْلُ اَلْمَرْأَةِ قَالَ فَادْعِي زَوْجَكِ فَدَعَتْهُ فَقَالَ لَهَا أَ تُبْغِضِينَهُ قَالَتْ نَعَمْ فَدَعَا اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لَهُمَا وَوَضَعَ جَبْهَتَهَا عَلَى جَبْهَتِهِ وَقَالَ اَللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَهُمَا وَحَبِّبْ أَحَدَهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ كَانَتِ اَلْمَرْأَةُ تَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا طَارِفٌ وَلاَ تَالِدٌ وَلاَ وَالِدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهُ)[٩]؛ خرجت من عنده وليس أحد أحب إليها من زوجها.

سل الله المودة الرحمانية

وكذلك ينبغي لك أن تعول على هذه المودة الربانية. وإن كان لا بأس بأن تراجع بيوت الإصلاح، أو لجنة الإصلاح، والعلماء. ولكن إن رأيت علاقة متوترة مع الزوجة والولد أو حتى زميلك في العمل، قل: يا رب ألف بيني وبين من أخاف ضرره. أما قرأت قوله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)[١٠]. إنني أقول للزوجين عندما يأتياني مختلفين: أصلحا قبل كل شيء نيتكما؛ فالقرآن الكريم قد وعدكما خيراً إن أصلحتما نيتكما وهو قوله سبحانه: (إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا)[١١].

الذرية الصالحة

وفي الختام؛ سل الله عز وجل أن يهب لك صدقة جارية. تخيل إنساناً ربى ذرية طيبة وهذه الذرية قد ربت ذرية طيبة، وهكذا إلى يوم القيامة. فتخيل المشهد عندما يخرج هؤلاء من القبور، وإذا بقبائل من البشر تحف بهم، وفيهم ما فيهم من الصالحين والأولياء، وهم يقولون له: نحن من ذريتك. إن بعض السادة منسوبون إلى جد، وهذا الجد أنجب من الأولاد إلى يومنا هذا الآلاف، إن لم يكن الملايين، وهؤلاء أعتقد أنهم يوم القيامة يتسابقون على الشفاعة لجدهم. فكم هذا الجد مدلل وسعيد. فهل هذا خير لك أم أنك تصبح أثرى أثرياء العالم؟ إن هذا الرجل هو الثري الحقيقي.