- ThePlus Audio
تجليات من العطاء الحسيني
بسم الله الرحمن الرحيم
تأثير الحضور في مجالس الحسين (عليه السلام)
قد تستمع إلى موعظة طوال العام من خلال التلفاز فتشعر أن هذه الموعظة لا تغلغل في قلبك حتى وإن كانت الموعظة بثا مباشرا. فقد تستمع إليها وأنت تتناول الطعام فتدخل في أذن وتخرج من أخرى. ولكن أن تأتي من مكان بعيد أو بعيد نسبياً كما يفعل البعض حيث يقطع المسافة تاركا وظيفته أو متجره أو يأتي إلى المجلس وله مشكلة في المنزل إلا أنه يدعها خلفه ويحضر في مجلس من مجالس الحسين (ع)، ويجلس في مكان غير مريح أو في مكان حار أو غير ذلك؛ فهذا الإنسان بمجرد خروجه من المنزل يصبح في ضيافة الحسين (ع). وإن ما يسمعه من الموعظة تنفذ إلى قلبه ببركة صاحب المجلس، وكأن هناك شيء يدفعها للداخل. إن من يغص بالطعام يقال له: اشرب الماء لكي يدخل الطعام في الجوف. إن الذي يأتي بهذه النية؛ أي نية الاستزادة العلمية والتأثر، فليكن على ثقة بأن هناك يد تدفعه إلى الأمام.
سر الاستجابة في مجالس الحسين (عليه السلام)
ولا يكن همك المشاركة في المجلس فحسب، وهو أمر عظيم من دون شك وقد روي عنهم: (رَحِمَ اَللَّهُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَنَا)[١]؛ ولكن اجعل عينك على ما بعد عاشوراء وما بعد العاشر. إن أحدنا يعلم إلى أين قد وصل وهل أثرت فيه المجالس أم لا؟ إن أحد علمائنا الكبار كان يقول: إذا ذهبت إلى مجالس الحسين (ع) فكأنك قد ذهبت ألى كربلاء فهذه المجالس فرع من تلك القبة السامية. ولهذا يقول بعض المحللين والمدققين: أن المراد من قولهم الإجابة تحت قبته ليست هذه القبة الهندسية فحسب. بالتأكيد هناك أحكام للحائر، وأين هو الحائر وما هي حدوده وهل تقصر فيه الصلاة أم لا؟ وهذا بحث فقهي في محله. ولكن إذا دعا المؤمن في الصحن الشريف مثلا دعائه لا يستجاب؟ إن مجالس الحسين (ع) كذلك منتسبة إلى تلك القبة، ولهذا فإن الحوائج تقضى فيها ويخرج الموالي من هذه المجالس فيرى في قلبه نورا.
المجالس المنزلية
قد تكون بعض المجالس وقف على الحسين (ع) وهي ما نسميها بالحسينات فهي وقف شرعي إلى الأبد؛ إلا أن بعض المؤمنين يعقد مجلساً في منزله وهو ليس وقفاً شرعيا ولكن صاحب البيت يقول: إنني أرى في هذا المجلس نورا. وبعض أصحاب المجالس المنزلية يقولون: إننا ندخل في جوف الليل إلى هذه المجالس بعد ذهاب الإخوان ونشعر كأن فيها جماعة. لقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (مَا قَوْمٌ اِجْتَمَعُوا يَذْكُرُونَ فَضْلَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلاَّ هَبَطَتْ عَلَيْهِمْ مَلاَئِكَةُ اَلسَّمَاءِ حَتَّى تَحُفَّ بِهِمْ فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجَتِ اَلْمَلاَئِكَةُ إِلَى اَلسَّمَاءِ فَيَقُولُ لَهُمُ اَلْمَلاَئِكَةُ إِنَّا نَشَمُّ مِنْ رَائِحَتِكُمْ مَا لاَ نَشَمُّهُ مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ فَلَمْ نَرَ رَائِحَةً أَطْيَبَ مِنْهَا فَيَقُولُونَ كُنَّا عِنْدَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ مُحَمَّداً وَأَهْلَ بَيْتِهِ فَعَلِقَ فِينَا مِنْ رِيحِهِمْ فَتَعَطَّرْنَا فَيَقُولُونَ اِهْبِطُوا بِنَا إِلَيْهِمْ فَيَقُولُونَ تَفَرَّقُوا ومَضَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى مَنْزِلِهِ فَيَقُولُونَ اِهْبِطُوا بِنَا حَتَّى نَتَعَطَّرَ بِذَلِكَ اَلْمَكَانِ)[٢].
وتذكر بعض التحليلات العلمية أن الأصوات تبقى موجودة في الفضاء. وقد رأيتم الأسطوانات القديمة كيف كان الصوت يختزن فيها. فما المانع من أن تختزن أصوات البكاء وأصوات يا حسين وأصوات اللطم على الحسين (ع) على الحيطان؟ إن العالم مليئ بالأعاجيب.
طلب التسديد والإلهام من الله عز وجل قبل التوجه إلى المجالس
عندما تخرج من المنزل متوجها إلى المجالس؛ اطلب من ربك أن يسددك ويلهمك. ولا تعتقد أن الواعظ أفضل من المتعظ، وإنما الواعظ دوره أن يوصل إلى طبلة الأذن الكلام. ثم بعد ذلك تتحرك العظيمات الثلاث وتتحرك السلسلة العصبية لتنقل المعلومات إلى الذهن، ويقوم الذهن بدوره بتحليل المعلومات لكي يستوعب. ثم يصل الأمر إلى القلب فإما أن يقبل وإما أن يرفض. ثم إن قبل هل يعزم على العمل أو لا يعزم؟ وكم هذه المسافة بعيدة بين كلام الخطيب وبين عزمك على العمل. إنها عشرات المراحل.
ولكنك إذا زرت المعصوم وطلبت منه التسديد فسوف تختصر على نفسك هذه المراحل. فبنظرة ولائية واحدة منه ينظر بها إلى قلبك يتغير باطنك. إن الحر بن يزيد لم يدخل الحوزة يوم عاشوراء، ولم يجلس في مجالس الوعظ والإرشاد الطويلة وإنما أدركته نظرة ولائية. إنك تقرأ في المقاتل ما يثير تعجبك من طلب الحر من الإمام الحسين (ع) أن يصلي بهم.
ولهذا إذا ذهبت إلى كربلاء ووقفت تحت القبة قل: يا أبا عبدالله، تصرف في ذاتي. ما المانع من أن يعفل ذلك أئمتنا (ع) بنا؟ إن أمير المؤمنين (ع) هو حامل القرآن الكريم وهو باتأكيد أعلى من الإنجيل. فإن عيسى (ع) كان يحيى الموتى ويبرأ الأكمه والأبرص إلى آخره؛ فكيف بأمير المؤمنين؟ ألا يتسطيع أن يحيي قلبك الميت؟ والقلب الميت هو القلب الذي لا يتحرك لا في صلاة ولا في دعاء ولا في مجلس.
قساوة القلب في المجالس
إن البعض قد لا يرق قلبه من أول محرم إلى آخره. وحري بهؤلاء أن يقدموا الشكوى إلى صاحب المجلس. إن هذا الأمر لا يحدث صدفة. فلو لم يقبل قلبك في ليلة أو ليلتين لكان الأمر مقبولا إلا أن تصاب بالقسوة حتى في ليلة العاشر هذا مما لا ينبغي أن تمر عليه مرور الكرام وكأنه لا شيء في البين. إن قلبك إذا نبض سريعا؛ أسرعت الذهاب إلى مستشفى القلب لأنك تشعر أن في قلبك خلل. فإذا رأيت في باطنك إدباراً وقسوة لا تسكت كذلك وقدم الشكوى لصاحب المجلس. ولا داعي لئن تذكر ذلك لزيد وعمر من الناس. فماذا سيصنعون لك؟ إن هذا سرك فقدمه بين يدي الله عز وجل. ألسنا نقرأ كل يوم في تعقيبات صلاة العصر: (اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ … وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ)[٣] هذه شكوى قدمها الى الله عزوجل، هذه مقدمة لترقيق القلوب بأذن الله عزوجل نتمنى بعد الموسم الكل يرى في باطنه تغييرا جوهرياً.
لم يتركوا الحسين (عليه السلام) فكشف لهم الغطاء
إن دأبنا في هذه الأبحاث أن نذكر كلمات الحسين (ع) وقد تطرقنا في الأبحاث السابقة إلى كلمة للإمام الصادق (ع) حول أصحاب الحسين (ع) وسر تميزهم وأنهم قد كشف لهم الغطاء. وسنذكر بعض الأحاديث المتعلقة بالإمام الحسين (ع). لقد روي عن الإمام زين العابدين (ع) أنه قال: (كُنْتُ مَعَ أَبِي فِي اَللَّيْلَةِ اَلَّتِي قُتِلَ فِي صَبِيحَتِهَا فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ هَذَا اَللَّيْلُ فَاتَّخِذُوهُ جُنَّةً فَإِنَّ اَلْقَوْمَ إِنَّمَا يُرِيدُونَنِي وَلَوْ قَتَلُونِي لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْكُمْ وَ أَنْتُمْ فِي حِلٍّ وَ سَعَةٍ)[٤]. ولو ترك هؤلاء الحسين (ع) في ذلك الزمان لكرموا من قبل الناس ولقيل لهم: حسنا ما فعلتم. وإني أعتقد لو أن أحدهم ترك الحسين (ع) ليلة العاشر وذهب فإن كرم الإمام كان يشمله يوم القيامة لأن الإمام (ع) لا يجامل.
إن الإمام (ع) قد قدم لهم عرضاً مغرياً ولكن ما كان جوابهم؟ (فَقَالُوا وَاَللَّهِ لاَ يَكُونُ هَذَا أَبَداً فَقَالَ إِنَّكُمْ تُقْتَلُونَ غَداً كُلُّكُمْ وَلاَ يُفْلِتُ مِنْكُمْ رَجُلٌ قَالُوا اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي شَرَّفَنَا بِالْقَتْلِ مَعَكَ)[٥]؛ والرجل الوحيد الذي بقي في يوم عاشوراء هو إمامنا زين العابدين (ع) لئلا ينقطع النسل. إنهم أقسموا أولا أن ذلك لا يكون أبدا. وثانيا: حمدوا الله على التشريف بالقتل. تأملوا مفاوضات الإمام (ع) معهم. أولا: قال لهم: اذهبوا. ثانيا: قال لهم إنكم ستقتلون جميعا. وفي المرحلة الثالثة قال لهم كلمة أريد أن أحللها: (اِرْفَعُوا رُءُوسَكُمْ وَ اُنْظُرُوا فَجَعَلُوا يَنْظُرُونَ إِلَى مَوَاضِعِهِمْ وَ مَنَازِلِهِمْ مِنَ اَلْجَنَّةِ)[٦].
إن حديثنا حول كشف الغطاء. متى كشف لهم الغطاء؟ بعدما رأى الإمام (ع) منهم هذا الثبات. لو عكس الإمام (ع) الأمر لهم فكان يريهم منازلهم في الجنة أولا ثم يقول لهم: (هَذَا اَللَّيْلُ فَاتَّخِذُوهُ جُنَّةً) فأين سيكون الاختبار؟ إنما يكون الاختيار عندما يكشف أحدنا الغطاء عن باطنه ويكون على يقين مما هو عليه. إن لأمير المؤمنين (ع) كلمة جامعة في البصيرة وكشف الغطاء، فقد روي عنه أنه قال: (اَ يَزِيدُنِي كَثْرَةُ اَلنَّاسِ مَعِي عِزَّةً، وَلاَ تَفَرُّقُهُمْ عَنِّي وَحْشَةً)[٧]، وهو القائل: (لَوْ كُشِفَ لِيَ اَلْغِطَاءُ مَا اِزْدَدْتُ يَقِيناً)[٨].
هل يمكننا أن نكشف هذا الغطاء عن أنفسنا؟
إن هذا الحديث حديث جوهري استراتيجي. إنني لا أريد أن أعقد عليكم الأمور، وأقول لكم: التزموا بأربعينية أو بختمة كذائية وما شابه ذلك؛ فالأمر لا يحتاج إلى كل هذا. إنما حاول أولا أن تكسر حلاوة الحرام في وجودك من خلال الترك المتواصل وبالالتجاء إلى الله عز وجل.
إن بعض الشباب يذهب إلى الجامعة التي يختلف جوها عن الثانوية العامة حيث لا اختلاط في البين، وإذا به بين عشية وضحاها يفتح عينه على عالم جديد. وساعد الله قلبه على ما يرى. إنني أسأل الشاب عن حاله إن رأيته متذبذباً خائفا وجلاً، فيقول لي: ساعد الله قلبي على هذا المجتمع؛ أي أنه يخشى الوقوع في الحرام. وما ذلك إلأ أنه لم يصل إلى مرحلة الاستقرار، ويبدو أن في باطنه ميل إلى الحرام، ولو أنه كبح هذا الميل لانتهى الأمر.
إن قدور الضغط عندما يوضع فيها الماء والطعام ثم تغلق بإحكام تظل تغلي وبعد فترة يبدأ الصفير والإزعاج. إن وجدت في وجودك غلياناً مكبوتا؛ اعلم أن هذا الغليان سينفجر يوما ما. في يوم من الأيام التي لا تكون فيها موسما عباديا، وقد ذهبت إلى خارج الوطن في مكان ما لا يراك فيه أحد فسوف ترتكب بعض ما لا ينبغي ارتكابه. لئن الرقيب غائب والغليان حاصل.
فما هو الحل إذا؟
أن تزهد نفسك في الحرام. إنني أقول للبعض من الشباب؛ كن عاقلاً. ما لك والنظر الذي لا أثر له؟ إني أشبه هذه النظرة بالصائم في شهر رمضان؛ إنه صائم وموطن نفسه على الصيام ولا مشكلة عنده في ذلك إلا أنه يذهب ألى المطاعم الفاخرة ويدخل مطابخها ويشم اللحم المشوي. فهل يعتبر هذا الإنسان عاقلا؟ أنت صائم فلماذا تثير شهيتك؟ لقد كنت هادئاً وقانعا فلماذا هيجت نفسك برائحة الطعام؟
وكذلك الشاب قد يكون قانعا بما هو فيه، وناويا الزواج بعد التخرج، فلماذا يثير شهيته بلا وجه وجيه؟ قد يكون الشاب ممن يصلي في ساعة السحر صلاة الليل ويقول: العفو العفو، وتجري عيناه بالدموع، ووزميله في العمل أو في الجامعة يسهر على الحرام. إنني أقول لهؤلاء ما الذي استفدته من هذا المنظر؟ إنها صورة إلكترونية لا واقع لها أو لا يمكنك الوصول إليها فهي امرأة في عاصمة أجنبية ولعلها ماتت منذ عشرين سنة وقد تحولت إلى تراب وأنت الليلة تقع بالحرام بسببها. أي عقل هذا؟إن الشارع المقدس قد أجاز لك أن تنظر إلى محاسن المرأة التي تريد أن تتزوجها لأنك نويت الاقتران بها فقط.
الميل القلبي إلى الحرام
فانظر إلى قلبك هل يميل إلى الحرام أم لا؟ إننا لا نتوقع من شاب بالغ في الخامسة عشر أو الثمانية عشر من عمره هذه الدرجات العالية؛ حيث من الطبيعي أن يزيغ قلبه وتخون عينه. ولكن العتب كل العتب على من أمضى نصف عمره ولم يبقى له من العمر إلا النصف. إن الأمر مخيف. والذي قد بلغ الأربعين قد ذهب ثلثا عمره وإن لم يكن يرى شيبا في وجهه لحكمة ما رآها رب العالمين، وقد بقي الثلث الأخير من عمره.
لو قال لك المدرس في الامتحان آخر العام: لقد بقي ثلث الوقت، فكم كنت تضطرب وأنت لم تجب على سؤال واحد؟ كم كنت تضطرب لو قال لك: انتهى الوقت وأنت لم تعمل شيئا؟ فكر جيدا وأعد الحسابات وانظر إلى نفسك إلى أين وصلت؟ إننا قد نرى الرجل بلغ الخمسين والستين ولا يزال يعاني من النظر.
ابتلاء الخواص وشغلهم الشاغل
إن ابتلاء الخواص وابتلاء من يعتقد بالحياة الباقية؛ أنه يشتكي من صلاته ومن هجموم الخواطر عليه ويبحث عن كيفية ضبط الخواطر والصلاة الخاشعة والذكر الدائم والانقطاع إلى الله عز وجل. أنسيت المناجاة الشعبانية: (إِلَهِي هَبْ لِي كَمَالَ اَلاِنْقِطَاعِ إِلَيْكَ وَأَنِرْ أَبْصَارَ قُلُوبِنَا بِضِيَاءِ نَظَرِهَا إِلَيْكَ حَتَّى تَخِرَقَ أَبْصَارُ اَلْقُلُوبِ حُجُبَ اَلنُّورِ فَتَصِلَ إِلَى مَعْدِنِ اَلْعَظَمَةِ)[٩]؛ فهل سألت عالما في يوم من الأيام كيف السبيل إلى هذا الانقطاع؟ أو ما هو معنى الانقطاع والمراد من خرق أبصار القلوب حجب النور؟ إن هذا هو شغل المؤمن الشاغل.
قد تقول: نحن بعيدون عن الحوزات والعتبات، وإنني موظف وزملائي في العمل في قيل وقال وغفلة ومعصية، فما هذا الذي تطلبه مني؟ إنني أعيش في وسط ضاغط. لقد كنت في سفرة فقيل لي: إن هذه المدينة ولي من أولياء الله. فقلت: إن أولياء الله في بلادنا هم في الحوزات. فأثار فضولي وقلت: لابد أن نتعرف على الولي. فذهبنا إلى تلك المدينة، وسألنا عنه وإن كان الناس لم يكونوا يعلمون أنه ولي من أولياء الله؛ فإن أولياء الله متسترين، ومن يدعي أنه ولي ويتبجح بذلك تكون عليه ألف علامة استفهام. إن الولي يستر نفسه. وكما يقول الشاعر:
للهِ تحْتَ قِبابِ العزِّ طائِفَةٌ
أخفاهُم في رداءِ الفقر إجلالا
فالتقيت به وقلت له: ماذا تصنع وما هو حالك وامتيازك؟ وبالطبع لم يكن المقام مقام رياء وإنما كان مقام استفهام. فقال لي: إنني اتقنت صلاتي. إنني كنت أصلي سابقا وذهني يذهب يمينا وشمالا؛ فأعيدها ثانية وثالثة إلى أن اصلي صلاة خاشعة. والآن أقول: الله اكبر وأسبح في بحر الصلاة. إن الصلاة الخاشعة هي أمنية أئمة المساجد والطلبة والمراجع وقد وصل إليها صاحبنا في تلك البلاد. ثم قلت له: زدني ماذا في جعبتك؟ ماذا أعطاك الله من المزايا؟ قال لي: لقد وصلت إلى مقام – انظروا إلى دفعات التخرج؛ طبيب عام ثم اختصاص ثم يتخصص في أدق الوظائف وهكذا هو صاحبنا – أرى الله معي في كل تقلباتي. إنني انظر يمينا وشمالا فأرى الله عز وجل معي، وهو قوله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)[١٠]؛ فإنه كان قد وصل إلى ملكوتها. ويعني أنه قد كشف له الغطاء.
وكان يضحك طوال الوقت؛ لا ضحكة الغافلين وإنما ضحكة الارتياح. فهل سيصاب هذا الإنسان بالاكتئاب والقلق؟ بل إنه يطمئن الغير ويزيل عن الآخرين القلق والاكتئاب بنظرته وابتسامته، ويزرع الأمل في النفوس فهو طبيب النفوس.
كل نعيم دون الجنة مملول
إن كل نعيم دون الجنة مملول. لماذا البعض من الرجال لا يقتنع بزوجته بعد فترة من الزمن، والحال أن كلها جمال وكلها كمال وكلها ذوق وكلها خلق؟ إنك عندما تسأل الرجل يقول: أريد التنوع والتجديد. ولا أقول أن ذلك حرام ولكن فليعلم الإنسان أن تلك طبيعة الدنيا.
وبالطبع لو كان الزوجان مؤمنين ازداد تعلقهما ببعضهما البعض كلما مرت الأيام. فإن لم تكن الغريزة هي المحور؛ كلما تمر الأيام يزداد حقها على الرجل. فهي لم تكن أنجبت له فأنجبت ولداً وولدين وثلاث فأصبح لها حق عليه. ولو جمعت ما طبخت للرجل من طعام وما غسلت له من ثياب لأصبح جبلا عظيما، فهل يزول ذلك كله بانتفاء الغريزة تجاهها؟
وأما الطريق الثاني لكشف الغطاء هو التوسل. باستطاعتك بعد فراغ الخطيب من خطبته في المجالس وأثناء الدعاء أن تسأل الله عز وجل أن يعينك على نفسك. هناك دعاء أدعو به بين وقت وآخر. إنه دعاء غير متعارف ولكنه عظيم: (اللهم أرنا الأشياء كما هي)؛ أي اكشف لي عن الواقع، وهذا هو كشف الغطاء. وقل: (اللهم اجعل لي نورا أمشي به في الناس)[١١] فإذا وقع النور في قلبك سيريحك مع الآخرين؛ لأنك ستمشي بهذا النور. واعلم أن مجالس أهل البيت (ع) هي نعم الضمان للوصول إلى هذه الحالات.
خلاصة المحاضرة
- إن من يقطع المسافة تاركا وظيفته أو متجره أو له مشكلة في المنزل فيدعها خلفه ويحضر في مجلس من مجالس الحسين (ع)، ويجلس في مكان غير مريح أو في مكان حار أو غير ذلك؛ فهذا الإنسان بمجرد خروجه من المنزل يصبح في ضيافة الحسين (ع).
- لو قال لك المدرس في الامتحان آخر العام: لقد بقي ثلث الوقت، فكم كنت تضطرب وأنت لم تجب على سؤال واحد؟ كم كنت تضطرب لو قال لك: انتهى الوقت وأنت لم تعمل شيئا؟ فكر جيدا وأعد الحسابات وانظر إلى نفسك إلى أين وصلت؟ إننا قد نرى الرجل بلغ الخمسين والستين ولا يزال يعاني من النظر.