جذوة التفاعل الحسيني

بسم الله الرحمن الرحيم

إحياء المجالس الحسينية في شرق الأرض وغربها

من المعروف بين الموالين في شرق الأرض كانوا أو في غربها؛ أنهم لا يدعون إقامة المجالس والبكاء على الحسين (ع). ولا أدري إن كانت هذه الصور موثقة أو غير موثقة، ولكن يقال: إن في جبال الهملايا وفي أدغال أفريقيا وفي القطب الشمالي تقام فيها المجالس. ولقد ذهبت بنفسي إلى بعض الدول المجاورة للقطب الشمالي؛ فقالوا لي: بالفعل تقام في المناطق الثلجية المجالس الحسينية. وسمعت عن أحد المؤمنين أن بعض القبائل الساكنة في الغابات البعيدة قد طلبوا من بعض المرجعيات أن يذكروهم بالحسين (ع) وقصته.

الفطرة السليمة تحب الحسين (عليه السلام) وتحزن لما أصابه

وكأن رب العالمين عجنها في طينة بني آدم لو صفى قليلا فطرته. وما أكثر الكتب التي ألفها ذلك العالم المسيحي المعروف عن أمير المؤمنين (ع). ولعل بعض علمائنا لم يؤلف في علي (ع) ما ألفه هذا المسيحي. ومن كتبه الرائعة؛ كتابه روائع نهج البلاغة. يقال أنه جاء إلى زيارة العراق وأمير المؤمنين (ع) فسئل سؤال بديهي عن علة عدم إسلامه والحال أنه مغرم بأمير المؤمنين (ع) – وعادة هناك تلازم بين أن يغرم الإنسان بعلي (ع) وبين أن يغرم بولده الحسين (ع) – فقال: إن دفاعي عن علي (ع) هو من أجل أنني أحسست بظلامته.

إنك قد ترى في الطريق إنسانا غير مسلم يضرب ويهان؛ فتنزل من الدابة وتقول: لماذا تضربوننه وهو مظلوم؟ فقلبك لا يتحمل أن ترى مظلوماً. لقد نقل لي أحد الأشخاص عندما كنت في النجف وكان من غير المسلمين فقال لي: إنني كنت أرى والدي في اليوم العاشر يبكي بكاء الثكلى على الحسين (ع) حتى تتورم عيناه. إنه لم يكن مسلما ولكن مصيبة الحسين (ع) كانت تفعل بقلبه ذلك.

لا تعجب بالبكاء والحزن على مصائبهم

ثم لا ينبغي للمؤمن أن يعجب بنفسه مهما عمل ومهما تألم وبكى لمصيبة الحسين (ع) فذلك مما يتوقع منك لأنك من مواليه وشيعته وقد ذكرنا آنفا أن غير المسلمين كانوا يتألمون ويبكون. فحاول أن تجعل هذه الأيام خيراً من سابقاتها. إننا نرفع في كل موسم شعارا وهو أن يكون أي عمل نقوم به خير من السنة السابقة. اجعل شهر رمضانك خير شهر رمضان مر عليك وقد ذكر ذلك الإمام الصادق (ع) في دعائه حيث يطلب من الله سبحانه أن يكون شهر رمضان خير شهر رمضان مر عليه منذ أن خلقه الله ثم قس على ذلك شهر محرم وموسم الحج والعمرة وما شابه ذلك.

لا تجعل حياتك نسخة متكررة. إذا رأيت نفسك في حج هذا العام كالحجة الماضية أو عمرتك أو زيارتك أو أربعينيتك كسابقاتها؛ فشك في نفسك، وقل: يا نفس..! لماذا بعد عام بقيت على ما أنت عليه؟ فإذا كان المغبون هو الذي تساوى يوماه؛ فكيف بمن تساوى شهراه أو سنتاه؟

أربعينية التكامل في شهري محرم وصفر

ثم اتخذ أربعينية واجعلها ضمن الشهرين. إن المؤمن الموالي في هذين الشهرين لا يطاوعه قلبه أن يرتكب منكراً كبيرا وإن كان من الممكن أن تبدر منه هفوة هنا وهناك. لقد قال لي أحدهم مازحا: إنني في عشرة محرم أصل إلى درجة يمكن للناس أن يصلوا خلفي. ويعني أنه أصبح نظيفا جداً، وكما ذكرنا إن البكاء عليه يحط الذنوب العظام. فإن مرت عليك العشرة وبكيت على الإمام في كل ليلة؛ ثم استمر بعدها إلى الأربعين وهذه هي أربعينية التكامل. وحتى على مبنى القول: بأن العدالة ملكة لا مجرد ترك الحرام؛ فما المانع من أن تكتسب ملكة العدالة في أربعين ليلة؟ ما هو المراد من الملكة؟ الملكة هي سجية لا تفارقك. فمن الممكن أنت الشاب أن تكون مرشحاً لهذه المنزلة. إن المؤمن ليصل إلى درجة يتقزز من الحرام كما يتقزز الإنسان السوي من أكل الحشرات. إنك لو سألت أحدهم  وقلت له: هل تأكل الحشرات في الخلوات مثلا؟ لقال لك: ما هذا السؤال؟ هل تستهزئ بي؟ إن النفس لا تميل إليها.

فلا تستهن بقدراتك واتخذ هذه الأربعينية في هذه السنة. ومن مضى عليه أربعون يوم وليلة على هذه الحالة يرجى أن يتقزز من الحرام. إنك ترى المدخنين لا يفارقون الدخان، ولكنهم بعد أربعين يوم من ترك الدخان لو دخن أحد إلى جانبهم لقالوا له: اذهب بعيداً عنا فإننا نشمئز من هذه الرائحة. فما الذي جرى؟ إن رئته صارت نقية. وما عليك أنت إلا أن تنظف رئتك الباطنية إلى درجة عندما ترى أصحاب الحرام تشمئز من وجودهم.

المدرسة الأخلاقية في خطب الحسين (عليه السلام)

إن حديثنا سيكون عن المدرسة الأخلاقية في خطب الحسين (ع). قد يسأل سائل فيقول: لماذا قلنا المدرسة ولم نقل الخطب أو المواعظ أو النصائح أو الوصايا؟ إن القضية هي قضية مدرسية. إن الذي يعمل على تربية العضلات وفتلها – إنني لا أدري ما هذا المنظر الذي يتخذه بعض هؤلاء وهو منظر يخيف الإنسان تقريبا فالعضلات مفتولة من رأسه إلى قدمه – لم يصل إلى هذه المرحلة إلا بعد أن اجتاز المراحل، ودخل النوادي ودفع الأموال واتخذ مربياً إلى آخره. إن العضلات التي هي طعام الديدان في القبر إن أردت أن تنميها فإنك بحاجة إلى مدرسة وإلى معهد تدفع فيه الأموال لكي تصل إلى هذه المرحلة.

قد يتبج البعض أنه يرفع كذا من الأثقال والحال أن الفيلة أيضا ترفع أضعاف هذه الأثقال، ويقفز البعض في الهواء كذا متراً والحال أن الغزال يقفز أضعافهم، والبعض يفتخر أنه يسبح في الماء لساعات والحال أن الحيتان تسبح خيرا منه، وكل هذه الحقول فيها من الحيوانات من هي أقدر على أدائها منك.

المدرسة الأبدية

إبحث عن تلك المدرسة التي تبقى معك إلى أبد الآبدين. فالقضية إذا قضية مدرسية، ومن يريد أن يهذب نفسه لا بد وأن يهتم بجميع جوانب النفس. إن الذي يزرع شتلة في حديقة بيته أو شجرة لا يقول: إنني صاحب مزرعة أو حديقة. إنما عليك بالنظم في جميع الأمور وينبغي أن تنمي الملكات كلها. قد يقول البعض من المؤمنين أو الموالين: إنني على استقامة في كل شيء إلا أنني أستأنس بالغناء وأستمع إليه. إن هذه النقطة بمثابة قطرة الدم التي سكبتها في حوض من ماء الورد، والفقهاء جميعهم يفتون بأن المضاف إذا لاقى النجاسة يتنجس.

جنة تحوزها بشبر واحد..!

إنني لا أريد أن أيئّسكم ولكن على المؤمن أن يكون نزيهاً في كل المجالات؛ الرأس وما حوى والأذنان والعينان والفم. إن في بعض الإعلانات يقولون: اشتر السلعة الفلانية بمبلغ زهيد، والله سبحانه يقول اشتر بشبر واحد: (جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ)[١]. وهل يمكننا أن نشتري جنة عرضها السماوات والأرض بشبر واحد؟ نعم يمكنك ذلك. إنني لا أعني شبراً من الأرض وإنما شبرا من وجهك..! سيطر على هذا الوجه من خلال سيطرتك على العينين؛ فلا تنظر إلى الحرام، والأذنين؛ فلا تدخل فيهما الحرام، والفم؛ فلا تنطق به الحرام ولا تدخل فيه الحرام، وبقي الجوف والفرج وانتهى الأمر.

رحم الله أحد علمائنا الأبرار – وهو من الذين أغبطهم ويغبط الناس جميعا ونحن لا نغبط كل عالم إنما نغبط المتميزين منهم – لقد سمعت بصوته تسجيلا قديما له يقول فيه: إنني عندما كنت شاباً كتبت على جبهتي بيدي لا بقلم: أنا وقف. لا المسجد أوقفته؛ بل أنا بكلي وقف لله عز وجل، ونويت ذلك في أيام شبابي أن اجعل وجودي كله لله عز وجل. ما هذا الطموح؟ وما هذا الأمل؟ ولا أقول لك: أن تفعل فعلته وإنما سيطر على عينيك وأذنيك وفمك، وبعد فترة اجعل وجودك وقفاً لله عز وجل. وقد استعمل هذه الكلمة أمير المؤمنين (ع) في وصف المتقين حيث قال: (وَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى اَلْعِلْمِ اَلنَّافِعِ لَهُمْ)[٢]هذه عينة من علي (ع) وأنت أوقف عينيك وفمك إلى آخره.

الأئمة (عليهم السلام) وذكر الحسين (عليه السلام) وأصحابه

يبدو أن الحسين (ع) هو الشغل الشاغل للأئمة (ع)؛ فلا يوجد إمام إلا وله قصة معه. وهو محور اهتمامهم وبكائهم وتفجعهم. كان الإمام يوصي أن تذكر المصيبة في منى أو كان يأتيه أبو هارون المكفوف؛ فيطلب الإمام (ع) أن ينشده شيئا في الحسين (ع). وإن ما وصل إلينا قليل جدا. لقد سمعت في بعض الدول في بعض المجالس أو ما يسمى بالمآتم يقيمون مجلسا على الحسين (ع) في كل يوم. إن البعض يقيم مجلس الحسين (ع) ثم يذهب للعمل؛ أي يستمع إلى مجلس. فإذا كان بعض المؤمنين طوال العام لا يفوتهم البكاء على الحسين (ع) فكيف بأئمة أهل البيت (ع)؟

لقد أسر لي أحد الإخوة من طلبة النجف حديثا فقال: إنني في كل يوم إذا لم أبك على الحسين (ع) بكاء شديدا لا يمكنني الذهاب إلى الدرس. وإذا كان طالب علم بهذه المثابة فكيف بإمامنا (ع)؟ وقد قال لي يوما: يا فلان، إنني ومنذ مدة لم أزر الحسين (ع)، فقلت له لم ذلك؟ قال: إن قلبي لا يطاوعني، ولا أتحمل الدخول على الحسين (ع) فإنني أخشى من الانهيار. إن البعض هو هكذا عشقهم للحسين (ع) وله عشاق من نوع خاص لا يخطرون ببالنا.

من آداب زيارة الحسين (عليه السلام)

إنك إذا وفقت للزيارة وذهبت إلى كربلاء؛ اجعل لنفسك محطات ثلاث. وإن كانت زيارة العباس (ع) لها شأنها وهناك إختلاف بين أهل القلب؛ فالبعض منهم يقول: زر العباس (ع) ثم زر الحسين (ع) فهو بابه وحامل رايته والطريق إليه والبعض يقول العكس من ذلك.

فعندما تهذب إلى الحسين (ع) إبدأ بالشهداء وهم قريبون من القبة الشريفة وقل لهم: يا موالي، أبلغوا سلامي لمولاكم بحق المولى عليكم، وسلوه أن يأذن لي بزيارته فما المانع من أن تجعل الشهداء شفعاء لك. ثم زر الحسين (ع) وابدأ بالزيارة من عند قبر ولده علي الأكبر (ع) وقل له ما قلت للشهداء، وهو في مقام عكس القبلة؛ أعني عند الرجلين. فإن جرت دموعك عند الشهداء أو ارتفع بكائك عند علي (ع) إذهب إلى الرأس الشريف إن كان ثمة رأس.