- ThePlus Audio
إضاءات حول السيدة فاطمة الزهراء (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد القرآن الكريم لفه مقامات السيدة الزهراء (سلام الله عليها)
لو أتيح للسيدة الزهراء (س) أن تعيش عيشة طويلة؛ كم كانت لتثري البشرية بالعطاء العلمي؟ إنني أعتقد – والله العالم – أن رب العالمين قد ذكر بعض الشخصيات من النساء على رأسهن مريم (س) تمهيدا لاستعياب الأمة مقام السيدة فاطمة (س).
راجع سورة مريم وما ورد في فضلها مما لم يرد في الإنجيل وغيره. إن النصارى يدعون أن مريم (س) هي لهم، ولنا نحن المسلمون في وصف هذه العذراء ما لم يُذكر في كتاب سماوي. إن عيسى (ع) هو لنا، ومريم (س) هي لنا، وموسى (ع) هو نبينا. إن اليهود ما علموا من هو موسى كليم الله، والنصارى ما علموا من هو عيسى روح الله.
وكما ذكرت؛ إن القرآن الكريم قد ذكر مقامات السيدة مريم (ع) وذكر مقاماً من مقامات زوجة فرعون، ومقام من مقامات أم موسى (ع) وهو أن رب العالمين قد أوحى إليها، وذكر مقام آسية بأن لها بيتاً في الجنة؛ فحاشا أن تخيب دعوتها. وكأن الله عز وجل يريد أن يمهد للمسلمين استيعاب مقامات فاطمة (س).
مخدومة الملائكة
إن أم مريم وأم موسى ليستا معصومتين، ولكن رب العالمين قد أوحى إلى أم موسى. وفي الخبر: أن الله عز وجل جعل فاطمة محدثةً وخاصة بعد وفاة أبيها. ألا تقرأ في القرآن الكريم: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا)[١]. من الذي جلب الرزق لمريم؟ إنها ملائكة السماوات. فإذا رأيت في الخبر؛ أن الملائكة تخدم فاطمة (س) فلا تستغرب. لقد ورد في الخبر المعروف: أن سلمان (ع) كان يرى الرحى تتحرك من دون أن يحركها أحد. إن فاطمة (س) كانت مخدومة الملائكة. إن مريم هي سيدة نساء زمانها وسيدتنا فاطمة (س) هي سيدة النساء منذ خلقة آدم إلى قيام القيامة.
قانون الحياة عن لسان الزهراء (سلام الله عليها)
وسأذكر لك رواية هي قانون الحياة. إن استوعبت مغزى هذه الرواية الفاطمية؛ فاعلم أنه قد فتحت لك الآفاق إلى يوم لقاء الله عز وجل. ومن منا لا يريد أن يكون على الجادة المستقيمة؟ إن مشكلتنا تكمن في الاستقامة. إنك في سورة الفاتحة تطلب من الله طلباً واحداً: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ). إن للاستقامة في الصراط معنى دقيق. أنت مستقيم في الدين حيث لم تختر اليهودية ولا النصرانية، وهذا أمر جيد يستوجب منك السجود لله شكرا. فكما قال سبحانه: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام)[٢]. أنت من حيث الدين في طريق مستقيم.
والدين لا يتعدد، والإسلام واحد، وإنما تختلف زاوية النظر. إننا بحمد الله وفقنا لكي ننظر إلى الإسلام من زاوية باب مدينة علم النبي (ص). لو أردت أن تطلع على الدار؛ لا تفعل ذلك من خلال الحائط. إن الحائط حائل، ولا تطلع على الدار من خلال الشباك المغلق. إن الباب إذا فتح دخلت المدينة. وباب علم هذه المدينة هو ذلك الذي نتولاه في الدنيا ونحشر تحت لوائه في الآخرة.
كيف نتخلص من الحيرة في الحياة؟
ثانيا: هل كوننا على منهج أهل البيت (ع) يعني أن المشكلة قد انتهت؟ كلا. إننا اجتزنا الامتحان في المسلك الذي يدلنا على الدين القويم بنجاح؛ ولكن ماذا نصنع بالحيرة في ساحة الحياة؟ إن الحيرة والإبهام والغموض يلفنا في كل شأن من شئون حياتنا. إنك تريد أن تأخذ قراراً وتتزوج؛ فأنت حائر. وتريد أن تزوج ابنتك؛ فأنت حائر، وتريد أن تتاجر ولكنك حائر، وتريد أن تسافر؛ فكذلك أنت حائر. أو تريد أن تعادي أحداً، ولا تعلم هل أن هذا العداء هو تكليفك أم لا؟
إنك في حيرة من أمرك عند كل إقدام أو إحجام. إنك في كل يوم تجهل سبل الوصول إلى الطريق الصحيح؟ إن البعض بعد عمر طويل يستفيق على هذا الواقع المر. يستفيق وقد أمضى حياته في طريق أعوج؟ ولكن كيف نتخلص من هذا التيه ومن هذه الحيرة؟ إن الجواب نجده عند سيدتنا فاطمة (س). إن هذه الرواية تستحق أن تكتب وتعلق في المنزل، وأن تقول كلما نظرت إليها: صلى الله عليك يا مولاتي يا فاطمة.
التدبير الإلهي للعبد المخلص
لقد روي عنها فدتها نفوسنا أنها قالت: (مَنْ أَصْعَدَ إِلَى اَلله خَالِصَ عِبَادَتِهِ أَهْبَطَ الله إِلَيْهِ أَفْضَلَ مَصْلَحَتِهِ)[٣]، وهذه الرواية واضحة لا غموض فيها. ولكن دعونا نحوم حول هذه الرواية المباركة. أولا: إننا نسمع في بعض الدول في الأخبار العلمية أنها أصعدت قمراً صناعياً للجو. وهذا القمر لو جعلته على المنصة أو هذا الصاروخ لا يطير، ولا بد له من محركات عملاقة ليرفع هذا الثقل إلى الأعلى. إن أحدنا إذا أراد أن يصعد عمله إلى العرش لابد أن يُركب في العمل محركاً نفاثاً وإلا تبقى الأعمال على الأرض.
يقول سبحانه: (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ)[٤]. إن العمل مهما كان كبيرا لا يرتفع، والصاروخ مهما كان عملاقاً لا يرتفع وإنما يحتاج إلى قوة دافعة. لا تقل: عندي عمل عظيم، ولا تقل: أني قد بنيت مسجداً بارتفاع ناطحة سحاب مثلا. إن هذا المسجد لا يرتفع. كم من الفتوحات في البلدان الإسلامية حدثت في الخلافة العباسية والأموية؟ أ ما فتحت الأندلس؟ أما وصل المسلمون إلى مشارف أوروبا الفعلية؟ هل كان قصد الفاتحون القربة؟ هل نوى كلهم القربة؟ لا أدري. إن البعض من هؤلاء الفاتحين كان يريد الغنائم. إنه فتح بلاداً، وفتح قارةً ولكن هذا الفتح لا يرتفع إلى الله عز وجل؟
ولكن أمير المؤمنين (ع) الذي تصدق بخبزته؛ ارتفعت وهذا ما نقرأه في سورة هل أتى. إن فاتح أندلس إن لم يكن فتحه لله لا يساوي فتحه هذا عند الله شيئا. وهؤلاء الذين دخلوا في الإسلام هم الذين انتفعوا؛ لا الفاتح الذي كان يبحث عن الغنيمة. إن هذا الانسان لا حظ له من الفتوحات. أو ما سمعتم في صدر الإسلام بشهيد الحمار؟ ذلك الذي قاتل مع رسول الله (ص) ليغنم حماراً فقتل دون الحمار؛ فسمي شهيد الحمار. إنه قاتل في ركاب رسول الله (ص) ليحصل على دابة ولم يحصل عليها.
ما هو الإخلاص؟
إن مولاتنا فاطمة (س) تقول: اجعل عينك على قوة الرفع؛ على القوة الرافعة. ولكن يا مولاتي يا فاطمة، ما الذي يرفع العمل؟ من أصعد إلى الله خالص عبادته. إن السر في هذه الجملة. لقد ذكرت لنا السبب بطرف خفي؛ أي الذي يرفع العمل إخلاصه. ما هي علامة الإخلاص؟ أولا: علامة الإخلاص أن لا يختلف عملك في الإعلان والإسرار. إن البعض من المؤمنين يصلي في المسجد صلاة خاشعة، ويبكي في صلاته، ويقيم صلاته في المسجد جماعةً كما يصلي صلاة الليل في ظلمة الليل في منزله. إنه يقول: إن الرقيب هو الرقيب، والعين هي العين؛ لم يختلف شيء عنده، ولا فرق عنده بين الخلوة والجلوة. إنه لا يرى لهذه الحيطان تأثيرا.
لقد روي عن النبي (ص) أنه قال لأبي ذر: (يَا أَبَا ذَرٍّ لاَ يَفْقَهُ اَلرَّجُلُ كُلَّ اَلْفِقْهِ حَتَّى يَرَى اَلنَّاسَ أَمْثَالَ اَلْأَبَاعِرِ)[٥] ؛ أي الناس بما هم بشر. فلو صليت وكل الفضائيات العالمية تنقلك بثاً مباشراً لا ينبغي أن يحدث ذلك في نفسك شيئا؛ بل تصلي صلاتك كما تصليها في ظلمة الليل لوحدك؛ لأن الناس كالأباعر.
درجات الإخلاص
إن مولاتنا فاطمة (ع) تبين أن الذي يرفع عملك إلى الله عز وجل خلوصه، والخلوص متفاوت. إن الذهب – هذه الأيام – في السوق يختلف عياره؛ فبعضه عياره كامل، وبعضه نصف العيار، وبعضه ثلث العيار، والبعض مغطى بالذهب فهو مموه، وإلى آخره. وكذلك درجات الإخلاص تختلف من فرد إلى فرد. قد يصل العبد إلى درجة يتأذى فيها إذا مُدح على عمله لا أن يفرح. إن البعض منا يفرح وهذا على خطر. والبعض لا يبالي وهذا جيد؛ ولكن الأفضل أن يقول: ربي أعلم مني، وتقول: يا فلان، لا تمدحني فإن يوم القيامة تعلم قيمة العمل. فإذا عبرت الصراط فقد وصلت إلى المقصود.
فإن كنت مخلصا في عملك لله عز وجل؛ فاعلم أنه هو الذي يديرك إدارة (لتصنع على عيني) ويلقي عليك المحبة ويربيك على عينه. هنيئا لمن كان في كنف الله ورعايته وهكذا كانت فاطمة (س).
خلاصة المحاضرة
- لو أتيح للسيدة الزهراء (س) أن تعيش عيشة طويلة؛ كم كانت لتثري البشرية بالعطاء العلمي؟ إنني أعتقد – والله العالم – أن رب العالمين قد ذكر بعض الشخصيات من النساء على رأسهن مريم (س) تمهيدا لاستعياب الأمة مقام السيدة فاطمة (س).
- إن أم موسى لم تكن معصومة ولكن أوحى الله إليها. وفي الخبر: أن الله عز وجل جعل فاطمة محدثةً وخاصة بعد وفاة أبيها. ألا تقرأ في القرآن الكريم: (كُلّما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا) من الذي جلب الرزق لمريم؟ إنها ملائكة السماوات. فإذا علمت أن الملائكة تخدم فاطمة فلا تستغرب.