Search
Close this search box.
  • ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

جولة في مناقب السيدة فاطمة الزهراء (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

مقامات السيدة فاطمة (سلام الله عليها)

كيف لنا أن نطلع على مقامات السيدة فاطمة (س) وروافد العظمة عندها؟ أولا: آية التطهير. فما من شك أن فاطمة (ع) هي ممن أذهب الله عنهم الرجس؛ فهي من أهل الكساء ولها من مقام العصمة ما لها. وهذا المقام ليس بالذي يرى بالعين؛ فقد تقول: نحن نرى بعض الناس منذ أول بلوغهم إلى ساعة الموت لم يرتكبوا معصية. ويمكن ذلك إذ أننا نعلم بعض الشخصيات التي كانت من الصغر في طريق الاستقامة، وبعد ذلك دخلوا الحوزة العلمية، وصاروا من كبار المراجع، ثم ماتوا بعد ذلك. وهؤلاء لهم أيضا – بمعنى من المعاني – طهارة؛ ولكن للعصمة معنى آخر.

مقام العصمة

إذا اردت أن تعلم ما هي العصمة؛ فعليك أن تعلم أنها ليست ترك الكذب والغيبة وغير ذلك، وإنما هذا هو مقام العدالة. وبحمد الله في الناس الكثير من غير أئمة المساجد ممن يكاد أحدنا يقطع بعدالته، وهذا المقام سهل التناول. إنما العصمة مقام أعظم. من ملامح العصمة – أقول من الملامح لأننا لا نعلم ما هذا المقام – أو من معالم العصمة أن يرى المعصوم نفسه بين يدي الله عز وجل دائما وأبداً.

إن الملائكة لا تغفل عن ذكر الله عز وجل، وهم كما قال سبحانه: (يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ)[١]، والمعصوم ليس بأقل من الملك. يقول أمير المؤمنين (ع): (ما رأيت شيئا إلّا ورأيت الله قبله وبعده ومعه)[٢]. كم هذا المقام عظيم؟ من الساعة التي يستيقظ فيها المعصوم إلى أن ينام؛ لا يغفل عن ذكر الله عز وجل طرفة عين. أ هذا المقام هين؟

وحتى في المنام؛ فقد روي عن النبي الأعظم (ص) أنه قال: (تَنَامُ عَيْنِي وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي)[٣]. إن أحدنا يبالغ في المراقبة والمحاسبة ويتوجه في صلاته، وبعد الصلاة يتوجه قليلاً؛ فإذا أكل وشرب وجلس مع زوجته ينسى رب العالمين؛ ولكن المعصوم يعيش هذه المحضرية دائما وأبداً.

التأسي والاقتداء بها

كم من الجميل أن نحول حديث الفضائل إلى حديث التأسي والاقتداء؟ إن رب العالمين قد أذهب عنهم الرجس؛ ولكن هذا الإذهاب هو لحكمة ولقابلية. إن الفاعل قدير وحكيم، ولم يُذهب الرجس إلا عن هؤلاء الخمسة. لقد تمنت أم سلمة (ع) أن تكون في هذه الدائرة فقال لها: أنت على خير؛ ولكن هذه الخمسة مقفلة، ولا يدخل في هذه الدائرة النورانية إلا من أراد الله عز وجل.

طلب مقام العصمة

ما هو الدرس؟ أن الفاعل كريم، والفاعل قادر؛ ولكنه حكيم، وأنا الساهي، وأنا اللاهي، وأنا الغافل الذي لا يرشحني الله للمقامات العليا. كما أن الله عز وجل يذهب الرجس عن أهل البيت (ع)؛ فبإمكانك أنت أيضا بالمجاهدة، وبالطلب، وبالمثابرة، وبالسعي، أن تقول: يا رب، أذهب عني الرجس وطهرني، وأرني الأشياء كما هي، وحبب إلي الإيمان وزينه في قلبي، وكره الي الكفر والفسوق والعصيان.

استقذار المعاصي

فإذا صار بناء الرب أن يغير من مزاجك – بتعبير البعض – ويغير من ذائقتك؛ لفعل. إن الإنسان السوي لا يشتهي القاذورة والحشرات، وإذا أكل أحدهم حشرة، يقال: هذا خارج عن الفطرة. ويا ليت أحدنا يصل إلى هذه الدرجة التي يرى الحرام في ذائقته ممجوجاً. نحن قلنا لبعض الشباب والبعض عمل بما قلناه؛ فسألناه لاحقاً كيف أنت؟ قال: عندما أرى امرأة سافرة أمامي أمجها، وأكرهها؛ لأنها وضعت حكم الحجاب تحت قدميها. قد تكون مصلية؛ ولكن ما لي وصلاتها إن كانت تخرج بهذا الوضع وقد وضعت آية الحجاب بخلعها للحجاب تحت قدميها. إنها قد هتكت حرمة ربي وحرمة شريعتي. أي شهوة تنقدح أمام هذه العاصية؟

بل لو كشف لك الغطاء لشممت منها رائحة نتنة، وإن تطيبت بعطور الأرض جميعها. ولذلك روي: (تَعَطَّرُوا بِالاِسْتِغْفَارِ لاَ تَفْضَحْكُمْ رَوَائِحُ اَلذُّنُوبِ)[٤]. إن شكاوى شبابنا المتعارفة – هذه الأيام – أن السوق والجامعة والفضائيات والمواقع أصبحت كذا. والحال أن أحدنا قد يصل إلى درجة يضحك على من ينحرف في هذا المجال. كيف أن أحدنا يرى إنساناً يبحث عن الديدان والحشرات ليأكلها فيقول: ما بال هذا المسكين؟ وكذلك من وصل إلى مرحلة من مراحل الكمال؛ يرق قلبه لهؤلاء ويستهزئ بهم، وهذا من بركات التأسي بالمعصومين (ع).

الأحاديث المنقولة عن السيدة فاطمة (سلام الله عليها)

إن من روافد معرفة عظمة السيدة فاطمة (س) هي الأحاديث المنقولة عنها. إن الأحاديث التي وصلت إلينا قليلة. وما وصل إلى أمير المؤمنين (ع) هو الكثير الكثير في سنوات العشرة. ويعلم الله ما ترشح منها في تسع أو عشر سنوات لعلي (ع).

ما المانع من أن تذهب إلى أبيها رسول الله (ص) وهي بضعة منه؟ ما المانع من أنها كانت تأخذ قبساً من أبيها، وتنهل من معينه وتصبه في وعاء علي (ع)؟ لا تستغرب من ذلك؛ فالروايات التي وصلت إلينا قليلة ولكن يكفي بعض ما قيل عنها. إننا لم نسمع أن النبي (ص) الذي ما ينطق عن الهوى؛ فدَّى نفسه أحداً، ولكن عندما يصل الدور إلى فاطمة (س) يقول: فداها أبوها. وكذلك التعبير عنها بالبضعة لم يرد إلا في حقها (ع)؟ بالطبع قد نقل أيضا أن النبي (ص) عبر عن الرضا (ع) بأنه بضعة منه وسيدفن في أرض خراسان؛ ولكن هذه الرواية المعروفة هي عن فاطمة (ع).

كم يفصل إمامنا الجواد (ع) عن جدته فاطمة (س)؟ إن الرضا (ع) يرى الجواد (ع) متغيراً وإذا به يعلم أنه قد تذكر أمه فاطمة (ع) فرق قلبه. وفي زماننا هذا إن أردت أن تدخل إلى قلب ولي أمرك؛ استشعر في قلبك حب فاطمة (ع)، وقم بالأعمال العظام إهداء لفاطمة (س).

مقام السيدة فاطمة (سلام الله عليها) في يوم المحشر

وأنت أيتها المؤمنة..! تأسي بفاطمة (س) في حجابها وعفتها. إنني سمعت أحد العلماء يقول كلمة – هذه الكلمة ليست رواية  ولكنها تجربة العمر – يقول: إن وصلت إلى مرحلة اليأس من نفسك وأحطات بك ذنوبك، ورأيت علامات الخذلان، وكذا وكذا؛ انظر إلى قلبك. فإن رأيت في قلبك حباً متميزاً لفاطمة (ع)؛ فاعلم أنك على خير، واعلم أن هذا الحب لم يأتك جزافاً، وأن هذا الحب يستتبع حب النبي (ص) وذرية النبي (ص). إن فاطمة (س) هي الكوثر، وهي تلك الأمة التي عندما تدخل الجنة يأتيها الخطاب: تمني يا فاطمة، يعني ماذا تريدين منا؟ بعد هذا العمر من المكابدة في الحياة الدنيا، وإذا بها تقول: (إِلَهِي أَنْتَ اَلْمُنَى)[٥]؛ أنت الذي كنت أريده يا رب. إن خطبتي الفدكية، ودفاعي عن أمير المؤمنين (ع)، وما جرى علي، وكل هذه الآلام كان في سبيلك يا رب، وأنا وصلت إلى ما أريد في جنة الخلد، وهذا مقام فاطمة (ع).

إن الحديث عن فاطمة (س) حديث ذو شجون. ما هذا الذي جرى عليها؟ إنها حبيبة أبيها. إنها المرأة التي كان يشم النبي (ص) فيها رائحة الجنة. إن فاطمة (س) هي حوراء إنسية، وقد خُلقت للعرش؛ ولكن الله عز وجل أنزلها للفرش فجرى عليها ما جرى.

إنها لم تزل بعد أبيها معصبة الرأس؛ أي من شدة الآلام والأوجاع. متى يعصب الإنسان رأسه؟ إن وجع الرأس يأتي تارة من وجع عضوي، وتارة من آلام الباطن. إن باطن فاطمة كان يغلي أسفاً وأسى. إنها كانت تقول:

ماذا على من شم تربة أحمد
أن لا يشم مدى الزمان غواليا

صبت علي مصائب لو أنها
صبت على الأيام صرن لياليا

ثكل السيدة فاطمة (سلام الله عليها) برحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله)

تقول الرواية: (أَنَّهَا مَا زَالَتْ بَعْدَ أَبِيهَا مُعَصَّبَةَ اَلرَّأْسِ نَاحِلَةَ اَلْجِسْمِ)[٦]. لقد كانت تنظر إلى محراب أبيها كيف كان بالأمس يكبر فيه رسول الله (ص)، واليوم لا ترى أباها ولا بعلها. لقد خلي المحراب من النبي (ص) والوصي (ع). إنها كانت تقول: (مَنْ لِلْقِبْلَةِ وَاَلْمُصَلَّى وَمَنْ لاِبْنَتِكَ اَلْوَالِهَةِ اَلثَّكْلَى)[٧]. والثكلى هي التي فقدت ولدها، وفاطمة (ع) قد فقدت ما هو أعز من الولد. إنها قد فقدت ذلك المقام الذي عبر عنه أمير المؤمنين (ع) بالتراث فقال: أرى تراثي نهبا. ولا يعني ذلك الأموال، وإنما مقام علي (ع) ومقام الإمامة.

إن الزهراء تعلم أن بإقصاء علي (ع) عن الحكم ستقع فاجعة كربلاء، وسيقتل ولدها بالسم. إنها قد ثكلت بغصب مقام الخلافة. إنها فقدت الحسنين (ع) يوم فقد علي (ع) موقعه في هذه الأمة.

[١] سورة فصلت: ٣٨.
[٢] مبادئ الحكمة ج ١  ص ٢٧٤.
[٣] المجازات النبویة  ج١ ص١٧١.
[٤] الأمالي (للطوسی)  ج١ ص٣٧٢.
[٥] بحار الأنوار  ج٢٧ ص١٣٩.
[٦] المناقب  ج٣ ص٣٦٢.
[٧] بحار الأنوار  ج٤٣ ص١٧٤.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن الملائكة لا تغفل عن ذكر الله عز وجل، وهم كما قال سبحانه: (يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ)، والمعصوم ليس بأقل من الملك. يقول أمير المؤمنين (ع): (ما رأيت شيئا إلّا ورأيت الله قبله وبعده ومعه) . كم هذا المقام عظيم؟
  • إن الزهراء تعلم أن بإقصاء علي (ع) عن الحكم ستقع فاجعة كربلاء، وسيقتل ولدها بالسم. إنها قد ثكلت بغصب مقام الخلافة. إنها فقدت الحسنين (ع) يوم فقد علي (ع) موقعه في هذه الأمة.
  • إن وصلت إلى مرحلة اليأس من نفسك وأحطات بك ذنوبك، ورأيت علامات الخذلان، وما شابه؛ انظر إلى قلبك. فإن رأيت في قلبك حباً متميزاً لفاطمة (ع)؛ فاعلم أنك على خير، واعلم أن هذا الحب لم يأتك جزافاً، وأن هذا الحب يستتبع حب النبي (ص) وذرية النبي (ص).
  • كم يفصل إمامنا الجواد (ع) عن جدته فاطمة (س)؟ إن الرضا (ع) يرى الجواد (ع) متغيراً وإذا به يعلم أنه قد تذكر أمه فاطمة (ع) فرق قلبه. وفي زماننا هذا إن أردت أن تدخل إلى قلب ولي أمرك؛ استشعر في قلبك حب فاطمة (ع)، وقم بالأعمال العظام إهداء لفاطمة (س).

 

 

Layer-5.png