Search
Close this search box.
  • ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

إضاءات على سيرة الإمام الرضا (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

أروع معاني الرضا

المقدم: إن للإمام علي بن موسى ألقاب متعددة؛ منها الرضا. ولهذه الألقاب دلالات ومناقب. فما هي أهم الدلالات التي يحتويها هذا اللقب المبارك؟

لقد سألتموني عن لقب الإمام الرضا (ع). أقول: من باب حسن التوفيق – الناس يقولون: حسن الصدفة، وأنا أقول: حسن التوفيق – وقع بيدي كتاب قبل أيام من بركات قسم الأبحاث في هذه العتبة المنورة[١]. وقد أعجبني الكتاب، وهو يحتوي على أكثر من مائتي اسم ووصف للإمام الرضا (ع). نحن نعلم بأن الإمام هو الرضا؛ ولكن له في الزيارات وفي الروايات مائتي اسم ووصف، قام بجمعها أحد المحققين وأحصاها له.

من ألقاب الرضا (عليه السلام) وأوصافه

من أوصاف الإمام مثلا: العالم والفاضل وهي أوصاف خوطب بها، والتعابير كثيرة في حق الإمام (ع). ولكن اشتهر منها لقب الرضا (ع). وكمقدمة للجواب على سؤالكم هذا أقول: لنحاول في مناسبات الأئمة دائما؛ أن نلتقط لقب المعصوم وننظر إلى أنفسنا ومدى وجود هذه الصفة في حياة أحدنا. فصفة الجود لقب بها ولده الجواد (ع)، وصفة كظم الغيظ هي من ألقاب الإمام الكاظم. وفي الحقيقة إن ألقاب الأئمة الثلاث؛ الكاظم والرضا والجواد هي ألقاب من الضروري أن تتمثل وتنعكس في حياتنا الاجتماعية.

ولسنا في مقام بيان صفة كظم الغيظ والجود ولكن الحديث هو عن الرضا. كلما زادت المحنة؛ كلما كان الرضا والصبر على تلك المحنة أبهج وأعظم. وأقول من جوار سيدي ومولاي: أن هذا الكلام قد لا يناسب المولد ولكن ما ابتلي أحد من آبائه ولا من أبنائه بمثل ما ابتلي به الرضا (ع). أريد أن أصل إلى معنى كلمة الرضا. تارة يمر إنسان بمحنة عابرة فيكون صبره ورضاه محدودين؛ وتارة تكون المحنة لا نظير لها. محنة عظيمة كتلك التي مر بها الرضا (ع).

محنته في ترك الوطن

لقد أجبر الإمام (ع) على مغادرة وطنه، وترك الأهل وجوار جده وجوار أمه الزهراء (ع) وجوار آبائه زين العابدين والباقر والصادق (ع) ويأتي إلى إلى دار مضيعة. لقد صارت به خراسان خراسان، وإلا لم تكن لهذه البقعة قيمة لولا مجيء الرضا (ع). ثم نزل الإمام (ع) بجوار من؟ من هو المضيف؟ من هو الذي نزل عنده؟ ألأم خلق الله. لذلك العفريت المستكبر كما يوصف بذلك.

كان الرضا (ع) حقيقة مظهر الرضا بما جرى عليه في هذه المحنة وبهذا السفر. ولكن ما هو الدرس العملي؟ إننا لسنا في مقام مدح الإمام فحسب؛ وإنما نحن الذين نحب الإمام ونتبعه. إن البعض يرى هذه القبة السامية فيزيغ قلبه شوقا لهذه البقعة المباركة. وأقول: تعالوا نتأسى به. إننا نعتقد – هذه الأيام – أن ليس هنالك على وجه الأرض إنسان هو خال من المحنة؛ فحتى رؤساء الدول الكبار محنتهم أن يقارعون الدول الأخرى. ويعني ذلك حتى المستكبرين، وأصحاب الدول العظمى لا راحة ولا نوم لهم؛ لا ليلاً ولا نهاراً يرتاحون. فكيف بأصحاب الأكواخ وكل بحسبه.

الرضا بالمقدرات الإلهية

إن الإنسان منذ أن يسقط من بطن أمه إلى أن يموت هو في عناء وتعب. يقول تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ)[٢]؛ وعليه الحل إما في التبرم وعدم الرضا بما يجري  من المقدرات الإلهية، وإما أن يرضى بذلك، ولكن الرضا غير الصبر. إن الصبر هو عبارة عن قوة التحمل. كأن يضع أحدهم على كتفك ثقلاً كبيرا، ويقول لك: اصبر على ذلك، ويتحمل، وتارة: يضع على كتفك ثقلاً كبيرا، ويقول لك: سأعطيك بعد ساعة أو بعد دقائق آلاف الدنانير أو كذا من الذهب. وهنا تقول: اعمل ما تريد مادام العاقبة هي هذه.

لقد كنت في عزاء أحد المؤمنين ممن فقد عزيزاً له، فقلت له: يا فلان، إن القرآن الكريم يقول: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)[٣]؛ فحتى المفلس هذه الأيام، والكثيرون يشتكون من الإفلاس. وأقول: حتى أصحاب هذه المحنة يشملهم قوله تعالى: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ)[٤].

ليس الجزاء الجنة والحور، فذاك يأتي؛ ولكن في كل آن وهو في المحنة يصلي عليه رب العالمين. ما هذا المعنى؟ إن الله وملائكته يصلون على النبي؛ وعلى صاحب المصيبة الذي فقد مالاً أو عزيزا أو منصباً أو وظيفةً أو إلى آخره. ما هذه المزية العظمى؟ وعليه أقول: إن الذي يحب الإمام الرضا (ع) ويحب أن يتأسى به فليأخذ صفة الرضا بما قدر الله له ويجعل هذه الصفة متغلغلة في أعماق وجوده.

دروس من سيرة الإمام الرضا (عليه السلام)

فضيلة الشيخ ورد في الخبر: (كَانَ كَثِيرَ المعروف و اَلصَّدَقَةِ فِي اَلسِّرِّ، و أَكْثَرُ ذَلِكَ يَكُونُ مِنْهُ فِي اَللَّيَالِي اَلْمُظْلِمَةِ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ رَأَى مِثْلَهُ فِي فَضْلِهِ فَلاَ تُصَدِّقُوهُ)[٥]ما هي الدروس والعبر التي نستطيع أن نأخذها من هذه الرواية؟

إنني وقبل أن آتي إلى هذا المكان الطاهر؛ أخذت جولة في سيرته (ع). إن هذه الرواية وردت في كتاب البحار وهو موسوعة حديثية جامعة. أقول للإخوة الأعزاء: عندما تأتون لزيارة الرضا (ع) – على الأقل – خذوا دورة مختصرة في سيرته. إن كتاب البحار فيه فصول وأبواب في سيرة المعصومين (ع). أول باب هو في النص على إمامته، وولادته، وأحوال أصحابه، وما جرى عليه في أرض طوس من البيعة لولاية العهد؛ ثم في الأخير: شهادته. ولكن هناك باب أدعو الإخوة أن يتأملوا فيه جيدا في حياة كل معصوم، وهو: باب مكارم أخلاقه وفضائله. إن هذا الباب هو باب يتأسى به.

فلا بأس إن قرأت صفحة أو عدة صفحات في النص على إمامته؛ فهذا أمر مفروغ منه ولا شك فيه، وأن نعلم من كان في زمانه من أعدائه ومن أصحابه أيضا أمر جيد؛ ولكن هذه الرواية التي ذكرتها قد رأيتها في مكارم أخلاقه (ع). إن القرآن الكريم يقول: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)[٦]. وهذه الأسوتية – الآن في اللغة العربية كلمة الأسوتية ليس بمصدر – منطبقة على كل أولاده الكرام. ويعني أن كل واحد من هذه الذوات المقدسة ينبغي أن نجعلها أسوة.

لقد ذكرتم مسألة تفقد الإمام للفقراء في جوف الليل المظلم. ولنا أن نسأل: لماذا جوف الليل؟ لكي لا يُعرف الإمام. أي أن الإمام (ع) لا يحب أن يعرف بشخصة وخاصة إذا كان ذلك في أرض طوس. لم يكن الإمام مشهورا في المدينة ولم تضرب السكة باسمه. إنكم تلاحظن في المتحف الرضوي هذه الأيام السكة التي فيها اسم الرضا (ع)؛ سكة التداول والتعامل في ذلك الزمان. وعلى الأرجح هذه الرواية قد تكون في أيام إقامته في المدينة، وكان يذهب لوحده.

ثانيا: طلب الستر على الفقير وعلى المستضعف ولعل هذا هو الأهم. عندما كان يذهب الإمام في جوف الليل؛ لم تكن مثل هذه الأيام الإضاءات في الشوارع والأزقة مضيئة، وكان الإنسان لا يميز وخاصة إذا كان الشخص ملثماً. فكان يخرج في الليل ولا يعرف من هو الدافع ولا يعرف من هو المدفوع له. وفي هذا درس عملي لنا جميعا؛ أن لا نشهر في من ننفق عليه، والدرس الآخر والأهم؛ هو التأمل في جامعية أئمة أهل البيت (ع). كل الأئمة (ع) كانوا على هذا النهج. لقد وُجد على ظهر جده الحسين (ع) آثار شيء من الجرح. فقال ولده زين العابدين (ع): هذا أثر الجراب الذي كان يحملها على ظهره. وهذا حال أمير المؤمنين (ع) مع الأيتام والمساكين.

الاهتمام بالفقراء والمساكين

أقول لمن يريد أن يتكامل: إن التكامل ليس حكراً على العبادات الفردية أو المعلومات النظرية. هب أنك إنسان محقق نهارا وعابد ليلاً إن لم تكن هذه الخصلة النبوية الرضوية العلوية فيك؛ فأنت إنسان في وجوده نقص، وهذا النقص يظهر يوماً ما. اجعلوا مساحة من حياتكم لخدمة الفقراء والأيتام. حفظه الله أحد اساتذتنا في الدروس العالية نقل لي: أن أحدهم كان مشغولا بالتحقيق وله بحثه الخارج وكنا من الآيات العظام، وكان يأتي معي ليلاً لتفقد الأيتام. إنه مرجع من المراجع الكبار ولكنه كان يأتي معي لتفقد الأيتام، ويقول: هذا العمل عمل مقبول ومهم، وهو يعني: أن تحقيقه نهاراً وعبادته ليلاً لا تغنيه عن هذه الحركة وخاصة هذه الأيام التي تدنى فيها خط الفقر إلى حد كبير جداً. إن من كان في الأمس يعيش الكفاف صار اليوم فقيراً، ومن كان مستغنياً الآن صار يعيش الكفاف.

إن هذه الخصلة الرضوية وهي تفقد الأيتام والأرامل والمستضعفين في هذا الوقت أمر مهم جدا؛ ولكن بقيد، وكما يقال: بشرطها وشروطها. ليكن شعاركم جميعاً عند الإنفاق ما ذكره رب العالمين في سورة الإنسان: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)[٧]. إذا كان الإطعام بهذه النية؛ فالقليل يكفي. إن أمير المؤمنين (ع) لم يقدم سلة غذائية كبيرة، وإنما قدم قرصا من الخبز؛ فخلده رب العالمين في كتابه. إن مشاركات أمير المؤمنين (ع) في الحروب لم تذكر في القرآن صراحة، وكذلك تصدقه بالخاتم، ومبيته على فراش النبي (ص). بلى، هناك إشارات موجودة ولكن خصوص هذا العمل قد ورد بتفصيل في سورة الدهر. فمحور الكلام في هذه السورة؛ هو عمل أمير المؤمنين (ع).

تواضع الإمام (عليه السلام) مع عبيده وغلمانه

المقدم: نعيش هذه الأيام حقيقة مآسي التمييز العنصري ونعلم أن الإسلام جاء لتحطيم هذه العادات والتقاليد التي كانت موجودة؛ ولكن مع شديد الأسف نشاهد الكثير من الدول التي كانت تدعي الإنسانية في هذه المرحلة؛ قد انهارت وتبين أنها هي التي كانت تدعم هذه الحالة وتشجع على العنصرية. أذكر لكم هذه الرواية، يقول الرواي: (كُنْتُ مَعَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي سَفَرِهِ إِلَى خُرَاسَانَ فَدَعَا يَوْماً بِمَائِدَةٍ لَهُ فَجَمَعَ عَلَيْهَا مَوَالِيَهُ مِنَ اَلسُّودَانِ وَغَيْرِهِمْ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ لَوْ عَزَلْتَ لِهَؤُلاَءِ مَائِدَةً فَقَالَ مَهْ إِنَّ اَلرَّبَّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَاحِدٌ وَاَلْأُمَّ وَاحِدَةٌ وَاَلْأَبَ وَاحِدٌ وَاَلْجَزَاءَ بِالْأَعْمَالِ)[٨] . ماذا تفهمون من هذا؟

أولا: اسمح لي أن نتكلم كلاماً بالمزاح، ونخاطب الإمام (ع) ونقول له: اعتبرنا نحن من هؤلاء السودان أو من غيرهم، ولا تطردنا من مائدتك. إنك في دار الدنيا كنت تجمع الجميع والآن وأنت في عالم البرزخ؛ فانظر إلينا نظرة، واجمعنا جميعا.

إن النبي الأكرم (ص) كان على رأس الذين كسروا هذا التمييز.إن بلالا لم يكن مميزاً في أذانه. إننا نرى في هذه الأيام المؤذنون هم أصحاب أصوات جميلة؛ بينما كان بلال يؤذن ويلهج في الأذان، فقال (ص): إن سين بلال عند الله شين؛ أي لم يكن يتلفظ بالأذان كما ينبغي، ولكن النبي (ص) أراد أن يميز هذا الرجل الأسود من بين أصحابه ويعطيه منصب الأذان. وقد كان الإمام الرضا (ع) أيضا على هذه الشاكلة.

إنني أتعجب من إنسان يدعي الإنسانية ويجعل لون البشرة مائزاً، ويقول: هذا أسود وهذا أبيض. ما الفرق بينهما؟ هذا الجلد الذي سوف يتحلل في التراب يوماً ما؟ ما قيمة هذا الجلد حتى تقول هذا أسود وهذا أبيض؟ والحال أن القرآن الكريم يقولها كلمة صريحة: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)[٩]. إن هؤلاء اثاقلوا إلى الأرض وجعلوا اللون مقياس التفاضل ونسوا أن التفاضل هو بواقع الإنسان. ولهذا من صور عدم التمييز ما فعله الحسين (ع) مع ذلك العبد الأسود في واقعة كربلاء. سبحان الله..! إن لهذا المعنى أثر في نفوس الكثيرين من أصحاب هذه البشرة. إن من موجبات انتشار الدين في القارة السوداء هي هذه المواقف الجميلة. فانشروا هذه المعاني في بلاد الغرب، وفي بلاد التمييز.

لقد رأيت بعض اللافتات في بعض الدول الغربية تدعوا إلى نبذ العنصرية تزييفا إعلامياً ولكن القرآن الكريم ذكرها حقيقة والأئمة (ع) عملوا بذلك أيضا. أحدهم اعترف لي بكلام، يقول: نحن بنائنا على عدم التمييز ولكن في مقام العمل نقول: هذا مواطن، وهذا وافد. في بعض الدول هناك بعض التسميات؛ فيقال: هذا مواطن؛ يعني له جنسية البلد، وهذا إنسان أجنبي جاء من البلاد البعيدة. ويعني أن القضية أسوء من التمييز باللون. تارة يكون التمييز باللون وهذه قضية واقعة؛ أما أن تميز إنسانا على أساس ما كُتب في جوازه أو في وثيقته وأن هذا من ذلك البلد وهذا من هذا البلد؛ فستسقط من عين الله عز وجل. لماذا تنظر أن هذا مواطن وهذا إنسان وافد أو أجنبي؟ وأنا لا أحبذ كلمة الأجنبي، قل: غير مواطن. إن كلمة الأجنبي كلمة ثقيلة على اللسان. إن الإمام (ع) بهذا الموقف عند جمعه للسودان وغيره؛ في الواقع أعطى درسا عمليا للأمة جميعا على أن التفاضل هو بالبواطن وبالذات.

اغتنام الأشهر الحرم

المقدم: فضيلة الشيخ، في هذه الدقائق المتبقية هل يمكن توجيه كلمة أخيرة ونحن في أوائل الأشهر الحرم خصوصا شهر ذي القعدة؟

إنه سؤال وجيه. هناك ثلاثة أشهر حرم متواصلة، هي : ذي القعدة وذي الحجة ومحرم، وشهر رجب مفصول عنها وهو قبل شهر رمضان المبارك. هناك شهران للتهيئة لشهر رمضان المبارك؛ رجب وشعبان بما فيهما من الأعمال. نحن في شهر ذي القعدة نستعد لشهر ذي الحجة؛ أعني العشرة الأولى من ذي الحجة وبعد ذلك يوم عرفة. وما أدراك ما يوم عرفة؟ إن أفضل الليالي طوال السنة هي ليلة القدر وأفضل الأيام طوال السنة هو يوم عرفة، وليس هنالك يوم كهذا اليوم.

الاستعداد ليوم عرفة

لقد روي عن الإمام الصادق (ع) رواية ملفتة: (مَنْ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ إِلَى قَابِلٍ إِلاَّ أَنْ يَشْهَدَ عَرَفَةَ)[١٠]. فهل يعني ذلك أن يدرك عرفة زماناً أو مكاناً؟ لا نعلم. فقد يكون القصد كذلك زماناً. كما كنا في شهر رجب وشعبان نقول للإخوة: استعدوا لشهر رمضان، ونقول في الأيام الأولى من شهر رمضان: استعدوا لليلة القدر؛ أقول: أنه في شهر ذي القعدة استعدوا لذلك اليوم الذي هو أفضل الأيام في السنة.

اذكر الأخوان بهذا العمل المبارك وقد روي عن النبي الأكرم أنه من قام بهذا العمل والصلاة المعهودة في اليوم له مزايا كثيرة، ولا أحب أن أذكر المزايا حتى لا يتأثر قصد القربة، ولكن منها: زيادة الرزق، والموت براحة وإلى آخره. وهناك ثواب لهذا العمل قل ما رأيته في سائر الأعمال، وهو أن رب العالمين يرضي خصمائه يوم القيامة؛ يعني لو كان الإنسان مطلوبا أو عليه رد مظالم أو مجهول المالك يتكفل بذلك رب العالمين.

القيام بأربعينية التزكية

من الآن استعدوا لذلك اليوم، وكذلك أربعينية المراقبة. خذوا من شوال عشرة أو من شهر شعبان عشرة وأضيفوها إلى شهر رمضان واعملوا بهذه الأربعينية التي فيها قوام، وفيها التهذيب والتربية. وكذلك شهر ذي القعدة مع العشرة الموسوية فرصة طيبة لمن فاتته الأربعينية في شهر رمضان المبارك. إننا عندما نقول: الأربعينية، يتبادر إلى الأذهان هذا السؤال: أي عمل أو أي عبادة أو أي زيارة أو أي ورد أو أي ذكر نقول؟ دع هذه المسائل وإن كانت جيدة ولكن بشرط التغلغل في القلب. إن العبارات إذا لم تكن قد تغلغلت في القلب لا تؤثر أثراً بليغاً. اقرأ زيارة عاشوراء ولكن بتوجه.

أحد الأشخاص استفاد من زيارة عاشوراء استفادة كبيرة. قلت له: كيف قرأت الزيارة؟ قال: أنا كنت اقرأ زيارة عاشوراء باللعن والسلام مرة واحدة ولكن عندما أصل إلى بعض الفقرات فيها أبكي يومياً. فكنت أنتقل من زيارة عاشوراء إلى يوم عاشوراء، ولهذا أغمض عيني قليلا وأبكي واقرأ الزيارة. لقد مُنح بعد هذه الزيارة منحة معنوية كبيرة جداً ولست في مقام ذكر التفصيل ولكن صرح لي بما أعطي من مزايا معنوية. والبعض يقرأ زيارة عاشوراء سنوات بمائة لعن ومائة سلام، ثم يقول: لم أحصل على شيء. المقياس هو الكيف لا الكم.

ونرى ذلك أيضا في دعاء كميل. لقد طرق كميل باب أمير المؤمنين (ع) في البصرة – أهل البصرة يفتخرون بدعاء كميل لأن منشأه في هذه البلدة – ما أتى بك؟ يبدو أن الساعة غير طبيعية. قال: أريد دعاء الخضر. فقال له: اكتب دعاء كميل. ثم قال له أن يقرأ الدعاء في السنة مرة أو في الشهر مرة. نحن نقرأ دعاء كميل في كل أسبوع ولكن من دون أن نتأثر.

أهمية دعاء عرفة

من الأمور المهمة في ذلك اليوم هو دعاء عرفة. قد يقول البعض: إنني غير معني بهذا الدعاء، وهذا الدعاء هو لأهل عرفة، ولأهل الحج؛ أما أنا في وطني كيف اقرأ دعاء عرفة؟ إنني لا أتفاعل. بالطبع إنه كلام خاطئ. إن يوم عرفة يوم مبارك وهو ملحق بالأعياد ولا يخيب الله فيه أحداً.

المراقبة المتصلة

خذ زاوية في صحراء أو على سطح أو في جبل أو أي مكان آخر تجده مناسبا، واجعل هذه الفترة من الزوال إلى المغرب فترة اعتكافية، ووقتا لقراءة هذا الدعاء. ثم اجعل الأربعينية للمراقبة التامة. رحم الله أحد العلماء الكبار من المراقبين له كلمة جميلة، يقول: عليك بالمراقبة المتصلة. إن مشكلتنا أيام الحج والعمرة والزيارة والأربعينية والمشاهد حيث الأجواء مهيئة نكون من المراقبين والحال أنه ينبغي أن نكون كذلك في الخلوات أو في الجلوات سواء في أشهر العبادة، أو في غير هذه الأشهر. وقلة هم الذين يلتزمون بمثل هذه المراقبة في كل الأحوال وفي كل الأوضاع.

[١] العتبة الرضوية.
[٢] سورة البلد: ٤.
[٣] سورة البقرة: ١٥٥-١٥٦.
[٤] سورة البقرة: ١٥٧.
[٥] إعلام الوری  ج٢ ص٦٣.
[٦] سورة الأحزاب: ٢١.
[٧] سورة الإنسان: ٩.
[٨] الکافي  ج٨ ص٢٣٠.
[٩] سورة الحجرات: ١٣.
[١٠] تهذيب الأحكام  ج٤ ص١٩٢.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • أقول لمن يريد أن يتكامل: إن التكامل ليس حكراً على العبادات الفردية أو المعلومات النظرية. هب أنك إنسان محقق نهارا وعابد ليلاً إن لم تكن هذه الخصلة النبوية الرضوية العلوية فيك؛ فأنت إنسان في وجوده نقص، وهذا النقص يظهر يوماً ما. اجعلوا مساحة من حياتكم لخدمة الفقراء والأيتام.
Layer-5.png