- ThePlus Audio
في رحاب ولادة علي الأکبر (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
ولادة علي الأكبر (عليه السلام) في شهر شعبان
من الولادات المباركة في شهر شعبان بالإضافة إلى ولادة الأقمار الثلاثة وبالإضافة إلى ميلاد إمام زماننا (عج)؛ هنالك مناسبة أيضا منقولة، وهي: ولادة علي الأكبر (ع). إن علي الأكبر، هو أكبر أولاد الحسين (ع) وإمامنا زين العابدين (ع) هو الأوسط، وهناك علي الأصغر الذي قتل رضيعا بين يدي والده.
تجلي الملكات الحميدة في يوم عاشوراء
ليست لدينا – للأسف الشديد – نصوص كثيرة قبل يوم عاشوراء عن سيرته، ولكننا نعلم أن ما تجلى في يوم عاشوراء لم يكن حدثا فجائيا. أي زينب (س) ما صارت صابرة في يوم عاشوراء، ولا العباس (ع) صار نافذ البصيرة في يوم عاشوراء، ولا علي الأكبر صار شبيهاً للنبي (ص) في يوم عاشوراء. إن يوم عاشوراء هو يوم التجلي. إن الطالب عندما ينجح في الاختبار إنما يكون قد درس سابقا. والبطل عندما يقتحم الميدان كان شجاعاً سابقا. والعالم عندما يتكلم كان عالماً سابقا، وإنما هذه تجليات في هذه الموارد حيث يتجلى العلم والشجاعة وغيره.
أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقا بالنبي (صلى الله عليه وآله)
لقد كان علي (ع) أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقا بالنبي (ص)؛ أي هذا ديدنه، وهذه ملكاته وصفاته. ولكن متى اكتسب هذه الكمالات؟ إن تربية إمامنا الحسين (ع). لقد كان علي (ع) خاضعا لتربية أبيه. وإن كان – كما ينقل عمره في الثامنة عشر أو كما يقول البعض: في الخامسة والعشرين؛ فقد أدرك أيضا عمه المجتبى (ع)، وكذلك عايش أخاه زين العابدين (ع). إن هذه الشخصية كانت محاطة بعناية هذه الأنوار اللامعة.
علة حزن الإمام الحسين (عليه السلام) الشديد على ولده علي الأكبر
ولو قيل أنه كان من أشبه الناس خَلقاً؛ لقلنا أن الشبه الظاهري لا يعطي للشخص مزية؛ فقد خلقه الله هكذا ولا مدخلية للفرد في ذلك؛ ولكن الكمال في قولهم: خُلقاً ومنطقا. والمنطق هو الكلام أو التفكير. منطقه يعني فكره. فقد كان السلوك الخارجي والبنية الداخلية شبيهة بالنبي (ص). ثم إن الحسين (ع) يؤكد على هذه الحقيقة أنه؛ (كُنَّا إِذَا اِشْتَقْنَا إِلَى نَبِيِّكَ نَظَرْنَا إِلَى وَجْهِهِ)[١]. وبهذا یتجلى لنا عمق الفاجعة، ولماذا كان الحسين (ع) يجود بنفسه عند نعشه، وكانت زينب (س) تنادي: (يَا أُخَيَّاهْ وَاِبْنَ أُخَيَّاهْ)[٢]؛ لقد أشفقت زينب (س) على أخيها فلم تكن القضية بالهينة.
دعاء الإمام الحسين (عليه السلام) قبل خروج ولده علي الأكبر إلى الميدان
إن الإمام (ع)، وقبل أن يخرج ولده علي (ع) إلى الميدان دعى على القوم، ولهذا لم يرى القوم خيراً بعد عاشوراء. إن الدولة الأموية التي استمرت لسنوات؛ جائتها الدولة العباسية؛ فأشبعتها ظلماً حتى قال الشاعر:
يا ليت ظلم بني مروان دام لنا
وعدل بني العباس في النار
وكما قال سبحانه: (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا)[٣]؛ أي قالوا: إن ما قاساه الناس وكابدوه في حكم بني العباس كان أشق عليهم مما تحملوه في حكم بني أمية. ثم توالت المحن إلى يومنا هذا؛ فلم ترى الأمة استقراراً وارتياحاً إلى يومنا هذا.
لقد قال الحسين (ع): (اللّهمّ امنعهم بركات الأرض، وفرّقهم تفريقا، ومزّقهم تمزيقا، واجعلهم طرائق قددا، ولا ترض الولاة عنهم أبدا)[٤]. إن هذه المضامين في دعوة الحسين (ع) مستمرة في العصور. ثم صاح بعمر بن سعد وقال: (ما لك؟ قطع اللّه رحمك، ولا بارك لك في أمرك، وسلّط عليك من يذبحك بعدي على فراشك، كما قطعت رحمي، ولم تحفظ قرابتي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله). إن أئمتنا (ع) يعلمون ما وراء الستار. فقد أخبره الإمام (ع) بطريقة مقتله.
مقتل علي الأكبر (عليه السلام) والكأس الذي لا عطش بعده
لقد كافئه رب العالمين في الدنيا قبل الآخرة. إن الحسين (ع) طلب أن لا يمسي حتى يسقيه جده بكأسه الأوفى شربة لا يظمأ بعدها أبدا. وهناك جملة نختم بها؛ عندما جاء علي (ع) يشتكي وقال: (يَا أَبَتِ اَلْعَطَشُ قَدْ قَتَلَنِي وَثِقْلُ اَلْحَدِيدِ قَدْ أَجْهَدَنِي)[٥]، قال له الحسين (ع) كلمة لا زالت تؤثر في قلوبنا جميعا: (يَا بُنَيَّ قَاتِلْ قَلِيلاً فَمَا أَسْرَعَ مَا تَلْقَى جَدَّكَ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَيَسْقِيَكَ بِكَأْسِهِ اَلْأَوْفَى شَرْبَةً لاَ تَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَداً).
خلاصة المحاضرة
- ليست هناك نصوص كثيرة عن سيرة علي الأكبر قبل يوم عاشوراء؛ ولكننا نعلم أن ما تجلى في يوم ذلك اليوم لم يكن حدثا فجائيا. إن زينب (س) ما صارت صابرة، ولا العباس (ع) صار نافذ البصيرة، ولا علي الأكبر صار شبيهاً للنبي (ص) في يوم عاشوراء؛ بل كان ذلك تجل للحقيقة التي كانوا عليها.
- ولو قيل أنه كان من أشبه الناس خَلقاً؛ لقلنا أن الشبه الظاهري لا يعطي للشخص مزية؛ فقد خلقه الله هكذا ولا مدخلية للفرد في ذلك؛ ولكن الكمال في قولهم: خُلقاً ومنطقا. والمنطق هو الكلام أو التفكير. منطقه يعني فكره. فقد كان السلوك الخارجي والبنية الداخلية شبيهة بالنبي (ص).