- ThePlus Audio
آثار الذنوب والمعاصي
بسم الله الرحمن الرحيم
آثار الذنوب على الحياة الاقتصادية
إن البشر بطبيعتهم وبما أودع الله فيهم من غرائز ومن خضوعهم للقوتين الشهوية والغضبية لا ينفكون عن الذنوب. وينبغي لأجل ذلك أن يحيط المؤمن وغير المؤمن علما بالذنوب وآثارها وكيفية الاحتراز منها.
لقد ذكر القرآن الكريم بصورة واضحة آثار المعصية على الحركة الاقتصادية للبشر، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[١]، والقرى هي تشمل المدن الكبيرة والصغيرة لا الأرياف والقرى بمفهومنا اليوم. ويتبين من الآية الشريفة أن الله عز وجل دأبه وعادته الإنعام والإفضال على الخلق ولا يمنع ذلك إلا الخلق أنفسهم، وإذا ما تعرض الإنسان للفقر والمرض وانعدام الأمن فهي من جراء معاصيه وذنوبه وإغلاقه بيده أبواب الرحمة الإلهية.
وتذكر بعض الروايات الشريفة أن الله عز وجل ينزل المطر من الناس بمقدار حاجة الأرض، وإنما هي الذنوب تحول هذه الأمطار عن وجهتها أو تنزل بصورة سيل عرم[٢] وتسبب للبشر الحوادث والكوارث.
التغيير يبدأ منك أنت..!
ومن الآيات الشريفة التي تبين وجود علاقة بين المعاصي وزوال النعم، قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[٣]، فلا يمكن تغيير الواقع الخارجي إلا بإصلاح الباطن كما ذهب في تفسير هذه الآية بعض العلماء؛ أي أن الفقر والغنى والمرض والعافية والتوفيق والراحة النفسية والسمعة الاجتماعية الحسنة أمور ترتبط بك أنت، والقاعدة الفيزيائية تقول: إن الجسم ثابت يميل إلى السكون ما لم يحرك، ومرور الزمان لا يغير شيئا من الواقع إلا أن يقوم الإنسان بنفسه بالتغيير المرجو.
خطورة الترف والمترفين على المجتمع البشري
ومن الآيات المهمة قوله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)[٤]؛ أي أمرناهم بالطاعة وبدل الطاعة فسقوا فيها فحق عليها العذاب. وكم هم طواغيت العصر ومترفو الأمم الذين أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر حتى لا تسمع لهم ركزا؟ وللأسف الشديد فإن الحياة أصبحت في زماننا تميل إلى الترف، والترف هو التوسع في النعمة بلا وجه. فلا يكتفي الإنسان بمقدار الكفاف في ملبسه وشربه ومأكله من هذه الدنيا، وإنما يتوسع في النعمة من دون سبب وعلة تقتضي ذلك.
من آثار الذنوب؛ تأخير الاستجابة
من آثار الذنوب، أنها تؤخر الاستجابة. فمن منا يخلو من حاجة ملحة من حاجة إلى زواج أو رغبة في فتاة أو توسعة في المال والعمل وشفاء من بعض الأمراض أو رغبة في ذرية أو إصلاح ذرية غير صالحة وما شابه ذلك، وقد يكون مستجاب الدعاء إلا أنه يطلب قربا أكثر من الله سبحانه، وروي عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: (إِنَّ اَلْعَبْدَ يَسْأَلُ اَللَّهَ اَلْحَاجَةَ فَيَكُونُ مِنْ شَأْنِهِ قَضَاؤُهَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ أَوْ إِلَى وَقْتٍ بَطِيءٍ فَيُذْنِبُ اَلْعَبْدُ ذَنْباً فَيَقُولُ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْمَلَكِ لاَ تَقْضِ حَاجَتَهُ وَاِحْرِمْهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ تَعَرَّضَ لِسَخَطِي وَاِسْتَوْجَبَ اَلْحِرْمَانَ مِنِّي)[٥]، فترى العبد قد استوجب الحاجة في حج أو عمرة أو في ليلة من ليالي القدر ولكنه يضيعها بالمعصية. أو ترى العبد قد دخل المسجد ورضي عنه ربه فقضى حاجته، ثم خرج من المسجد إلى السوق فنظر يمنة ويسرة أو سمع حراما أو أغلظ لأحدهم القول وعنفه، أو عاد إلى البيت ولم يعامل الزوجة كما يريد سبحانه، فإذا به يحرم الحاجة التي كان من شأنها أن تقضى.
ومن آثار الذنوب – وأظنها رأس الآثار وأهمها – ما روي عن الأمام الصادق (ع) أنه قال: (كَانَ أَبِي عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَقُولُ: مَا مِنْ شَيْءٍ أَفْسَدَ لِلْقَلْبِ مِنْ خَطِيئَةٍ إِنَّ اَلْقَلْبَ لَيُوَاقِعُ اَلْخَطِيئَةَ فَمَا تَزَالُ بِهِ حَتَّى تَغْلِبَ عَلَيْهِ فَيُصَيِّرَ أَعْلاَهُ أَسْفَلَهُ)[٦]، ومحرك الإنسان وضامن سعادته هذا القلب الذي إذا صار أعلاه أسفله؛ لم يقبل في صلاة ولا في عبادة، وتراه يسأل عن شهر رمضان متى يحين حينه، فإذا رأى أن الوقت قريب تكدر وانقبض، وكذلك حاله عندما يجب عليه الحج والخمس والزكاة فتراه ينفر نفورا من العبادات ويسوف ما استطاع منها. وقد نرى شابا يتعلق بفتاة فاجرة فاسقة سافرة من غير ملته ودينه وإذا بالقلب يصير أعلاه أسفله، فبدل التوجه نحو الحرام يميل إلى الحرام.
من أخطر آثار الذنوب
ثم إن الذنوب الصغيرة تجر الإنسان إلى كبائر الذنوب، فالذي لا يكترث لولده عندما يشاهد بعض الصور والأفلام في الفضائيات فليعلم أن الأمر سوف لن يقف إلى هذا الحد، بل كما يقال: نظرة، فابتسامة، فكلام، فموعد، فلقاء..! وقد قال سبحانه: (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)[٧]. وكذلك السراق الملايين بدأوا مشوارهم بسرقة الدراهم. والزنا يبدأ بنظرة، وشرب الخمر وتعاطي المخدرات يبدأ من الجلوس مع أهلها وعلى موائدهم، والتعدي على الزوجة وغيرها بالضرب يبدأ بالتعدي عليهم لفظيا وكلاميا، وقد يصل الأمر إلى ما لا يحمد عقباه.
ومن آثار الذنوب؛ الخروج عن حالة الاستقامة. قال تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ)[٨]، فالإنسان لا يعود يهتم للمعاصي ولا يشعر بكراهيتها بعد ذلك.
وقد روي عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: (إِنَّ اَلْعَبْدَ لَيُذْنِبُ اَلذَّنْبَ فَيُزْوَى عَنْهُ اَلرِّزْقُ)[٩]. ويعتقد البعض أن الرزق منحصر في الأمور المالية، وقد تراه يجلس بين الطلوعين أو ينفق بعض المال في صلة أرحامه ثم سرعان ما يتوقف إذا لم يرى زيادة في الأموال. وإنما الرزق هو أعم من المال؛ بل الزوجة والذرية الصالحة من أفضل أنواع الرزق. وقد أشارت الروايات الشريفة أن الرزق خمسة؛ المال، والزوجة الصالحة، والذرية الصالحة، والعلم، والتوفيق للعبادة، فقد يحرم الإنسان صلاة الفجر بسبب سلوكه اليومي.
وكما بينا آثار الذنوب، ينبغي أن نبين العلاج وكيف يمكن للإنسان أن يحصن نفسه أمام المعاصي. إن العصمة أمر خاص بالمعصومين (ع) ولكن العدالة أمر ممكن للجميع. وقد ذكر القرآن الكريم عاملا مهما في تجفيف روافد المعصية، وهو قوله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[١٠]، وقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلاَتُهُ عَنِ اَلْفَحْشَاءِ وَاَلْمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اَللَّهِ إِلاَّ بُعْداً)[١١]. فالحفاظ على الصلاة في أول وقتها وجماعة في المساجد من موجبات ردع الإنسان عن ارتكاب المعاصي. وقد لاحظنا الكثير ممن ابتعد عن أجواء الطاعة وعن الحضور في المساجد والمآتم أصبح في معرض المعصية أكثر من غيره.
والاستغفار من غير ذنب كذلك من موجبات إبطال مفعول المعاصي والذنوب وقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ بِالنَّهَارِ سَبْعِينَ مَرَّةً)[١٢]، من غير ذنب منه (ص).
ولا ينبغي الاقتراب من أجواء المعصية، وقد حرمت الشريعة الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر وإن لم يشرب هو بنفسه، لأن الجلوس مع الفسقة يؤثر على خلق الإنسان. وقد روي عن رسول الله (ص) أنه قال: (اَلْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ)[١٣]. وقد نهت الشريعة عن التعرب بعد الهجرة والسفر إلى بلاد المعصية؛ بل كان يسأل الأصحاب الأئمة (ع) عن أحكام الوضوء في البلاد التي يكثر فيها الثلوج حيث يتعذر في بعض الأيام الحصول على الماء، وكان الإمام (ع) ينهاهم عن السفر إلى تلك البلاد، فليس مجبرا أن يذهب الإنسان إلى بلد لا يستطيع فيه ممارسة أحكامه الشرعية.
ومن الأماكن المبغوضة عند الله عز وجل الأسواق في مقابل المساجد التي هي أحب البقاع إلى الله عز وجل. وقد يذهب بعض المؤمنين إلى الأسواق من غير حاجة لمجرد قضاء الوقت والتفرغ. وقد يذهب بعض النساء إلى الأسواق المزدحمة لأجل توفير بضعة دراهم في مقابل مزاحمة الرجال. وكان أمير المؤمنين (ع) يتألم من أن النساء تزاحم الرجال في أسواق البصرة. وقد يأخذ الرجل بيده زوجته المؤمنة بحاجبها الكامل إلى هذه الأماكن المزدحمة التي لا تليق بها والتي قد يسمع فيها أصوات الغناء، وحيث الرقص والطرب والوجوه المنسوخة من أجل توفير بضعة دراهم في مقابل الكثير مما يذهب من دينه. ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
وقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (إِنَّ أَبِي كَانَ يَقُولُ: إِنَّ اَللَّهَ قَضَى قَضَاءً حَتْماً لاَ يُنْعِمُ عَلَى عَبْدِهِ بِنِعْمَةٍ فَسَلَبَهَا إِيَّاهُ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ اَلْعَبْدُ ذَنْباً يَسْتَوْجِبُ بِذَلِكَ اَلذَّنْبِ سَلْبَ تِلْكَ اَلنِّعْمَةِ، وَذَلِكَ قَوْلُ اَللَّهِ «إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يُغَيِّرُ مٰا بِقَوْمٍ حَتّٰى يُغَيِّرُوا مٰا بِأَنْفُسِهِمْ»)[١٤]. فإذا أنعم الله عز وجل عليك نعمة عض عليها بنواجذك ولا تفرط فيها بارتكابك المعاصي التي تزيل عنك هذه النعم.
[٢] السَّيْلُ الشَّديدُ الجارِف الذي لا يُحتمل.
[٣] سورة الرعد: ١١.
[٤] سورة الإسراء: ١٦.
[٥] الکافي ج٢ ص٢٧١.
[٦] الکافي ج٢ ص٢٦٨.
[٧] سورة البقرة: ١٦٨.
[٨] سورة الحجرات: ٧.
[٩] الکافي ج٢ ص٢٧٠.
[١٠] سورة العنكبوت: ٤٥.
[١١] تفسير نور الثقلين ج٤ ص١٦١
[١٢] كشف الغمة ج٢ ص٢٥٤.
[١٣] الأمالي (للطوسی) ج١ ص٥١٨.
[١٤] تفسیر العیاشی ج٢ ص٢٠٦.
خلاصة المحاضرة
- لقد ذكر القرآن الكريم بصورة واضحة آثار المعصية على الحركة الاقتصادية للبشر، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).
- لا يمكن تغيير الواقع الخارجي إلا بإصلاح الباطن؛ أي أن الفقر والغنى والمرض والعافية والتوفيق والراحة النفسية والسمعة الاجتماعية الحسنة أمور ترتبط بك أنت، والقاعدة الفيزيائية تقول: إن الجسم ثابت يميل إلى السكون ما لم يحرك.
- لا ينبغي الاقتراب من أجواء المعصية، وقد حرمت الشريعة الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر وإن لم يشرب هو بنفسه، لأن الجلوس مع الفسقة يؤثر على خلق الإنسان. وقد روي عن رسول الله (ص) أنه قال: (اَلْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ).