ظاهرة الصوم..
إن التحدث عن الجانب الفقهي، والدعوة إلى الصيام، هذا أمر مفروغ منه، فروّاد بيوت الله عزّ وجلّ في غنى عن هذا الأمر!.. ولكن هناك ظاهرة غريبة، ألا وهي: أن بعض الناس قد لا يُصلّون طوال العام، أو لا يواظبون على صلاتهم، ولكنهم يلتزمون بصيام شهر رمضان المبارك؛ فالجو العام جو محفز، ومن لا يصوم شهر رمضان المبارك؛ كأنه خرج عن الخط العام!.. فحتى الأولاد دون سن البلوغ، يصرون على صيام هذا الشهر المبارك.
واجب الآباء..
إن الولد أو البنت قريبا العهد بالبلوغ عندما يصران على الصيام، على الآباء تشجيعهم على ذلك، وليس صرفهم عنه بدعوى أنهم صغار لا يتحملون الصوم؛ فهذه الأمور قد تكون سبباً في دخول بعض الآباء نار جهنم!.. فمن يشك في قدرة ولده على الصيام عليه أن يدربه، ولا يجب إجباره على الإفطار؛ لأنه لا يجوز ذلك إلا إن وصل الأمر إلى درجة من الحرج يرفع عنه التكليف، وإلا فإن مجرد التعب والإرهاق لا يعدّ مسوغا!..
شعار المؤمن..
إن النبي (صلی الله عليه) هيأ الناس لصيام شهر رمضان كما يُراد، وهو في شهر شعبان.. والمؤمن يتأسى بالنبي (صلی الله عليه) في إعداد نفسه؛ كي يكون هذا الشهر الكريم خير رمضان مرّ عليه!.. فهو دائما يرفع هذا الشعار في بداية كل موسم: قبل الحج يقول: يا رب، أريد أن تكون هذه الحجة لا كالحجج السابقة، فـ”المغبون من تساوى يوماه”؛ فكيف بمن تساوت سنتاه؟!.. وفي بداية شهر رمضان أيضاً يطلب من الله عز وجل، أن يجعل هذا الشهر خير شهر رمضان مر عليه!.. فالإنسان الذي يصوم في كل سنة شهر رمضان، ولا يأتي بجديد: فلا مناجاة متميزة، ولا تلاوة متدبرة لكتاب الله عزّ وجلّ، ولا مراقبة، ولا ورع زائد؛ فمتى يتميز؟.. فكما أن الإنسان يحاول أن يتميز في حياته الدنيا، ويتطور وظيفيا، وأحياناً يُغيّر منزله إلى ما هو الأفضل؛ المؤمن كذلك بالنسبة إلى حياته الأخروية، أيضاً يبحث دائماً عن الأفضل!..
فإذن، إن شعار المؤمن في كل عام: أريد أن يكون شهر رمضان هذا؛ أفضل من شهر رمضان السابق، وفي السنة القادمة أيضاً يرفع نفس الشعار، وهكذا إلى أن يصل في يوم من الأيام إلى مستوى أعلى بالنسبة إلى إحياء هذا الشهر الكريم!..
التوصيات العملية..
أولاً: الشوق.. إن هناك من يستوحش من قدوم الشهر، هو يستوحش من النهار وإلا في الليل؛ فإنه يتملى من الطعام ومن الشراب، والزيارات الهادفة وغير الهادفة!.. يرى نهار شهر رمضان نهارا ثقيلا، والحال أن بركات الليل هي من صيام النهار: فلولا هذا الصيام في النهار؛ لما رأى هذه الحلاوة عند الإفطار، ولما استذوق مناجاة السحر!.. بعض المؤمنين يقيم الليل في شهر رمضان فقط، أي شهر واحد في السنة؛ لأنه مضطر للاستيقاظ لتناول طعام السحور، لا بأس في ذلك، هذه أيضا نقطة إيجابية، فهذا خير من العدم!..
ثانياً: الاستعداد للشهر الكريم.. إن الاستعداد يكون من خلال التلقين، وقراءة الروايات، فقبل قدوم هذا الشهر الكريم، ينبغي للمؤمن أن يقرأ كتب الدعاء قراءة لا بمعنى الدعاء، إنما يقرأ: أعمال الليالي، وآداب الإفطار، وآداب وأعمال ليالي القدر؛ فمثلاً:
۱. صلاة الألف ركعة: إن بعض المؤمنين يلتزم في شهر رمضان المبارك بصلاة الألف ركعة الموزعة على الشكل التالي: في أول عشرين يوما يصلي عشرين ركعة، وفي العشرة الأخيرة يصلي ثلاثين ركعة، وفي ليالي القدر يصلي مائة ركعة.. وعليه، فإن الألف ركعة موزعة على كافة الليالي، وهي تبدأ من الليلة الأولى، ومن يفوّت صلاة أول ليلة فإن هذه الصلاة تنتفي.
۲. أعمال الليلة الأولى: عادة في الأشهر الثلاثة المباركة، هناك أعمال في أول ليلة من الشهر، فبعض المؤمنين قد يمر عليه شهر رجب ولا يلتفت إلى ذلك إلا بعد أيام، وشهر شعبان كذلك، أما شهر رمضان فإنه لا ينسى ذلك اليوم باعتبار الصيام!.. ولكن يجب الالتفات إلى بركات الليلة الأولى واليوم الأول من الشهر، وصلاة أول الشهر هذه سُنّة لا يتركها المؤمن طوال العام؛ ليحفظ من آفات ذلك الشهر.
۳. الليالي البيض: هذه الليالي من الأشهر الثلاثة ليال مميزة، المؤمن يهيئ نفسه في هذه الليالي.
ثالثاً: معرفة الآداب الباطنية.. ينبغي للمؤمن أن يقرأ آداب الصيام الظاهرية والباطنية، فكما أن هنالك آدابا باطنية للصلاة، وآدابا باطنية للحج، هناك أيضاً آداب باطنية للصيام، وحتى الزكاة والخمس لها آداب باطنية.. المؤمن يبحث في مطاوي الكتب؛ ليصوم ويصلي ويحج بالطريقتين: الفقهية، والأخلاقية!.. وحديث الشبلي حديث معروف، حيث جعل الإمام السجاد (عليه السلام) لكل حركة في الحج معنى باطنيا، هذا المعنى موجود أيضاً في الصلاة وفي الصيام وفي غيرها من فروع الدين.
رابعاً: الاعتكاف الروحي.. إن المؤمن في شهر رمضان المبارك يدخل عالم التكامل؛ للأسباب التي ذكرها النبي (صلی الله عليه) سواء في خطبته الشهيرة في استقبال الشهر الكريم، أو في مناسبات أخرى، ومنها:
۱. أن الشياطين مغلولة، (والشياطين مغلولةٌ، فسلوا ربكم أن لا يسلّطها عليكم)!..
۲. أن الدعاء مستجاب، (ودعاؤكم فيه مستجابٌ)!..
۳. أن النوم عبادة، (ونومكم فيه عبادةٌ)!..
٤. أن الأنفاس تسبيح، (أنفاسكم فيه تسبيحٌ)!..
٥. أن خلوف فم الصائم هي عند الله أطيب من المسك؛ لأنها في سبيل الله عز وجل!.. فهذه الأنفاس التي هي عبارة عن الشهيق والزفير، تتحول إلى تسبيح، رغم أن الزفير هو عبارة عن غاز الكربون السام القاتل الذي يخرج من الرئتين!..
روي عن رسول الله (صلی الله عليه) أنه قال: (أعطيت أمتي في شهررمضان خمس خصال، لم يعطها أحد قبلهن: خلوف فم الصائم؛ أطيب عند الله من ريح المسك!.. وتستغفر له الملائكة حتى يفطر!.. وتصفد فيه مردة الشياطين؛ فلا يصلون فيه إلى ما كانوا يصلون في غيره!.. ويزين الله عز وجل فيه كل يوم جنته ويقول: يوشك عبادي الصالحون، أن يلقوا عنهم المئونة والأذى، ويصيروا إليك!.. ويغفر لهم في آخر ليلة منه!.. قيل: يا رسول الله، أي ليلة القدر؟.. قال: لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره، إذا انقضى عمله).
٦. أن المؤمن في ضيافة الله عز وجل، فالمصلي يكون في ضيافة الله عز وجل لحظات الصلاة فقط، والحاج يكون في ضيافة الله عزّ وجلّ في موسم الحج أياما فقط، وتنتهي الضيافة الإلهية!.. أما في شهر رمضان: فمن أول ليلة منه إلى ليلة العيد؛ ثلاثون يوما وليلة وبني آدم في ضيافة الله عزّ وجلّ!.. فلو أن إنساناً دخل ناديا رياضيا لمدة شهر، لابد أن يتحول إلى إنسان رياضي، ونحن نعيش لمدة شهر كامل جو الرياضة الروحية، ولهذا يقول النبي (صلی الله عليه):
أ- (إنّ الشقيّ مَن حُرِم غفرانَ الله في هذا الشهر العظيم)!..
ب- (إنّ الشقيّ حقَّ الشقيّ؛ مَن خرج عنه هذا الشهرُ، ولم يُغفرَ ذنوبُه)!..
ج- (فمَن لم يُغفَر له في رمضان، ففي أيّ شهرٍ يُغفَرُ له)؟!..
إذا أهمل رب العالمين عبده في الشهر الكريم، وأسقطه من عينه، ولم يقبل له توبة؛ فمتى يرجو ذلك: في شهر شوال، أو في شهر ذي القعدة؟!.. إذا لم يأكل من المائدة في قمة الضيافة الإلهية؛ فهيهات له أن يشبع ويرتوي بعد رفع المائدة!.. روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (من لم يغفر له في شهر رمضان، لم يغفر له إلى قابل؛ إلا أن يشهد عرفة).. ومن يوفق لعرفة؟.. وهل المراد عرفة هنا زمانا أو مكانا؟.. هل المراد الحجاج، أما كل من أدرك عرفة ولو خارج الموسم؟..
فإذن، لعل هذا هو السر في أن هناك من لا يصلي؛ ولكنه يصوم الشهر الكريم!.. فالشياطين طوال العام لها الحرية، أما في شهر رمضان فإن حريتها تضيق؛ وهذه فرصة ذهبية، ينبغي للمؤمن أن يستغلها!..
لوازم الاعتكاف الروحي:
إن برنامج الحياة يختلف في شهر رمضان المبارك: فالإنسان لا يفطر، ولا يتغدى، ويقوم الليل؛ فمعظم الناس مستيقظون ساعة السحر.. هذا الجو مناسب جداً للاعتكاف الروحي، ولو خُيّر الإنسان بين الاعتكاف الفقهي ثلاثة أيام أو أكثر في المسجد، وبين الاعتكاف الروحي طوال الشهر، والله العالم أن تأثير هذا الاعتكاف أكبر!.. ولكن ما المقصود بالاعتكاف الروحي؟.. فكما أن المحرم للحج يحرّم على نفسه بعض الأمور، المعتكف روحيا في شهر رمضان المبارك، أيضاً يحرّم على نفسه بعض الأمور، منها:
۱. تصفية الحسابات: يحاول المؤمن أن يصفي حساباته في هذا الشهر الكريم.
۲. الجدية: إن المؤمن لا يتكلم كثيرا هذرا في هذا الشهر الفضيل.
۳. عدم اللهو: إن المؤمن لا يذهب إلى المجالس اللاهية التي يطلق عليها “مجالس رمضانية”، إلا إن كان فيها فائدة، أو حديث نافع، أو صلة رحم!.. بعكس بعض الذين من أول الشهر إلى آخره، وهم ينتقلون من بيت إلى بيت، ومن مجلس إلى مجلس بدعوى مباركة رمضانية، وهم يتكلمون في كل ما هب ودبّ، ويسمعون كل ما هبّ ودبّ، وقد يسمعون الحرام!.. فهذه المجالس غير مبنية عموما على التقوى، وفيها بعض الوجاهات الاجتماعية والأرباح الدنيوية.. المؤمن في شهر رمضان، يخفف العلاقات اللاهية.
٤. صلة الأرحام: إن المؤمن يصل رحمه في الشهر المبارك، فيجعل له جدولا للقيام بزيارة الأقارب!.. بينما هناك من لا يفوّت زيارة أصدقائه أسبوعياً، وفي المقابل لا يزور أخاه أو أخته، وقد لا يعرف لهم عنواناً، وكذلك العم والخال والخالة؛ فأين التقرب إلى الله عزّ وجلّ؟.. من هنا يأتي بعض أنواع البلاء، فمن يقطع رحمه رب العالمين يبتر عمره!..
فإذن، إن شهر رمضان المبارك هو شهر العبادة، هناك من يذهب للعمرة في العشرة الأخيرة من الشهر الكريم بدعوى الاعتكاف وترك الدنيا، بينما المؤمن من أول يوم يعتكف، بمعنى: هو في النهار صائم، وفي الليل يقوم بأعمال الليالي: من العبادات، والإحياء، ومستحبات ساعة السحر.. لذا، فإنه في غنى عن بعض المجالس الباطلة.
خامساً: المصالحة مع القرآن الكريم.. من آداب هذا الشهر الكريم، المصالحة مع القرآن الكريم، فكثير من الناس لا يلمس كتاب الله عز وجل من شهر شوال إلى أول شهر رمضان، إلا في فاتحة على قبور الموتى، ولكنه لا يقرأ صفحة أو جزءا من كتاب الله عزّ وجلّ خلال السنة، لذا فإنه في شهر رمضان؛ يصالح رب العالمين في كتابه.. هنا لابد من ذكر ملاحظة هي عبارة عن توصية من العلماء السلف بالنسبة إلى تلاوة القرآن الكريم، يقولون: إنه من المناسب أن يكون للمؤمن تلاوتان في شهر رمضان:
التلاوة الأولى: تلاوة للأجر والثواب، وإكثار الحسنات.. إذ بإمكان الإنسان أن يختم القرآن في كل ثلاثة أيام؛ وهذا أمرٌ ميسور: ففي الساعة الواحدة يقرأ ثلاثة أجزاء، العشرة أجزاء تستغرق من الوقت ثلاث أو أربع ساعات، فمن يقرأ القرآن بهكذا عدد من الممكن أن يختم القرآن كل ثلاثة أيام.. إذن، هذه تلاوة للأجر والثواب، ولكن مع التدبر الإجمالي.
التلاوة الثانية: تلاوة للتدبر والتأمل.. أي يقرأ في مصحف معين، ويكتب على هامشه كل ما توصل إليه من ملاحظات وتأملات حول القرآن.. فالإنسان: له عقل، وله فهم، وله تفكير!.. صحيح أن تفسير القرآن المعمق هو لأهله من العلماء؛ كصاحب تفسير الميزان وغيره، ولكن التدبر في كتاب الله عزّ وجل تدبرا إجماليا نحن مأمورون به.
فإذن، ينبغي أن يكون هناك قراءة متدبرة، وقراءة للأجر والثواب، بموازاة بعضهما البعض.
سادساً: العدالة.. إن المؤمن في شهر رمضان المبارك، يحاول أن يكون عادلا عدالة مؤقتة!.. فملكة ترك الحرام لا يمكن الانضباط بها طوال العام، ولكن في شهر رمضان عندما يكون الإنسان صائما، فإن قلبه لا يطاوعه أن ينظر إلى الحرام، أو يتكلم في الغيبة!.. لذا، فليحاول أن يكون في ليله ونهاره عادلا ولو مؤقتا!.. وليعتبر هذا تدريبا على هذه الملكة، وليجعل زوجته القريبة منه؛ لا ترى منه حراما!.. ومن يصير عادلا في شهر رمضان؛ من الممكن أن يكون عادلا في شهر شوال، ومن يكون عادلا في شهر شوال؛ يصير عادلا في شهر ذي القعدة، وقس عليه باقي شهور السنة!.. هنيئا لمن استيقظ صباحا للصلاة بين يدي الله عزّ وجلّ، وزوجته تكبر وتصلي خلفه!.. فمن شهدت له زوجته بالعدالة؛ فهو عادل حقا؛ لأن الزوجة ترى هفوات الرجل: فإن كان لا يفحش في القول عند الغضب، ولا ينظر إلى الحرام عندما يخلو في المنزل، ولا ينظر يميناً وشمالاً عندما يخرج للأسواق؛ يكون إنساناً عادلاً!..
فإذن، إن المؤمن في شهر رمضان المبارك، يجعل سقف همته أن يكون عادلا، قائلاً: يا رب، أعني على ذلك!.. فالمهندسون في هذه الأيام عندما يبنون طابقا واحدا بنجاح يقولون: البرج سيرتفع، لأن هذا الطابق بنيناه على الأصول، والطوابق الأخرى أيضاً تبنى على ما بني عليه الطابق الأول.. لذا، من كان عادلا في شهر رمضان المبارك؛ يرجى أن تفتح له الأبواب!..
سابعاً: استقذار المنكر.. إن الإنسان الذي وصل إلى هذه النقطة الذهبية أو الماسية، فقد وصل إلى العدالة الدائمة!.. إذا وصل المؤمن إلى حالة، يرى الحرام في ذائقته قبيحا مرّا؛ فإن الأمر لا يحتاج إلى تحفيز، هو عندئذ تملك هذه الملكة الراقية: عندما يرى أن الغيبة حقيقة هو أكل للحم الميتة، وعندما يرى أن النظر إلى المرأة السافرة هو سهم من سهام إبليس، وعندما ينظر إليها كأن سهما دخل في حدقته، والذي يغضب على زوجته وعلى غيرها يرى كأن الشيطان ركبه، وصار مطية لإبليس؛ هذا الإنسان لا يمكنه ارتكاب الحرام؛ لأنه يرى الحرام قبيحا مرّا فجّا!.. هذه هي ملكة العدالة، فما من حرام، إلا وفيه ما فيه من ملكوت القبح.. وهذا الشهر مناسب جداً لهذا الأمر!..
ثامناً: إتقان الصلوات الواجبة.. هناك من يقدّم طعام الإفطار على صلاة المغرب، ولكن هذا الأمر فيه رجحان في بعض الحالات فقط، منها:
۱. الجوع الشديد: إن الإنسان الذي يعيش الجوع الشديد، ويكاد يغمى عليه أو ما يقرب من ذلك، وإذا صلى يكون فكره في الطعام والشراب؛ هذا بإمكانه أن يأكل ثم يصلّي.
۲. الإفطار الجماعي: إن كان هناك مأدبة عامة؛ أي إفطار جماعي، والقوم ينتظرون هذا المؤمن، فهذا عنوان ثانوي.
أما في غير هاتين الحالتين، فإنه يُفضّل تقديم الصلاة على الإفطار، وليخرج من هذا الشهر الكريم بصلاة الخواص!..
أ- صلاة الفجر: من يستيقظ لتناول طعام السحور، ويناجي ربه، ويصلي صلاة الليل؛ فليصلِّ ركعتي الفجر بخشوع.
ب- صلاة الظهر: إن بعض الصائمين في صلاة الزوال، قد يغلب عليهم الجوع والعطش؛ فلا يتقنون الصلاة!..
ج- صلاة المغرب: إن كان الرجل في المنزل، والزوجة تحب أن تصلي في أول الوقت، فليحاول أن يصلي صلاة خاشعة -لا طويلة- فالجائع له تركيز أكثر ممن امتلأ بطنه بالطعام، أما الذي يأكل ويرتوي فإنه يسترخي، ويتمنى أن ينام بجانب المائدة.. إنها ساعة الأذان، وقد انتهى الصيام، ما هي إلا لحظات ويأكل بإذن الله عزّ وجلّ، فليصلِّ صلاة متقنة.
فإذن، إن المؤمن في هذا الشهر المبارك يحاول -على الأقل- أن يتقن صلاة الفجر والعشاءين!..
تاسعاً: صوم الخواص.. إن هناك ثلاثة أنواع للصيام، ألا وهي:
۱. صوم العوام: وهو كف البطن عن الطعام، والشراب، وباقي المفطرات.
۲. صوم الخواص: أي الصوم عن الطعام والشراب، وعمّا حرّم الله عزّ وجلّ، لا فرق في ذلك بين النهار والليل؛ في النهار: يكفّ عن الطعام والشراب، والنظر والغيبة وغيره.. وفي الليل: أيضا يصوم عما لا يرضي الله عزّ وجلّ.
۳. صوم خواص الخواص: أي ليس الصوم عن: الطعام، والشراب، ومقاربة النساء، وغيره.. وليس الصوم عن: الغيبة، والنميمة، والكذب، وغيره!.. بل الصوم عمّا سوى الله عزّ وجلّ؛ وهذا صوم الأقلين عددا!.. أي أن يتملك القلب حب الله عز وجل، فلا يذكر أحداً غيره، فالتوحيد هو أن لا يرى الإنسان في الوجود مؤثرا إلا هو!.. فلا يجعل عينيه على زيد وعمر في قضاء حوائجه، ولا يخاف من إنسان؛ لأنه ليس هناك في هذا الوجود متحكم ومؤثر إلا الله عز وجل!.. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لذا ما هو وزن هذا الفاني، وما قدر هذا الزائل؟..
فإذن، على المؤمن أن لا يرى أحدا غير الله عزّ وجلّ، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (القلب حرم الله، فلا تُسكن حرم الله غير الله)!.. من وصل إلى هذه الدرجة؛ فهو صائم طوال العام!.. والذي يصوم عمّا سوى الله عز وجل، لا فرق عنده بين شهر رمضان المبارك، وبين شهر شوال؛ فهو في ضيافة الله عز وجل طوال عمره، ومن كان في ضيافة الله عزّ وجلّ طوال العام -فليشكر الله على هذه النعمة- يكون قد أُعطي مزايا الصائمين طوال العام التي منها: نومه عبادة، ونفسه تسبيح، ودعاؤه مستجاب، وشياطينه مغلولة؛ كل هذه المزايا له ثابتة طوال العمر إلى أن يلقى ربه.. فهنيئاً لمن كان في صوم دائم، وفي صلاة دائمة!.. هم في صلاتهم دائمون، وفي صومهم دائمون!…
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.