Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

لو جعلنا يوم الجمعة يوم ارتباط للرعية بالقيادة الالهية المتمثلة بالبقية من الاوصياء الاثنى عشر (ع) الذين بشر بهم النبي (ص) فان هذا الامر سيعد محطة شحذ لهمة الامة ، واشعار لها بان الامور ليس كما يتصوره البعض من : ان الله تعالى ليس برقيب على ما يجرى على هذه الامة.. اذ كيف يعقل ان يحمل احدنا هم الرسالة ، ولكن صاحب الرسالة – وهو الذى بيده المقاليد كلها – يترك الامور تجرى على وفق ارادة الظالمين ، والحال انه هو الذى وعد عباده الصالحين ، بارث الارض وما عليها من الخيرات !!

ان الانسان الذى يعيش حالة الضعف من قوة العواصف التى تصد مسيرته فى الحياة ، فان من الطبيعى ان يبحث عن ركن وثيق ، ضرورة ان نظام الوجود اساس قائم على معادلة التعاضد بالاقوى .. وعليه فاننا ندعو انفسنا للالتجاء بمصدر كل خير فى هذا الوجود ، وهو معنى ( الحوقلة ) بحقيقتها ، ومن ثم اتخاذ الوسيلة اليه .. اوليس ابناء يعقوب طلبوا من ابيهم ان يستغفر لهم ، واستجاب لهم مرجئا ذلك – كما روى – الى ليلة الجمعة ، حيث تفتح ابواب السماء على الطائعين والعاصين.

ان الكثيرين يشتكون – وخاصة فى غير الاشهر المباركة – من الجفاف الروحى الشديد ، وانعدام فرص التوفيق ، بحيث يمقت الانسان نفسه فى حالات كثيرة.. ولو راى نفسه متمثلا فى شخص آخر، لما تحمل مصاحبته، وذلك لما فيه من الصفات المنفرة .. اوليس من العجب ان يصاحب الانسان نفسا بين جنبيه ، لا تحمل الا القليل من المعانى الجميلة ؟! .. ان تصور العيش مع هذه النفس بملكاتها الفاسدة – وذلك على مستوى ابد الابدين – مما يثير فى النفس مشاعر الرعب والكراهية !!

ان من الاسباب الرئيسية فى بطيء الحركة التكاملية – بل انعدامها – هو فقدان الشهية الباطنية للغذاء المعنوي ، فان من لا شهية له فى هذا المجال، كيف يمكن اقناعه بالتوجه الى الموائد الربانية ؟!.. اذ من المعلوم ان عزة المقام الربوبى ، تستدعى ان تكون الحركة الاولى من العبد ، وهى القفزة الاولى فى كل حركة متواصلة .. فاذا راى المولى فى عبده مثل هذا الصدق ، اخذ بيده ليسدده فى حركته ، وهو ما لاحظناه فى فتية اهل الكهف ، والمستضعفين من اصحاب موسى (ع) بل السحرة الذين قاموا فى وجه فرعون.

ان حالة الترف والركون الى زوائد الحياة الدنيا ، مما ستوجب المعاقبة فيما لو اوجب تقصيرا فى حق الله تعالى ، او المعاتبة اذا اوجب غفلة وتثاقلا الى الارض .. ولقد لاحظنا – بحكم التجربة – ان المستانسين بفضول العيش يعيشون حالة الخدر الباطنى ، ومن الواضح ان النعيم الذى يلفهم سيتحول مع مرورالايام الى شرنقة فيها الهلاك ، كهلاك دودة القز !!.

ان مجالس الجمعة والجماعة نعم الشحذ للهمم ، ولكن المشكلة بانها طاقة متولدة فى الفراغ .. وهى الشكوى التى قدمها اصحاب النبى (ص) قائلين له : إذا كنا عندك ، فذكرتنا و رغبتنا ، وجلنا و نسينا و زهدنا ، حتى كأنا نعاين الاخرة و الجنة و النار- و نحن عندك – فإذا خرجنا من عندك ، و دخلنا في هذه البيوت و شممنا الاولاد ، و رأينا العيال و الاهل ، نكاد أن نحول عن الحال التي كنا عليها و حتى كأنا لم نكن على شيء ، أ فتخاف علينا أن يكون ذلك نفاقا ؟!.. فقال لهم رسول الله (ص) : ( كلا إن هذه خطرات من الشيطان فيرغبكم في الدنيا .. و الله لو تدومون على الحال التي وصفتم بها أنفسكم ، لصافحتكم الملائكة و لمشيتم على الماء ) .. وعليه فالذى لا منهجية له فى الحياة ، ولا يمتلك خطة واضحة للبناء ، فانه من الطبيعى ان تمر عليه الفرص النادرة كما تمطر السحاب فى ارض خالية من البذر..

ان القرآن الكريم لخص مجمل الحركة الى الله تعالى فى آية واحدة ، حيث يقول تعالى : { وان لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا } .. فالاية تشير الى امهات المسائل فى مجال حركة الانسان الى ربه .. فمن ناحية لا بد من وجود طريقة ممنهجة يسير عليها الانسان ، متسم بالوضوح فى بداياته ونهاياته .. ومن ناحية اخرى لا بد من الاستقامة على السير عليه ، لوجود الحركات المعاكسة من داخل النفس وخارجها .. وعندئذ يتحقق الوعد الالهى بسقى الماء الغدق ( الكثير) المحييى لميت الارض ، فان التفضل الالهى – وان كان من دون استحقاق – الا ان له قواعده وموجباته .. فلا جزافية فى هذا الوجود الذى خلق فى احسن تقويم !!.

ان من مكائد الشيطان : حث العبد على ان يستغرق فى نوم غفلته ، بدعوى انه قد فات الاوان للحوق بقطار الفائزين ، والحال ان ايقاف الخسارة ربح فى حد نفسه !!.. فلا ينبغى الاستسلام لحالة الاحباط حينما يجد العبد نفسه تائها فى وديان سحيقة بعيدة جدا عن الجادة ، لان من المعلوم ان هنالك حركات انقلابية كبرى فى مجال النفوس طوال التاريخ تمت فى ليلة ، بل فى ساعة واحدة ، و سيرة التائبين ، خير شاهد على ما نقول .. جعلنا الله تعالى من الذين هم بالبدار اليه يسارعون ، وبابه على الدوام يطرقون .

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.