س١/ في هذا الموضوع لم نتناول مسألة الإمامة من الناحية الفلسفية أو الكلامية ، وإنما من الناحية السلوكية في حياة الإنسان..لماذا ذكرت الإمامة في أكثر من ميدان: في القرآن الكريم ، وفي السنة الشريفة ، وفي غيرها..وما أهمية ذلك؟..
إن بحث الإمامة – كما ذكرتم – له بُعدان: بُعد فلسفي كلامي يطرح في محله، وبُعد سلوكي..فالإنسان بعد أن آمن بمبدأ الإمامة من خلال الأدلة العقلية والنقلية ، كيف يحول هذا البحث النظري الكلامي إلى أسلوب من أساليب الحياة ، ومفردة من مفردات التعامل مع عناصر الوجود؟..
أن أهمية هذا البحث في أن الإمام هو ذلك الوجود الذي يضمن لنا سلامة تحقق القانون الإلهي ، وهذه من بديهيات الأمم ، فالقانون مهما أحكمت ضوابطه ، ومهما كان المقنن في درجة عالية من الحكمة والكفاءة ، لابد من ذلك الذي ينفذ القانون ، أو ما يسمى -هذه الأيام- بالسلطة التنفيذية..والسلطة التنفيذية في الشريعة هو الإمام – أي قائد الأمة – سواء كان في لباس النبي ، أو كان في لباس الوصي..
وليس من الغريب أن يكون أول موجود على وجه الأرض هو الإمام أيضاً ، أي أن آدم كان من أنبياء الله.
ومن الملاحظ أن القرآن الكريم يورد السيرة التفصيلية لجزئيات حياة الأنبياء..فهذا موسى (ع) يذهب ليقتبس ناراً لأهله ، والقرآن الكريم يركز على هذا الاقتباس..وهذا يوسف (ع) يفرد بسورة كاملة ، ومع أنه ليس من أنبياء أولي العزم إلا أن القرآن الكريم يتِّبع الخطوات التفصيلية لحياة هذا النبي..إن رب العالمين أراد من خلال ذلك أن يعرِّفنا على أصل خط الإمامة ، وعلى سيرة هؤلاء ؛ حتى يهيئ الأرضية لجانب الاتِّباع والأسوة.
وما نراه من مآسي في تاريخ الإسلام ، وكل صور الظلم من خلفاء الجور في الدولة العباسية والدولة الأموية ، وكل السلبيات التي وصلت إلى حد مواجهة خط الإمامة -الخط الحقيقي- إنما هو من آثار عدم وجود ذلك الإمام الذي يسيِّر مسيرة الأمة.
وقد اشرنا في عدة مواضع: أنه بعد وفاة النبي في الثامن والعشرين من شهر صفر -في اليوم اللاحق لوفاته- لم يتغير شيء في الأمة..أي أن حاجة الأمة إلى من يسد فراغ النبي ، كما كان النبي يسده -ما عدا الوحي- بقيت كما هي..
فالأمة تحتاج إلى قيادة ، والقرآن الكريم يحتاج إلى مفسر، والجيوش تحتاج إلى قائد عسكري ، والقضاء يحتاج إلى قاضي..وهكذا لابد أن يكون هذا الخط هو الخط الحاكم في حياة الأمة.. وكما أن القرآن الكريم ذكر أن الله أعلم حيث يجعل رسالته ، نحن نقول قياساً منطقياً صحيحاً: أن الله أعلم حيث يجعل الوصاية بعد نبيه في الأمة.
س٢/ تفضلتم بأن من وظائف الإمام هو إيصال الأحكام الصحيحة إلى عباد الرحمن..ألا يكفي ذلك؟..ولماذا نرتبط بالإمام بعنوان أنه أسوة وقدوة؟..
إن رب العالمين أراد من الإنسان أن يكون خليفة له ، يجسد القانون الإلهي على وجه الأرض: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً }..وكما هو معلوم عند الأخلاقيين والعارفين بأسرار الشريعة:أن الإنسان ينبغي أن يصل إلى مستوى التخلق بأخلاق الله..وقد تكون العبارة عريضة ، والدعوة كبيرة.. ولكن نحن أمُرنا أن نتخلق بأخلاق الله ، بمعنى أن يتحول هذا الإنسان الممكن ، هذا الإنسان الضعيف ، هذا الإنسان الذي خلق من ماء مهين..إلى مظهر من مظاهر تجلي الأسماء الإلهية -طبعاً- مع الاحتفاظ على وصف البشرية.
والنبي الأكرم -كما نعلم- كان خلقه القرآن ، أي أنه كان يجسد ما أمكن من الصفات الإلهية في حدود البشرية.. ومن هنا فإنه ليس للإنسان المعاصر المتبع أتباع الأنبياء عذر في ذلك ، عندما يقول: بأنه كيف يمكن أن تتجلى الصفات الإلهية في الحياة ؛ إذ أن النبي (ص) ووصي النبي هم الصورة العملية لما يمكن أن يكون مظهراً من مظاهر الرأفة الإلهية.
فإذن، هناك صفات ممدوحة سواء كانت هذه الصفات عند الخالق أو المخلوق ، كالكرم ، والعفو ، والتسامح..فرب العالمين يحب المحسنين ليدعونا للإحسان..والنبي عندما يأتي في مقام العمل ، فهو يقرب لنا هذه الصورة الإلهية التي قد نظن أنها غير قابلة للتطبيق في حياة الإنسان.
وخير ما يستدل به على أن المعصوم يجسد الصفات الإلهية بأعلى صورها ، ما نقل في التأريخ عن موقف الإمام السجاد (ع) -الذي هو معروف في أوساط الأمة، بالإمام العابد الزاهد المنعزل عن هموم الناس- لما استبيحت المدينة وفرَّت النساء خشية الانتهاك ملتجئات إلى دار الإمام (ع) ، الإمام (ع) قام بإيوائهن في ذلك الظرف المتأزم وفي ذلك الحكم العسكري ، وقد كانوا قرابة ثمانين امرأة.. وهذه العملية تنم عن حالة إنسانية راقية..واللطيف أنه بعد انتهاء الأزمة خرجت بعض النساء تصف حالتها في حماية الإمام ، وقالت امرأة منهن: ما عشت والله بين أبوي بمثل ذلك التريف..بمعنى أنها كانت في حالة مترفة ومرتاحة جداً في كنف الإمام ، وهذه تعكس حالة الإنسانية..نعم، رب العالمين يجيب المضطر ، والإنسان كذلك في حدود إمكاناته يغيث الملهوف من هذه الأمة ومن غير هذه الأمة أيضاً.
س٣/ كيف يمكن للإنسان أن يسد حاجته للأسوة والقدوة في عصر الغيبة؟..
لابد في عصر الغيبة من تعميق فكرة المهدوية ، وأن هذه الفكرة غير قابلة للانفصام عن أصل فكرة الإمامة.. ولهذا فالذين وصلوا إلى إمامة الإمام العسكري ، وأنكروا وجود الإمام المهدي ، فقد جاؤوا بمذهب مبتدع لا أتباع له والتاريخ لم يعهد لهذا الفصل.. وأن نعتقد بأن هذه الحلقة هي الحلقة المكملة لحلقة الأئمة الاثني عشر أو الخلفاء الاثني عشر الذين بشر بهم النبي (ص).. وليست هنالك طائفة من طوائف المسلمين إلى يومنا هذا ، تقدم لنا هذه الأطروحة ، أو هذه السلسلة المباركة كما نقدمها نحن.
إن الاعتقاد بوجوده صلوات الله وسلامه عليه من عناصر بعث الأمل في نفوس الأمة ، التي تعتقد بوجود قائد حي ، ولكن هنالك بعض الظروف الموضوعية حالت بينه وبين اللقاء بالقاعدة.. أشبه شيء -هذه الأيام- ما يلاحظ في بعض الثورات التي انتصرت في بلاد شتى ، فعندما يكون القائد محبوساً او منفيا فان احساس الشعب بحياته ورعايته ولو من بعيد من موجبات من بعث الامل فى النفوس
مضافاً إلى ذلك أن للإمام لطفاً عاماً بالأمة في زمان الظهور ، كما أن له لطفه الخاص بمن يذكره وينتسب إليه ويدعو إليه ويمهد لظهوره..وأقلها أن يبادله الإمام بالدعاء ويدعو لفرجه.
فعليه، التركيز على هذا الخط من موجبات تقوية اليقين في الأمة.. وهذا ما نفهمه من قول النبي (ص) لعلي (ع) : يا علي !.. واعلم أنّ أعظم الناس يقيناً قومٌ يكونون في آخر الزمان ، لم يلحقوا النبي وحُجب عنهم الحجة ، فآمنوا بسواد في بياض .. فهذا اليقين الذي في زمان الغيبة ، من أرقى أنواع اليقين ، وأكثرها تأثيراً في حياة الإنسان.
س٤/كيف نحيي مناسبات الأئمة (ع) ، وكيف تكون الزيارة مقبولة؟..
إن هذه مسألة تحتاج إلى حلقة أو حلقتين في كيفية التعامل مع إحياء ذكرهم (ع) ؛ لأننا شيعة أهل البيت (ع) خلقنا من فضل طينتهم ، يسوؤنا ما يسوؤهم ويسرّنا ما يسرّهم ..
هنالك عدة أبعاد في إحياء مواسمهم (ع):
أولاً: الجانب القلبي والفؤادي: أن يعيش الإنسان حلاوة المناسبة..إذ فرق بين إنسان يحيي المناسبة إحياءً فكرياً:من خلال إلقاء محاضرة ، أو درس ، أو مشاركة في احتفال.. وبين أن يحس الإنسان حالة الوجد والسرور..وبإمكان الإنسان أن يستشعر حالة أب يبشر بمولود في المستشفى ، وكيف يتسابق الناس لإخباره..فالإنسان عندما يصل حقيقة إلى جوهر الولاية ، وإلى جوهر التفاعل مع خط الإمامة ، فإنه سيعيش هذا السرور الوجداني.
ثانياً: الدعوة إلى منهجهم وإلى خطهم (ص): إذ يغلب على احتفالاتنا -مع الأسف-جانبان واضحان: جانب الشعر والنشيد والتواشيح.. والجانب الاطعامي والحلويات والمظاهر الشكلية والإنارة وما شابه ذلك.. ولكن يندر أن يأتي إنسان ويحلل حياة المعصوم!.. ففي مولد الإمام الرضا(ع) هنالك عدة محطات فكرية تأملية لابد من طرحها على الناس ، مثلاً: الإمام كيف عاش في طوس؟.. وما الذي جعله يتمنى الموت أثناء خلافة المأمون؟.. وماذا عن سيرته وأخلاقه؟..ولهذا فمن المناسب لمن يريد زيارة الإمام الرضا (ع) أن يصطحب معه كتاباً وهو فى سفره ، يقرأ من خلاله سيرة الإمام ، وهنالك كتاب مفصل: (عيون أخبار الرضا) للشيخ الصدوق -رحمه الله- الذي أتحفنا بهذا الكتاب القيم .
وأما عن مسالة الزيارة : فإن أفضل الزيارات أن يعيش الإنسان حالة التواجد اليقيني بين يدي المزور ، ويعيش حياته حقيقة في هذا المجال ، فإذا عاش الإنسان هذا الشعور ستكون زيارته مقبولة.
س٥/ كيف ترتبط النساء بالإمام.. وهل من الممكن أن ننتزع هذا المفهوم ونجعله مشتركاً بين النساء والرجال؟..
سؤال لطيف جداً باعتبار أن قادة الأمم هم من الأنبياء أو من الأوصياء ، وهؤلاء كلهم من عنصر الرجال كما نعلم ، أما الأولياء ففيهم القسمين فمنهم آسيا ومريم والسيدة خديجة..
إن الإمامة إمامة معنوية وفكرية للخلق، وهذا المعنى من الممكن أن يُقتدي أو يُتأسى به في حياتنا العملية..فمن المعلوم أن الأرواح ليست فيها ذكورة وأنوثة ، والمرأة بإمكانها أيضاً أن تأخذ من سيرة الأئمة (ع) ما يُلغى فيها جانب الرجولة ؛ لأن هذه صفات طرحت لتكامل البشر.
ونحن مدينين لامرأتين عظيمتين في تاريخ الإسلام.. إحداهما ساهمت في التأسيس ، والأخرى ساهمت في الإدامة والاستمرارية.. وكل مسلم على وجه الأرض -هذه الأيام- يتشهد بالشهادتين ، فهو مدين فيما هو مدين لسيدتنا خديجة ، وكفاها فخراً أن يكون لها دوراً في إرساء قواعد الإسلام ، من خلال دفاعها ومن خلال أموالها في دعم مسيرة النبوة.. وأما سيدتنا فاطمة (ع) ، فنحن نعلم ما قامت به من خلال خطبها ومواقفها في دعم خط الإمامة ، ودفاعها عن زوجها أمير المؤمنين..
ومن هنا فالنساء والرجال كلهم مدينون لحركة هذه المرأة الدخيلة في التأسيس ، وهذه المرأة الدخيلة في استمرارية خط الإمامة.. ومن قبل ذلك، السيدة مريم التي كانت ولا زالت مثالاً للطهر والعفاف والاصطفاء الرباني.. فالرب الذي اصطفى مريم بملاكات معروفة ، من الممكن أن يصطفي أيضاً امرأة في هذا العصر لنفس الملاك.
وفي خصوص السيدة فاطمة هنالك مساحة ما مشتركة بينها وبين أئمة أهل البيت (ع) ، منها عنصر العصمة..إذ نعتقد بأنها معصومة بأدلة مختلفة ، ويبلغ الأمر مداه من خلال حديث إمامنا العسكري : (نحن حجج الله على الخلق وفاطمة حجة علينا).. بمعنى أننا نحتج بما تقوله فاطمة ، وذلك من مصاديق العصمة..إن هذا الحديث على غرابته إلا أنه من الممكن تأويله تأويلاً صحيحاً باعتبار أنها معصومة ، فما تنقل من حكم ومن مسألة فإنه مرتبط بعالم الغيب..هذا فضلاً عن قضية ذلك الكتاب الذي كان بإملاء الملك عليها وكتابة علي (ع)..المهم أن نقول: بأن المرأة بإمكانها أن تتأسى بخط الإمامة.
س٦/ ما مصير من لا يعتقد بالإمامة؟..
على كلٍّ ينبغي أن نقسم من قامت لديه الحجة ، وبين من لم تقم لديه الحجة.. فهنالك إنسان لم يبلغه الدليل ، وآمن باتجاهه الفكري في الحياة بشكل يقيني ؛ لعدم وجود ما يناقض اليقين.. فهؤلاء -طبعاً- مرجون لأمر الله ، ورب العالمين يحاسب على قدر البيان ، {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }.
س٧/ ما هي العوامل التي تدفع الإنسان المسلم للبحث عن أسوة في سلوكه وتعامله مع الآخرين؟..
كما ذكرنا من خلال الحديث ، أنه دائماً وجود الفكرة المطبقة من خلال الأسوة العملية ، من موجبات تسهيل العمل بتلك الفكرة ؛ لأن الفكرة النظرية إذا لم تكن محددة المعالم ، فإن الإنسان لا يعلم ماذا يصنع..فالنبي (ص) له خلق ، يشير إليه تعالى بقوله : {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }..ولكن ما هو هذا الخلق العظيم؟..
فهذا الخلق العظيم بيَّنه العلامة الطباطبائي -رحمه الله-صاحب تفسير الميزان في كتابه (سنن النبي) ، حيث تناول سلوكيات النبي في مأكله ، ومشربه ، وتعامله مع الناس.. وبالتالي أمكننا أن نحول الخلق العظيم إلى سلوكية في الحياة.
ولهذا نعتقد بأن صحابة النبي كانوا أدرى الناس بمقاصد الشريعة ؛ لأنهم كانوا يرون أمام أعينهم ما يقوم به النبي المصطفى (ص) ، وهكذا أصحاب الأئمة.. ومن هنا جاءت فكرة سلوك المتشرعة الذين كانوا من أقرب الناس إلى عصر الشريعة.
س٨/ ما هي إيجابيات زيارة الأئمة (ع)؟..
الزيارة فيها أكثر من معنى ، فمنها إيجاد حالة إعلامية للملأ العام ، بأن هنالك من يستحق أن يكرم أو أن يحتفى به ؛ لما هو فيه من الصفات العالية..فلو أن المدينة المنورة -مثلاً-لم تكن من الأماكن التي يستحب زيارتها وشد الرحال إليها ، لعد ذلك صورة من صور الوهن وعدم إعطاء النبي حقه..وخاصة نحن نعتقد أن الأرواح باقية لا تفنى.. فإذا كانت المادة لا تفنى وتتحول من صورة إلى أخرى ، فإن الروح أولى بقانون البقاء..
إن روح النبي وأرواح الأنبياء والأوصياء ، إنما انتقلت من نشأة إلى نشأة ، وإذا أردنا أن نجد صورة أرضية قريبة لهذه الأرواح ، فإن أقرب الأماكن لها هي أجسادهم الشريفة.. وخاصة مع الاعتقاد بأن هذه الأجساد لا تبلى لكرامتها على الله..فإذن، واقع زيارة المشاهد كأنه زيارة لأرواحهم ، ولكن الروح صعدت إلى الرفيق الأعلى ، وأقرب الأماكن هو ذلك.. بمثابة إنسان يحب أحداً ، ويفاجأ بسفره ، فيذهب إلى منزله الذي كان ساكناً فيه ، من باب أنه وما حب الديار شغفن قلبي.
س٩/ كيف يمكن أن يوفق الإنسان بين هذا القول : (أمرنا صعب مستصعب لا يدركه إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو مؤمن امتحن الله قلبه بالإيمان..وبين قول : (ولكن أعينونا بورع واجتهاد وعفة وسداد..)؟..
أعتقد أن هنالك خلطا بين حديثين مختلفين..(أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل): فهذا يدل على مسألة الإمامة والعهد الإلهي ، ويعني أن هذا أمر مستصعب ، وعهد مضاعف لا نحتمله، وأمانة عرضها الله على السماوات والأرض والجبال ، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ..
نعم، ما ذكره الإمام عن حياته الخاصة ، إذ كان يكتفي من الدنيا بأقل المتاع ، بما لا يقدر عليه غيره..(ولكن أعينونا بورع واجتهاد وعفة وسداد..).
س١٠/ عندما قالت الزهراء (ع): (خلوا عن ابن عمي لأفردن في الدعاء شعري)..ماذا لو أتمت الدعاء..لو تحدثونا قليلاً عن هذا الموضوع؟.
هذا كان شعراً ، وطبعاً بعض الأشعار تعكس لسان الحال ، ولا يمكن أن يؤخذ كمتن يحتج به.. ولكن واضح أن الزهراء (ع) رأت بعينيها ما آل إليه الأمر ، فهي عندما كانت تقول: يا أبتاه من للقبلة والمصلى.. من لابنتك الثكلى.. قد عرفت بأن خط الإمامة أصيب بعد وفاة النبي ، وتغيرت المسيرة.. وهي على علم إلى ماذا سيؤول إليه تغيير هذه المسيرة ، ومن أول النتائج كان استشهاد ولدها الحسين (ع)..فطبيعي أن الزهراء (ع) كانت تدعو في خلواتها وفي جلواتها لتغيير هذا الحال ، وأنا أعتقد ما صرنا إليه هذه الأيام من وضوح خط الإمامة من بركات دعواتها (ص)..وأعتقد أنه ما مرت على البشرية إلى الآن كهذا العصر في ترسيخ أصول المذهب الحق ودعائمه ، والحمد لله المكتبة الإسلامية -هذه الأيام- ثرية بهذه الأبحاث في هذا المجال ، وأعتقد بأن هنالك مد ، وأتمنى من الله عزوجل أن يمتد هذا المد إلى ظهور ولينا ومولانا الحجة (عج).
س١١/ قال الرسول (ص) : (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة الجاهلية)..هل نستطيع أن نعرف من هو إمام الزمان ، وما علاقته بالأعلمية والمناظرة والدليل العلمي؟..
الميتة الجاهلية لها مزية ولها خصوصية أنه لم يكن هنالك حجة قبل مجيء النبي الأكرم ، حيث كان هنالك جانب الفترة في زمان انقطاع الحجة ، وهذا التعبير الكنائي يستعمل لكل عصر تنتفي فيه الحجة القائمة.. وبالتالي فإن الذي لا يعتقد بإمام زمانه ، كأنه يعيش عصر الجاهلية من جهة انتفاء الحجة.. وطبعاً كل ذلك مرهون بوصول الدليل والحجة.. فالإنسان الذي بحث ولم يصل إلى نتيجة ، أو أنه لم يحتمل خلاف ما هو عليه ، فهذا الإنسان لا كلام لنا معه.. ولكن هذا عصر التواصل المعلوماتي ، حيث الفضائيات المختلفة ، والمواقع الانترنتية ، وذهاب الوعاظ في كل مكان.. والحجة قد تمت على كل ذي مسكة -كما يقولون- وإن الحساب عسير يوم القيامة ، ومن هنا أدعو كل أخ مؤمن أن يمتلك الدليل والحجة لمواجهة الرب يوم القيامة ، حتى إذا قيل له هلا تعلمت ، لا يقول في الجواب أنني لم أكن أعلم ذلك.
س١٢/ ما هي أفضل الأوراد اليومية التي من الممكن أن ينتهجها الإنسان على خط الإمام ؟..
إن الأوراد كثيرة ، ولكن أقترح الالتزام بهذا الذكر ، فإنه ذكر جميل ، يقوله الإنسان بعد الاستيقاظ من النوم : (الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور.. الحمد لله الذي ردَّ علي روحي لأحمده وأعبده)..( اللهم إني أسألك خير هذا اليوم ونوره وهداه وبركته وطهوره ومعافاته ، اللهم إني أسألك خيره وخير ما فيه وأعوذ بك من شره وشر ما بعده )..
س١٣/ هل من المعقول أن يقسم الحب إلى حب صادق وحب كاذب؟..
أنا أعتقد أنه تقسيم مجازي ، وإلا فان الامر كما لو قلنا أن الماء على قسمين: ماء رطب سيَّال ، وماء غير سيَّال.. فالماء الذي ليس بسيَّال لا يعتبر ماء أصلاً!.. فعليه، إن الحب إذا لم يكن صادقاً ، ما هو إلا ادعاء للحب.. ومن هنا يشير الإمام الصادق (ع) إلى ذلك ، فيقول:
لو كان حبك صادقاً لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع.
س١٤/ كيف يرتبط موضوع الإمامة في حياة الإنسان بمسألة التوسل والشفاعة؟..
إن هذا من الأبحاث التي أصبحت في مثار الجدل كثيراً بين صفوف المسلمين ، وحتى بين صفوف المعتقدين بخط الولاية والإمامة!..
نحن لو هكذا اعتقدنا بأن الله أراد أن يكرم خلقاً من خلقه ، ويجعل هؤلاء الخلق وسطاء بينه في العفو عن الآخرين..وهذه ظاهرة متعارفة في هذه الأمم ، كما في هذه الجمهورية المباركة ، ففي المناسبات نلاحظ أن قائد الثورة يوكل أمر العفو عن المساجين لرئيس القوة القضائية مثلاً..فهناك تفويض من القائد ، ولكن الذي يراجعه السجناء ، ويختار من يُعفى عنهم هو هذا الوسيط في البين..أما إذا كان رئيس القوة القضائية هو يتصرف من تلقاء نفسه ، وبلا موافقة ممن هو فوقه ..فهذا يعتبر استقلالية غير مقبولة.
فالأنبياء والأوصياء يشفعون لمن شاؤوا بإذن الله ، وهذه الشفاعة لها ضوابطها ، والذي جعل هذه الضوابط هو رب العالمين أيضاً..فإذن، القضية في دائرة الهيمنة الإلهية ، والإذن الإلهي.. فإذا وجد الإذن فلا غرابة في البين أبداً..
س١٥/ في هذا العصر ما هو الأسلوب الأمثل لنقل وجهة نظر خط الإمامة للآخرين؟..
نحن في الواقع وقعنا في عصر مربك ومزعج أيضاً!.. فإن انتشار وسائل الثقافة العامة سلاح ذو حدين..و هنالك وسائل إعلامية واضحة الهوية ، من حيث عدم الرغبة في نشر الفكرة العلمية ، أو بعث روح الموضوعية في نفوس الأمة.. فتعمد إلى إثارة الجدل العقيم وتمزيق الأمة إلى اتجاهات مختلفة ، وهذه من المهام الذي يقوم بها البعض إرضاءً للعدو.
ففي خضم هذه الأزمة وهذه الربكة -إن صح التعبير- لابد من الحذر:
أولاً : عدم الدخول في متاهات جدلية.. قال الباقر (ع) : إنّ حديثكم هذا لتشمئز منه القلوب قلوب الرجال ، فانبذوا إليهم نبذاً فمن أقرّ به فزيدوه ، ومن أنكره فذروه ، إنه لا بدّ من أن تكون فتنةٌ يسقط فيها كل بطانة ووليجة ، حتى يسقط فيها من يشقّ الشعرة بشعرتين ، حتى لا يبقى إلا نحن وشيعتنا .
أي إذا رأيت أحداً في مقام المناقشة فانبذ إليه الحديث نبذاً ، فإن كان مستفهماً جاهلاً يحب أن يعرف الصواب ، فلا بأس من مناقشته وتقديم الفكرة له.. أما أن ندخل في مجادلات عقيمة وفي حالة من حالات الصراع الذي يؤلب بعض الأمة على البعض ، فهذا شيء مرفوض.
وأخيراً: السلوك العلمي.. وقد ورد عن الأئمة (ع) الدعوة إلى ذكر محاسنهم ، وتحبيب الناس إليهم.. (كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً ، قولوا للناس حسناً ، واحفظوا ألسنتكم وكفّوها عن الفضول ، وقُبح القول)..(كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم)..
فالذي يذكر محاسن كلامهم يحبب الناس إليهم ، وخاصة المضامين التوحيدية..فما دام هناك تهمة وادعاء بمجانبة التوحيد.. فلنختر من كلمات المعصومين (ع) ما فيه قمة التوحيد لكلمات المعصومين ، كزيارة أمين الله مثلاً ، فهي في أولها سطور بسيطة في الزيارة ، وكلها مناجاة بليغة مع رب العالمين..
إن إشاعة هذا الجو ، وإفهام الأمة أن أئمة أهل البيت (ع) كان همهم الأوحد: هو تحقيق مضامين التوحيد في حياة الأمة كما كان النبي (ص).. بالإضافة إلى أنه كانت لهم حساسية مفرطة في دفع أي صورة من صور توهم الغلو.. ولهذا نلاحظ في الزيارة الجامعة -وهي زيارة بليغة ومفصلة- أنها تبتدئ بالتكبير عشرات المرات.. وكأن الحال أن يكبر المؤمن الله عزوجل ؛ لئلا يظن في حقه أنه يقدر مخلوقاً على حساب الخالق.
فإذن، الدعوة العملية نعم السبيل لترويج فكر أهل البيت (ع) وبيان خطهم .
وهذه الجمهورية سباقة في عقد المؤتمرات التوحيدية ، وهذا المؤتمر الذي أقيم في مكة قبل أيام كان من أهم أهدافه التي أكد عليها : هو احترام المذاهب الإسلامية المختلفة ، وعدم محاولة الحجر من دون أي دليل.
س١٦/ الأسبوع القادم يصادف فيه ذكرى ولادة الإمام الرضا (ع)..هل هناك تأكيد شرعي على زيارة الإمام الرضا(ع)؟..
إن زيارة المعصوم في يوم ميلاده أو في يوم استشهاده أمر طبيعي جداً ، باعتبار أن هنالك مناسبة في هذا المجال..ومن المناسب للذين يذهبون لزيارة الرضا (ع) استحضار هذه القصة ، فإن ذلك من موجبات استيعاب رأفته (ع):
كان شخص يدعى (الجلودي) هجم على دار الإمام الرضا (ع) وهو في المدينة ، وقد كان همه أن يسلب نساءهم ولا يدع على واحدة منهن إلا ثوباً واحدا..فلما نظر إليه الرضا (ع) ، جعل النساء كلهن في بيت ، ووقف على باب البيت ، فقال الجلودي لأبي الحسن (ع) : لا بدّ من أن أدخل البيت ، فأسلبهن كما أمرني أمير المؤمنين .. فقال الرضا (ع): أنا أسلبهن لك وأحلف أني لا أدع عليهن شيئاً إلا أخذته ، فلم يزل يطلب إليه ويحلف له حتى سكن ، فدخل أبو الحسن (ع) فلم يدع عليهن شيئاً ، حتى أقراطهن وخلاخيلهن وإزارهن إلا أخذه منهن ، وجميع ما كان في الدار من قليل وكثير.
فلما مرت الأيام وجاء الإمام إلى طوس ، أدخل الجلودي على المأمون ، فرأى الإمام (ع) أن هذا الرجل يعيش في نفسه مشاعر الخوف والهلع من الانتقام.. وإذا بالإمام الرضا (ع)-فدته نفوسنا- يقول للمأموم: هب لي هذا الشيخ!..والمأموم على علم بما حدث في المدينة ، فقال : يا سيدي!.. هذا الذي فعل ببنات رسول الله (ص) ما فعل من سلبهن !.. فكيف نعفو عن هذا الإنسان..وهنا الإمام (ع) أدى دوره بالشفاعة وطلب فكاكه من أسر المأمون.
أقول: إذا ذهبت إلى الحرم قل له يا أبا الحسن!.. أنت الذي تشفعت في خلاص هذا الظالم ، الذي سلب النساء خلاخيلهن وغير ذلك.. وأنا إنسان محب موالي ، قطعت البلاد رجاء نظرتك الكريمة ، فكيف تردني خائبا!..
وطبعاً علامة قبول هذه الزيارة هي ليست الدموع المجردة فقط ، وإنما الرجوع بنفسية أخرى وبتركيبة أخرى.. فإن أفضل برهان لقبول الزيارة ، والحج ، والعمرة ، وغير ذلك.. أن يرجع الإنسان متأثراً بذلك المشهد ، وبانياً على ما قلناه في أول الحديث من التأسي بهم (ص).
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.