س١/ ما هي نصيحتكم لمرتادي المعاهد الثقافية؟..
لا يخفى أن مسألة الثقافة في هذه الأيام أصبحت متاحة ومطروحة للجميع، نظرا لهذا التطور السريع في وسائل المعرفة، فالعالم أصبح بمثابة القرية الواحدة، ومن الصعب جدا أن نقيد صنفا من المجتمع كالنساء مثلا، بعدم دخول الميادين الثقافية، فتوفر أجهزة التلفاز ووسائل الإعلام والصحافة والكتب، تجعل المرأة أيضا تتمنى أن يكون لها دورا رياديا، في عالم المعرفة والثقافة.
وهناك ثلاثة اتجاهات: اتجاهان متطرفان واتجاه وسطي:
الاتجاه الأول: الذي يريد أن يحد من قدرات المرأة تماما، ويجعلها حبيسة البيت؛ لأنه يعتقد أن المرأة ليست لها القابلية إلا لمسألة الإنجاب وتربية الأولاد.. فهذه وجهة نظر مطروحة، ولو لدى أقلية من الناس.
والذي يتمسك به أصحاب هذا الاعتقاد-مع أن اعتقاده قد يكون خلاف المتعارف في المجتمع- أن ما يفهمه من مذاق الشريعة، هو أن المرأة دائرة نشاطها متحددة في تأسيس جامعة الأولاد، وتخريج كوادر تكون صدقة جارية لهما إلى الأبد.
الاتجاه الثاني: الذي يلغي كل الحوائل والعوازل بين المرأة والرجل.. والأمر يصل بالبعض إلى أنه ينكر حتى الأحكام الشرعية، التي فيها تمييز بين المرأة والرجل، كعدم التساوي في الإرث، وعدم إرث الزوجة من الأرض والعقار، ووجوب استئذانها من الرجل للخروج من المنزل.. ويحاول أن يلغي كل هذه الفروض.
الاتجاه الوسطي: الذي يرى بأن الأفضل للمرأة أن تحصر نشاطها في داخل المنزل، ولكن ليس بمعنى التقوقع في المنزل، والانقطاع عن العالم الخارجي، فإن المرأة هذه الأيام مع توفر وسائل المعرفة والثقافة، بإمكانها أن تجتاز دورات علمية وثقافية وهي في المنزل.. وإن كانت المرأة لديها الرغبة في التثقف، والعمل على صعيد المجتمع، والخروج من دائرة الأسرة، فلتحاول الجمع بين الثقافة والتثقف، ومراعاة الحدود الشرعية، وعدم الوقوع في المحذور من الاختلاط بالرجال وما شابه ذلك.. لأن المرأة بطبيعتها في معرض الافتتان، وجلب الرجال.. فهي كالوردة، وعندما تخرج من المنزل، فإنها بطبيعتها تستجلب أنواع النحل، بينما أن النافع لها من هذا النحل والمطلوب هو واحد فقط، وهو الزوج المستقبلي، أما البقية فكله نحل سام وضار.. وإلا أن تلغي الحدود، وأن يأتي كل إنسان ويشمشمها، ويأخذ من رحيقها، فهذه ظاهرة انحرافية كبيرة.
فإذن، إن النصيحة لمن تريد أن تدخل في هذه المعاهد الثقافية، أن تحرز هذا المعنى.. وإلا أن يدخل الإنسان في أعماق البحر أو دوامات البحر، بادعاء أنه يتعلم السباحة في الأثناء، فهذا كلام لا يقبل!.. إن الذي يرمى في المحيط وفي قلب الدوامة، لا يعول على معلوماته الأولية في السباحة، بل يحرز من نفسه أنه بإمكانه أن يقاوم، فهذا يمكنه الدخول في الدوامة، وإلا فالأحوط له عقلا وشرعا، التوقف في مواطن الشبهة.
س٢/ من المعلوم أن قدرات الإنسان محدودة، ووقته وعمره أيضا محدود، فلا يمكنه أن يستوعب جميع العلوم.. فما هو سلم الأوليات لمن يريد التثقف، ويرفع من مستواه الثقافي والعلمي؟..
هناك بحث مفصل حول حديث: (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)، بأنه: ما هو المراد من هذا العلم؟.. هل أنه كل العلوم طلبها فريضة؟.. أم البعض منها من العلوم التي تتوقف عليها السعادة الأبدية، وما تقرب الإنسان من الله تعالى؟.. فالبعض يقول فإذا لم يكن كذلك، فكيف نوفق بين طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وبين علم الفيزياء مثلا؟!.. إلا إذا دخلنا من باب الوجوب الكفائي.
وعليه، إن من اللازم للمؤمن أن يراعي سلم الأولويات في مجال التثقف، ويجعل أولا، ما يرتبط بالدين، الذي هو أساس لسعادة الأبد.
ففي الدرجة الأولى، ينبغي تعلم الفقه، بمعنى تعلم المسائل الأولية التي هي موارد الابتلاء.. لو أن الإنسان يقرأ القرآن الكريم، وهو لا يعلم معاني الكلمات، فبإمكانه أن يتعلمها لاحقا، ولا إشكال عليه.. ولكن الذي يغتسل غسلا باطلا، أو يتوضأ وضوء باطلا، ثم يكتشف البطلان، فإن هذا تجب عليه الإعادة المرهقة لسنوات.. بينما مطالعة صفحة الغسل في المسائل المنتخبة، لخمس دقائق، تغنيه عن هذه الإعادة.. لو أن الإنسان يشتري له دابة جديدة، لابد له أن يطالع دليل التشغيل، ليعرف كيف يسوقها.. فكيف إذا أراد الإنسان أن يسوق نفسه، في هذه الحياة، ألا يحتاج إلى دليل؟.. والدليل هو عبارة عن الرسالة العملية، بشقيها العبادات والمعاملات.. فالتجار مثلا يحتاجون إلى قسم المعاملات، لئلا يرتطموا بالربا، كما ورد: (من اتجر بغير فقه فقد ارتطم بالربا).
ثم تعلم كلام رب العالمين.. لأن الإنسان على صلة بالقرآن دائما، فهو يقرأ القرآن ولو في شهر رمضان المبارك مثلا، فلابد من اطلاعة أولوية على المفردات، ثم على المعاني المفصلة.
ثم الاطلاع على سيرة أهل البيت (ع) النبي وآله.. والكتب هذه الأيام كثيرة، والبعض منها في مجلدين تعرض سيرة الأئمة الاثني عشر، مع جدهم المصطفى (ص) والزهراء (ع).
ثم إن أراد أن يتوسع في الثقافة، فعليه أن يتوجه للكتب الأخلاقية، التي يمكن أن تفتح له الآفاق التكاملية.. فهو بالرسالة العملية أحرز انضباط حركة الجوارح، الفقه الأصغر، وبهذه الكتب الأخلاقية يضمن الفقه الأكبر.
هذا تقريبا مجمل السير العملي للفتاة المؤمنة، وللفتى المؤمن.
س٣/ كيف يمكن حل الخلافات بين الزوجين، مع وجود حالة من الأفكار المتضاربة بينهما؟..
يمكن أن نقول أن هذا من سلبيات الحركة الثقافية، ووجود المعاهد والجامعات.. ويتفق أن يكون الزميلان في الجامعة، مشروعان للزواج، وهناك تقارب في المستويات الثقافية والفكرية، وقد لا تكون الزوجة بأقل من الزوج في المناظرة، ومن هنا يبدأ الخلاف بين الزوجين.. بعكس الملاحظ على الأزواج في القرى والأرياف، فقد لا يكون هناك مجالا للخلاف الكثير، أو إذا كان الزوج في مستوى ثقافي رفيع، والزوجة في مستوى متدن.. ولكن وجود-كما قلنا- زوجين زميلين، في نفس التخصص، وفي نفس الجامعة، وأحدهما لا بعلو على الآخر في الثقافة، يسبب المشاحنة بينهما.
ومن الطرق لحل الخلاف بينهما:
التفاهم بين الزوجين:
إن خير علاج في هذه الحالة، هو العمل بقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}.. فإن الزوج الذي يريد أن يفرض أفكاره على الزوجة، وكأنها قرارات إلهية، بلا دليل، لا شك أنه سيواجه من قبل الزوجة.. فينبغي للزوج أن يفرق بين فرض الأوامر الإلهية، وبين غيرها من الأوامر الشخصية.. فإذا كان منشأ الخلاف، اعتراض الزوجة على حكم شرعي، فهنا يمكن للزوج أن يبين لها بأن هذا حرام، وأنه ليس عنده دليلا على فلسفة الحكم، ويلزمها بتطبيقه..
ولكن إذا كان منشأ الخلاف، قضية شخصية، مثلا هو يريد أن يأخذها إلى بلد معين، أو يلبسها ثوبا معينا، أو غيرها من الأمور والقضايا التي هي في دائرة الحرية الشخصية، فهنا لابد أن يأتي بدليل وببرهان يقنعها.. وعلى فرض أنه صارت هنالك مشاحنة في البين، فعلى الزوج أن يعمل ولايته، بمعنى حكومته العائلية وقيموميته، ولكن أيضا في ضمن غلاف عاطفي..
فإن كان ولابد من الفرض، فينبغي أن يكون في إطار محبب، بحيث أن الزوجة لا تستنبط أو لا تستوحي أن هناك تحكما في البين.. ومن المعلوم أن الإنسان يمر في حالات متقلبة، وخاصة المرأة فالمعروف أن التقلبات عندها كثيرة، فلها حالات إقبال وإدبار وحب وكره لنفس الشيء، فالزوج ينبغي أن يكون له جهاز تحسس واستشعار، لحالات المرأة، فلا يجادلها وهي في حالة انهيار عصبي، ولا يجادلها وهي كارهة له لموقف من المواقف، بل عليه أن يتخير الوقت المناسب، ومن الممكن في إطار عاطفي حل الخلاف.
والاستعانة بالمؤثرات الخارجية:
وهذه النصيحة لكل من يريد أن يدخل في نقاش، يخاف من عواقبه، حتى لو كان كلام المسؤول مع رئيس العمل، وذلك بأن يصلي ركعتين بين يدي الله تعالى، ويدفع صدقة، ثم يقول: يا رب!.. لين قلب فلان.. فكما أن رب العالمين لين قلب فرعون لموسى (ع)، أيضا يلين قلب هذا الشخص لك أيضا؛ فالرب هو الرب، والقلوب كلها بيده.
فإذا أثبتنا حسن النية، واستعنا بالمؤثرات الغيبية، وترصدنا الأوقات المناسبة، فمجموع هذه الأمور يؤثر في فض الخلاف الزوجي إن شاء الله تعالى.
س4/ إن الكثير من الأخوات يشتكين من بعض الأزواج الذين لا يقيمون الصلاة، ويخشين أن هذا مما يؤثر سلبا على حياتهم الزوجية.. فما هي نصيحتكم لهؤلاء؟..
إن الحب الزوجي والمودة التي جعلها الله تعالى، في اليوم الأول من الزواج، من الطبيعي أنه يسلب عن طريق المخالفة، ومن أعظم المخالفات، عدم إقامة الصلوات الواجبة.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.