- ThePlus Audio
سمات الضيافة الإلهية
بسم الله الرحمن الرحيم
قواعد القبض والبسط
إن الشكاية من قسوة القلب بعد رقته ولينه، أثناء التفاعل في أجواء الدعاء؛ لهو خير دليل على حياة القلب، وعلى إيمانه وتمسكه بقيم الارتباط مع المولى. إذ أن المحب يحاول التحليق في ساحة أنس المحادثة، ورونق الهمس مع المحبوب، ويأبى الفراق والهجر بعد الوصال والقرب، بيد أن الله عز وجل وبحكم كونه (المعشوق) يستدعي إلى ساحته العشاق والمحبين، وما أكرمه سبحانه وتعالى..! فيداه على الدوام مبسوطتان بالعطية، وبابه مفتوح على مصراعيه لمحبيه ومتيميه.
صفات الضيافة الإلهية
أولاً: الضيافة القهرية: إن المولى عز وجل، يستدعي إلى ضيافته جميع خلقه، ومن كل حدب وصوب؛ لينهلهم من عطائه ورزقه، فتارة ينعمون بضيافته الخاصة، المتمثلة بمحطات اللقاء في ليالي القدر، وليالي الجمع، وفي أوقات السحر؛ فهذا النوع من الضيافة ينعم بها عباد الله العاشقين المرتبطين بالله، والفائزين على الدوام بمرضاته تبارك وتعالى. وتارة ينعم العباد بضيافته العامة، والتي يستدعي فيها الإله جميع خلقه، فالكل قد دعي إلى ضيافته؛ ليغدق عليهم الباري عطاياه ومواهبه. فشهر رمضان – شهر العطاء والكرم – خير شاهد على سخائه سبحانه وتعالى، فهو وكما قال رسولنا الكريم (ص): (هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اَللَّهِ)[١].
ثانياً: الضيافة من دون مقابل: فقد قال تعالى: (يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ)[٢]، ومواهب الإله لا تقاس بأعمال العباد، فهو المعطي من غير حساب.
ثالثا: إزاحة الحواجز والحجب: فالكريم أثناء ضيافته لحلقه يزيح العراقيل والحجب التي تمنع الإنسان في الأيام العادية من الاتصال بربه. حتى لا ينحرم من العطايا الإلهية وهذا أولى بسخائه وكرمه. فالشياطين مغلولة، والحجب مرفوعة، والأرزاق مبسوطة.
رابعاً: الضيافة العامة: إن ضيافة المولى عز وجل، تكون لكل عباده الوافدين إليه، والمقبلين عليه، ولا تقتصر على عدد معين من الناس، أو تكون ضيافته تبارك وتعالى بالانتخاب والاختيار، فالمائدة معدة للجميع.
وبمجرد انقضاء أيام الضيافة يشعر المؤمن بشيء من الانقباض الروحي، ولذلك تراه يضج إلى الله عز وجل ويأمل العودة السريعة إلى ما كان عليه من الأنس بالله تعالى. وينبغي أن نعالج حالة الانقباض الروحي هذا من الخطوات التالية:
أولا؛ الارتباط بالله تعالى في كل وقت وحين. فقد يشعر المؤمن بالطمأنينة والإقبال في زمان خاص كشهر رمضان أو في مكان خاص كبيت الله الحرام، ولكنه لا تدوم هذه الحالات فهي حالات مؤقتة سرعان ما تنتهي بانتهاء الشهر أو بالخروج من الحرم المكي، ولكنه يستطيع أن يصنع لنفسه هذه الأجواء ويكون في حضرة الله تعالى من خلال التهجد والصلاة في الليل.
ثانياً: حالة التأسف والندم؛ إن المؤمن دائماً ما يحاول الوصول إلى رضا المولى عز وجل، في كل حركاته وسكناته، ويصاب بالحسرة والندامة، إن قصر في ذلك. فحينما يشعر بالتقصير والتضييع، فإنه حتماً سيتعالى صوته بالنحيب والبكاء يستميح الرب ويستكين إلى أن تتقشع عنه سحاب الاتقباض الروحي الذي يعيشه.
ثالثاً: إيجاد الأجواء العبادية: للمؤمن وقفات ومحطات مع المولى سبحانه وتعالى، يتزود منها كل ما يحتاجه من مصادر الطاقة الروحية؛ فيتحرر من أسر الشهوات، فيعيش حلاوة المحبة والأنس بالله تعالى. لذا فعلى المؤمن الفطن أن يستغل وقته بذكر الله عز وجل، وبتفعيل الأجواء العبادية في كل أوقات حياته.
رابعاً: الابتعاد عن الذنوب: إن الابتعاد عن أجواء المعصية والخطايا، تجعل القلب في حالة من الاطمئنان والاستئناس، وتجعل القلب دائماً منبسطاً منشرحاً لذكر الله عز وجل.
خامساً: ملازمة الصلاة: إن الارتباط بالمولى عز وجل، وسيلة لأن يشكو المؤمن له بثه وحزنه. والصلاة هي خير ما يمكن للمؤمن استثماره في هذا المجال.
سادساً: البرمجة والتخطيط: إن المؤمن يعتمد في ارتباطه بالله عز وجل على أسس قوية البنيان، تتطلب منه الاتصال بالباري عز وجل في كل الأوقات.. وذاك بعد جمع عناصر التكامل المنشودة المبعثرة.[٣].