- ThePlus Audio
إرادة الإنسان جهازٌ رادع عن المعاصي
بسم الله الرحمن الرحيم
يحمل الإنسان في ذاته ووجوده جهازاً داخلياً يسمى الإرادة، ولكن هذه الهبة الإلهية تحتاج إلى الدعم والعزم لاستمرارها، وإلا فإن الإنسان سيكبو يوماً ما ويفقد هذا العنصر المهم الذي آتاه الله (تعالى) إياه وأنعم عليه به، وهناك ثلاث عقبات تحتاج إلى الإرادة لتتغلب على المضادات التي تواجه الإنسان:
السيطرة على الخواطر
العقبة الأولى تكون في حقل الخواطر، إذ إنّ الكثير من المحرمات والمخالفات تبدأ من عالم الوهم والخيال، فالمجرمون مثلاً يقومون بإجرامهم في الليل عادةً لكن بعدما يُخططوا في النهار، فكذلك المؤمن عليه أن يجعل جهازاً لمراقبة فكره في الدرجة الأولى، وبعبارة أُخرى عليه أن يُسيطر على خواطره، وهذه من أصعب المراحل على الإنسان، لأنّه إن قدر على ضبط خواطره فهو من أقوى الأبطال، فقد يستطيع الإنسان أن يُسيطر على جوارحه بكل يُسر وسهولة، لكنّ الأهم أن يُسيطر على الخواطر التي تحتاج إلى مجاهدة مريرة.
كيفيّة السيطرة على الخواطر
من خلال مراقبة فضول النظر والسمع والكلام، فالإنسان الذي يسمع كثيراً ويتكلم كثيراً وينظر كثيراً، هذا الإنسان جهازه الباطني جهاز مشوش ومن ثم كل هذه الترسبات ستطفو على السطح يومًا ما، ولذلك يقول أمير المؤمنين(عليه السلام) في وصف المتقين: (وقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم)[١]، وقف هذا السمع وقفٌ للعلم النافع لهم، ولا بد من ملاحظة تقييد هذا الكلام ب(لهم)، فهذا القيد يعني أنّ هذا العلم قد يكون نافعاً ولكن ليس للسامع بل لغيره، ولذلك فعلى السامع أن يحرص على العلم النافع الخاص به.
السيطرة على الغرائز
العقبة الثانية السيطرة على الغرائز، وهو ذلك الجهاز العاطفي الميلي في وجود الإنسان، وبهذا الجهاز-الإرادة-يسيطر الإنسان على ميوله فلا يريد كل شيء، لأنّ الإنسان لو ترك حبله على غاربه لأراد كل شيء؛ كل مطعوم ومشروب وكل ما يشتهي في مجال الملذات النسائية وغيرها، فإذن الجهاز الثاني يركب في هذه المحطة التي تريد ولا تريد فالمؤمن له سيطرته على هذا الجهاز، ولعل هذا التعبير من أميرالمؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) يشير إلى هذا الجانب عندما يصف أخ له حيث يقول: (كان خارجاً عن سلطان بطنه.. وكان خارجاً من سلطان لسانه)[٢].
الجهاز الذي يسيطر على الجوارح
العقبة الثالثة عبارة عن الجهاز الذي يسيطر على الجوارح هي أن إنساناً في الواقع هُزم في جانب الخواطر ثم هُزم في جانب الميول الباطنية، الآن يريد أن يعمل المنكر على الأقل يكون له حرس الحدود في هذه النقطة والخواطر تكالبت عليه والشهوات اشتعلت بداخله، وهو الآن يريد أن يُمارس الرذيلة الكبيرة أو الصغيرة، هنا أيضاً يحتاج إلى جهاز يُمسك جوارحه عن الإقدام، لكن كيف يمكننا الوصول إلى هذه المرحلة، فالإنسان إذا سقط في الامتحان الثالث فقد هوى إلى أسفل سافلين، لأنّ خواطره تأتي من كل مكان ميوله تريد بلا حساب وحدود وجوارحه أسيرة للوهم والغريزة والميل ما بقي من كيانه الإنساني شيء.
طرق تقوية حرس الجوارح
من طرق تقوية حرس الجوارح؛ الالتزام بالواجبات كما أرادها الشارع والقيام بالمستحبات، فإنّ من بركات المستحب في حياة الإنسان كالصيام المندوب والصلاة المندوبة تقوية هذا الجهاز في وجود الإنسان، إنسانٌ يُريد أن ينام في جوف الليل ومن أحلى ساعات النوم في اليوم والنهار ساعتان؛ ساعةٌ قُبيل السحر وساعة بين الطلوعين، لكنّ الإنسان المؤمن في هاتين الساعتين يُقاوم سلطان النوم ليقف بين يدي ربه، فإذا قام ليله وبقي مستيقظاً إلى طلوع الشمس، وفي الأيام المندوبة في الخميس والأربعاء من الشهر صام أيضاً في حر هذا الصيف قربة لله (تعالى)، وبقى على هذا البرنامج بعض السنوات، فمن المؤكد أنّ مثل هذا الشاب لا يُخشى عليه الزلل في مقام العمل، وخاصةً الصوم الذي يُنصح به الشاب الأعزب إذا اشتعلت به الغريزة وضغطت عليه الشهوة،
إذن على المؤمن أن يكون مسيطراً على حقل الخواطر أولاً وآخراً، فهذا الحقل هو الأصعب، ثم في الرتبة الثانية حقل الميول وأخيراً حقل الجوارح، فإذا اجتاز هذه المراحل الثلاث يلحق بخليل الله إبراهيم(عليه السلام): (إِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا)[٣]، وما المانع أن نكون نحن أيضاً من أئمة الهدى بمصداق هذه الآية: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[٤].
خلاصة المحاضرة
- يحمل الإنسان في ذاته جهازاً داخلياً يسمى الإرادة، وهو هبةٌ إلهيّة تحتاج إلى الدعم والعزم لاستمرارها، وإلا فان الإنسان سيكبو يومًا ما ويفقد هذا العنصر المهم الذي آتاه الله تعالى إياه، فهناك عقبات تحتاج إلى الإرادة للتغلب عليها:
- العقبة الأولى: تكون في حقل الخواطر، إذ إنّ كثيراً من المحرمات تبدأ من عالم الوهم والخيال، فعلى المؤمن أن يعمل على ضبط خواطره من خلال مراقبة فضول النظر والسمع والكلام، حتى لا يُصاب جهازه الباطني بالتشويش ويقع بالانفلات.
- العقبة الثانية: السيطرة على الغرائز، وهو ذلك الجهاز العاطفي الميلي في وجود الإنسان، وبهذا الجهاز-الإرادة-يسيطر الإنسان على ميوله فلا يريد كل شيء، لأنّ الإنسان لو تَرك حبله على غاربه لأراد كل مطعوم ومشروب وكل ما يشتهي في مجال الملذات النسائية، وفي قبال ذلك على المؤمن تقوية إرادته للسيطرة على غرائزه ورغباته.
- العقبة الثالثة: عبارة عن الجهاز الذي يسيطر على الجوارح، ومن طرق تقوية حرس الجوارح؛ الالتزام بالواجبات كما أرادها الشارع والقيام بالمستحبات التي قررها الله تعالى.