- الآيات ١ إلى ٥
- من سورة الزلزلة
- تلاوة الآيات ١ إلى ٥
الربط بين الدارين
إن التركيز على القيامة وما يجري فيها من الأهوال هو سمة من سمات القرآن الكريم ، وذلك عندما يُراد سوق العبد إلى العمل الصالح ليتمّ الربط دائما بين العمل في الدارين ، وهذه السورة واقعة في هذا السياق حيث تبتدئ بذِكر القيامة وأهوالها ، ثم تُختم بذِكر تجسّم الأعمال في تلك النشأة ، ليكون العبد على حذر في أول الطريق لئلا يفاجأ بالخواتيم .
والمطلوب في المحصّلة النهائية لهذه السورة هو انبعاث العبد نحو العمل الدؤوب ، فلا يستصغر قليلا من الخير ـ ولو بمقدار ذرة ـ فلعله هو المنجّي ، ولا يستصغر قليلا من الشر فلعله هو المُهلك ، إذ به قد ترجح كفة السيئات كما هو الحال في عالم المثاقيل والموازين .
الزلزال المدمر
إن الزلازل ـ في نظر عامة البشر ـ من أهم المخوّفات الأرضية من جهة الدمار الذي يخلّفه في ثوان معدودة ، ومن هنا استعمل القرآن الكريم خصوص هذه الظاهرة لبيان ما يجري يوم القيامة ، كأول حدث من أحداث خروج البشر من القبور ﴿كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ﴾[١] و﴿كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ﴾[٢]!
ولكن التعبير عن هذا الزلزال كان بـ ﴿زِلْزالَها﴾ المشعر بأنه زلزال خاص متعلق بالأرض ادّخره الله تعالى لذلك اليوم ، وهو لا يختص ببقعة من البقاع كما في زلازل الدنيا ، بل هو منسوب إلى الأرض أجمع ؛ فكان أبلغ في بيان الهول والفزع!
العبئ الثقيل
إن ما في جوف الأرض من كنوز ، أو أبدان ، أو الأعم منها ـ على اختلاف التفاسير للأثقال ـ لا يعدو كونه ثقلا في جوف ، الأرض ، بلا فرق بين الكنوز الصامتة ، وبين الأبدان التي كانت من أدوات التحكّم في هذه الأرض يوما ما ، وكم يرتاح حامل الثقل عندما يُلقي ثقله جانبا ، مُخرجا إياه كما في قوله تعالى ﴿وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها﴾!
ولا يخفى ما في هذه العبارة من الدلالة على أن المعاد جسماني أيضا ، ولا يختصّ بالأرواح كما قد يذهب إليه البعض .
التعجب العام
إن البعض جعل التعجّب المستفاد من قوله تعالى ﴿ما لَها﴾ خاصّا بغير المؤمنين ، نظير ما في قوله تعالى ﴿مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا﴾[٣] والحال أن أحداث ذلك اليوم توجب فزع كل من يخرج دفعة واحدة من القبر إلى أرض المحشر ، وفيها ما فيها من الأهوال ، وهو ما يناسب التعبير بـ ﴿الإنسان﴾ عمّن يتساءل عن ، الأرض .
ولكن هذا كله لا ينافي ارتفاع الفزع عن بعض الخواص مطلقا ، أو في بعض مواقف المحشر ، حيث يقول تعالى ﴿وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾[٤] .
كيفية الحديث
قيل في تفسير آية ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها﴾ وجوه : فمن قائل بأنها بلسان (الحال) ، ومن قائل (بخلق) الصوت مقارنا لها ، ومن قائل بأنها (تتحدث) حديث ذوي الشعور ، وهو ظاهر الآية المؤيدة بآيات اُخرى كقوله تعالى ﴿وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾[٥] وقوله ﴿قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾[٦] . .
ومن المعلوم ـ على كل الوجوه ـ أنه لا شبهة في شهادتها ، إذ إنه لا يعقل أن تجر الأرض نفعا إلى نفسها أو تدفع ضررا عنها ، كما هو المتوقّع في بعض شهود الدنيا ، أضف إلى أن شهادة الأرض تبع لشهادة من أحاط علمه بكل شيء : ولنا أن نتساءل هنا : بأنه إذا كانت الأرض لها قابلية الاستلهام وتلقي الوحي إلى درجة الحديث عن تفصيل الحوادث ؛ فكيف بقابلية البشر إن أراد الله تعالى له ذلك؟!
شهادة الأرض
إن التعبير بـ ﴿تُحَدِّثُ أَخْبارَها﴾ فيه إشعار بأن الحديث فيه شيء من التفصيل ، وليست الشهادة على إجمالها! . . فإن الأرض ـ مثلا ـ لا تشهد على أصل إقامة صلاة المصلي عليها ، وإنما على دفعاتها ، وأين كانت ، وكيف كانت! . . ومن هنا أُمرنا بالصلاة في مواطن متعددة ، فقد روي عن علي (عليه السلام) أنه قال : «صلوا المساجد في بقاع مختلفة ؛ فإن كلّ بقعة تشهد للمصلّي عليها يوم القيامة»[٧] ، وعنه (عليه السلام) أيضا حينما كان يفرغ من تقسيم بيت المال يصلي ركعتين ويقول : «اشهدي أنّي ملأتك بحق ، وفرّغتك بحق»[٨] . . وقد روي أيضا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قرأ يوماً قول الله تعالى ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ فقال : «أتدرون ما أخبارها؟ . . قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : أخبارها : أن تشهد الأرض على كل عبد أو أَمَةٍ بما عمل على ظَهْرِهَا ، فتقول : يا رب! . . لقد عمل كذا وكذا في يوم كذا وكذا»[٩] .
ومجموع هذه الأحاديث توجب خجل العصاة يوم القيامة ؛ لأن ما كان ـ بنظرهم ـ جامدا صار شاهدا على من يُفترض أنه خليفة الله تعالى في الأرض .