- الآيات ٦ إلى ٨
- من سورة الزلزلة
- تلاوة الآيات ٦ إلى ٨
أنحاء الخروج
إن صدور الناس أشتاتا يوم القيامة تابع لما ورد في آية اُخرى ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾[١] ومن المعلوم أن تشتت الناس يوم القيامة لا يعني أنهم جميعا في حالة واحدة ، لوضوح أنه ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾[٢] فلا مانع من خروجهم متفرقين ، ولكن تحت رايات مختلفة بحسب مَن تولوا في الحياة الدنيا ؛ فإن مَن تولى حجرا حشره الله تعالى معه .
ولا يخفى ما في التعبير بـ ﴿يَصْدُرُ﴾ من اللطف ، وهو الذي يُطلق على انصراف الإبل عن الماء بعد وروده ، فكأنهم في دار الدنيا كانوا على غدير ماء ، والآن تركوا هذا الغدير ، ليُعلم مَن ارتوى من ذلك الغدير ممّن مكث عنده عاطشا ، وهذا يُؤيد بما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : «أيها الناس! . . إن اليوم عمل ولا حساب ، وغداً حساب ولا عمل»[٣] .
حذف الجواب أو القسم
إن الشرط عند البيان يُساق لبيان جوابه ، وللتأكيد على ذلك الجواب في بعض الحالات ، فيكون وزانه وزن القَسَم في ذلك ، وقد يُحذف الجواب والقَسَم لإثارة التأمّل ثم البحث عنهما لعناية المتكلم بمورد القَسَم والشرط ، وهذا واقع في القرآن الكريم وفي هذه السورة أيضا .
فهناك مَن يقول بحذف جواب الشرط في ﴿إِذا زُلْزِلَتِ﴾ وقد دل عليه السياق يعني ﴿وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ﴾[٤] مثلا ، وبين مَن يقول : إن الجواب هو ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً﴾ وبين مَن يقول أنه ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها﴾ .
الآية الجامعة
إن آية ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَل ْمِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ فيها من صور التخويف والردع ما لا يخفى على المتأمّل ، وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه عَبّر عن هذه الآية بالجامعة ، فالآية فيها :
إطلاق يشمل جميع المكلفين حتى الأنبياء ؛ لأن الموضوع فيه (مَنْ) الموصولة المنطبقة على كل مكلف .
جعلت الموضوع في العمل ما تناهى في الدقة وهي الذرة ، وهو ما يُرى في شعاع الشمس من الهباء ، وتقال لصغار النمل أيضا .
جعلت المداقة في جانب الخير والشر معا ، وكرم الكريم وصفحه لا ينافي تلك المداقة ، وذلك لئلا يتجرأ المتجرؤون على المعصية .
جعلت النتيجة رؤية العمل إما بنفسه ـ بناء على تجسّم الأعمال ـ أو بجزائه ، فعدل عن التعبير بالإعلام إلى الإراءة في هذه الآية ، كما عدل عن التعبير بالعلم إلى الوجدان والرؤية في قوله تعالى ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوء﴾[٥] .
الحبط والتكفير
لا منافاة بين هذه الآية الناطقة بمطابقة الجزاء للعمل ولو كان بمقدار مثقال ذرة ، وبين ما يدل على حبط العمل في جانب محو الحسنات ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾[٦] وكذلك ما يدل على التكفير في جانب محو السيئات ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾[٧] وذلك لأن الآية تذكُر القانون العام في محاسبة الخلق ، ولا ينافيه جعْل قانون آخر يتحقق به الاستثناء ، فهو ﴿لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾[٨] .
ومن الممكن القول كتوجيه آخر في المقام : إن مَن أحبط الله تعالى عمله في الآخرة ، كان هذا الإحباط كاشفا على أنه لم يفعل الخير أصلا ؛ لأن الخير هو ما استقر في خيريته إلى يوم الجزاء ، لا ما كانت فيه صورة الخير بنظر القاصرين من العباد!
رادعية هذه السورة
إن تذكّر أهوال يوم القيامة ، يكفي للردع عن المعصية لمن كان له كمال اليقين بغيب الآخرة ، ومن هنا عُبّر عن الموت بـ (هادم اللذات)[٩] فكيف بما هو أعظم من الموت؟! . . وقد روي : «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلى النَّبِيّ ‘ فَقَالَ : عَلِّمْنِي ممّا عَلَّمَك اللَّه . فَدَفَعَهُ إلى رَجُل يُعَلّمهُ ؛ فَعَلَّمَهُ ﴿إِذَا زُلْزِلَتْ﴾ ـ حَتَّى إِذَا بَلَغَ ـ ﴿فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة شَرًّا يَرَهُ﴾ قَالَ : حَسْبِي! . . فَأُخْبِرَ النَّبِيّ ‘ فَقَالَ : دَعُوهُ فَإِنَّهُ قَدْ فَقِهَ»[١٠] .