- الآيات ٤ إلى ٥
- من سورة القدر
- تلاوة الآيات ٤ إلى ٥
نزول جميع الملائكة
إن ظاهر قوله تعالى ﴿تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ﴾ يقتضي نزول جميع الملائكة بمقتضى ذِكر الجمع المحلى بالألف واللام ، وقد وقع المفسرون بعدها في حيرة حول كيفية اجتماع هذا الجمع العظيم من الملائكة في ليلة واحدة ، فمن قائل[١] : بأنها لا تنزل إلى الأرض وإنما تبقى في السماء الدنيا ، ومن قائل[٢] : إنها تتعاقب على الأرض أفواجا ؛ فصح إطلاق نزول جميعها في ليلة واحدة .
ومن المعلوم : أن تصوّر هذا الحشد من الملائكة يوجب انبهار العبد ، وسعيه في أن يكون أفضل عامل في تلك الليلة ، إذ قد يحظى بسلام كل هذا الجمع ، بل بدعائهم أيضاً .
تفسير “الروح”
إن عطف الروح على الملائكة ، يُشعر بقانون التفاضل في عموم الخلق ، فكما أن الله تعالى فضّل الرسل بعضها على بعض ؛ فإنه أيضا جعل التفاضل بين سكنة العرش ، فجعل الروح معطوفا مستقلا على الملائكة ، واختُلف فيه فقيل عنه أنه :
ملَك عظيم لا شبه له .
طائفة خاصة من الملائكة لا تنزل إلا ليلة القدر .
جبرائيل الذي وصِف بقوله تعالى ﴿نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّك﴾[٣] .
إشارة إلى المسيح (عليه السلام) حيث قال الله تعالى عنه ﴿عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْه﴾[٤] ليطّلع على أعمال أمة النبي الخاتم ‘ ؛ فيرى عظيم العمل الصادر من أتباعه ، وعلى رأس تلك الأعمال عمل خاتم الأوصياء المهدي المنتظر # .
سورة الولاية
إن هناك ارتباطا وثيقا بين هذه السورة وبين مبدأ الولاية ، وذلك لأن ليلة القدر ثابتة في كل العصور ـ كما هو المحقق ـ ويترتب عليه تنزل الملائكة فيها بالمقدرات ، ومن المعلوم : أن لكل متنزِّل متنزَّلا عليه ، ومَن يكون ذلك سوى مَن لولاه لساخت الأرض بأهلها؟! . .وهو المتمثل بالمعصوم (عليه السلام) في كل عصر ، ومن هنا أمكن أن نعد هذه السورة من سور (الولاية) ، وجوهرها إرجاع الأمة إلى الثقل الآخر للقرآن الكريم .
شوق الملائكة
إن نزول الملائكة إلى الأرض رغم كونه راجحا في حدّ ذاته ، إلا أن الأمر لا بُد له من إذن إلهي ، وهذه طبيعة الملائكة التي لا تسبق ربها بالقول ﴿لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾[5] وقد لا تخلو الآية من إشارة إلى أن الملائكة وكأنها مشتاقة لزيارة الصالحين من هذه الأمة ، وعلى رأسهم الولي الأعظم (عجل الله تعالى فرجه) كما لهم شوق آخر لزيارتهم في الجنة قائلين ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار﴾[6] فطبيعة الزائر القاصد للزيارة ، تلازم الشوق للقاء المزور ، وإن كان ذلك بأمر مَن لا يمكن مخالفته .
الانتساب إلالهي المتعدد
إن جميع العناصر الدخيلة في قوام ليلة القدر مرتبطة بالله تعالى بنحو من أنحاء الارتباط : فإنها واقعة في شهر الله ، والذي أنزل فيه كتاب الله ، وذلك على رسول الله ، على يد ملك من ملائكة الله ، لهداية عباد الله تعالى . . فعناصر هذه الليلة مصطبغة كلها بألوان إلهية ، ومن هنا اكتسبت هذه المزية والشرافة .
معنى “مِنْ كُلِّ أَمْرٍ”
إن عظمة القرآن الكريم ، تتجلى في احتمال كلماته ـ بل حروفه ـ لمعان متغايرة ، ومنها ما اختلف فيه العلماء حول تفسير ﴿مِن﴾ في قوله تعالى ﴿مِن كُلِّ أَمْرٍ﴾ . . فقيل :
إنها بمعنى (باء الملابسة) ففيها بيان لما ينزل في تلك الليلة .
إنها بمعنى (السببية) أي أن هذا النزول بسبب كل أمر إلهي ، ويفسره قوله تعالى ﴿إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ﴾[٧] .
إنها بمعنى (التعليل) أي لأجل تدبير كل أمر من الأمور الكونية الحادثة[٨] .
انحسار الأعداء
إن ما يُبطل أثر السِلم والسلامة في حياة العبد هي النفس الأمارة من جهة ، والشيطان الغوي الرجيم من جهة اُخرى ، ومن المعلوم أن دورهما يتحجّم في ليلة القدر :
فأما الشياطين : فهي مغلولة عموما في الشهر الكريم وخصوصا في ليلة القدر ، إذ لا مجال لبسط سلطانها مع بسط سلطان الملائكة ، التي تملأ الآفاق في تلك الليلة .
وأما النفس : فهي أيضا مُروّضة بالصيام في مجموع الشهر وفي خصوص ليلة القدر ، فإنها محاطة بهالة من التقديس الإلهي الذي يلاحظه عامة الخلق في أنفسهم ، ومن هنا كانت تلك الليلة سلاما إلى مطلع الفجر .
وجوه السلام
إن السلام في ليلة القدر قد يكون باعتبار :
نفس الليلة : فوصفت بالسلام لما فيها من السلامة من الآفات المانعة من قبول الأعمال ، ولا يخفى ما فيه من التأكيد كقولنا : فلان عدل ؛ للتأكيد على أنّه عادل .
تسليم الملائكة على بعضها أو على المؤمنين ، أو أنها تأتي لتسلّم على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وخليفته المعصوم . . وقد روي عن علي (عليه السلام) : «أنهم ينزلون ليسلّموا علينا ، وليشفعوا لنا ، فمن أصابته التسليمة ؛ غُفر له ذنبه»[٩] .