- الآيات ٥ إلى ٨
- من سورة الشرح
- تلاوة الآيات ٥ إلى ٨
يسران مع كل يسر
إن اليسر هو القاعدة العامة المتوافقة مع الرحمة الغامرة ، وكأن العسر لا يُصار إليه إلا لغرض من أغراض التكامل ، ومن هنا أمكن القول بأن مع العسر الواحد يسرين ، بناء على أن المعرفة إذا أعيدت ثانية في الكلام كان المراد منها عين المراد في الأولى ، وقد ورد عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): «لن يغلب عسرٌ يسرين»[١] .
اليسر ملازم للعسر
إن العسر ملازم لليسر تلازم المعية ـ كما تذكره الآية الكريمة ـ لا أنه سابق له سبق القبلية ، وفي ذلك إراحة للمؤمن الواقع في العسر عندما يعلم أن اليسر مصاحب لعسره ، لا أنه آت في المستقبل ؛ ملتفتا أن ذلك كله بيد الحكيم الخبير الذي بيده أسباب العسر واليسر معا . . وقد ورد عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : «واعلم أنّ الصبر مع النصر ، وأنّ الفرج مع الكرب ، وأنّ مع العسر يسرا»[٢] .
علة أو معلول
إننا من الممكن أن نعتبر آية ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ :
علة لشرح الصدر ، حيث إن من مصاديق التيسير هو شرح صدر مَن ابتلي بالهم العظيم! .
معلولة لشرح الصدر من جهة اُخرى ، بأن نجعل التيسير من آثار شرح الصدر ، فمَن شرح الله صدره ووضع عنه وزره ، فإنه في الوقت نفسه يُيسر عسره أيضا .
الرغبة ثم الإتعاب
إن ذِكر النعم الإلهية ـ وخصوصا النعم المعنوية كشرح الصدر ـ لمن موجبات التفات العبد إلى ربه والرغبة إليه لقوله تعالى ﴿وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾ ومن مشجعات العبد لكي يُتعب نفسه في طريق طاعته ﴿إِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ﴾ كما أشارت إليه الآيتان الأخيرتان من هذه السورة .
الجمع بين الجهادين
إن المجاهدين في سبيل القرب من الحق لا يعرفون كللا ومللا في حركتهم الدائبة ، فهم بعد الفراغ من العمل بما أمروا به من نشر الرسالة ، ينصبون أنفسهم للعبادة والدعاء بين يديه ؛ استعدادا للمزيد من تحمل المشاق في تخليص العباد وتطهير البلاد .
وفي هذا أيضا درس بليغ للدعاة إلى الله تعالى ، فإن انشغالهم بمواجهة الأعداء لا يغنيهم عن تفريغ أنفسهم للعبادة والالتجاء إلى الله تعالى ، إلى درجة إتعاب النفس المستفاد من قوله تعالى ﴿فَانصَبْ﴾ طلبا للمزيد من الثبات والتوفيق .
الرغبة في الحق
إن الآيات الكريمة وإن ذكرت بعض صور الجزاء المادي في الجنة كالحور والغلمان[٣] ، وأمرت بالمسارعة إلى جنة عرضها السماوات والأرض[٤] ، إلا أن القرآن الكريم يحثّ الخواص لنيل بعض الرتب التي لا تُقارن بتلك النعم ، ومنها نعيم الرضوان الذي هو أكبر من كل نعيم في الجنة ، ومنها نعيم القرب والوصال الإلهي الذي قد يتحقق حتى في دار الدنيا لبعض أهلها .
ومن الممكن أن يكون قوله تعالى ﴿وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾ إشارة إلى رتبة (الرغبة فيه) تعالى لا في (جزائه) لأنه تعالى في هذه الآية هو متعلق الرغبة مباشرة ؛ ومن المعلوم أن بين الرغبة في الحق ، والرغبة في ثوابه بون شاسع!