- الآيات ١١ إلى ١٥
- من سورة الشمس
- تلاوة الآيات ١١ إلى ١٥
المعاصي مقدمة للكفر
إن المعصية الكبرى المستلزمة للخلود في النار هي الكفر ، وهذه المعصية قد لا تصدر من العبد دفعة واحدة ، فالتاريخ مليء بصور الارتداد ممّن لا يُحتمل في حقهم ذلك ، ومنشأ ذلك هي المعاصي الجوارحية ؛ فإنها تتراكم إلى أن تطمس على بصيرة العبد في أصل إيمانه بالخالق المتعال ، فعاقر الناقة كان (شقيا) أولا بارتكاب المعاصي ، ثم صار (الأشقى) بتحدّيه لهبة السماء ورسالة الأنبياء ، فصار طغيانه سببا لتكذيبه ، وهو ما تفيده سببية الباء في قوله تعالى ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا﴾ .
ومن الممكن أن نجعل قوله تعالى ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون﴾[1] في هذا السياق أيضا ، فالمعاصي تحققت بالإساءة أولا ، ثم ساقتهم إلى الكفر بالتكذيب ثانيا .
تحدي الأنبياء
إن الخائب من العباد هو ذلك الذي أخفى نفسه في ظلمة التراب كوائدي الجاهلية ؛ ولكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد ، فيا ليته انطمس ذكره وأثره! . . بل إن طغيانه صار مقدمة لإنبات شجرة خبيثة ظاهرة غير خفية ، فكان التعبير عن هذه الجريمة بقوله تعالى ﴿إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا﴾ فتحقق بذلک ما يوجب الشقاء في العلن لا بنحو الدسّ .
والتعبير بالانبعاث قد يُشعر بشيء من التحدّي والعزم ، على مواجهة الرسول الذي حذّرهم من المسّ بناقة الله تعالى .
الانتساب الموجب للانتقام
إن كل المخلوقات في هذا الكون منسوبة إلى الله تعالى بنسبة المخلوقية ـ ومنها كل نياق الأرض ـ ولكن ناقة صالح × شرّفها الله تعالى بتشريف إضافي فنسبها إلى نفسه ، كما هو الأمر كذلك في : حجارة البيت وقميص يوسف وتابوت موسى عليهما السلام ؛ ومن هنا كان التعرّض لها بالعقر موجبا لهذا العذاب الأليم .
هذا كله في حيوان خصّه الله تعالى بالعناية ، فكيف بالعبد الصالح الذي هو بنيان الله تعالى في الأرض ، كما عُبِّر عنه؟!
الرضا بمعصية الغير
إن الذي تورط بقتل الناقة بلغ غاية الشقاء حيث قال تعالى ﴿إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها﴾ ومنه يُعلم أن المعاصي تراكميّة فإذا بلغت الأوج في عالم (الأفعال) بلغت الجناية الأوج أيضا في عالم (الآثار) وهو ما نراه في كبار فراعنة التاريخ!
ولكن ينبغي الالتفات هنا إلى أن الآخرين من قومه رضوا بعمله ، وإن لم يفعلوا فعله فعمّهم بنفس البلاء ؛ لأن العقر وإن صدر من واحد إلا أن الآية تنسبه إلى الجميع ﴿فَعَقَرُوهَا﴾ كما وصفهم أمير المؤمنين × : «فعمهم الله بالعذاب ، لما عموه بالرضا»[1] كما أن الرضا بعمل قوم صالحين يوجب مشاركتهم في الأجر أيضا . . ومن هنا لزم الحذر من مخالطة الجبابرة أولا ، والرضا بعملهم ثانيا ، والتأسي بصفاتهم ثالثا .
مثال للخارجين عن الجادة
إن القرآن الكريم دأب على ذكر الأمثلة الحسية من الأشياء : كالمشكاة في بيان نوره ، وكإنزال الماء من السماء إلى الأرض في بيان مَثل الحياة الدنيا تقريبا للمفاهيم التي يراد إيصالها إلى الناس .
ومن الأمثلة المذكورة في هذه السورة ـ لمن خرج عن جادة التقوى بل سلك سبيل الفجور ـ هم قوم ثمود ، وذلك لأنهم تركوا التزكية فوقعوا في معصية عقر الناقة ، بما أوجب التحدي لآية من آيات الله تعالى وهي الناقة المرسلة ، وهو بدوره أوجب نزول لعذاب المطبق عليهم ، والذي سوّاهم بالأرض ﴿فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا﴾ .
التفكر في العواقب
إن من موجبات الارتداع عن المنكر هو التأمل في عاقبة الأمور ، وإنها ـ على خيرها وشرها ـ بعين الله تعالى ، وهو الذي يُمهل ولا يُهمل! . . والغريب أن الإنسان لا يتعظ بالأقوام السابقين فيكرر ما يوجب الهلاك ، ولو أن عاقر الناقة تأمّل في عذاب مَن أهلكهم الله تعالى من الأمم السابقة ؛ لما تحدّى نبي زمانه .
هذا إذا جعلنا الفاعل في ﴿وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا﴾ ذلك العاقر ، ولكن من الممكن إسنادها إلى الله تعالى ، بمعنى أنه أنه تعالى لا يخاف بعد إنزال عقوبته على المعاندين من انتقامهم ؛ خلافا لملوك الدنيا الذين يخافون من عاقبة انتقامهم من الغير ، لاحتمال انقلاب الدائرة عليهم يوما ما ، كما وقع كثيرا لبعضهم!