- الآيات ١٣ إلى ١٩
- من سورة الإنفطار
- تلاوة الآيات ١٣ إلى ١٩
المعيار لدخول الجنة
إن آية ﴿إِنَّ الْأَبْرارَ﴾ تشير بذِكرها للأبرار إلى جهة (البِر) كمبدأ للوصف عند أهل النعيم ولم تشر إلى جهة العبادة مثلا ، وقد يُستفاد من هذا التعبير أن جهة الإحسان في أهل النعيم من الملاكات المهمة لدخول الجنة ، وإن كان قبول هذا الإحسان منوطا بالتقوى .
وليُعلم أن كون الأبرار في نعيم ـ بقول مطلق ـ قد يعم الدارين معا ، فيفيد أنهم في راحة دائمة ؛ وخاصة عند التعبير بأن النعيم ظرف لهم ﴿لَفِي﴾ ، وقد نقل الرازي في تفسيره عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال : «النعيم المعرفة والمشاهدة»[١] وهذا شاهد على أن هذا القِسم من النعيم للأبرار متحقق في الدنيا قبل الآخرة ، وإن كان في الآخرة بشكل أجلى .
معنى الفجار
لا يخفى ما في تعبير النعيم من اللطف ﴿لَفِي نَعِيمٍ﴾ إذ ينطبق على كل ما يتنعّم به العبد من صور النعيم ، ويقابلهم الفجار الذين اشتق عنوانهم من نفس مبدأ الاشتقاق في البحر المسجور ، فقيل عنهم إنهم : «هم المنخرقون بالذنوب»[٢] فكأنه فجّر نفسه وخرَّقها فتلاشت هيئته المركّبة فزال جماله ، كما يكون الأمر كذلك عند انخراق بدنه ، ومن هنا سمّي الفجر فجرا لأنه يخرق الأفق بالضياء[٣] .
الجنة والنار الدنيويتان
إنه من الممكن أن نقول بأن الفجار معذبون في هذه الدنيا فضلا عن الآخرة ، كما تفيد عبارة ﴿لَفِي جَحِيمٍ﴾ إذ إن هذا التعبير ـ الدال على ظرفية العذاب لأهله ـ لا يستعمل في العذاب المستقبلي إلا من باب استعمال الحال فيما هو محقق الوقوع .
ويؤيد هذا المعنى أيضا قوله تعالى ﴿يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ﴾ فإن نار هذا الجحيم ـ بأقل درجاتها في الدنيا ـ تشتد يوم القيامة أو قل : يكتوي العاصي بنارها في ذلك اليوم ، وإلا فإن جحيم البُعد عن الله تعالى وعيشة الضنك في الدنيا ، صورة من صور الجحيم المعجَّلة ، كما يؤيد فعلية العذاب في الدنيا ماورد في قوله تعالى ﴿وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ﴾ كما قد يستفاد من قوله تعالى ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾[٤] أن العذاب محيط بالكافرين من كل الجهات ، ومنها جهتا الدنيا والآخرة .
ما لا يدرك من العقاب
إن ظاهر الخطاب في ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ﴾ يدل على أن المخاطب هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وفي ذلك بيان عظمة ما في ذلك اليوم من صور العذاب ، إلى درجة أُخفيت عن أعظم الخلق ؛ فكيف عن غيره؟! . . والحال أنه أكثرهم ارتباطا بعالم الغيب ؛ فقد رأى من آيات ربه ما وصفه بالكبرى ، ويتأكد التعظيم في درجة هذا العذاب ، من خلال تكرار هذه الآية نفسها مرة اُخرى .
يوم الجزاء
لا يخفى ما في استعمال كلمة (الدين) من إشارة إلى الجزاء الذي هو أهم مَعلم من معالم يوم الفزع الأكبر ، فمحصّل الآية أن ذلك اليوم يوم عظيم سواء من جهة شدة الأهوال ﴿جَحِيمٍ﴾ أو من جهة دقة الجزاء ﴿الدِّينِ﴾ .
وقد جرت عادة القرآن الكريم على استعمال صيغة ﴿مَا أَدْرَاكَ﴾ لبيان عظمة القيامة ؛ كقوله تعالى ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ﴾[٥] و﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ﴾[٦] و﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ﴾[٧] و﴿ما أَدْراكَ مَا الطَّارِق﴾[٨]!
القيامة مظهر الحاكمية
إن حاكمية الله تعالى ثابتة في كل النشآت ﴿وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ للهِ﴾ ولكن التجلي الأعظم لها يكون في عرصات القيامة ، حيث إقرار كل من في الوجود لهذه الحاكمية بل معاينتهم لها ، وهذا لا ينافي الشفاعة لأنها في طول هذه الحاكمية المطلقة . . ومن المعلوم أن المؤمن يعيش هذا المعنى في الدنيا قبل الآخرة ؛ ممّا يعطيه حالة من العزة الإيمانية وإن كان ذليلا ظاهرا ، وقد روي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال : «الأمر يومئذ واليوم كله لله ، يا جابر! . . إذا كان يوم القيامة بادت الحكام ، فلم يبق حاكم إلا الله»[٩] .