- الآيات ١ إلى ٥
- من سورة الإنفطار
- تلاوة الآيات ١ إلى ٥
أهوال القيامة
إن هذه السورة ـ كباقي السور التي تناولت يوم البعث ـ تُذكّر بأهوال القيامة المغيّرة لوجه الأرض والسماء ، فمنها آيتان في السماء وهما : الانفطار والانتثار ، وآيتان في الأرض وهما : التفجير والبعثرة ، ويجمع الأهوال الأرضية والسماوية كلها قوله تعالى ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ والسَّماوات﴾[١] وكأن الله تعالى يريد أن ينقلنا في كل هذه الموارد إلى فنائية ما على الأرض ممّا جعلها زينة لها ، وكذلك ما في السماء من زينة الكواكب ، وذلك لئلا يتعلق قلب العبد بشيء من هذه الأمور الفانية .
الجاذبية الكونية
إن الكواكب تنتثر يوم القيامة كما تنتثر حبات العقد ﴿وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ﴾ فكأن هذه الحبات المجموعة إنما اجتمعت ببركة هذا الخيط الجامع لنضدها من الجاذبية أو غيرها ، فهذا الوجود يحتاج في كل آن إلى ما يجمع شملها وإلا تناثرت أجزاؤها ، بل تلاشت .
ومن هنا يُعلم أن الوجود مَدين في وجوده في كل آن لله تعالى ، وعليه وجب شكره كذلك في كل آن ، ولكن مَن الذي يمكنه ذلك؟!
تبدل الخواص
تذكر هذه السورة أن البحار تُفجَّر ﴿وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ﴾ كما ذُكر في السورة التي قبلها أنها تُسجَّر ﴿وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَت﴾[٢] ومن الممكن أن تكون إحدى المرحلتين مقدمة للاُخرى ، والجامع بين الآيتين هو أن البارد السيّال المُطفئ للنار ، يصبح بمثابة الوقود للنار .
وحينئذ نقول : كما أن خواص المواد تتغير في الآخرة ، فإن الذوات أيضا تتبدل عمّا كانت عليه ، فمثلا يتحول الاستكبار الذي ـ هو سِمة للمترفين ـ إلى إذلال وتحقير .
بعثرة الدفائن
إن الزارع يُبعثر ما في أرض زراعته ، ليستخرج منها ما هو مطلوب لديه من بركات الأرض ، فقيمة الأرض عنده بقيمة ما فيها ، وكذلك الأبدان البشرية فإنها ـ ولو باعتبار المؤمنين ـ أغلى ما في جوف الأرض ، فلا بُد من بعثرة الأرض لاستخراج هذه الدفائن ﴿وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ﴾ لا لاستخراج كنوزها المادية ـ كما ذكرها البعض[٣] ـ فإنها لا قيمة لها في تلك المواقف العظام .
معايشة الغيب
إن الآيات ذكرت الحوادث العظام المشعرة بتحقق القيامة ، وفي مقابل كل ذلك ، فان هناک حدثاً مهما يريد المولى التذكير به ـ كجواب للشرط المتكرر ـ ألا وهو حدث الأحداث والذي يتمثل بقوله تعالى ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾ والمطلوب أن يتكامل العبد إلى درجة يعيش هذه الحقيقة ، وذلک بالتصور الذهني اليقيني لهذه الأحداث قبل التحقق الخارجي لها ، وهذا بدوره يتوقف على الترقّي إلى رتبة معاملة المعقول (الغيبي) معاملة المحسوس (الشهودي) ، وهو لا يكون إلا لذوي الألباب في هذه النشأة .
معنى التقديم والتاخير
لو فسّرنا ﴿وَأَخَّرَتْ﴾ في الآية بما يصل العبد من الأجر ما بعد الموت ، في قبال ﴿ما قَدَّمَتْ﴾ وهو ما يفعله العبد من الصالحات قبل الموت ؛ فإننا سندرك أهمية ما هو في حكم الصدقة الجارية من العلم النافع والولد الصالح ، فإن ما سيُعطى للعبد من الدرجات بعد الموت قد لا يقلّ عما اكتسبه في الدنيا . . ومن هنا كان لا بُد أن يحرص كلٌّ بحسبه في هذا المضمار ، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : «ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلا ثلاث خصال : صدقة أجراها في حياته ؛ فهي تجري بعد موته ، وسنّة هدى سنّها ؛ فهي تُعمل بها بعد موته ، وولد صالح يستغفر له»[٤] .
كما فُسِّرت ﴿أَخَّرَتْ﴾ بتقصير العبد فيما ينبغي أن يقوم به ، فكأنه تأخّر عن العمل الصالح وهذا في قبال ﴿قَدَّمَتْ﴾ حيث وُفّق في تقديم عمل صالح ليوم جزائه . . وفُسِّرت أيضا : بما قام به العبد أول العمر وآخره .
التدرج في الاطلاع
يستفاد من مجموع الآيات أن علم العبد بعاقبة أمره في عرصات القيامة ينكشف تدريجيا ، فيَعلم إجمالا أنه من أهل الجنة أو النار ، ثم تنشر الصحف ليقرأ بنفسه كتابه الذي أُلزم في عنقه ، ليكون هو الشاهد والحسيب على نفسه .
التقريع والتنبيه
إن هذه السورة ـ شأنها شأن باقي السور المكية ـ يُراد منها هزّ المخاطبين بصور التقريع ، وبيان الأهوال المستقبلية ، وإرجاع الإنسان إلى وجدانه . . وقد يُستلهم من ذلك أن مَن يريد إيقاظ البعيدين عن طريق الهدى ، لا بُد له من تحريك البواطن للمحاسبة الذاتية أولا ، وتزهيدهم فيما هم متعلقون به من المتاع الذي لا يزول بنظرهم ثانيا .