- الآيات ٢٤ إلى ٣٢
- من سورة عبس
- تلاوة الآيات ٢٤ إلى ٣٢
أنواع الطعام
إن الأمر بالنظر إلى الطعام يعمّ كل وجوه النظر سواء من جهة المنشأ ، أو كيفية تحصيله ، وتنوّع محصوله ، وتضافر الأيادي على تجهيزه . . ومن الممكن الانتقال من الطعام المادي للأبدان إلى الطعام المعنوي للأرواح ، وقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير الطعام في قوله تعالى ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إلى طَعامِهِ﴾ أنه قال : «علمه الّذي يأخذه عمّن يأخذه»[١] .
التأمل في النعم
انتقلت الآيات ـ بعد العتاب الموجّه إلى كل مَن كفر بربه ـ إلى خطاب عموم البشر ، لإثارة دواعي التأمّل والتفكّر في أنفسهم ، ومنها دعوتهم للنظر إلى آثار رحمة الله تعالى في الأرض ، فقد سخّر الله تعالى الماء المصبوب ﴿أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا﴾ والأرض المُخرجة لأنواع النبات ﴿ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا﴾ وذلك لإشباع جوعة بني آدم ﴿فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا﴾ بل لتلذذه بالنظر إليها ؛ كالأشجار الشامخة ﴿وَحَدائِقَ غُلْباً﴾ ، وهذه من أقرب اللذائذ الحسية لعموم البشر ، ولعل الآية اختارتها من بين عموم النعم ، للمنّة على العباد بما هو واضح لديهم من المأكول والمشروب .
الغفلة عن الخالق
إن هذه الآيات صريحة في أنها تنسب إنبات الأرض وإنزال الماء من السماء إلى الله تعالى ، والحال أن الغافلين من عباده يرون انتساب الزراعة إلى أصحابها أوضح من انتسابها إليه تعالى ، غفلة عن مسببيته للأسباب ﴿أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُون﴾[٢] .
ومن هنا وعندما يأكل العبد ممّا ذكرته الآية من ﴿عِنَباً وزَيْتُونا ونَخْلاً﴾ و﴿فاكِهَةً﴾ والخضروات ﴿قَضْبًا﴾ فإنه يعيش حالة الامتنان والشكر إلى خالقه ؛ أكثر ممّا يعيشه تجاه مقدّمه . . فأين الخالق لأصل الطعام ، وأين مَن يقدّمه لمخلوق مثله؟!
اختلاف البعدين المادي والمعنوي
إن القرآن الكريم عندما يذكر المتاع (المأكول) يقرن الأنعام ببني آدم ﴿مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾ ومنه ما في هذه السورة فيذكر ما هو مأكول الإنسان ﴿فَاكِهَةً﴾ وما هو مأكول الحيوان ﴿أَبًّا﴾ في سياق واحد ؛ ولكن عندما يصل الأمر إلى المتاع (المعقول) ، فانه يجعله في سياق الملائكة العارفين بالله تعالى ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾[٣] .