- الآيات ١ إلى ١٠
- من سورة عبس
- تلاوة الآيات ١ إلى ١٠
التنزيه عن العبوس
إن هذه الآيات التي فيها من التقريع ما لا يخفى على المتأمل ، لا تناسب أن تكون في حق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي وصفه القرآن بأنه على خلق عظيم[١] ، إذ إن العبوس في وجه الكافر لم يكن من شيم النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ فكيف في وجوه المؤمنين؟! . . وكيف بمَن وصفه القران الكريم بـ ﴿الْأَعْمى﴾ ممّا يستلزم المزيد من الشفقة؟! . . فكيف بمَن جاء ﴿يَسْعى﴾ بجهد ويريد أن يكون ممّن ﴿يَخْشى﴾؟!
منطلق المزايا الأخلاقية
إن المزايا الأخلاقية التي تصدر من المؤمن ، إنما هي من منطلق كماله الذاتي ، لا طلبا لثناء أو شكر أو مكسب آخر! . . فالعبوس في وجه الآخرين أمر مذموم ولو كان ذلك في وجه أعمى لا يرى ذلك العبوس! . . والمؤمن يجلّ نفسه عن ذلك ؛ لأنها صفة مبغوضة عند ربه وفي نفسه .
محورية التزكية
إن القرآن عندما يتكلم عن الهداية ، يذكر التزكية كمحور لحركة الأنبياء (عليهم السلام)[٢] ، فالتشريعات كلها جاءت لتخليص الإنسان من عبودية الهوى إلى التسليم للهدى . . ومن المعلوم أن الطريق إلى التزكية إنما هو بالتذكير المُخرج لصاحبه عن دائرة الغفلة ، فجمعت الآية بينهما ﴿يَزَّكَّى﴾ و﴿يَذَّكَّر﴾ .
التعليم والتذكير
إن دعوة الدعاة إلى الله تعالى ، ليست دائما للإخراج من الجهل ليكون عملهم تعليما! . . بل يكون أيضا للإخراج من الغفلة ؛ فيكون عملهم تذكيرا! . . ومن هنا جعلت الآية التذكير نافعا للبعض وإن كان غافلا ﴿أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى﴾ ومن المعلوم أن هذا الأمر لا ينطبق على المعاندين ، بل يزيدهم عتوّا وكفرا .
ملاك التقدم
إن عادة أهل الدنيا هو الميل لما هو ملاك التقدم عندهم ، ألا وهو الاستغناء ﴿أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى﴾ لأنه كمال محسوس عندهم قريب إلى طبعهم ؛ بخلاف من جاء يسعى وهو يخشى ، فإن كماله لا يُدرك بحسب طباعهم البشرية ممّا يوجب الالتهاء عن أصحاب هذا الكمال ، وهذه الصفة الثابتة لأهل الدنيا لا تنسجم أيضا مع مقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ممّا يؤكد مرة اُخرى انصراف هذا العتاب عنه .
تحكيم الموازين
إن الآيات التي توبّخ مَن أعرض عن الأعمى لعدم وجاهته الاجتماعية ، تريد منا تحكيم الموازين الشرعية في التفاضل بين العباد ، وهي قاعدة الأكرمية عند الله تعالى بالتقوى[٣] ، والتي لم تكن محكّمة أيام الجاهلية ، بل ولا بعد الإسلام في كثير من الأوساط . . ومن آثار عدم تحكيم هذه القاعدة ، ما ذكرته الآية صريحة من إعراض العابس عمّن هو واجد لصفتين مهمتين وهما : السعي للتزكية ﴿جَاءكَ يَسْعَى﴾ والتلبس بالخشية المستمرة المستفادة من قوله تعالى ﴿وَهُوَ يَخْشى﴾ بل ما هو أسوأ من الإعراض أعني التشاغل بالغير ؛ وهو المستفاد من قوله تعالى ﴿فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى﴾ .
عدم الاكتراث المذموم
إن من صفات أهل الدنيا وطالبي الاستغناء هو عدم اهتمامهم باهتداء الناس إلى طريق الهدى ؛ لأنهم أساسا غير معنييّن بالهداية والتزكية ؛ فكيف يحملون همّ تزكية الآخرين؟! . . ومن هنا جعلت الآية هذه الحالة أي إهمال تزكية الغير من موجبات العتاب ﴿وَما عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى﴾ ومن الممكن القول : إن هذه الحالة من عدم الاكتراث ، لهو من مصاديق : «ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم»[٤] إذ إن من أهم أمور المسلمين هو السعي لتزكية أنفسهم وغيرهم .