- الآيات ٢٧ إلى ٣٦
- من سورة النازعات
- تلاوة الآيات ٢٧ إلى ٣٦
عظمة الخلقة
إن القرآن الكريم يؤكد في آية ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ﴾ وفي آية اُخرى ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾[١] على حقيقة أن خلق السماوات أعظم من خلق الإنسان! . . ومن هنا جعل القدرة على خلق الأشد تعقيدا ؛ دليلا على القدرة على إعادة خلق الأقل في ذلك ، وهذا ما يُفسّر حالة المؤمن عندما يتأمل في خلق السماوات ـ وخاصة عند القيام في جوف الليل ـ فإنه يستحضر حقيقة أن المتأمَّل فيه وهو الكون ؛ أعظم من المتأمِّل وهو الإنسان نفسه ؛ ممّا يوجب بدوره إحساسا بالتصاغر والتذلل!
إثارة التساؤل
إن من طرق التأثير على المخاطب هو استثارته بالسؤال ـ حتى لو كان الجواب عنده واضحا ـ وذلك لتحريك فكره في مسار ما يريده المتكلم . . ومن هنا ، يسأل الرب المتعال عباده ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ﴾ ليعترفوا بضعفهم في بواطنهم .
الآيات في الآفاق
إن الطريق المتعارف لتذكير العباد بخالقهم هو ذكر الآيات الآفاقية ، ولهذا يُكثر القرآن الكريم من ذكر السماوات والأرض ـ ومنها هذه الآيات ـ للانتقال من المحسوس إلى المعقول ، ولكن هناك من العباد مَن لا يحتاج إلى هذا الطريق المتعارف ، وهم الذين تجلّى لهم الله تعالى في أنفسهم بنوع من أنواع التجلي .
الاستمتاع بالنعم
ليس من المعيب أبدا أن يستمتع الإنسان بمتاع الدنيا من دون أن يعيقه ذلك عن عبادة ربه ، فإن الله تعالى ذَكر نعمة الأرض ـ وما أخرج منها من الماء والمرعى وكذلك الجبال ـ في سياق النعم الإلهية ، وحاشا أن يمنّ على العباد بما فيه صدّ عن سبيله ، ويؤكد هذه الحقيقة أيضا قوله تعالى ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾[٢] .
حقيقة الزهد
إن المتاع عندما يُنسب للغير ، يُفهم منه ضمنا أن صاحب المتاع في رتبة أعلى منه ؛ لاستيلائه عليه وتصرفه فيه ، ولهذا صار صاحبا ومالكا له ؛ ولكن مَن عشق هذا المتاع صار مملوكا له ، والحال أن القرآن الكريم يريد منا أن نكون نحن أصحاب المتاع ﴿مَتَاعًا لَّكُمْ﴾ لا أن يكون المتاع صاحبا لنا . . ولهذا قيل في حقيقة الزهد أنها عدم مالكية الأشياء للإنسان[٣] ، لا عدم مملوكيتها له .
أفضلية الإنسان
إن الله تعالى ينسب متاع الدنيا إلى البشر والأنعام على حد سواء ﴿لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾ ولكن المائز فيما بينهما إنما يكون في أمور اُخرى ألا وهو التعقل والتفكر ؛ ومن هنا صار الإنسان حيوانا ناطقا .
الابتلاء الأكبر
إن مصيبة العبد يوم القيامة بلوازم عمله ، أعظم من كل مصيبة مرت عليه ، ومن هنا سميت بـ ﴿الطَّامَّةُ الْكُبْرى﴾ أي الغالبة ، ووصفت بالكبرى للتأكيد على فداحتها! وعليه ، فإن تصوّر هذا المعنى يوجب تحمل مصائب الدنيا ؛ دفعا لما هو أشد منها!
المحاسبة في الدنيا
إن الإنسان في عرصات القيامة ـ وخاصة عندما تُبرّز الجحيم لأهلها ـ في ذكر مستمر لسعيه في الحياة الدنيا ﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى﴾ وهذا بحد ذاته عذاب لأهله ؛ لأنه يقارن بين المقدمات الماضية والنتائج المستمرة ؛ فيرى حقيقة أن اللذائذ قد فنت ، والتبعات قد لازمت!
فكم من المناسب أن يكون هذا التذكر ـ وهو في دار الدنيا ـ تداركا لما يمكن تداركه ، وهذا هو لب المحاسبة والمراقبة التي يجعل الإمام الكاظم (عليه السلام) تاركها خارجا عنهم بقوله : «ليس منّا مَن لم يحاسب نفسه كل يوم»[٤] .