- الآيات ١ إلى ٥
- من سورة النبأ
- تلاوة الآيات ١ إلى ٥
وجه العظمة في النبأ
إن وصف النبأ بالعظمة والمُفسَّر ـ على رأي ـ بيوم القيامة ، يدل على مكانة الاعتقاد بالقيامة في المسيرة التكاملية للعبد ، فإنه من موجبات مراقبة العبد لسلوكه ، إذ إن الخوف من مقام الربوبية لا يتسنّى لكل أحد .
وقد ورد وصف العظمة ليوم القيامة في آية اُخرى ﴿أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيم﴾ [١] كوصف النبأ أيضا بالعظمة في قوله تعالى ﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيم﴾ [٢] .
اختلاف الكفار
الكفار ـ رغم اجتماعهم على الكفر ـ إلا أنهم مختلفون فيما بينهم حتى في عقائدهم الباطلة ، وهذا هو المستفاد من كلمة ﴿مُخْتَلِفُونَ﴾ لأن منكري المعاد بمعناه القرآني الصحيح على طوائف :
فبين منكر للمعاد الجسمي ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [٣] .
وبين مستبعد له ﴿هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُون﴾ [٤] .
وبين مشكك فيه ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا﴾ [٥] .
والتعبير بـ ﴿يَتَساءَلُونَ﴾ يدل على أن الأمر كان متداولا بينهم ، ولو على نحو الاستهزاء بالبعث .
أنواع السؤال
إن السؤال إذا كان ببراءة واستفهام حقيقيين ، فهناك مجال للإجابة الجادة ، كالسؤال عن حقيقة الروح [٦] والأنفال [٧] والخمر والميسر [٨] ، بخلاف ما لو كان السؤال بتعنّت واستهزاء ؛ فعندئذ يكون الجواب مقترنا بنوع من التهديد المستفاد من قوله تعالى ﴿كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ﴾ أضف إلى ما يُشعره تساؤل الحق عزَّ وجلَّ عن سؤال الكافرين، من التحقير لهم ﴿عَمَّ يَتَسَاءلُون﴾ لأنه ما كان ينبغي أن يصدر منهم سؤال عما هو معلوم الجواب .
الردع من دون مجاملة
لا بُد من مواجهة التحديات العقائدية بقوة وثبات من دون مجاملة ، فالآية تكرر عبارة ﴿كَلاّ﴾ للنفي الصريح لدعوى القوم الكافرين ، فوقع الردع في الآية الكريمة عن أصل سؤالهم ، وكأنه دون مستوى الخوض فيه ليُجاب عليه ، إذ إن الذي يرى آثار القدرة الإلهية في هذه النشأة ، كيف يُنكر قدرته تعالى على النشأة الاُخرى؟! ومن يرى حكمة الصانع في دار الفناء ، كيف ينكر حكمته المستلزمة للحساب والجزاء في دار البقاء؟! .
أثر الايمان بالمعاد
إن الفرق بين مآل المؤمنين بالمعاد وبين المشككين فيه ، هو أن الطائفة الأولى تعيش حقيقة العلم بما سيتحقق خارجا من المعاد ، بما يصفهم أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله : «فهم والجنة كمن قد رآها» [٩] بخلاف الكفار الذين ﴿سَيَعْلَمُونَ﴾ ولكن بعد فوات الأوان حيث يُكشف عنهم الغطاء ، فيرون حقائق الأمور من دون أن تنفعهم هذه المكاشفة شيئا .
قرب القيامة
إن التعبير بـ ﴿سَيَعْلَمُونَ﴾ المُشعِر بالمستقبل القريب ، يدل على أننا متوهمون لرؤيتنا للقيامة وكأنها حدث مستقبلي بعيد ، في حال أنها قريبة منا ولكن لا نشعر بها ؛ إذ لا يفصلنا عنها إلا الموت ، فبمجرد موت ابن آدم تقوم قيامته ، فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : «مَن مات فقد قامت قيامته» [١٠] وقد أكد القرآن الكريم على هذه الحقيقة في آية اُخرى ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾ [١١] بناء على أن المراد بالقرب هنا هو القرب الزماني ـ لتحقق الوقوع ـ لا القرب الإمكاني .