الكلمة:١
إن الذي لا يسير في طريق الحب الإلهي، سوف يبتلى قهراً بحب الفانيات..
الكلمة:٢
إن الله واجب الوجود، وصفاته غير محدودة، ومن صفاته حب عبده.. والعبد ممكن الوجود، ومن صفاته حبه لربه.. ولكن أين حب العبد لربه كممكن، وأين حب رب العالمين لعبده، وهو الذي لا حد لوصفه!..
الكلمة:٣
إن عنصر المباغتة والاستعداد، من موجبات النصر في الحروب.. وكذلك فإن من موجبات النجاح والسعادة في هذا اللقاء، هو الاستعداد لذلك.. إن باب المحبة والحب من أوسع الأبواب..
الكلمة:٤
هنالك كلمة دقيقة في الحب يحسن التأمل فيها!.. يقال: بأن العمل فيه رياء، والشيء الذي لا رياء فيه هو الحب، فالحب إما موجود أو معدوم ولا ثالث لهما.. نعم، الإنسان من الممكن أن يرائي بالحب الواقعي الذي في قلبه، الرياء في الإظهار، في إبراز هذا الحب، وإلا أصل الحب لا رياء فيه.. إما هنالك مسانخة مع المحبوب، أو ليست هنالك مسانخة.. الإنسان الذي أحب حقيقة، هذا الإنسان يكون صادقاً في حبه..
الكلمة:٥
إن على الإنسان أن يطلب من الله -عز وجل- أن يحقق في نفسه هذه الآية: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}، لأنه إذا أصبح الإيمان محبباً ومزيناً في قلب الإنسان، تكون الصفقة قد تمت وانتهى الأمر..
الكلمة:٦
إن المحبة الإلهية للعبد لا يمكن أن توصف..
الكلمة:٧
إن الإنسان إذا حج بيت ربه، يصبح حبيب الله عز وجل، فكيف إذا أضاف إليه ما أضاف؟.. وكيف إذا ترقى في عبادة الله عز وجل، ليستجمع كل الطاعات الأخرى؟.. فحب رب العالمين لعباده حب لا يوصف..
الكلمة:٨
إن بعض علماء الأخلاق، يرون أن من أقرب السبل إلى المحبة الإلهية، هو تحبيب الخلق بالله -عز وجل- وسلوك طريق المحبة.. فهذا أشرف ما يمكن أن يقع في هذا الوجود!..
الكلمة:٩
إن صفة العفو والرحمة، والابتعاد عن الصراعات التي تورثها الأنانية والعصبية، هي من تجليات عبادة الله.. فالقلب العامر بحبّ الله، لا يكره الناس، ولا يدخل معهم في صراعات..
الكلمة:١٠
إن المعشوق الأول في عالم الوجود، هي الذات مهما ذهبنا يمينا وشمالا هذا هو الواقع!.. فالناس يعشقون ذواتهم..
الكلمة:١١
إن من المناسب -إذا أراد أحدنا أن يفكر في هندسة حياته من جديد، أو تصحيح مسيرة منحرفة فيها- أن يجعل مثل هذا التفكير المصيري، في ساعة خلوة مع ربه، وخاصة في الأوقات المباركة.. فلئن كان باب الوحي مسدودا على غير الأنبياء (ع)؛ فإن عالم الإلهام والإلقاء في الروع، أمر متعارف في حياة المؤمنين.. ومن الواضح أن الله -تعالى- شفيق بعباده إلى درجة لا تحتملها عقولنا، وهذا من مقتضيات علاقة الخالقية والمخلوقية، حيث أن الخالق يحب مخلوقه أكثر من حب المخلوق لنفسه.. أو ليس هو أقرب إلينا من حبل الوريد؟!..
الكلمة:١٢
إن قابليات الناس بالنسبة لتلقي الوعظ والإرشاد مختلفة، تبعاً للطف والتوفيق الإلهي، فهي: تارة تكون قابلية منفتحة متطلعة لكل ما يقال، كما في قوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ }.. وتارة أخرى معرضة منغلقة، كما يقول تعالى: {وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ}.. مما يؤكد أن الله -تعالى- إذا أحب عبداً فتح شهيته للعبادة، وألهمه فعل الطاعات، لأنه يحب تقرب هذا العبد.. والعكس صحيح، فالذي يكون مبغوضاً عند الله تعالى، فإنه يكره عمله، حتى أنه -كما ورد في الروايات- يعجل له في الإجابة، لأنه يكره سماع صوته!.. أو يملي له بالنعم، فيشغله بها عن ذكره والتقرب إليه..
الكلمة:١٣
إن جعل الود في القلوب، لمن أحبّه مقلب القلوب؛ من السنن الإلهية.. أوليس خالق القلب أولى من صاحب القلب في التقليب، حسب ما يراه من المصالح؟.. فهذا إبراهيم الخليل، أسكن ذريته في واد غير ذي زرع عند بيته المحرم، فطلب منه أن يجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم.. فرأينا كيف تحوّل ذلك الوادي الموحش، إلى مجمع لصالحي البشر طوال التاريخ.. أضف إلى الرزق الذي لم ينقطع عن ذلك البلد ببركة دعاء الخليل (ع).
الكلمة:١٤
إن من المفاهيم التي قد لا يستوعبها البعض، ضرورة التخلق بأخلاق الله -تعالى- كما ورد عن النبي (ص).. بمعنى أن يكمل الإنسان جميع بذور الخير في نفسه، ليحّولها إلى شجرة نامية في أعلى درجات النمو.. وهذا هو معنى الفناء في الله.. بمعنى أن لا تبقى له خصوصيات بشرية، تنافي مقتضى الإرادة الإلهية في عالم الصفات والأفعال.
الكلمة:١٥
إن الإنسان عندما يتفتح ذهنه في الحياة، ويرى النعم الإلهية عليه، فيقرأ بعض الكتب المتعلقة بصفات الله -عز وجل-.. فهو من ناحية لم يصل إلى البلوغ الكامل، لأن حب الله -عز وجل- يحتاج إلى قلبٍ بالغ، وهو لم يصل بعد إلى مرحلة البلوغ القلبي.. ومن ناحية أخرى، فيه بوادر هذا الحب الإلهي بالممارسة، وبالعبادة..
الكلمة:١٦
إن من بين العبادات المورثة للحب الإلهي -كما هو مجرب- قيام الليل، حيث أنه من المعروف: أن صلاة الليل؛ تُرسخ هذه المحبة الإلهية.
الكلمة:١٧
إن هنالك محبة من العبد لربه، فإذا أحبه الله -عز وجل- جعل هذه الجذوة تشتعل.. وهنالك محبة بسيطة في نفس العبد، يوجدها في نفسه: تكلفاً أو تلقيناً.. ولكن إذا وجدت هذه الشعلة، فإن رب العالمين يصب الزيت على هذه الشعلة البسيطة، لتصبح شعلة تملأ وجود الإنسان.
الكلمة:١٨
إن النية ليست لفظاً ولا بناءً قلبياً، وإنما هو انبعاث حقيقي.. فلو خليت الموانع جميعاً، يبقى الإنسان مندفعاً.. ولهذا فإن أقرب الناس إلى الله -عز وجل- من حيث النية الصادقة، هو ذلك الإنسان الذي لو رفعت منه الدوافع -حتى الجنة- لاستمر مندفعاً في الحركة إلى الله عز وجل.. فالذي دفعه إلى المولى هو حب المولى.
الكلمة:١٩
إن للنية درجات كبيرة وكبيرة جداً، وهي متناسبة مع درجة الحب لله عز وجل.. وبما أن درجات الحب غير متناهية، كذلك فإن المترتب على هذا الحب -وهي النية- أيضاً درجاتها غير متناهية.. طوبى لمن أخلص لله -عز وجل- في نيته!..
الكلمة:٢٠
إن على الإنسان أن يحبب إلى نفسه الطاعة، ولهذا علينا أن نهيئ لأنفسنا جوّ الراحة في العبادة، فهذا مما يرضى عنه الشارع، وأفضل وسيلة إلى تحبيب النفس بالعبادة، هي محبة الخالق..
الكلمة:٢١
المتحابون في الله.. هذا العنوان عنوان نادر جدا!.. فالذي يحب أحدا في الله، لابد أن يلغي منه كل امتيازاته الدنيوية، ولا يُبقي إلا إيمانه.. إذا وصل إلى هذه المرحلة من الحب؛ هذا يسمى الحب في الله.. وإلا فإن الدواعي الخفية، هي من موجبات عدم انطباق هذا العنوان..
الكلمة:٢٢
إن الله يفرح لفرح عبده، هناك علاقة وطيدة بين العبد وبين ربه.
الكلمة:٢٣
إن الحب الادعائي: هو إظهار الحب أمام الآخرين، مقدمة للفوز بشيء من عاجل الحطام، أو المباهاة لكسب الجاه والمنـزلة في القلوب.. وكم من القبيح أن نجعل التظاهر بحب الله وأوليائه، سلعة تبادل بالفاني من المتاع!..
الكلمة:٢٤
لا شك بأن الإنسان قد يصل إلى درجة من درجات الشفافية الروحية، والقرب من المولى جل وعلا.. بحيث لا يميز بين الواجب والمستحب، أو المكروه والحرام.. هو يرى بأن رضا الله -تعالى- في فعل هذا العمل وتجنب الآخر، بغض النظر عن مسألة الثواب والعقاب.. كما هو معلوم: بأن المحب يحرص على إرضاء المحبوب في أبعد الحدود.
الكلمة:٢٥
من الضروري أن يحول الإنسان علاقته بالله تعالى، من علاقة تكوينية قوامها الخالقية والمخلوقية، إلى علاقة عاطفية فطرية وجدانية قوامها الحب والمحبوبية.. إن الله -تعالى- خلق الإنسان وميزه بالإدراك عن بقية الموجودات الأخرى، التي تسبح الله -تعالى- بالفطرة، كالنحلة مثلاً: فالله -تعالى- بالفطرة علمها كيف تصنع العسل، كما نفهم من قوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ}.. فمن المستحيل أن تخرج يوماً خلاً بدلاً من العسل!..
الكلمة:٢٦
إن هناك ثغرة متعارفة في حياة السالكين إلى الله عز وجل، ألا وهي أن من يريد تهذيب نفسه، ويتخصص في عالم السالكين إلى الله عز وجل.. يعيش جو المحبة الإلهية الخالصة، ويُكثف من عنصر المراقبة في حياته اليومية، فيبدأ بدايةً لا بأس بها!.. وبعد فترة من انكشاف الحُجُب، وتذوق حلاوة ما وراء الطبيعة، وإذا به يتقوقع، وتتحول حياته إلى صومعة حسية ومعنوية.
الكلمة:٢٧
إن كمال الجوارح بالطاعة، كما أن كمال العقل: بالتأمل والتفكّر، والقراءة، وتفسير القرآن، والحديث، وعالم المطالعة والعلم.. فإن قوت عالم القلب: التوجه، ومحبة الله وأوليائه.. القلب الذي يحمل حبّ الله -عزّ وجل- هذا القلب سيتصرف فيه ربّ العالمين بأنه عرشه.. هل هناك أحد يحبّ الله أفضل من النبي وآله (ع)؟.. لماذا يقال: أن محبة أهل البيت (ع)؛ مدعاة للنجاة؟.. ورد في الحديث الشريف: (حب علي حسنة، لا تضر معها سيئة)؛ وقد قال أحد العلماء في تفسير هذه الرواية: (إن حب علي يحول بين الإنسان وارتكاب المعصية، لا أن المعصية المرتكبة لا تضر).. والحبّ له قواعد، هناك حبّ صادق، وهناك حبّ كاذب.
الكلمة:٢٨
إن الحب غير موجود في الفرائض، والقرب غير موجود بالنوافل.. فالحب شيء، والقرب شيء آخر.. لو أن إنساناً خارج القصر الملكي، وأراد أن يتقرب إلى السلطان؛ عليه أن يجتاز الموانع.. فعندما يتحقق القرب تنتهي الحركة، ثم تبدأ الحركة الروحية الباطنية، وهو إيجاد علاقة باطنية بينه وبين من يحب.
الكلمة:٢٩
أتعلم أن قلب المؤمن من الممكن أن يقال بأنه قلب عادل؟!.. متى أعرض القلب عن الله -عز وجل- بمعناه الكامل!.. إن الغفلة من شؤون عالم الذهن، ولكن هل خرج الحب الإلهي من قلبك ولو بمعناه الساذج!.. طبعا الحب الإلهي في قلوبنا نحن لا يقاس بالأنبياء والأولياء، ولكن هذا الحب القليل، هذا الحب الطفولي، هذا الحب البسيط ما خرج من قلب المؤمن.
الكلمة:٣٠
إن المحبة الملقاة في قلب المؤمن: حب الله، وحب الرسول، وحب الأئمة عليهم السلام، وحب الأولياء؛ نحن نعتقد أنها هبة من الله عز وجل {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ}، فإذن، هذه منحة إلهية، وهذه المنحة لأنها منحة من الممكن أن تُسلب.. فالإنسان ليس مالكاً حقيقياً، أعطي هذه المزية، ولكن هذه المزية لها ضوابط.. من الممكن أن يصل الإنسان في عالم المعصية إلى درجة من الدرجات أن المعصية تبلغ إلى مستوى معين، رب العالمين يعاقبه بسلب هذه المحبة والإذعان القلبي، والشواهد في التاريخ كثيرة: فالخوارج ماذا كانت مصيبتهم؟.. أن قلوبهم -حسب الظاهر- كانوا أصحاب عبادات، وكانت لهم في جباههم آثار السجود، ولكن خالفوا إمام زمانهم.. وهذه المخالفة أدت إلى أن تسلب منهم هذه الجوهرة (نور الولاية)، إلى درجة أنهم قد اتفقوا على قتل أمير المؤمنين (ع).
الكلمة:٣١
أن يحب الإنسان الخاضع لقوانين المادة: مادياً، ومرئياً، ومسموعاً.. فهذا طبيعي جدا؛ لأن الإنسان له عين وله سمع، يرى جمالاً بشرياً، ويسمع من هذا الجمال كلاماً طيباً، ويرى لها ملمساً ناعماً، فإنه طبيعي كله مادة في مادة: جمال ملموس، وجمال مسموع، وجمال مرئي.. أن ينقدح الميل أمر طبيعي، ولكن كيف يمكن أن تنقدح هذه العواطف: كالحب والإذعان والاعتقاد، أو كما يقول علي (عليه السلام) في ختام دعاء كميل: (وَاجْعَلْ لِساني بِذِكْرِكَ لَهِجَاً، وَقَلْبي بِحُبِّكَ مُتَيَّماً)؛ المتيم إنسان يضرب به المثل: أن هذا وصل إلى أعلى درجات الحب، فكيف لمخلوق مادي أن يتعلق قلبه بما لا يُرى؟..
الكلمة:٣٢
إن في عالم المادة هنالك شيئاً يسمى “التلقين”، والتلقين مقدمة للتلقي.. صحيح قالوا: “إن الطبع يغلب التطبع”، ولكن التطبع أيضاً في بعض الحالات يوجب الطبع، مثلاً: إنسان لا تميل إليه، ولكن عندما تسلم عليه صباحاً، وتقدم له هدية كل يوم، وتدعوه إلى منزلك كل يوم.. بعد فترة ينقدح شيء من الأنس معه، إذا أنت ما رأيت منه إلا جميلاً، وهو ما رأى منك إلا جميلاً.. نعم بعد فترة يتحول الأمر إلى مودة، وبعد المودة محبة عالية!..
الكلمة:٣٣
إن تلقين القلب الحب الإلهي، حتى إن لم يكن موجوداً، من المرجو بعد فترة أن هذا التلقين، وهذا التطبع؛ يوجب لك الطبع.. ولهذا بعض المؤمنين يقول: هل يجوز ويحق لنا أن نخاطب رب العالمين، بكلمات الحب المتعارفة بين البشر؟.. نعم، ما المانع في ذلك!.. ألا يقول الإمام زين العابدين -عليه السلام- في مناجاته: (يا نعيمي وجنتي!.. ويا دنياي وآخرتي!.. يا أرحم الراحمين)، (أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبَّ كُلِّ عَمَلٍ يُوصِلُنِي إِلى قُرْبِكَ)!.. حتى لو قالها الإنسان من دون معايشة حقيقية، فإن إدامة ذلك القول من موجبات امتلاك هذا البعد الذي لا يقدر بثمن.