- كلمات قصيرة
- » المعاشرة والعزلة
- » الاصدقاء
الكلمة:١
إن القرآن الكريم يعبر عن الصديق بالقرين.. وذلك حينما تستمر العشرة والألفة مع الصديق لسنوات، ليتحول بعدها إلى قرين لازم المصاحبة.. فيبدأ بالتأثير على سلوك وأخلاق -وحتى طريقة كلام- صديقه!.. وهذا سلاح ذو حدين في حد نفسه، إذ كما ينقل القرين الصالح الصفات الحسنة إلى قرينه؛ فإن قرين السوء ينقل الصفات السيئة.. وقد جاء في الحديث: (صحبة الأشرار تكسب الشر كالريح: إذا مرت بالنتن، حملت نتنا).
الكلمة:٢
إن قرين السوء صورة من صور الخذلان الإلهي، كما جاء في الآية الكريمة: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ}.. ومن المعلوم أن الله -تعالى- رؤوف لا يضل عباده، لكن العبد حين يتمادى في المعاصي؛ فإنه يصل إلى درجة من البعد عن الحق، بحيث يكل أموره إلى نفسه -كما وردت الاستعاذة من ذلك عن الرسول (ص)- ومنها أن يسلمه لصاحب السوء، الذي يلعب في دينه وآخرته كما يشاء وليهما وهو الشيطان وأعوانه، الذين يمدونهما بالغي، ثم لا يقصرون!..
الكلمة:٣
إن من المهم التأكيد على أن وجود الصديق، ليس هدفاً في حد ذاته، ليكون هذا داعيا للتشبث بأي فرد كان، حتى لو كان من إخوان الشياطين.. فقد جاء في الحديث: ( أحذر قرين السوء؛ فإنه يهلك مُـقارنه، ويردي مُصاحبه.. وكن بالوحدة آنس منك بقرناء السوء)!.. فما المانع أن يعيش الفرد حالةً من الوحدة التي تحصنه من انتقال العدوى من الآخرين، وذلك إذا كان في ضمن مجتمع منحرف: كالمدرسة، أو الجامعة غير الصالحة، أو في بلاد غير المسلمين؟.. واعلم أن الله -تعالى- جليس من ذكره، وهو صاحب الغرباء.. فهل مثله جليس؟!..
الكلمة:٤
إن من قواعد الصداقة الأساسية: اختبار الصديق الذي نود مصاحبته، وخصوصاً عند الغضب.. فإن الصديق الذي يغضب ليخرج عن طوره، ويهدم سنوات العلاقة اللصيقة عند أول خلاف؛ لحري بأن لا نتخذه خليلاً.. وقد أكد الأمام الصادق (ع) على مبدأ الاختبار فقال: (لا تسُم صديقك سمةً معروفة، حتى تختبره في ثلاث: فتنظر غضبه يخرجه من الحق إلى الباطل؟.. وعند الدرهم والدينار!.. وحتى تسافر معه).
الكلمة:٥
إن من معايير اختيار الصديق: اختيار الشخص الأرقى والأعلى منا في صفاته وكمالاته.. فقد جاء في الحديث عن الإمام الصادق (ع): (إصحب من تتزين به، ولا تصحب من يتزين بك)!.. وذلك من أجل اكتساب الملكات الحسنة منه، بما ينفع العبد في الدنيا والآخرة.. وقد قال المسيح (ع): (جالسوا من يذكركم الله َ رؤيتـُه، ويزيدكم في علمكم منطقـُه).. وما أجمل قول الإمام علي (ع) في هذا المجال: (صحبة الولي اللبيب؛ حياة الروح).
الكلمة:٦
و من معايير اختيار الصديق : معاشرة سليمي النفوس الذي يعيشون الفطرية في حياتهم ، والابتعاد عن الأشخاص ذوي الكآبة والعقد النفسية و ما شابه .. فالبعض لا يتخذ الصديق إلا متنفسا لذكر همومه وغمومه الشخصية – ولو أدى إلى تجريح الغير وارتكاب بعض المنكرات القولية في هذا المجال- وبذلك يضفي جوا ً قاتما ً على نفسك !.. والحديث يقول : ( إحذر ممن إذا حدثته ملّـك ، وإذا حدثك غمّك).
الكلمة:٧
إن المؤمن لا يصادق الأحمق!.. فهناك بعض الناس من يتصف بالحنان والمودة، ولكن لا عقل له، فهو يريد أن ينفعك فيضرك!.. وقد جاء في الحديث: (إياك وصحبة الأحمق؛ فإنه أقرب ما تكون منه، أقرب ما يكون إلى مساءتك)!.. وقد لخص الإمام علي (ع) معاناة المبتلى بمثل هكذا صديق بقوله (ع): (صحبة الأحمق؛ عذاب الروح).
الكلمة:٨
إن من قواعد التعامل مع الأصدقاء: عدم إذهاب الحشمة والحياء فيما بينهم.. بعض الأصدقاء يرفعون الكلفة تماماً فيما بينهم، فيمازح بعضهم بعضاً بكلمات وأفعال لا تليق بمكانة المؤمن، ومن الواضح أن ذلك مما يذهب بوقار المؤمن واحترامه لأخيه.. وهو أمر منهي عنه في روايات أهل البيت (ع): (لا تـُذهب الحشمة بينك وبين أخيك وأبق منها؛ فإن ذهابها ذهاب الحياء).. كما ورد الحث على تقليل المزاح بشكل عام، ووضع حدود له.. فإن مقدار المزاح من الحديث -كما في بعض النصوص- ينبغي أن يكون بمقدار الملح من الطعام.
الكلمة:٩
إن المؤمن لا يبدي كل أسراره الخاصة للآخرين، بمجرد التعرف عليهم -خصوصاً في هذا الزمن الذي غلب فيه سوء الظن بين الناس- إذ من الممكن أن ينقلب عليك الصديق في يوم ٍ ما، ليكون ما أطلعته عليه وبالا ً عليك.. كما لا يفترض أن تفتح بيتك وعائلتك أمام كل صديق ترتاح إليه، فلطالما رأينا العلاقات العائلية غير المدروسة، قد جرت الأبناء وغيرهم إلى علاقات غير محمودة العواقب، وذلك بعد زيارات أو جلسات مختلطة بين الجنسين، ومن دون رقابة كافية من الأهل.
الكلمة:١٠
إن من قواعد الصداقة: أن لا يكون الإنسان سببا ً لترويج الباطل.. فبعض الأصدقاء المنحرفين يجرون الإنسان جراً إلى مشاركتهم في انحرافهم، وقد لوحظ أن أهل المعاصي: كالزنا، والخمر، و المخدرات؛ يستوحشون من انفرادهم بالمعصية، ويعانون تأنيب الضمير.. فيعوضون ذلك بإشراكك بمعصيتهم!.. فإن مجرد مصادقة هؤلاء، قد يدخلك تحت عنوان (الراضي بفعل قوم؛ كالداخل معهم فيه).. فيؤول الأمر إلى الندم على مثل هذه العلاقة يوم الحساب، حين يقول المرء: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا}.. {الأَخِلاَّء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ}!..
الكلمة:١١
إن المؤمن يختار البطانة الصالحة.. فإن (أقلّ ما يكون في آخر الزمان: أخ يوثق به، أو درهم من حلال).. ينبغي أن يختار من يذكره بالله -عز وجل- رؤيته، ويزيده في العلم منطقه.
الكلمة:١٢
إن من الأمور المهمة التي تعين الإنسان في طريقه إلى الله: البطانة الصالحة المؤثرة في سلوك المؤمن، والتي تقربه من المولى عز وجل.. فإذا هو لم يبحث عن الصالحين ويعاشرهم، فمن الطبيعي أن يتحول الأمر تلقائياً إلى البطانة السيئة.. ومن المعلوم أن (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)!..
الكلمة:١٣
إن المرء على دين خليله، يتأثر بأخلاق من يعاشره سلباً وإيجاباً.. ومن المعلوم أن الذي يرتكب الحرام وحده، يعيش حالة الاستيحاش والغربة.. أما عندما يرى مجموعة من البشر يمارسون ذلك؛ فإنه يعيش حالة الارتياح.. ومن هنا أمرنا بترك التعرب بعد الهجرة؛ إذ أن الإنسان الذي يعيش عالم التعرب بعد الهجرة، يعيش في وسط لا يرى المنكر منكراً.. فإنه في البداية قد يستنكر ما يراه أمامه من فساد ومجون، ولكن بعدها يتسامح مع القوم ويدخل في أباطيلهم، وقد يصل به الأمر أن لا يرى قذارة في المنكر، وذلك من المراحل الخطيرة.
الكلمة:١٤
إن الإنسان مدني بطبعه، فهو لا يعيش في معزل عن المجتمع: هناك تزاور، وهناك علاقات.. ولكن هذه العلاقات غالباً غير قائمة على محبة الله عز وجل، يقول تعالى في كتابه الكريم: {الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ}؛ أي أن كل علاقة مبنية على: المصالح، والمنافع، والشهوات والمطامع؛ تتكسر يوم القيامة.. ولكن لماذا يصبحون أعداء يوم القيامة وقد كانوا أخلاء في الدنيا؟.. لأن كل واحد منهما شغل الآخر، ويوم القيامة كل طرف يدّعي على الطرف الآخر، مثلما يدّعي جميع الناس على إبليس، فيدافع عن نفسه دفاعاً بليغاً، فيقول: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.