قال الصادق (عليه السلام): قال موسى بن عمران: يا ربّ، من أين الداء؟ قال: منّي قال: فالشفاء؟ قال: منّي قال: فما يصنع عبادك بالمعالج؟ قال: يطيّب بأنفسهم فيومئذٍ سمّي المعالج الطبيب.
«يطيب بأنفسهم» في بعض النسخ: بالباء الموحّدة، وفي بعضها: بالياء المثنّاة من تحت. قال الفيروز آبادي: طبّ: تأنّى للأمور وتلطّف. أي إنّما سمّوا بالطبيب، لرفعهم الهمّ عن النفوس المرضىّ بالرفق ولطف التدبير، وليس شفاء الأبدان منهم.
وأمّا على الثاني: فليس المراد أنّ مبدأ اشتقاق الطبيب الطيب والتطييب، فإنّ أحدهما من المضاعف والآخر من المعتلّ.
بل المراد: أنّ تسميتهم بالطبيب، ليست لتداوي الأبدان عن الأمراض، بل لتداوي النفوس عن الهموم والأحزان، فتطيب بذلك قال الفيروز آبادي: الطبّ _ مثلّثة الفاء _ علاج الجسم والنفس. (ص٦٢-٦٣)
قال الكاظم (عليه السلام): ادفعوا معالجة الأطبّاء ما اندفع المداواة عنكم، فإنّه بمنزلة البناء قليله يجرّ إلى كثيره.
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): اثنان عليلان: صحيح محتم، وعليل مخلّط.
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): تجنّب الدواء ما احتمل بدنك الداء، فإذا لم يحتمل الداء فالدواء.
قال الصادق (عليه السلام): إنّ نبيّاً من الأنبياء مرض، فقال: لا أتداوى حتّى يكون الذي أمرضني هو الذي يشفيني فاوحى الله تعالی إليه: لا أشفيك حتّى تتداوى، فإنّ الشفاء منّي.
قال عثمان الأحول ١ : سمعت أبا الحسن (عليه السلام) ٢ : ليس من دواء إلّا وهو يهيّج داء، وليس شيء في البدن أنفع من إمساك اليد، إلّا عمّا يحتاج إليه.
(٢) والظاهر أنّ المراد منه الإمام موسی بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لأنّ أبا عثمان الأحول من أصحاب الصادق (عليه السلام) كما ذكره الطوسي في الرجال وهو یروي عن أصحاب الباقر (عليه السلام) كما في بصائر الدرجات، ج١، ص٥٢٢ ویروی عنه أصحاب الرضا (عليه السلام) كما في الفهرست ورجال النجاشي، فراجع.
قال حمدان بن إسحاق: كان لي ابن وكان تصيبه الحصاة فقيل لي: ليس له علاج إلّا أن تبطّه ١ ، فبططته فمات. فقالت الشيعة: شركت في دم ابنك، فكتبت إلى الهادي (عليه السلام) فوقّع (عليه السلام): يا أحمد، ليس عليك فيما فعلت شيء، إنّما التمست الدواء وكان أجله فيما فعلت.
قال عليّ (عليه السلام): من تطبّب فليتّق الله ولينصح وليجتهد.
قال الصدوق (رحمه الله): اعتقادنا في الأخبار الواردة في الطبّ، أنّها على وجوه:
منها: ما قيل على هواء مكّة والمدينة فلا يجوز استعماله في سائر الأهوية.
ومنها: ما أخبر به العالم على ما عرف من طبع السائل ولم يعتبر بوصفه إذ كان أعرف بطبعه منه.
ومنها: ما دلّسه المخالفون في الكتب، لتقبيح صورة المذهب عند الناس.
ومنها: ما وقع فيه سهو من ناقله.
ومنها: ما حفظ بعضه ونسي بعضه.
وما روي في العسل أنّه شفاء من كلّ داء فهو صحيح، ومعناه أنّه شفاء من كلّ داء بارد، وما روي في الاستنجاء بالماء البارد لصاحب البواسير فإنّ ذلك إذا كان بواسيره من الحرارة، وما روي في الباذنجان من الشفاء فإنّه في وقت إدراك الرطب لمن يأكل الرطب دون غيره من سائر الأوقات. فأدوية العلل الصحيحة عن الأئمّة (عليهم السلام) هي الأدعية وآيات القرآن وسورة على حسب ما وردت به الآثار بالأسانيد القويّة والطرق الصحيحة، فقال الصادق (عليه السلام): كان فيما مضى يسمّى الطبيب «المعالج»، فقال موسى بن عمران: يا ربّ ممّن الداء؟ قال: منّي، قال: فممّن الدواء؟ قال: منّي، قال: فما يصنع الناس بالمعالج فقال: تطيب بذلك نفوسهم. فسمّي الطبيب طبيباً لذلك.
قال المفيد (رحمه الله): الطبّ صحيح والعلم به ثابت وطريقه الوحي وإنّما أخذه العلماء به عن الأنبياء وذلك أنّه لا طريق إلى علم حقيقة الداء إلّا بالسمع ولا سبيل إلى معرفة الدواء إلّا بالتوفيق، فثبت أنّ طريق ذلك هو السمع عن العالم بالخفيّات تعالی والإخبار عن الصادقين (عليه السلام) مفسّرة بقول أمير المؤمنين (عليه السلام) المعدّة بيت الأدواء والحمية رأس الدواء وعود كلّ بدن ما اعتاد.
وقد ينجع في بعض أهل البلاد من الدواء من مرض يعرض لهم ما يهلك من استعمله لذلك المرض من غير أهل تلك البلاد ويصلح لقوم ذوي عادة ما لا يصلح لمن خالفهم في العادة. وكان الصادقون (عليه السلام) يأمرون بعض أصحاب الأمراض باستعمال ما يضرّ بمن كان به المرض فلا يضرّه وذلك لعلمهم (عليهم السلام) بانقطاع سبب المرض فإذا استعمل الإنسان ما يستعمله كان مستعملاً له مع الصحّة من حيث لا يشعر بذلك وكان علمهم بذلك من قبل الله تعالی على سبيل المعجز لهم والبرهان لتخصيصهم به وخرق العادة بمعناه، فظنّ قوم أنّ ذلك الاستعمال إذا حصل مع مادّة المرض نفع فغلطوا فيه واستضرّوا به وهذا قسم لم يورده الصدوق (رحمه الله)و هو معتمد في هذا الباب والوجوه التي ذكرناها من بعد هي على ما ذكره والأحاديث محتملة لما وصفه حسب ما ذكرناه.
ويحتمل بعضها وجهاً آخر وهو أن يكون ذكر بعض الأدوية التي لا مناسبة لها بالمرض على سبيل الافتنان والامتحان ليمتاز المؤمن المخلص القويّ الإيمان من المنتحل أو ضعيف الإيقان فإذا استعمله الأوّل انتفع به لا لخاصيّته وطبعه بل لتوسّله بمن صدر عنه ويقينه وخلوص متابعته كالانتفاع بتربة الحسين (عليه السلام) وبالعوذات والأدعية.
ويؤيّد ذلك أنا ألفينا جماعة من الشيعة المخلصين، كان مدار علمهم ومعالجتهم على الأخبار المرويّة عنهم (عليه السلام) ولم يكونوا يرجعون إلى طبيبٍ، وكانوا أصحّ أبداناً، وأطول أعماراً من الذين يرجعون إلى الأطبّاء والمعالجين. ونظير ذلك أنّ الذين لا يبالون بالساعات النجومية، ولا يرجعون إلى أصحابها، ولا يعتمدون عليها، بل يتوكّلون على ربّهم، ويستعيذون من الساعات المنحوسة، ومن شرّ البلايا والأعادي بالآيات والأدعية، أحسن أحوالاً، وأثرى أموالاً، وأبلغ آمالاً من الذين يرجعون في دقيق الأمور وجليلها إلى اختيار الساعات، وبذلك يستعيذون من الشرور والآفات، كما مرّ في باب النجوم، والتكلان على الحيّ القيّوم. (ص٧٦)
فالأوّل من قوله تعالی في القرآن: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ وذلك أنّ السفر مظنّة النصب وهو من مغيّرات الصحّة فإذا وقع فيه الصيام ازداد فأبيح الفطر إبقاء على الجسد وكذا القول في المرض.
والثاني: وهو الحميّة من قوله تعالی ﴿وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ﴾ وأنّه استنبط منه جواز التيمّم عند خوف استعمال الماء البارد.
والثالث: عن قوله ﴿أَوۡ بِهِ أَذىً﴾ من رأسه ففدية وأنّه أشير بذلك إلى جواز حلق الرأس الذي منع منه المحرم لاستفراغ الأذى الحاصل من البخار المحتقن في الرأس. (ص٧٨-٧٩)