- جواهر البحار
- » كتاب العقود والإيقاعات
- » أحاديث في الإجمال في الطلب
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ليس الغنى في كثرة العرض، وإنّما الغنى غناء النفس.
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): ثلاث خصال من صفة أولياء الله: الثقة بالله في كلّ شيء، والغنى به عن كلّ شيء، والافتقار إليه في كلّ شيء.
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): أ لا أخبركم بأشقى الأشقياء؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة، نعوذ بالله من ذلك.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): الفقر يخرس الفطن عن حجّته، والمقلّ غريب في بلده، ومن فتح على نفسه باباً من المسألة، فتح الله عليه باباً من الفقر.
قال عليّ (عليه السلام): العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغنى.
قال عليّ (عليه السلام): من أبدى إلى الناس ضرّه فقد فضح نفسه، وخير الغنى ترك السؤال، وشرّ الفقر لزوم الخضوع.
قال عليّ (عليه السلام): استغن بالله عمّن شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، وأفضل على من شئت تكن أميره.
روي أنّ الله عزّ وجلّ أوحى إلى عيسى بن مريم: ليحذر الذي يستبطئني في الرزق أن أغضب، فأفتح عليه باباً من الدنيا.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لبعض أصحابه: كيف بك إذا بقيت في قوم يجبون رزق سنتهم لضعف اليقين، فإذا أصبحت فلا تحدّث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدّث نفسك بالصباح، فإنّك لا تدري ما اسمك غداً.
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): ما عال امرؤ اقتصد.
أوحى الله إلى داود (عليه السلام): من انقطع إليّ كفيته.
جاء جبرئيل إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: يا رسول الله، إنّ الله أرسلني إليك بهديّة لم يعطها أحداً قبلك، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فقلت: ما هي؟ قال: الفقر، وأحسن منه، قلت: وما هو؟ قال: القناعة، وأحسن منها، قلت: وما هو؟ قال: الرضا، وأحسن منه، قلت: وما هو؟ قال: الزهد، وأحسن منه، قلت: وما هو؟ قال: الإخلاص، وأحسن منه، قلت: وما هو؟ قال: اليقين، وأحسن منه، قلت: وما هو؟ قال: إنّ مدرجة ذلك كلّه التوكّل على الله.
قلت: يا جبرئيل، وما تفسير التوكّل على الله؟ قال: العلم بأنّ المخلوق لا يضرّ ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع، واستعمال اليأس من المخلوق، فإذا كان العبد كذلك لم يعمل لأحدٍ سوى الله، ولم يزغ قلبه، ولم يخف سوى الله، ولم يطمع إلى أحد سوى الله، فهذا هو التوكّل.
قال: قلت: يا جبرئيل، فما تفسير الصبر؟ قال: يصبر في الضرّاء كما يصبر في السرّاء، وفي الفاقة كما يصبر في الغنى، وفي العناء كما يصبر في العافية، ولا يشكو خالقه عند المخلوق بما يصيبه من البلاء.
قلت: فما تفسير القناعة؟ قال: يقنع بما يصيب من الدنيا، يقنع بالقليل، ويشكر باليسير، قلت: فما تفسير الرضا؟ قال: الراضي الذي لا يسخط على سيده، أصاب من الدنيا أو لم يصب، ولا يرضى من نفسه باليسير.
قلت: يا جبرئيل، فما تفسير الزاهد؟ قال: الزاهد يحبّ من يحبّ خالقه، ويبغض من يبغض خالقه، ويتحرّج من حلالها، ولا يلتفت إلى حرامها، فإنّ حلالها حساب، وحرامها عقاب، ويرحم جميع المسلمين كما يرحم نفسه، ويتحرّج من الكلام فيما لا يعنيه، كما يتحرّج من الحرام، ويتحرّج من كثرة الأكل، كما يتحرّج من الميتة التي قد اشتدّ نتنها، ويتحرّج من حطام الدنيا وزينتها، كما يتجنّب النار أن يغشاها، وأن يقصر أمله، وكان بين عينيه أجله.
قلت: يا جبرئيل، فما تفسير الإخلاص؟ قال: المخلص الذي لا يسأل الناس شيئاً حتّى يجد، وإذا وجد رضي، وإذا بقي عنده شيء أعطاه الله، فإن لم يسأل المخلوق فقد أقرّ لله بالعبودية، وإذا وجد أقرض فهو عن الله راضٍ، والله تبارك وتعالى عنه راضٍ، وإذا أعطاه الله فهو جدير.
قلت: فما تفسير اليقين؟ قال: الموقن الذي يعمل لله كأنّه يراه، وإن لم يكن يرى الله فإنّ الله يراه، وأن يعلم يقيناً أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأنّ ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وهذا كلّه أغصان ومدرجه الزهد.
قال مالك بن عطيّة: قال الصادق (عليه السلام) في قول الله تبارك وتعالى ﴿وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾: هو قول الرجل: «لولا فلان لهلكت، ولولا فلان لما أصبت كذا وكذا، ولولا فلان لضاع عيالي»، أ لا ترى أنّه قد جعل لله شريكاً في ملكه يرزقه ويدفع عنه؟ قلت: فنقول: لولا أنّ الله منّ عليّ بفلان لهلكت، قال (عليه السلام): نعم، لا بأس.
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): احذروا المال، فإنّه كان فيما مضى رجل قد جمع مالاً وولداً، وأقبل على نفسه وجمع لهم فأوعى، فأتاه ملك الموت فقرع بابه وهو في زيّ مسكين، فخرج إليه الحجّاب فقال لهم: ادعوا لي سيّدكم، قالوا: أ ويخرج سيّدنا إلى مثلك؟ ودفعوه حتّى نحّوه عن الباب، ثمّ عاد إليهم في مثل تلك الهيئة، وقال: ادعوا لي سيّدكم، وأخبروه أنّي ملك الموت، فلمّا سمع سيّدهم هذا الكلام قعد فرقاً، وقال لأصحابه: ليّنوا له في المقال، وقولوا له: لعلّك تطلب غير سيّدنا، بارك الله فيك، قال لهم: لا، ودخل عليه، وقال له: قم فأوص ما كنت موصياً، فإنّي قابض روحك قبل أن أخرج.
فصاح أهله وبكوا، فقال: افتحوا الصناديق واكتبوا ما فيها من الذهب والفضّة، ثمّ أقبل على المال يسبّه ويقول له: لعنك الله يا مال، أنت أنسيتني ذكر ربّي، وأغفلتني عن أمر آخرتي حتّى بغتني من أمر الله ما قد بغتني، فأنطق الله المال فقال له: لم تسبّني وأنت ألأم منّي؟ أ لم تكن في أعين الناس حقيراً، فرفعوك لما رأوا عليك من أثري؟ أ لم تحضر أبواب الملوك والسادة، ويحضرهما الصالحون، وتدخل قبلهم ويؤخّرون؟ أ لم تخطب بنات الملوك والسادة، ويخطبهنّ الصالحون، فتنكح ويردّون؟ فلو كنت تنفقني في سبيل الخيرات لم أمتنع عليك، ولو كنت تنفقني في سبيل الله لم أنقص عليك، فلم تسبّني وأنت ألأم منّي؟
إنّما خلقت أنا وأنت من تراب، فأنطلق تراثاً وانطلق بإثمي، هكذا يقول المال لصاحبه.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) _ عند منصرفه من أحد، والناس محدقون به، وقد أسند ظهره إلى طلحة هناك _: أيّها الناس، أقبلوا على ما كلّفتموه من إصلاح آخرتكم، وأعرضوا عمّا ضمن لكم من دنياكم، ولا تستعملوا جوارحاً غذّيت بنعمته في التعرّض لسخطه بمعصيته، واجعلوا شغلكم في التماس مغفرته، واصرفوا همّكم بالتقرّب إلى طاعته، من بدأ بنصيبه من الدنيا فاته نصيبه من الآخرة، ولم يدرك منها ما يريد، ومن بدأ بنصيبه من الآخرة وصل إليه نصيبه من الدنيا، وأدرك من الآخرة ما يريد.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ الله يعطي الدنيا بعمل الآخرة، ولا يعطي الآخرة بعمل الدنيا.
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): ما من مؤمن إلّا وله باب يصعد منه عمله، وباب ينزل منه رزقه، فإن مات بكيا عليه، وذلك قول الله عزّ وجلّ: ﴿فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرينَ﴾.
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا كان يوم القيامة أنبت الله تعالى لطائفة من أمّتي أجنحة، فيطيرون من قبورهم إلى الجنان، يسرحون فيها ويتنعّمون كيف شاؤوا، فتقول لهم الملائكة: هل رأيتم الحساب؟ فيقولون: ما رأينا حساباً، فيقولون: هل جزتم الصراط؟ فيقولون: ما رأينا صراطاً، فيقولون: هل رأيتم جهنّم؟ فيقولون: ما رأينا شيئاً، فتقول الملائكة: من أمّة من أنتم؟ فيقولون: من أمّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيقولون: نشدناكم الله، حدّثونا ما كانت أعمالكم في الدنيا، فيقولون: خصلتان كانتا فينا، فبلغنا الله هذه الدرجة بفضل رحمته، فيقولون: وما هما؟ فيقولون: كنّا إذا خلونا نستحیي أن نعصيه، ونرضى باليسير ممّا قسّم لنا، فتقول الملائكة: حقّ لكم هذا.
قال الصادق (عليه السلام): إذا أحبّ الله عبداً ألهمه الطاعة، وألزمه القناعة، وفقّهه في الدين، وقوّاه باليقين، فاكتفى بالكفاف، واكتسى بالعفاف. وإذا أبغض الله عبداً حبّب إليه المال، وبسط له، وألهمه دنياه، ووكّله إلى هواه، فركب العناد، وبسط الفساد، وظلم العباد.
قال العسكري (عليه السلام): ادفع المسألة ما وجدت التحمّل يمكنك، فإنّ لكلّ يوم رزقاً جديداً، واعلم أنّ الإلحاح في المطالب يسلب البهاء، ويورث التعب والعناء، فاصبر حتّى يفتح الله لك باباً يسهل الدخول فيه، فما أقرب الصنع من الملهوف! والأمن من الهارب المخوف! فربما كانت الغير نوعاً من أدب الله، والحظوظ مراتب، فلا تعجل على ثمرة لم تدرك، وإنّما تنالها في أوانها، واعلم أنّ المدبّر لك أعلم بالوقت الذي يصلح حالك فيه، فثق بخيرته في جميع أمورك يصلح حالك، ولا تعجل بحوائجك قبل وقتها، فيضيق قلبك وصدرك ويغشاك القنوط.
قال العسكري (عليه السلام): المقادير لا تدفع بالمغالبة، والأرزاق المكتوبة لا تنال بالشرة، ولا تدفع بالإمساك عنها.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أيّها الناس، إنّ الرزق مقسوم، لن يعدو امرؤ ما قسّم له، فأجملوا في الطلب، وإنّ العمر محدود لن يتجاوز أحد ما قدّر له، فبادروا قبل نفاذ الأجل، والأعمال محصيّة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قال الله تبارك وتعالى: يا بن آدم، يؤتى كلّ يوم برزقك وأنت تحزن، وينقص كلّ يوم من عمرك وأنت تفرح، وأنت فيما يكفيك وتطلب ما يطغيك، ولا بقليل تقنع، ولا من كثير تشبع.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إيّاكم وفضول المطعم، فإنّه يسمّ القلب بالقسوة، ويبطّئی بالجوارح للطاعة، ويصمّ الهمم عن سماع الموعظة، وإيّاكم وفضول النظر، فإنّه يبذر الهوى، ويولد الغفلة، وإيّاكم واستشعار الطمع، فإنّه يشوب القلب شدّة الحرص، ويختم على القلوب بطابع حبّ الدنيا، وهو مفتاح كلّ سيّئة، ورأس كلّ خطيئة، وسبب إحباط كلّ حسنة.
قال الصادق (عليه السلام): إن كان الله تبارك وتعالى قد تكفّل بالرزق، فاهتمامك لماذا؟ وإن كان الرزق مقسوماً، فالحرص لماذا؟ وإن كان الحساب حقّاً، فالجمع لماذا؟ وإن كان الخلف من الله عزّ وجلّ حقّاً، فالبخل لماذا؟
قال الصادق (عليه السلام): من اهتمّ لرزقه كتب عليه خطيئة، إنّ دانيال كان في زمن ملك جبّار عاتٍ، أخذه فطرحه في جبّ وطرح معه السباع، فلم تدنوا منه ولم تجرحه، فأوحى الله إلى نبيّ من أنبيائه أن ائت دانيال بطعام، قال: يا ربّ، وأين دانيال؟ قال: تخرج من القرية فيستقبلك ضبع، فاتّبعه، فإنّه يدلّك، فأتت به الضبع إلى ذلك الجبّ، فإذا فيه دانيال فأدلى إليه الطعام، فقال دانيال: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، الحمد لله الذي لا يخيّب من دعاه، الحمد لله الذي من توكّل عليه كفاه، الحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره، الحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحساناً وبالصبر نجاة.
ثمّ قال الصادق (عليه السلام): إنّ الله أبى إلّا يجعل أرزاق المتّقين من حيث لا يحتسبون، وأن لا يقبل لأوليائه شهادة في دولة الظالمين.
قال الصادق (عليه السلام): إنّ الله عزّ وجلّ أوسع في أرزاق الحمقى لتعتبر العقلاء، ويعلموا أنّ الدنيا لا تنال بالعقل ولا بالحيلة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من أصبح وأمسى والآخرة أكبر همّه، جعل الله له الغنى في قلبه، وجمع له أمره، ولم يخرج من الدنيا حتّى يستكمل رزقه، ومن أصبح وأمسى والدنيا أكبر همّه، جعل الله الفقر بين عينيه، وشتّت عليه أمره، ولم ينل من الدنيا إلّا ما قسّم له.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): كانت الفقهاء والحكماء إذا كاتب بعضهم بعضاً كتبوا ثلاث ليس معهنّ رابعة: من كانت الآخرة همّه كفاه الله همّه من الدنيا، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح فيما بينه وبين الله أصلح الله فيما بينه وبين الناس.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ لله عزّ وجلّ فضولاً من رزقه، ينحله من يشاء من خلقه.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): كان فيما وعظ لقمان ابنه أنّه قال: يا بنيّ، ليعتبر من قصر يقينه وضعف تعبه في طلب الرزق أنّ الله تعالى خلقه في ثلاثة أحوال من أمره، وأتاه رزقه ولم يكن له في واحدة منها كسب ولا حيلة، إنّ الله سيرزقه في الحال الرابعة.
أمّا أوّل ذلك: فإنّه كان في رحم أمّه، يرزقه هناك في قرار مكين، حيث لا برد يؤذيه ولا حرّ، ثمّ أخرجه من ذلك، وأجرى له من لبن أمّه ما يربّيه من غير حول به ولا قوّة، ثمّ فطم من ذلك، فأجرى له من كسب أبويه برأفة ورحمة من تلويهما، حتّى إذا كبر وعقل واكتسب لنفسه، ضاق به أمره فظنّ الظنون بربّه، وجحد الحقوق في ماله، وقتّر على نفسه وعياله مخافة الفقر.
قال الباقر (عليه السلام): أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رجل من أهل البادية، فقال: يا رسول الله، إنّ لي بنين وبنات، واخوة وأخوات، وبني بنين وبني بنات، وبني اخوة وبني أخوات، والمعيشة علينا خفيفة، فإن رأيت يا رسول الله، أن تدعو الله أن يوسّع علينا، قال (عليه السلام): وبكى فرقّ له المسلمون، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ في كِتابٍ مُبينٍ﴾، من كفل بهذه الأفواه المضمونة على الله رزقها صبّ الله عليه الرزق صبّاً كالماء المنهمر، إن قليلا فقليلاً، وإن كثيراً فكثيراً، ثمّ دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأمّن له المسلمون.
قال الباقر (عليه السلام): فحدّثني من رأى الرجل في زمن عمر، فسأله عن حاله، فقال: من أحسن من خوّله حلالاً وأكثرهم مالاً.
دخل أمير المؤمنين (عليه السلام) سوق البصرة، فنظر إلى الناس يبيعون ويشترون، فبكى بكاء شديداً، ثمّ قال (عليه السلام): يا عبيد الدنيا وعمّال أهلها، إذا كنتم بالنهار تحلفون، وبالليل في فرشكم تنامون، وفي خلال ذلك عن الآخرة تغفلون، فمتى تجهّزون الزاد، وتفكّرون في المعاد؟ فقال له رجل: يا أمير المؤمنين، لابدّ لنا من المعاش، فكيف نصنع؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ طلب المعاش من حلّه لا يشغل عن عمل الآخرة، فإن قلت: لا بدّ لنا من الاحتكار لم تكن معذوراً، فولّى الرجل باكياً، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): أقبل عليّ أزدك بياناً، فعاد الرجل إليه، فقال له: اعلم يا عبد الله، أنّ كلّ عامل في الدنيا للآخرة، لا بدّ أن يوفّى أجر عمله في الآخرة، وكل عامل دنيا للدنيا، عمالته في الآخرة نار جهنّم، ثمّ تلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَن طَغَى ۞ وَءَاثَرَ الحْيَوةَ الدُّنْيَا ۞ فَإِنَّ الجْحِيمَ هِىَ الْمَأْوَى﴾.
قال الصادق (عليه السلام): ليكن طلبك المعيشة فوق كسب المضيّع، دون طلب الحريص، الراضي بالدنيا، المطمئنّ إليها، ولكن أنزل نفسك من ذلك بمنزلة المنصف المتعفّف، ترفع نفسك عن منزلة الواهي الضعيف، وتكتسب ما لا بدّ للمؤمن منه، إنّ الذين أعطوا المال ثمّ لم يشكروا لا مال لهم.
قال الصادق (عليه السلام): كان أمير المؤمنين (عليه السلام) كثيراً ما يقول: اعلموا علماً يقيناً أنّ الله تعالى لم يجعل للعبد _ وإن اشتدّ جهده وعظمت حيلته وكبرت مكايدته _ أن يسبق ما سمّي له في الذكر الحكيم، ولم يحل بين العبد _ في ضعفه وقلّة حيلته _ وبين أن يبلغ ما سمّي له في الذكر الحكيم، أيّها الناس، إنّه لن يزداد امرؤ تغييراً بحذقه، ولن ينقص امرؤ فقير لخرقه، فالعالم بهذا العامل به، أعظم الناس راحة في منفعة، والعالم بهذا التارك له، أعظم الناس شغلاً في مضرّة، وربّ منعم عليه مستدرج بالإحسان إليه، وربّ معذور في الناس مصنوع له، فارفق أيّها الساعي، من سعيك، وأقصر من عجلتك، وانتبه من سنة غفلتك، وتفكّر فيما جاء عن الله عزّ وجلّ على لسان نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، واحتفظوا بهذه الحروف السبعة، فإنّها من أهل الحجى ومن عزائم الله في الذكر الحكيم، أنّه ليس لأحد أن يلقى الله عزّ وجلّ بخلّة من هذه الخلال: الشرك بالله فيما افترض، أو شفاء غيظ بهلاك نفسه، أو آمر يأمر بعمل غيره، واستنجح إلى مخلوقه بإظهار بدعة في دينه، أو سرّه أن يحمده الناس بما لم يفعل، والمتجبّر المختال، وصاحب الأبّهة.
قال الصادق (عليه السلام): إذا كان عند غروب الشمس، وكّل الله بها ملكاً ينادي: أيّها الناس، أقبلوا على ربّكم، فإنّ ما قلّ وكفى خير ممّا كثر وألهى، وملك موكّل بالشمس عند طلوعها: يا بن آدم، لد للموت، وابن للخراب، واجمع للفناء.
قال الصادق (عليه السلام): ما سدّ الله على مؤمن رزقاً يأتيه من وجه، إلّا فتح له من وجه آخر فأتاه، وإن لم يكن له في حسابه.
قال الحسن (عليه السلام) لرجل: يا هذا، لا تجاهد الطلب جهاد العدوّ، ولا تتّكل على القدر اتّكال المستسلم، فإنّ إنشاء الفضل من السنّة، والإجمال في الطلب من العفّة، وليست العفّة بدافعة رزقاً، ولا الحرص بجالب فضلاً، فإنّ الرزق مقسوم، واستعمال الحرص استعمال المأثم.
قال الصادق (عليه السلام): من صحّة يقين المرء المسلم أن لا يرضي الناس بسخط الله، ولا يحمدهم على ما رزق الله، ولا يلومهم على ما لم يؤته الله، فإنّ رزق الله لا يسوقه حرص حريص، ولا يردّه كره كاره، ولو أنّ أحدكم فرّ من رزقه كما يفرّ من الموت، لأدركه رزقه قبل موته كما يدركه الموت.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجّة الوداع: ألا إنّ الروح الأمين نفث في روعي أنّه لا تموت نفس حتّى تستكمل رزقها، فاتّقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنّكم استبطاء شيء من الرزق أن تطلبوه بشيء من معصية الله، فإنّ الله لا ينال ما عنده إلّا بطاعته، قد قسّم الأرزاق بين خلقه، فمن هتك حجاب الستر وعجّل فأخذه من غير حلّه، قصّ من رزقه الحلال وحوسب عليه يوم القيامة.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): كم من متعب نفسه مقتر عليه ومقتصد في الطلب، قد ساعدته المقادير.
قال الصادق (عليه السلام): إنّ الله جعل أرزاق المؤمنين من حيث لا يحتسبون، وذلك أنّ العبد إذا لم يعرف وجه رزقه كثر دعاؤه.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الدنيا دول فما كان لك منها أتاك على ضعفك، وما كان منها عليك لم تدفعه بقوّتك، ومن انقطع رجاؤه ممّا فات استراح بدنه، ومن رضي بما رزقه الله قرّت عينه.
قال عليّ (عليه السلام): لا يصدّق إيمان عبد حتّى يكون بما في يد الله سبحانه، أوثق منه بما في يده.
قال عليّ (عليه السلام): الرزق رزقان: رزق تطلبه ورزق يطلبك، فإن لم تأته أتاك فلا تحمل همّ سنتك على همّ يومك، كفاك كلّ يوم ما فيه، فإن تكن السنة من عمرك فإنّ الله تعالى جدّه سيؤتيك في كلّ غد جديد ما قسّم لك، وإن لم تكن السنة من عمرك فما تصنع بالهمّ لما ليس لك؟ ولن يسبقك إلى رزقك طالب، ولن يغلبك عليه غالب، ولن يبطئ عنك ما قد قدّر لك.
قال عليّ (عليه السلام): إنّ المال والبنين حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الآخرة، وقد يجمعها الله لأقوام.
قال عليّ (عليه السلام): وأكرم نفسك عن كلّ دنيّة، وإن ساقتك إلى الرغائب، فإنّك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضاً، ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرّاً … وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل، فإنّك مدرك قسمك وآخذ سهمك، وإنّ اليسير من الله سبحانه أكرم وأعظم من الكثير من خلقه، وإن كان كلّ منه.