باب مناظرات الرضا (ع) واحتجاجاته على أرباب الملل المختلفة والأديان المتشتة في مجلس المأمون وغيره
اُنتدب للرضا (ع) قومٌ يناظرون في الإمامة عند المأمون فأذن لهم ، فاختاروا يحيى بن الضحّاك السمرقندي ، فقال : سل يا يحيى !.. فقال يحيى : بل سل أنت يا بن رسول الله !.. لتشرّفني بذلك ، فقال (ع) :
يا يحيى !.. ما تقول في رجل ادّعى الصدق لنفسه وكذّب الصادقين ؟.. أيكون صادقا محقا في دينه أم كاذبا ؟.. فلم يحر جواباً ساعة ، فقال المأمون : أجبه يا يحيى !.. فقال : قطعني يا أمير المؤمنين .
فالتفت إلى الرضا (ع) فقال : ما هذه المسألة التي أقرّ يحيى بالانقطاع فيها ؟.. فقال (ع) : إن زعم يحيى أنه صدّق الصادقين فلا إمامة لمن شهد بالعجز على نفسه فقال على منبر الرسول :
” ولّيتكم ولست بخيركم ” والأمير خير من الرعية ، وإن زعم يحيى أنه صدّق الصادقين فلا إمامة لمن أقرّ على نفسه على منبر الرسول الله (ص) :
” إنّ لي شيطانا يعتريني ” والإمام لا يكون فيه شيطانٌ ، وإن زعم يحيى أنه صدّق الصادقين ، فلا إمامة لمن أقرّ عليه صاحبه ، فقال :
” كانت إمامة أبي بكر فلتةً وقى الله شرها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ” فصاح المأمون عليهم فتفرّقوا ، ثم التفت إلى بني هاشم فقال لهم :
ألم أقل لكم أن لا تفاتحوه ولا تجمّعوا عليه ، فإنّ هؤلاء علمهم من علم رسول الله (ص) . ص348
المصدر: المناقب 2/404
قال الرضا (ع) لابن قرّة النصراني : ما تقول في المسيح ؟.. قال : يا سيدي !.. إنه من الله ، فقال : وما تريد بقولك : ” مِن ” و ” مِن ” على أربعة أوجه لا خامس لها ؟.. أتريد بقولك : ” من ” كالبعض من الكل فيكون مبعضا ؟.. أو كالخلّ من الخمر فيكون على سبيل الاستحالة ؟.. أو كالولد من الوالد ، فيكون على سبيل المناكحة ؟.. أو كالصنعة من الصانع ، فيكون على سبيل المخلوق من الخالق ؟.. أو عندك وجه آخر فتعرّفناه ؟.. فانقطع.ص349
المصدر: المناقب 2/405
قال المأمون يوماً للرضا (ع) : أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين (ع) يدلّ عليها القرآن ، فقال له الرضا (ع) :
فضيلة في المباهلة ، قال الله جلّ جلاله :
{ فمن حاجّك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين } .
فدعا رسول الله (ص) الحسن والحسين (ع) فكانا ابنيه ، ودعا فاطمة (ع) فكانت في هذا الموضع نساؤه ، ودعا أمير المؤمنين (ع) فكان نفسه بحكم الله عزّ وجلّ ، فقد ثبت أنه ليس أحدٌ من خلق الله تعالى أجلّ من رسول الله (ص) وأفضل ، فوجب أن لا يكون أحدٌ أفضل من نفس رسول الله (ص) بحكم الله تعالى .. فقال له المأمون :
أليس قد ذكر الله تعالى الأبناء بلفظ الجمع ، وإنما دعا رسول الله ابنيه خاصة ، وذكر النساء بلفظ الجمع ، وإنما دعا رسول الله (ص) ابنته وحدها ؟..
فلم لا جاز أن يذكر الدعاء لمن هو نفسه ، ويكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره ، فلا يكون لأمير المؤمنين (ع) ما ذكرتَ من الفضل ؟.. فقال له الرضا (ع) :
ليس يصح ما ذكرت يا أمير المؤمنين ، وذلك أنّ الداعي إنما يكون داعيا لغيره كما أنّ الآمر آمرٌ لغيره ، ولا يصحّ أن يكون داعياً لنفسه في الحقيقة ، كما لا يكون آمراً لها في الحقيقة ، وإذا لم يدع رسول الله (ص) رجلا في المباهلة إلا أمير المؤمنين (ع)، فقد ثبت أنه نفسه التي عناها الله سبحانه في كتابه ، وجعل حكمه ذلك في تنزيله ، فقال المأمون :
إذا ورد الجواب سقط السؤال . ص351
المصدر: الفصول المختارة 1/16
قال للرضا (ع) الصوفية : إنّ المأمون قد ردّ إليك هذا الأمر وأنت أحقّ الناس به ، إلا أنه تحتاج أن تلبس الصوف وما يحسن لبسه ، فقال (ع) :
ويحكم !.. إنما يُراد من الإمام قسطه وعدله : إذا قال صدق ، وإذا حكم عدل ، وإذا وعد أنجز ، قال الله تعالى :
{ قل مَن حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} ، إنّ يوسف (ع) لبس الديباج المنسوج بالذهب ، وجلس على متكآت آل فرعون . ص351
المصدر: الدرة الباهرة