باب في آداب الزيارة أورده الشيخ عباس القمي في كتاب مفاتيح الجنان وذكر بعض الآداب التي ينبغي للمؤمن رعايتها عند زيارة المعصومين (عليهم السلام) والتي منها الغسل قبل الخروج للسفر ومنها ارتداء الثياب الطاهرة والنظيفة وغيرها فليراجع.
- مفاتيح الجنان
- » الزيارات
- » في آداب الزيارة
وهي عديدة نقتصر منها على اُمور:
الأول: الغسل قبل الخروج لسفر الزيارة.
الثاني: أن يتجنّب في الطريق التكلّم باللغو والخصام والجدال.
الثالث: أن يغتسل لزيارة الأئمة (عليهم السلام) وأن يدعو بالمأثور من دعواته. وستذكر في أول زيارة وارث.
الرابع: الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر.
الخامس: أن يلبس ثياباً طاهرة نظيفة جديدة ويحسن أن تكون بيضاء.
السادس: أن يقصّر خطاه إذا خرج الى الروضة المقدّسة وأن يسير وعليه السكينة والوقار وأن يكون خاضعاً خاشعاً وأن يطأطئ رأسه فلا يلتفت إلى الأعلى ولا إلى جوانبه.
السابع: أن يتطيّب بشيءٍ من الطيب فيما عدا زيارة الحسين (عليه السلام).
الثامن: أن يُشغل لسانه وهو يمضي إلى الحرم المطهر بالتكبير والتسبيح والتهليل والتمجيد ويعطّر فاه بالصلاة على محمد وآله (عليهم السلام).
التاسع: أن يقف على باب الحرم الشريف ويستأذن ويجتهد لتحصيل الرقة والخضوع والانكسار والتفكير في عظمة صاحب ذلك المرقد المنوّر وجلالة قدره، وأنّه يرى مقامه ويسمع كلّامه ويردّ سلامه كما يشهد على ذلك كلّه عندما يقرأ الاستئذان، والتدبّر في لطفهم وحبّهم لشيعتهم وزائريهم والتأمّل في فساد حال نفسه وفي جفائه عليهم برفضه ما لا يحصى من تعاليمهم وفيما صدر عنه نفسه من الأذى لهم أو لخاصتهم وأحبابهم وهو في المآل أذى راجع إليهم (عليهم السلام) فلو التفت إلى نفسه التفات تفكير وتدقيق لتوقفت قدماه عن المسير وخشع قلبه ودمعت عينه وهذا هو لبّ آداب الزيارة كلّها، وينبغي لنا هنا أن نورد أبيا ت السخاوي والحديث الذي رواه العلّامة المجلسي (رحمه الله) في البحار نقلا عن كتاب (عيون المعجزات).
أمّا أبيا ت السخاوي وهي ما ينبغي أن يتمثّل به في تلك الحالة فهي:
قالوا غَداً نَأتي ديارَ الحِمى * * * وَيَنزِلُ الرَّكبُ بِمَغناهُمُ
فكُلُّ مَن كانَ مُطيعاً لَهُم * * * أصبَحَ مَسروراً بِلُقياهُمُ
قُلتُ فَلي ذَنبٌ فَما حيلَتي * * * بِأيّ وَجهٍ أتَـلَـقَّــاهُمُ
قالوا ألَيسَ العَفوُ مِن شَأنِهِم * * * لاسيَّما عَمَّن تَرَجَّاهُمُ
فَجِـئتُـهُم أسعى إلى بابِهِم * * * أرجوهُمُ طَوراً وَأخشاهُــمُ
ها عبدك واقف ذليل * * * بالباب يمد كف سائل
قد عز عليَّ سوء حالي * * * ما يفعل ما فعلت عاقل
يا أكرم من رجاهُ راج * * * عن بابك لا يُرد سائل
وأمّا الرواية الشريفة فهي أنه استأذن إبراهيم الجمّال وكان من الشيعة على علي ابن يقطين وهو وزير هارون الرشيد فحجبه لأنّه جمّال. فحج علي بن يقطين في تلك السنة فاستأذن بالمدينة على موسى بن جعفر (عليه السلام) فحجبه فرآه ثاني يومه خارج الدار فقال علي بن يقطين: يا سيدي ما ذنبي؟ فقال: «حجبتك لأنك حجبت أخاك إبراهيم الجمّال، وقد أبى الله أن يشكر سعيك أو يغفر لك إبراهيم الجمّال».
قال علي: فقلت: يا سيدي ومولاي من لي بإبراهيم الجمّال في هذا الوقت وأنا بالمدينة وهو بالكوفة؟ فقال: «إذا كان الليل فامض إلى البقيع وحدك من غير أن يعلم بك أحد من أصحابك وغلمانك وتجد نجيباً هناك مسرّجاً فاركبه وامض إلى الكوفة». فوافى البقيع وركب النجيب ولم يلبث أن أناخه على باب إبراهيم الجمال بالكوفة (في مدة قصيرة).
فقرع الباب وقال: أنا عليّ بن يقطين. فقال إبراهيم الجمّال من داخل الدّار: وما يعمل عليّ بن يقطين الوزير ببابي؟ فقال عليّ بن يقطين: ما هذا إنّ أمري عظيم وآلى عليه أن يأذن له.
فلمّا دخل قال: يا إبراهيم إنّ المولى (عليه السلام) أبى أن يقبلني أو تغفر لي فقال: يغفر الله لك فآلى علي بن يقطين على إبراهيم الجمّال أن يطأ خدّه فامتنع إبراهيم من ذلك فآلى عليه ثانيا ففعل فلم يزل إبراهيم يطأ خدّه وعلي بن يقطين يقول: اللهم اشهد.
ثمّ انصرف وركب النجيب ورجع إلى المدينة من ليلته وأناخه بباب المولى موسى بن جعفر (عليه السلام) فأذن له ودخل عليه فقبله. من هذا الحديث يعرف مبلغ حقوق الاخوان.
العاشر: تقبّل العتبة العالية المباركة. قال الشيخ الشهيد (رحمه الله): ولو سجد الزائر ونوى بالسجدة الشكر لله تعالى على بلوغه تلك البقعة كان أولى.
الحادي عشر: أن يقدّم للدخول رجله اليمنى ويقدّم للخروج رجله اليسرى كما يصنع عند دخول المساجد والخروج منها.
الثاني عشر: أن يقف على الضريح بحيث يمكنه الالتصاق به وتوهم العبد أنّ البعد أدب وهم فقد نصّ على الاتكاء على الضريح وتقبيله.
الثالث عشر: أن يقف للزيارة مستقبلاً القبر مستدبراً القبلة وهذا الأدب ممّا يخص زيارة المعصوم على الظاهر فإذا فرغ من الزيارة فليضع خدّه الأيمن على الضريح ويدعو الله بتضرّع ثمّ ليضع الخد الأيسر ويدعو الله بحق صاحب القبر أن يجعله من أهل شفاعته ويبالغ بالدعاء والالحاح ثمّ يمضي الى جانب الرأس فيقف مستقبل القبلة فيدعو الله تعالى.
الرابع عشر: أن يزور وهو قائم على قدميه إلاّ إذا كان له عذر من ضعف أو وجع في الظهر أو في الرجل، أو غير ذلك من الاعذار.
الخامس عشر: أن يكبّر إذا شاهد القبر المطهر قبل الشروع في الزيارة. وفي رواية «إن من كبّر أمام الإمام (عليه السلام) وقال: لا إلهَ إلاّ اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، كتب له رضوان الله الأكبر».
السادس عشر: أن يزور بالزيارات المأثورة المروية عن سادات الأنام ويترك الزيارات المخترعة التي لفقّها بعض الأغبياء من عوام الناس إلى بعض الزيارات فأشغل بها الجهال. روى الكليني (رحمه الله) عن عبد الرحيم القصير قال: دخلت على الصادق (عليه السلام) فقلت: جعلت فداك قد اخترعت دعاءً من نفسي. فقال (عليه السلام) : «دعني عن اختراعك، إذا عرضتك حاجة فلذ برسول الله (صلى الله عليه وآله) وصل ركعتين واهدهما إليه» إلخ.
السابع عشر: أن يصلّي صلاة الزيارة وأقلّها ركعتان. قال الشيخ الشهيد: فإن كانت الزيارة للنبي (صلى الله عليه وآله) فليصل الصلاة في الروضة، وإن كانت لأحد الأئمة فعند الرأس ولو صلّاها بمسجد المكان أي مسجد الحرم جاز.
وقال العلّامة المجلسي (رحمه الله): إنّ صلاةالزيارة وغيرها فيما أرى يفضل أن تؤتى خلف القبر أو عند الرأس الشريف.
وقال أيضاً العلّامة بحر العلوم في الدّرة:
وَمِن حَديثِ كَربَلا وَالكَعبَةِ * * * لِكَربَلا بانَ عُلوُّ الرُّتبَةِ
وَغَيرُها مِن سائِرِ المَشاهِدِ * * * أمثالُها بِالنَّقلِ ذي الشَّواهِدِ
وَراعِ فيهِنَّ اقتِرابَ الرَّمسِ * * * وَآثِرِ الصَّلاةَ عِندَ الرَّأسِ
وَصَلِّ خَلفَ القَبرِ فَالصَّحيحُ * * * كَغَيرِهِ في نَدبِها صَريحُ
وَالفَرقُ بَينَ هذِهِ القُبورِ * * * وَغَيرِها كَالنّورِ فَوقَ الطّورِ
فَالسَّعيُ لِلصَّلاةِ عِندَها نُدِب * * * وَقُربُها بَلِ اللّصوقُ قَد طُلِبَ
الثامن عشر: تلاوة سورة يس في الركعة الاُولى وسورة الرحمن في الثانية إن لم تكن صلاة الزيارة التي يصلّيها مأثورة على صفة خاصّة وأن يدعو بعدها بالمأثور أو بما سنح له في اُمور دينه ودنيا ه وليعمّم الدّعاء فإنّه أقرب إلى الإجابة.
التاسع عشر: قال الشهيد (رحمه الله): ومن دخل المشهد والإمام يصلّي بدأ بالصلاة قبل الزيارة.
وكذلك لو كان قد حضر وقتها وإلّا فالبدء بالزيارة أولى لأنّها غاية مقصده ولو اُقيمت الصلاة استحب للزائرين قطع الزيارة والاقبال على الصلاة ويكره تركه وعلى خَدَمة الحرم أمرهم بذلك.
العشرون: عدّ الشهيد (رحمه الله) من آداب الزيارة تلاوة شيء من القرآن عند الضريح وإهداؤه إلى المزور والمنتفع بذلك الزائر وفيه تعظيم للمزور.
الحادي والعشرون: ترك اللغو ومالا ينبغي من الكلّام وترك الاشتغال بالتكلّم في اُمور الدنيا فهو مذموم قبيح في كلّ زمان ومكان وهو مانع للرزق ومجلبة للقساوة لاسيما في هذه البقاع الطاهرة والقباب السامية التي أخبر الله تعالى بجلالها وعظمتها في سورة النور: في بيوتٍ أذِنَ الله أن تُرفَعَ…الآية.
الثاني والعشرون: أن لا يرفع صوته بما يزور به كما نبهت عليه في كتاب (هدية الزائر).
الثالث والعشرون: أن يودّع الإمام (عليه السلام) بالمأثور أو بغيره إذا أراد الخروج من البلد.
الرابع والعشرون: أن يتوب إلى الله ويستغفر من ذنوبه وأن يجعل أعماله وأقواله بعد الزيارة خيراً منها قبلها.
الخامس والعشرون: الإنفاق على سدنة المشهد الشريف وينبغي لهؤلاء أن يكونوا من أهل الخير والصلاح والدين والمروءة وأن يحتملوا ما يصدر من الزوار فلا يصبّوا سخطهم عليهم ولا يحتدموا عليهم، قائمين بحوائج المحتاجين مرشدين للغرباء إذا ضلّوا، وبالإجمال فالخدم ينبغي أن يكونوا خدّاماً حقاً قائمين بما لزم من تنظيف البقعة الشريفة وحراستها والمحافظة على الزائرين وغير ذلك من الخدمات.
السادس والعشرون: الإنفاق على المجاورين لتلك البقعة من الفقراء والمساكين المتعففين والإحسان إليهم لا سيما السادة وأهل العلم المنقطعين الذين يعيشون في غربة وضيق وهم يرفعون لواء التعظيم لشعائر الله وقد اجتمعت فيهم جهات عديدة تكفي إحداها لفرض إعانتهم ورعايتهم.
السابع والعشرون: قال الشهيد: إنّ من جملة الآداب تعجيل الخروج عند قضاء الوطر من الزيارة لتعظيم الحرمة وليشتدّ الشوق. وقال أيضاً: والنساء إذا زرن فليكنّ منفردات عن الرجال والاُولى أن يزرن ليلاً وليكنّ متنكرات أي يبدلن الثيا ب الفاخرة بالدّانية الرّخيصة لكي لا يعرفن وليبرزن متخفيات متسترات. ولو زرن بين الرجال جاز وإن كره.
أقول: من هذه الكلّمة يعرف مبلغ القبح والشناعة فيما دأبت عليه النسوة في زماننا من أن يتبرجن للزيارة فيبرزن بأغلى الثيا ب فيزاحمن الأجانب من الرجال في الحرم الطاهر ويضاغطنهم بأبدانهنّ مقتربات من الأضرحة الطاهرة أو يجلسن في قبلة المصلين من الرجال ليقرأن الزيارة فيلفتن الخواطر ويصدّن القائمين بالعبادة في تلك البقعة الشريفة من المصلين والمتضرعين والباكين عن عبادتهم فيكنّ بذلك من الصادات عن سبيل الله إلى غير ذلك من التبعات وأمثال هذه الزيارات ينبغي حقاً أن تعد من منكرات الشرع لا من العبادات وتحصى من الموبقات لا القربات.
وقد روي عن الصادق (عليه السلام) أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لأهل العراق: «يا أهل العراق نبّئت أنّ نساءكم يوافين الرجال في الطريق أما تستحيون ؟ وقال: لعن الله من لا يغار».
وفي الفقيه: روى الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «يظهر في آخر الزمان واقتراب الساعة وهو شر الازمنة نسوة كاشفات عاريات متبرجات، من الدين خارجات، داخلات في الفتن، مائلات إلى الشهوات، مسرعات إلى اللذات مستحلّاتٍ للمحرّمات في جهنم خالدات».
الثامن والعشرون: ينبغي عند ازدحام الزائرين للسابقين إلى الضريح أن يخففوا زياراتهم وينصرفوا ليفوز غيرهم بالدنوّ من الضريح الطاهر كما كانوا هم من الفائزين.
أقول: لزيارة الحسين (صلوات الله عليه) آداب خاصة سنذكرها في مقام ذكر زيارته (عليه السلام).