خطبة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أو الخطبة الشعبانية في استقبال شهر رمضان المبارك يبين فيها النبي الأكرم عظمة شهر رمضان وأفضل الأعمال في هذا الشهر وقد ذكر الخطبة الشيخ عباس القمي في كتاب مفاتيح الجنان، وهي متوفرة لكم في موقع السراج.
- مفاتيح الجنان
- » أعمال أشهر السنة
- » خطبة النبي (ص)
روى الصدوق وبسند معتبر عن الرّضا (عليه السلام) ، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه وعلى أولاده السّلام، قال: «إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطبنا ذات يوم فقال: أيها النّاس إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دُعيتم فيه إلى ضيافة الله وجُعلتم فيه من أهل كرامة الله.
أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب، فسلوا الله ربّكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فإنّ الشقّي من حُرم غفران الله في هذا الشّهر العظيم، واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم ووقرّوا كباركم وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم واحفظوا ألسنتكم وغضّوا عمّا لا يحلّ النّظر إليه أبصاركم وعمّا لا يحل الاستماع إليه أسماعكم، وتحننّوا على أيتام النّاس يُتحنّن على أيتامكم، وتوبوا إليه من ذنوبكم، وارفعوا إليه أيديكم بالدّعاء في أوقات صلواتكم، فإنّها أفضل السّاعات ينظر الله عزّ وجلّ فيها بالرّحمة الى عباده يجيبهم إذا ناجوه. ويلبّيهم إذا نادوه ويستجيب لهم إذا دعوه.
أيّها الناس: إنّ أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكّوها باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من أوزاركم فخفّفوا عنها بطول سجودكم، واعلموا أنّ الله تعالى ذكره أقسم بعزّته أن لا يعذّب المصلّين والسّاجدين، وأن لا يروّعهم بالنّار يوم يقوم النّاس لرب العالمين.
أيهّا النّاس: من فطّر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشّهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لما مضى من ذنوبه.
قيل: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وليس كلّنا يقدر على ذلك، فقال (صلى الله عليه وآله) : اتقوا النّار ولو بشقّ تمرّة، اتقوا النّار ولو بشربة من ماء، فإنّ الله تعالى يهب ذلك الأجر لمن عمل هذا اليسير إذا لم يقدر على أكثر منه.
يا أيهّا النّاس، من حسّن منكم في هذا الشّهر خُلُقه كان له جواز على الصراط يوم تزلّ فيه الاقدام، ومن خفّف في هذا الشّهر عمّا ملكت يمينه خفّف الله عليه حسابه، ومن كفّ فيه شرّه كفّ الله عنه غضبه يوم يلقاه، ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه، ومن تطوّع فيه بصلاة كتب له براءة من النّار ومن أدّى فيه فرضاً كان له ثواب من أدّى سبعين فريضة فيما سواه من الشهّور، ومن أكثر فيه من الصلاة عليّ ثقّل الله ميزانه يوم تخف الموازين، ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور.
أيها النّاس، إنّ أبواب الجنان في هذا الشّهر مفتّحة فسلوا ربّكم أن لا يغلقها عليكم، وأبواب النيران مغلّقة فسلوا ربّكم أن لا يفتحها عليكم والشياطين مغلولة فسلوا ربّكم أن لا يسلّطها عليكم….الخ.
وروى الصّدوق (رضوان الله عليه) : إن النبي (صلى الله عليه وآله) كان إذا دخل شهر رمضان فكّ كلّ أسير وأعطى كلّ سائل.
أقول: شهر رمضان هو شهر الله ربّ العالمين، وهو أشرف الشّهور شهر يفتح فيه أبواب السماء وأبواب الجنان وأبواب الرّحمة، ويغلق فيه أبواب جهنّم. وفي هذا الشّهر ليلة تكون عبادة الله فيها خيراً من عبادته في ألف شهر.
فانتبه فيه لنفسك وتبصرّ كيف تقضي فيه ليلك ونهارك؟ وكيف تصون جوارحك وأعضاءك عن معاصي ربّك؟ وإياك وأن تكون في ليلتك من النائمين وفي نهارك من الغافلين عن ذكر ربّك ففي الحديث: «إنّ الله عزّ وجلّ يعتق في آخر كلّ يوم من ايام شهر رمضان عند الافطار ألف ألف رقبة من النّار، فإذا كانت ليلة الجمعة ونهارها أعتق الله من النّار في كلّ ساعة ألف ألف رقبة ممّن قد استوجب العذاب، ويعتق في اللّيلة الأخيرة من الشّهر ونهارها بعدد جميع من أعتق في الشّهر كلّه» فإياك يا أيها العزيز أن ينقضي عنك شهر رمضان وقد بقي عليك ذنب من الذّنوب، وإياك أن تعدّ من المذنبين المحرومين من الاستغفار والدّعاء، فعن الصادق (عليه السلام): «إنه من لم يغفر له في شهر رمضان لم يغفر له إلى قابلٍ إلاّ أن يشهد عرفة». وصن نفسك ممّا قد حرّمه الله ومن أن تفطر بمحرّم عليك، واعمل بما أوصى به مولانا الصادق (صلوات الله وسلامه عليه)، فقال: «إذا أصبحت صائماً فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك وجميع جوارحك» أي عن المحرّمات بل المكروهات أيضاً.
وقال (عليه السلام): «لايكن يوم صومك كيوم إفطارك» وقال (عليه السلام): «إنّ الصيام ليس من الطّعام والشراب وحدهما، فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب وغضّوا أبصاركم عمّا حرّم الله، ولاتنازعوا ولاتحاسدوا ولاتغتابوا ولاتماروا ولاتخالفوا (كذباً بل ولاصدقاً)، ولا تسابّوا ولا تشاتموا ولا تظلموا ولا تسافهوا ولا تضاجروا ولا تغفلوا عن ذكر الله وعن الصلاة، والزموا الصمت والسّكوت والصّبر والصّدق ومجانبة أهل الشرّ واجتنبوا قول الزّور والكذب والفري والخصومة وظنّ السّوء والغيبة والنميمة، وكونوا مشرفين على الآخرة منتظرين لايامكم ظهور القائم (عليه السلام) من آل محمّدٍ (صلوات الله عليهم أجمعين) منتظرين لما وعدكم الله متزوّدين للقاء الله، وعليكم السّكينة والوقار والخشوع والخضوع وذلّ العبيد الخِيَّف من مولاها خائفين راجين ولتكن أنت أيهّا الصائم قد طهر قلبك من العيوب وتقدّست سريرتك من الخبث ونظف جسمك من القاذورات وتبرأت إلى الله ممّن عداه، وأخلصت الولاية له وصمتَ مما قد نهاك الله عنه في السرّ والعلانية، وخشيت الله حقّ خشيته في سرّك وعلانيتك، ووهبت نفسك الله في ايام صومك وفرغت قلبك له ونصبت نفسك له فيما أمرك ودعاك إليه. فإذا فعلت ذلك كلّه فأنت صائم لله بحقيقة صومه صانع له ما أمرك، وكلّما نقصت منها شيئاً فيما بيّنت لك فقد نقص من صومك بمقدار ذلك.
وإنّ أبي (عليه السلام) قال: سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) امرأة تسابّ جارية لها وهي صائمة فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بطعام، فقال لها: كلّي، فقالت: أنا صائمة يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك؟ إنّ الصّوم ليس من الطعام والشّراب وإنما جعل الله ذلك حجاباً عن سواهما من الفواحش من الفعل والقول.
ما أقلّ الصّوم وأكثر الجوع. وقال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه): كم من صائم ليس له من صيامه إلاّ الظماء، وكم من قائم ليس له من قيامه إلاّ العناء؟ حبّذا نوم الاكياس وإفطارهم».
وعن جابر بن يزيد، عن الباقر (عليه السلام)؛ قال: «قال النبي (صلى الله عليه وآله) لجابر بن عبد الله: يا جابر، هذا شهر رمضان من صام نهاره وقام ورداً من ليلته وصان بطنه وفرجه وحفظ لسانه لخرج من الذنوب كما يخرج من الشّهر. قال جابر: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ما أحسنه من حديث، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وما أصعبها من شروط».