اليوم الأول من شهر شعبان المعظم وردت في شأنه الكثير من الروايات الشريفة من أهمها الروايات التي تحث على صيامه وهناك بعض الأعمال الخاصة بهذا اليوم ذكرها الشيخ عباس القمي في كتاب مفاتيح الجنان، وهي متوفرة لكم في موقع السراج.
- مفاتيح الجنان
- » أعمال أشهر السنة
- » اليوم الأول من شعبان
ويفضل صيامه فضلاً كثيراً. وقد روي عن الصادق (عليه السلام) : «إنّ من صام أول يوم من شعبان وجبت له الجنة البتّة».
وقد روى السيد ابن طاووس عن النبي (صلى الله عليه وآله) أجراً جزيلاً لمن صام ثلاثة أيام من هذا الشهر يصلّي في لياليها ركعتين يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة وسورة التوحيد إحدى عشرة مرّة.
واعلم أنّه قد ورد في تفسير الإمام (عليه السلام) رواية في فضل شعبان وفضل اليوم الأوّل منه تشتمل على فوائد جمّة، وشيخنا ثقة الاسلام النوري (نور الله مرقده) قد أورد ترجمتها في نهاية كتابه الفارسي (كلّمة طيّبة)، والرواية مبسوطة لا يسعها المقام، وملخصها: أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قد مرّ على قوم من أخلاط المسلمين وهم قعود في بعض المساجد في أول يوم من شعبان وهم يخوضون في أمر القدر وغيره وقد ارتفعت أصواتهم واشتدّ فيه محكمهم وجدالهم، فوقف عليهم وسلّم فردّوا عليه وأوسعوا له وقاموا إليه يسألونه القعود عليهم فلم يحفل بهم، ثمّ قال لهم وناداهم:
«يا معاشر المتكلّمين فيما لا يعنيهم ولا يرد عليهم، ألم تعلموا أنّ لله عباداً قد أسكتهم خشية من غير عيٍّ ولا بكمٍ، ولكنّهم إذا ذكروا عظمة الله انكسرت ألسنتهم وانقطعت أفئدتهم وطاشت عقولهم وحامت حلومهم إعزازاً لله وإعظاماً وإجلالاً، فإذا أفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله بالأعمال الزاكية يعدّون أنفسهم مع الظالمين والخاطئين، وإنّهم براء من المقصّرين ومن المفرّطين، إلاّ أنهم لا يرضون لله بالقليل ولا يستكثرون لله الكثير، فهم يدأبون له في الأعمال، فهم إذا رأيتهم، قائمون للعبادة مروّعون خائفون مشفقون وجلون، فأين أنتم منهم يا معشر المبتدعين ؟ أما علمتم أنّ أعلم الناس بالقدر أسكتهم عنه، وأنّ أجهلهم به أكثرهم كلّاما فيه ؟
يا معشر المبتدعين، هذا يوم غرّة شعبان الكريم، سمّاه ربّنا شعبان لتشعّب الخيرات فيه ؛ قد فتح ربكم فيه أبواب جنانه وعرض عليكم قصورها وخيراتها بأرخص الأثمان وأسهل الاُمور فاشتروها، وعرض لكم إبليس اللعين شعب شروره وبلاياه فأنتم دائباً تتيهون في الغي والطغيان تمسكون بشعب إبليس وتحيدون عن شعب الخير المفتوح لكم أبوابه.
هذه غرّة شعبان وشعب خيراته الصلاة والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبرّ الوالدين والقرابات والجيران وإصلاح ذات البين والصدقة على الفقراء والمساكين، تتكلّفون ما قد وضع عنكم ـ أي أمر القدر ـ وما قد نهيتم عن الخوض فيه من كشف سرائر الله التي من فتش عنها كان من الهالكين. أما إنكم لو وقفتم على ما قد أعدّ ربنا عزّ وجلّ للمطيعين من عباده في هذا اليوم لقصرتم عمّا أنتم فيه وشرعتم فيما أمرتم به».
قالوا: يا أمير المؤمنين، وما الذي أعدّه الله في هذا اليوم للمطيعين له ؟ فروى (عليه السلام) ما كان من أمر الجيش الذي بعثه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الكفار، فوثب الكفار عليه ليلاً، وكانت ليلة ظلماء دامسة والمسلمون نيام، ولم يك فيهم يقظان سوى زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة وقتادة بن نعمان وقيس بن عاصم المنقري وكلّ منهم يقظان في جانب من جوانب العسكر يصلّي الصلاة أو يتلو القرآن، وكاد المسلمون أن يهلكوا لأنّهم في الظلام لا يبصرون أعداءهم ليتّقوهم، وإذا بأضواء تسطع من أفواه هؤلاء النفر الأربعة تضيء معسكر المسلمين فتورثهم القوة والشجاعة، فوضعوا السيوف على الكفار فصاروا بين قتيل أو جريح أو أسير ؛ فلمّا رجعوا قصّوا على النبي (صلى الله عليه وآله) ما كان فقال (صلى الله عليه وآله) : «إنّ هذه الأنوار قد كانت لما عمله إخوانكم هؤلاء من أعمال في غرّة شعبان» ثمّ حدّثهم بتلك الأعمال واحداً فو احداً إلى أن قال: «إنّ إبليس إذا كان أوّل يوم من شعبان يبثّ جنوده في أقطار الأرض وآفاقها يقول لهم: اجتهدوا في اجتذاب بعض عباد الله إليكم في هذا اليوم، وإنّ الله عزّ وجلّ يبثّ ملائكته في أقطار الأرض وآفاقها يقول لهم: سدّدوا عبادي وأرشدوهم وكلّهم يسعد إلاّ من أبى وطغى فإنه يصير في حزب إبليس وجنوده، وإنّ الله عز وجل إذا كان أول يوم من شعبان يا مر باب الجنة فتفتح ويا مر شجرة طوبى فتدني أغصانها من هذه الدنيا ، ثمّ ينادي منادي ربنا عز وجل: يا عباد الله، هذه أغصان شجرة طوبى فتعلّقوا بها لترفعكم إلى الجنة، وهذه أغصان شجرة الزقوم فإياكم وإياها لاتؤديكم إلى الجحيم.
قال: فوالذي بعثني بالحق نبياً إنّ من تعاطى باباً من الخير في هذا اليوم فقد تعلّق بغصن من أغصان شجرة طوبى فهو مؤدّيه إلى الجنة، وإنّ من تعاطى باباً من الشرّ في هذا اليوم فقد تعلّق بغصن من أغصان شجرة الزقّوم فهو مؤدّيه إلى النار.
ثمّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فمن تطوّع لله بصلاة في هذا اليوم فقد تعلق منه بغصن، ومن صام في هذا اليوم تعلّق منه بغصن، ومن أصلح بين المرء وزوجه، والوالد وولده، والقريب وقريبه والجار وجاره، والاجنبي والأجنبي، فقد تعلّق منه بغصن، ومن خفّف عن معسرٍ دَينه أو حطّ عنه فقد تعلّق منه بغصن، ومن نظر في حسابه فرأى ديناً عتيقاً قد آيس منه صاحبه فأدّاه فقد تعلّق منه بغصن، ومن كفل يتيماً فقد تعلّق منه بغصن، ومن كفّ سفيهاً عن عرض مؤمن فقد تعلّق منه بغصن، ومن تلا القرآن أو شيئاً منه فقد تعلّق منه بغصن، ومن قعد يذكر الله ونعماءه ليشكره فقد تعلّق منه بغصن، ومن عاد مريضاً فقد تعلّق منه بغصن، ومن برّ فيه والديه أو أحدهما في هذا اليوم فقد تعلّق منه بغصن، ومن كان أسخطهما قبل هذا اليوم فأرضاهما في هذا اليوم فقد تعلّق منه بغصن، وكذلك من فعل شيئاً من سائر أبواب الخير في هذا اليوم فقد تعلّق منه بغصن.
ثمّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): والذي بعثني بالحق نبياً وإنّ من تعاطى باباً من الشرّ والعصيان في هذا اليوم فقد تعلّق بغصن من أغصان الزقّوم فهو مؤديه الى النار.
ثمّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): والذي بعثني بالحق نبيا، فمن قصّر في الصلاة المفروضة وضيّعها فقد تعلّق بغصن منه، ومن جاءه في هذا اليوم فقير ضعيف يعرف سوء حاله فهو يقدر على تغيير حاله من غير ضرر يلحقه وليس هناك من ينوب عنه ويقوم مقامه فتركه يضيع ويعطب ولم يا خذه بيده فقد تعلّق بغصن منه، ومن اعتذر إليه مسيء فلم يعذره ثمّ لم يقتصر به على قدر عقوبة إساءته بل زاد عليه فقد تعلّق بغصن منه، ومن ضرب بين المرء وزوجه أو الوالد وولده أو الأخ وأخيه أو القريب وقريبه أو بين جارين أو خليطين أو اُختين فقد تعلّق بغصن منه، ومن شدّد على معسر وهو يعلم إعساره فزاد غيظاً وبلاءً فقد تعلّق بغصن منه، ومن كان عليه دَين فأنكره على صاحبه وتعدّى عليه حتى أبطل دَينه فقد تعلّق بغصن منه، ومن جفا يتيماً وآذاه وهزم ماله فقد تعلّق بغصن منه، ومن وقع في عرض أخيه المؤمن وحمل الناس على ذلك فقد تعلّق بغصن منه، ومن تغنّى بغناء يبعث فيه على المعاصي فقد تعلّق بغصن منه، ومن قعد يعدّد قبائح أفعاله في الحروب وأنواع ظلمه لعباد الله فيفتخر بها فقد تعلّق بغصن منه، ومن كان جاره مريضاً فترك عيادته استخفافاً بحقه فقد تعلّق بغصن منه، ومن مات جاره فترك تشييع جنازته تهاوناً فقد تغلق بغصن منه، ومن أعرض عن مصاب جفاءً وازدراءً عليه واستصغاراً له فقد تعلّق بغصن منه، ومن عقّ والديه أو أحدهما فقد تعلّق بغصن منه، ومن كان قبل ذلك عاقّاً لهما فلم يرضهما في هذا اليوم ويقدر على ذلك فقد تعلّق بغصن منه، وكذا من فعل شيئاً من سائر أبواب الشر فقد تعلّق بغصن منه.
والذي بعثني بالحق نبيا، إنّ المتعلّقين بأغصان شجرة طوبى ترفعهم تلك الاغصان إلى الجنة».
ثمّ رفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) طرفه إلى السماء ملياً وجعل يضحك ويستبشر، ثمّ خفض طرفه إلى الأرض فجعل يقطب ويعبس، ثمّ أقبل على أصحابه فقال: «والذي بعث محمداً بالحق نبيا، لقد رأيت شجرة طوبى ترفع أغصانها وترفع المتعلّقين بها إلى الجنة ورأيت منهم من تعلّق منها بغصن، ومنهم من تعلّق بغصنين أو بأغصان على حسب اشتمالهم على الطاعات، وإني لأرى زيد بن حارثة فقد تعلّق بعامّة أغصانها، فهي ترفعه إلى أعلى أعلاها، فبذلك ضحكت واستبشرت.
ثمّ نظرت إلى الأرض، فوالذي بعثني بالحق نبياً، لقد رأيت شجرة الزقّوم تنخفض أغصانها وتخفض المتعلّقين بها إلى الجحيم ورأيت منهم من تعلّق بغصن ومنهم من تعلّق بغصنين أو بأغصان على حسب اشتمالهم على القبائح، وإنّي لأرى بعض المنافقين قد تعلّق بعامّة أغصانها وهي تخفضه إلى أسفل دركاتها، فلذلك عبست وقطبت».