- ThePlus Audio
کیف یغفر الله لنا الذنوب جميعها ويمحو لنا آثارها؟
بسم الله الرحمن الرحيم
هل يُحب الله العاصين؟
من الآيات الغريبة التي وردت في القرآن الكريم والتي تذكر من يحبهم الله قوله تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّـٰبِينَ)[١]. والتواب هو الذي يعود إلى الله عز وجل عندما يعصيه. ويُمكن القول: أن الله يحب العاصين بمعنى من المعاني. إن هذه الآية هي من الآيات التي تجعل العاصي لا يفقد الأمل. وكما قيل: أنين المذنبين أحب إلى الله من تسبيح المسبحين.
هل هناك فرق بين الاستغفار والتوبة؟
إننا اعتدنا على القول: استغفرالله وأتوب إليه، ولكننا قد لا نعلم أن لكل واحد من هذه الألفاظ معنى خاصا به. استغفرالله شيء وأتوب إليه شيء آخر. إنك تقول: أكلت وشربت، والأكل شيء والشرب شيء آخر. أما قولنا: استغفرالله، فهو طلب المغفرة. وهذه الصيغة في اللغة العربية تدل على الطلب. فالاستفهام هو طلب الفهم، والاستعطاء طلب العطاء، والاستغفار طلب المغفرة. فالمؤمن يرتكب ذنباً يسقط به من عين الله عز وجل؛ فيريد من رب العالمين أن يغفر له ذنبه. أما أتوب إلي؛ يعني الرجوع. يُقال: تاب، أي رجع إلى وطنه مثلا.
تصور أن يكون لك ولد مشاكس يخرج من المنزل ويضرب أبناء الجيران، ويُسبب أضرارا للآخرين ويُتلف أموالهم ثم يعود إلى المنزل ويقول لك: اغفر لي، وهو يعترف بأنه مخطئ، ولكنه يعود بعد ذلك إلى ما كان عليه. إنه مستغفر ولكنه ليس تائبا. متى يكون تائباً؟ إذا رجع إلى البيت، وعاد إلى أحضان أبويه، وترك أصدقاء السوء. إننا كهذا الولد المشاكس خارج البيت؛ نعصي ونستغفر، ولا نتوب إلا عندما نترك السيئات تماماً، ونعود إلى الله عز وجل. فيُقال: إن الذي تاب إلى الله عز وجل لا يُذنب لكي يستغفر. ومن موانع المعصية أن تستيقن أنك بين يدي الله عز وجل.
هل تتعرى في مقابل المال؟
تصور أن تعطي لإنسان وجيه الملايين مثلا في مقابل أن يتعرى أو يخفف من ثيابه أمام الناس. هل تظن أنه يفعل ذلك؟ إن هذا لا يعقل، ولو فعل لكانت فضيحة كبرى، حتى لو كان يرتدي أدنى ساتر. هل تعلم أن الإنسان عندما يعصي؛ يُصبح عارياً أمام الله عز وجل؟ والدليل على ذلك ما ورد في قصة أبينا آدم (ع). يقول سبحانه: (فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِ)[٢]. إن الإنسان عندما يعصي ربه ينزع عنه لباس التقوى الذي قال عنه سبحانه: (وَلِبَاسُ ٱلتَّقۡوَىٰ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ)[٣]. أنت لا تستطيع أن تخرج بالثياب الداخلية مثلا أمام الناس؛ فكيف تتعرى أمام الله من لباس التقوى؟
رائحة الذنوب التي لا نشعر بها
هذا والذي يعصي الله عز وجل تخرج منه رائحة كريهة لا يحس بها هو. ولذا روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (تَعَطَّرُوا بِالاِسْتِغْفَارِ لاَ تَفْضَحْكُمْ رَوَائِحُ اَلذُّنُوبِ)[٤]. فلو كشف لكم الغطاء ورأيت إنسان عاريا ذات رائحة كريهة؛ هل تستطيع أن تدنو منه؟ وهل يبقى من اعتباره شيء؟ فالمؤمن يصل إلى درجة لا يُمكن أن تصدر منه المعصية، وهذه الحالة تُسمى العدالة العالية أو العصمة النازلة. يصل إلى درجة يستحي من الله عز وجل وهذا هو معنى التوبة.
كيف نستغفر وكيف نتوب؟
أولا: إنني أوصي المؤمنين في النصف الأول من شهر رمضان؛ أن يأخذوا من الله عز وجل بطاقة المغفرة. لا تدخل ليالي القدر إلا وأنت قد صفيت الحساب مع الله ومع الخلق. أما في النصف الثاني من شهر رمضان وفي ليالي القدر اشتر بطاقة الرضوان. ألا يكفيك أسبوعان من الصيام ومن القيام للاستغفار؟ وعلامة المغفرة راحة القلب. ألا نقرأ في الدعاء: (أَذِقْنِي بَرْدَ عَفْوِكَ وَحَلاَوَةَ مَغْفِرَتِكَ)[٥]. فعندما يستغفر المؤمن؛ يرفع الله عنه الخطايا؛ فيعيش حالة من البرد الباطني، ويرى نوراً في قلبه. والعلامات الأكبر قوله تعالى: (وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَ)[٦]. أن ترى الحرام في قلبك قبيحاً ممجوجاً. فإذا ما فكرت في الغيبة أو في الاستماع إليها تشمئز من ذلك، ولا تُطيق النظر إلى الحرام من دون أن تعاني في غض البصر. فإذا وصلت إلى هذه الدرجة؛ فأنت مستغفر تائب.
محطات الاستغفار
هناك محطتان للاستغفار. لو أن إنساناً يستحم مرتين في اليوم هل تبقى فيه رائحة العرق؟ اجعل لنفسك استحماماً روحياً ثابتاً في اليوم مرتين بعد صلاة العصر سبعين مرة، وفي جوف الليل استغفار صلاة الليل سبعين مرة. إذا اقترن الذكر بزمان معين؛ فلن ننسى ذلك الذكر. نحن نرى في بعض المساجد يلتزمون بدعاء: (اللهم كن لوليك) بعد كل أذان وإن لم يكن قد ورد في ذلك رواية إلا أنه عمل جيد. وبصورة عامة إذا اقترن الذكر بمحطة معينة كان أبعد من النسيان. كمن يربط دعاء الفرج بالأذان أو بالمطر أو بدخول المشاهد أو قبل الإفطار مثلا.
ثم لا تؤخر الاستغفار بعد المعصية. الآن قد وقعت الواقعة وقلت حراماً أو سمعت حراماً أو نظرت إلى حرامٍ، لا تقل: سأستغفر ربي عندما أزور الحسين (ع)؛ بل استغفر مباشرة بعد المعصية. ونفهم من بعض العبارات؛ أن الملك لا يكتب المعصية عليك إلى عدة ساعات لكي تستغفر؛ فإن لم تستغفر أثبت تلك المعصية في ديوان عملك. ولو قلت: ألف مرة استغفرالله وأنت ساه؛ لا يضاهي ذلك قولك: إلهي العفو مرة واحدة بندامة: (إِنْ كَانَ اَلنَّدَمُ عَلَى اَلذَّنْبِ تَوْبَةٌ فَإِنِّي وَعِزَّتِكَ مِنَ اَلنَّادِمِينَ)[٧]. فهذا هو الاستغفار الحقيقي.
دور الصلاة على النبي وآله في محو السيئات
ومن موجبات الاستغفار أن تكثر وترفع صوتك بالصلاة على محمد وآل محمد (ص). قد يقول قائل: أين الاستغفار من الصلاة على النبي وآله؟ إنك عندما تقول: اللهم صلي على النبي وآله؛ تعني بذلك: يا رب، التفت إلى النبي (ص)، ولو قال النبي (ص): يا رب، التفت إلى هذا العبد من أمتي، وطلب لك المغفرة؛ هل يبقى عليك ذنب؟ يقول سبحانه: (وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابٗا رَّحِيمٗا)[٨]. إنه إن لم يستغفر لك في زمان حياته؛ فهو يستغفر لك إن أكثرت الصلاة عليه، ومما يوجب ثقل الميزان يوم القيامة؛ الصلاة على محمد وآل محمد.
البكاء على الحسين (عليه السلام) وحط الذنوب
أما الموجب الثاني للاستغفار ما وري عن الإمام الرضا (ع) أنه قال: (فَعَلَى مِثْلِ اَلْحُسَيْنِ فَلْيَبْكِ اَلْبَاكُونَ فَإِنَّ اَلْبُكَاءَ عَلَيْهِ يَحُطُّ اَلذُّنُوبَ اَلْعِظَامَ)[٩]. لم يقل: الصغائر، وإنما قال العظام، ولم يقل: يغفر، وإنما قال: يحط؛ أي لا يبقي لها أثر.
خلاصة المحاضرة
- من الآيات الغريبة التي وردت في القرآن الكريم قوله تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّـٰبِينَ). والتواب هو الذي يعود إلى الله عز وجل عندما يعصيه. ويُمكن القول: أن الله يحب العاصين بمعنى من المعاني. إن هذه الآية هي من الآيات التي تجعل العاصي لا يفقد الأمل.