- ThePlus Audio
کیف ينقدح الحب المهدوي في قلب المنتظر؟
بسم الله الرحمن الرحيم
العلاقة الثلاثية للمؤمن
لابد أن تكون للمؤمن علاقة بربه أولا، تتجلى في الصلاة، وعلاقة بأهل البيت (ع) عموما وبالحسين (ع) خاصة ثانيا، والتي تتجلى في تفاعله في أيام ولاداتهم وحزنهم خصوصا شهري محرم وصفر، وعلاقة عميقة بولي أمره الحجة (عج) ثالثا.
كيف هي علاقتك بالصلاة؟
أما العلاقة بالصلاة؛ فلأنها معراج المؤمن والذكر الذي قال عنه سبحانه: (وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِيٓ)[١]، وكذلك قال عز وجل في وصف صلاة الجمعة: (فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ)[٢]. ويُمكن القول استنادا إلى هذه الآيات؛ أن حقيقة الصلاة الذكر، ولولا الذكر لم تكن صلاة توجب المعراج وتنهى عن الفحشاء والمنكر. فما قيمة الذكر اللساني إذا لم يكن القلب ذاكرا؟ لو أن أحدهم طلب منك الماء مازحا، لما رتبت الأثر على طلبه ولو طلب منك النائم الصائم ماء لما سقيته لأنك تعلم أنه لا يعي ما يقول، وأن اللفظ لم يصدر عن معنى في القلب.
كيف أعلم أن صلاتي قُبلت؟
ولذلك روي عن الإمام علي (ع) أنه قال: (إِنَّمَا لِلْعَبْدِ مِنْ صَلاَتِهِ مَا أَقْبَلَ عَلَيْهِ مِنْهَا بِقَلْبِهِ)[٣]. فقد يُحاسب المرء يوم القيامة على صلواته التي صلاها ستين سنة، فلا يُقبل منها حتى ركعة واحدة، وليس له حق لاعتراض لأنه لم يوصل الصلاة إلى مكانها الذي كان من المفترض أن تصل إليه. لو أن أحدهم أرسل الهدايا عمرا لرجل من خلال واسطة ولم تكن الواسطة أمينة، فلا يستطيع أن يقول لصاحبه: لقد أرسلت إليك الهدايا الكثيرة، فسوف يقول له: لم يصلني من هداياك شيء. ولذلك ترى المؤمن خائفا وجلا بعد كل صلاة لا يُدري هل قُبلت أم رُدت؛ فلهذا يُعقب بعد كل فريضة قائلا: (إِلَهِي إِنْ كَانَ فِيهَا خَلَلٌ أَوْ نَقْصٌ مِنْ رُكُوعِهَا أَوْ سُجُودِهَا فَلاَ تُؤَاخِذْنِي وَ تَفَضَّلْ عَلَيَّ بِالْقَبُولِ وَ اَلْغُفْرَانِ)[٤]، لا أن يعتقد بأنها ترفعه إلى الدرجات العالية، وأنه حائز ثواب إقامتها.
كيف تفاعلك مع مصائب أهل البيت (عليهم السلام)؟
وللمؤمن وقفة شعورية في مصائب أهل البيت (ع) خاصة مصيبة الحسين (ع). لقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (إِنَّ لِقَتْلِ اَلْحُسَيْنِ حَرَارَةً فِي قُلُوبِ اَلْمُؤْمِنِينَ لاَ تَبْرُدُ أَبَداً)[٥]. فالمؤمن الذي يُشارك في مجالس الحسين (ع) لا في مجلس ومجلسين ولا في موسم وموسمين ثم لا تدمع له عين ولا يتفاعل عند ذكر مصيبة الحسين (ع) فلابد وأن يشك في إيمانه وفي شفافية قلبه.
كيف هي علاقتك بإمام زمانك (عجل الله فرجه)؟
لابد وأن تفحص قلبك دائما لترى هل تجد فيه تعلقا بولي أمرك؟ إننا نلاحظ في الدول التي يحكمها حاكم عادل؛ يتعلق قلب الشعب بذلك الحالم ويشعر الشعب في قلبهم بمحبة ذلك الحاكم العادل الذي يتنعمون في ظل حكمه وإن لم يكن قد التقى بذلك الحاكم أو رآه من قريب أو بعيد. إن الاعتقاد بنزاهته وبضرورة استمرار حكمه، يكفيه لكي يُحبه ويدعو لبقائه. إننا لم نرى إمام زماننا (عج) وقد لا نراه في حياتنا أبدا إذا لا نكون ممن يُدرك دولته الكريمة، إلا أننا نعتقد أنه أعدل حاكم؛ بل هو حجة الله في أرضه ومن بيمنه رزق الورى وبوجوده ثبتت الأرض والسماء، والذي لولاه لساخت الأرض بأهلها كما نص على ذلك الروايات الشريفة. وقد روي عن الإمام زين العابدين (ع) أنه قال عن تقسيم الرزق عند طلوع الشمس: (إِنَّ اَللَّهَ يُقَسِّمُ فِي ذَلِكَ اَلْوَقْتِ أَرْزَاقَ اَلْعِبَادِ وَ عَلَى أَيْدِينَا يُجْرِيهَا)[٦]، وقد رُوينا أن أمير المؤمنين هو قسيم الجنة والنار؛ فكيف لا يكون ممن تجري على يديه الرزق في هذه الدنيا هو وأمثاله من المعصومين (ع)؟
ما هي الأمور التي تزيد علاقتنا بإمام زماننا (عجل الله فرجه) عمقا؟
أولا: الاعتقاد النظري بضرورة وجوده، وبيمن وجوده. إننا نُشبه وجود الإمام المنتظر (عج) بالقائد العسكري الفذ الذي يُدير المعركة بحذاقة وجدارة وحماس منقطع النظير وإن كان الجنود لا يرونه. فمجرد اعتقادهم بوجود هذا القائد يجعل قلوبهم كزبر الحديد ويدفعهم بعزيمة نحول قتال عدوهم. ولهذا مارس المشركون حربا نفسية على المسلمين عندما أشاعوا قتل النبي (ص) في معركة أحد ولم يستطيعوا التثبت إلا بعد أن مني المسلمون بهزيمة جراء ذلك. فنحن نعتقد بوجود إمام تنالنا يد رعايته وتُعرض عليه أعمالنا لقوله تعالى: (وَقُلِ ٱعۡمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ)[٧]. من هؤلاء المؤمنون الذين عُطفوا على الله والرسول؟ هل هم عامة المؤمنين أم هم أئمة المساجد أم الذين قال الله عنهم: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡ)[٨]، أولي الأمر هم في سياق الله ورسوله؛ فهم ليسوا حكام الدين وإنما أوصياء النبي (ص).
لا تيأس لكثرة ما ترى في العالم من الجور
ولا ينبغي أن ييأس المؤمن لكثرة ما يجري على الشيعة من محن وبلاء. كم جرت من المصائب على شيعة أهل البيت (ع) منذ أن حكم أمير المؤمنين (ع) هذه الحكومة الظاهرية المؤقتة بما فيها من الحروب وحتى زمن الإمام العسكري (ع)؟ ومن بعد ذلك الغيبة الصغرى والكبرى والمؤامرات التي حيكت من قبل دول الجور على شيعة أهل البيت (ع). فكم قطعوا أيدي وأرجل الزائرين وكم حرثوا أرض كربلاء؟ وكم هي المدة التي كان فيها قبر علي (ع) مستورا خوفا من أعدائه أن ينبشوه؟ وكم عانى أئمتنا (ع) من ظلم ونفي وسجن وقتل وتشريد؟ ليس إمام إلا هو مقتول بالسم أو بالسيف ومع ذلك ازداد أمل الشيعة يوما بعد يوم بالدولة المهدوية وليس ذلك إلا بركة من بركات وجوده الشريف.
ملجأ الشيعة في زمن الغيبة
وحتى البعض من المسلمين ممن ينكرون ولادته؛ يعتقدون بقيامه في آخر الزمان، وهؤلاء لا يعيشون مشاعر الموالين وينتابهم الضعف والوهن، لأنهم يعتقدون أن ليس لهم اليوم ناصر على وجه الأرض؛ لا نبي مرسل ولا وصي نبي، فهم يخبطون خبط عشواء بخلاف شيعة أهل البيت (ع) الذين يستشعرون بركة وجوده منذ الغيبة الصغرى وإلى يومنا هذا حيث أمرنا بالرجوع إلى الفقهاء الذين هم أقرب الناس فكرا وعملا إلى إمام زمانهم (عج) والذين كانوا ولا زالوا مرجع الشيعة في الأحكام وفي المعضلات وفي فتاوى الجهاد التي صانوا بها العباد والبلاد. واعتقادنا بوجوده من موجبات الثبات في الأزمات الكبرى.
كيف ينقدح الحب المهدي في قلب المنتظر؟
ثم علينا أن نقوم بما يجلب لنا محبته. يُقال: إن التخشع يوجب الخشوع، والتباكي يوجب البكاء؛ فإذا ذهبت إلى مجلس حسيني ولم تستطع البكاء، تباكى أي تظاهر بالبكاء فلعل الرقة تأتيك والدمعة تحالفك. ونقول في الحب أيضا: تصنع الحب وتكلفه، عسى أن تجد بعد فترة في قلبك الحب الذي تنشده. قد يتزوج الرجل امرأة لا يميل إليها ولكنه بالتودد فترة من الزمن ينقدح الحب بينهما. إذا زالت الموانع أمام الحب، يظهر الحب في القلوب. إن في القلب حب الله ورسوله وهو حب فطري يمنع من ظهوره الكثير من الموانع من حب النساء والأموال والبنين وما شابه ذلك من أمور الدنيا. ويظهر هذا الحب الإلهي بالتكلف والمجاهدة، وليس الحب المهدوي إلا فرع من الحب النبوي العلوي الفاطمي.
خلاصة المحاضرة
- لابد أن تكون للمؤمن علاقة بربه أولا، تتجلى في الصلاة، وعلاقة بأهل البيت (ع) عموما وبالحسين (ع) خاصة ثانيا، والتي تتجلى في تفاعله في أيام ولاداتهم وحزنهم خصوصا شهري محرم وصفر، وعلاقة عميقة بولي أمره الحجة (عج) ثالثا. فإن فقد أي ركن من هذه الأركان الثلاثة دليل على ضعف الإيمان.
- إننا نُشبه وجود الإمام المنتظر (عج) بالقائد العسكري الفذ الذي يُدير المعركة بحذاقة وجدارة وحماس منقطع النظير وإن كان الجنود لا يرونه. فمجرد اعتقادهم بوجود هذا القائد يجعل قلوبهم كزبر الحديد ويدفعهم بعزيمة نحول قتال عدوهم.