- ThePlus Audio
کیف نعالج الانتكاسة في طريق القرب إلى الله عز وجل؟
بسم الله الرحمن الرحيم
انتكست بعد القرب من الله…!
عُرض علي السؤال التالي: انا امرأة عرفت الكثير من الحق وبدأت السير إلى الله تعالى وقد ظهرت لي الكثير من الحقائق بعد التوبة في القرب إلى الله عز وجل. ولكنني أشعر أنني بدأت بالتراجع شيئا فشيئاً وهناك الكثير من الأعمال صارت تفوتني حتى صلاة الصبح وقراءة القرآن. أرجو منكم أن تعينوني حتى لا يتطور الأمر أكثر، فأصبح ممن انسلخ عن آيات الله عز وجل.
إنها حالة باطنية راقية
إن هذه الأسئلة تكشف عن حالة باطنية راقية وسأذكر سبب ذلك. قد يشتكي الناس مؤمنهم وكافرهم ضيق الأرزاق والإصابة بالأمراض وهو أمر طبيعي؛ ولكن البعض من الناس – كصاحبة السؤال – تشتكي من الإدبار والابتعاد عن رب العالمين وسلب بعض التوفيقات كعدم التوفيق لصلاة الفجر وقراءة القرآن الكريم. وشتان بين من يشكو أمرا من أمور الدنيا وبين من يشكو بعده عن الله عز وجل. نعم، إنها حالة مرضية ولكن ممدوح من يلتفت إلى مرضه وهو يختلف تماما عن المريض الذي يُهمل العلاج والبحث عن الطبيب الذي يمكن أن يعالج مرضه.
التوقف يعني السقوط لا محالة
أولا: إنني أعتقد – واعتقادي هذا يُمكن مناقشته – أن الذي يقبل في حركة تكاملية إلى الله عز وجل ثم يتوقف – لا أن يتراجع – فإن توقفه هذا يعرضه إلى السقوط في كثير من الأحوال. وبإمكاننا تشبيه ذلك بحركة الأقمار الصناعية، إذ يُقال: إن الذي يحفظ القمر الصناعي من السقوط، الحركة المستمرة، فإذا توقف القمر سقط إلى الأرض بفعل جاذبية الأرض. فإذن ما كان الإنسان في حركة دائبة إلى الله عز وجل، يكون في مأمن من كيد الشياطين، وإلا ستخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق. ينبغي على الذي عزم على الخروج من عالم الملك إلى عالم الملكوت أن يكون مجداً في سيره ولا يتوقف.
ابحث عن أسباب الانتكاسة
ثانيا: إذا أصيب المؤمن بانتكاسة في الطريق، فلابد أن يسارع إلى البحث عن الأسباب بتأمله وتدبره أو بالاستلهام من رب العالمين. وإنني أوصي دائما باغتنام أدبار الصلوات المفروضة. فعندما يصلي المؤمن مفروضة فقد امتثل بذلك أمرا إلهيا، خاصة إذا أقامها في جماعة في المسجد. بإمكانك أن تخاطب ربك بعد هذه الصلوات قائلا: يا رب، إنني أشعر اليوم بقسوة في قلبي وقد سُلبت توفيق القيام لصلاة الفجر، فلماذا أدبتني بهذه العقوبة؟ إننا نستشف مما ورد في دعاء أبي حمزة: (إِلَهِي لاَ تُؤَدِّبْنِي بِعُقُوبَتِكَ وَ لاَ تَمْكُرْ بِي فِي حِيلَتِكَ)[١]. ومن البلاء ما يرفع الدرجات ومنه ما يكون عقوبة للعبد. وما أثقله من بلاء، ذاك الذي لا يكون سببا لقرب الإنسان من الله عز وجل. أن يُبتلى الإنسان في الدنيا بمرض أو عاهة أو آفة ثم لا يكون ذلك الابتلاء وسيلة للتقرب؛ بل أداة للعقاب.
كيف نتوقى الانتكاسة؟
الخطوة الأولى؛ أن يجلس أحدنا بين يدي الله عز وجل ويستفهم ربه، فقد قال عز من قائل: (وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ)[٢]. خاطبه سبحانه قائلا: يا رب، لماذا أوقعتني؟ وليس بالضرورة أن يأتيك ملك على صورة جبرئيل مثلا ويجيبك ولكن قد تُقذف الإجابة في قلبك قذفا.
وقد ذكرت السائلة أنها سُلبت توفيق الاستيقاظ لصلاة الصبح. أما الذي لا يصلي فهو في حكم الكافر ولا نوجه له الخطاب، وأما الذي يصلي سائر الصلوات ولا يصلي الصبح، فهو عاص ومشكلته كبيرة. ولكنني أخاطب الذين تفوتهم هذه الفريضة بسبب غلبة النوم الذي وُصف في الروايات أنه السلطان الأكبر، فأقول: إن الذي لا يصلي الصبح أسابيع متتالية، فقد يكون ممن طُرد من باب الله عز وجل، كما ورد في دعاء أبي حمزة: (لَعَلَّكَ لَمْ تُحِبَّ أَنْ تَسْمَعَ دُعَائِي فَبَاعَدْتَنِي)[٣]. إنني أسمي هذه الفريضة؛ الفريضة الضائعة أو المظلومة. إن لهذه الفريضة دور كبير في تزكية النفس وهي بالإضافة إلى سائر الصلوات، تشبه المضادات الحيوية. فإذا تناول أحدنا المضادات، فلابد أن يتناولها بانتظام وإلا لم تكن فاعلة.
والحل يكمن في الالتزام بهذه الفريضة وذلك من خلال النوم المبكر وعدم الإكثار من الطعام على العشاء وقراءة الأدعية المأثورة كالآية الأخيرة من سورة الكهف.
كيف نقضي ما فاتنا من صلاة الفجر؟
وإذا فاتتك الصلاة وأردت القضاء؛ فعليك بالقضاء المبكر. عندما تستيقظ من النوم في الساعة السابعة أو الثامنة، لابد وأن تشعر بشيء من الخجل من الله عز وجل وينبغي الاستغفار احتياطاً وإن كان الأمر لم يدخل في دائرة الحرام، والمبادرة إلى القضاء فورا من باب المسارعة إلى الخيرات وأن يكون ذلك بإقبال وتوجه حتى يعوضك الله عن الصلاة الفائتة. نعم، ليس من الواجب قضائها فورا، ولكنه عندما يستيقظ بعد أن نام ساعة قبل الفجر وهو يشعر بثقل النوم ويبادر وهو في تلك الحالة إلى قضاء الصلاة، فكأن هذه الحركة توجب له تعويض ما فاته. بعبارة أخرى: إن القوة التي تعطيه صلاة الفجر للمستيقظ أداءً، فمن الممكن أن تعطيه صلاة الفجر قضاء للنادم الذي يبادر إلى الصلاة حال استيقاظه من النوم. بل قد تكون الشحنة أكبر لأنه يشعر في القضاء بالخجل والوجل والندامة الشديدة مما يجعله يخشع في صلاته ولعل هذا القضاء بهذا النحو – والله العالم – خير من الأداء بغير هذه الحالة.
ينبغي الحذر من تراكم المحرمات
وينبغي الحذر من تراكم المحرمات التي قد تسلب الإنسان إماكنية المبادرة إلى الإصلاح. فقد قال عز وجل: (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىٰ أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَ كَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ)[٤]. فلعل ارتكاب كبيرة واحدة أو الإصرار على كبائر كثيرة، ينتهي بالإنسان إلى التكذيب بآيات الله عز وجل وهذه مرحلة متقدمة جداً في الخذلان…!
خلاصة المحاضرة
- شتان بين من يشكو أمرا من أمور الدنيا وبين من يشكو بعده عن الله عز وجل. نعم، إن البعد عن الله عز وجل حالة مرضية ولكن ممدوح من يلتفت إلى مرضه وهو يختلف تماما عن المريض الذي يُهمل العلاج والبحث عن الطبيب الذي يمكن أن يعالج مرضه.
- عندما تستيقظ من النوم وقد فاتتك فريضة الفجر؛ فلابد أن تشعر بشيء من الخجل من الله عز وجل وينبغي الاستغفار احتياطاً وإن كان الأمر لم يدخل في دائرة الحرام، والمبادرة إلى القضاء فورا من باب المسارعة إلى الخيرات وأن يكون ذلك بإقبال وتوجه حتى يعوضك الله عن الصلاة الفائتة.