- ThePlus Audio
کیف نستثمر وقفة القنوت فی الصلاة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
أهمية أوقات الصلاة
إن الذي يُقيم الصلاة ويؤديها بشروطها؛ فإن هذه الصلاة تؤثر على مجمل نشاطه في اليوم والليلة. لو استيقظ المؤمن لصلاة الليل ثم أتبعها بصلاة الفجر، ومن صم بقي يقظا بين الطلوعين، واستجار بالله عز وجل من شر الشياطين، وسأله الرزق الواسع في تلك الساعة التي هي أبلغ في الرزق من الضرب في الأرض، يكون الإنسان متنورا إلى الزوال. إنك تدفع السيارة فتمشي إلى مسافة بقوة الدفعة هذه؛ فهب أنك إنسان ليست فيك قابلية الحركة؛ ولكن الصلاة تدفعك مقداراً إلى الزوال، وعند الزوال تفتح أبواب السماء.
إن الصلاة الوسطى التي أمرنا الله سبحانه بالحافظة عليها؛ مفسرة بصلاة الظهر. ثم انظر كيف وصل حالنا نحن العرب؛ فقد كنا رعاة الإبل ذات يوم وأصبحنا اليوم رعاة الشمس. كانت عيوننا على الإبل كيف تركب وكيف تحمل وإلى آخره؛ وأصبحت الآن عيوننا على الشمس هل ارتفعت إلى السماء لنصلي الزوال، هل طلعت الشمس؟ هل غابت؟ إن أوقات الصلوات مقترنة بالشمس. فنحن قبيل الطلوع نصلي صلاة الفجر، وعند زوالها نصلي صلاة الظهرين، وبعد الغروب نصلي العشائين. ومن أتقن هذه الفرائض في أوقاتها الثلاثة يرجى أن يصل إلى المقام المحمود.
وقفة السحر التي لا يُفرط فيها المؤمن
والمؤمن يختم صلواته التي صلاها في أوقاتها؛ بوقفة السحر. وما أدراك ما السحر؟ إننا لم نسمع بولي من أولياء الله لم تكن له وقفة ليلية. فلو أعجبت بنفسك نهاراً، وأعجبت بمشاريعك أو بعلمك أو بما شابه ذلك؛ انظر إلى نفسك ساعة السحر. إن هذه الساعة هي منصة الانطلاق إلى المقام المحمود.
ومن الوقفات المهمة في صلواتنا، وقفة القنوت وإن كانت مستحبة. فلو صلى الإنسان بلا قنوت فلا ضير في صلاته، ولو قنت بغير العربية فلا ضير في صحة الصلاة، وإنما هناك كلام، هل أدى وظيفة القنوت أم لا؟ ولو قلت لغير العربي: يا فلان، يجوز لك أن تدعوا بالهندية والصينية وغيرها من اللغات؛ لعله يغتنم الفرصة، ويقول: أنا لا أعرف معنى الفاتحة ولا السورة؛ فدعني – على الأقل – أناجي ربي بلغتي في القنوت. ثم ما المانع من أن يقنت بالعربية أداء للوظيفة ويقنت بعدها بلغته، وبذلك يكون قد جمع بين القنوت في الصلاة وبين مناجاة الله عز وجل بلغة قومه.
للأسف الشديد نرى البعض من المؤمنين لا يغتنم هذه الوقفة. إنك تكون عادة في قمة الإقبال في الركعة الثانية، وإذا كنت في صلاة الفجر فهي ركعتك الأخيرة، وإن كنت في صلاة المغرب، فأنت قد أتممت ثلثي الصلاة، وإن كنت في الظهرين والعشاء، فأنت في المنتصف؛ فاغتنم هذه الوقفة خاصة إذا كنت في إقبال. فأطل في قنوتك إن كنت تصلي فرادى. ومن المؤمسف أن نرى بعض المصلين يلهج بذكر واحد طوال العمر، وعادة ما يكون تكرار الذكر؛ سببا لعدم التفقه فيه واللاتفات إلى معانيه.
الرجوع إلى المأثور عن أهل البيت (عليهم السلام) في القنوت
إن أئمة أهل البيت (ع) كانت لهم قنوتات من الجيد أن يراجعها المؤمن، وسيجدها في كتاب وسائل الشيعة. ومن أراد الاطلاع على المزيد من أبحاث الصلاة؛ فليراجع بالإضافة إلى الكتب المؤلفة في هذا المجال؛ الكتب الروائية. فيفتح كتاب الوسائل مثلا ويطلع على الروايات الواردة في باب الصلاة. وهناك فرق بين الوسائل وجواهر الكلام لذلك العالم العظيم. إن كتاب جواهر الكلام كتاب يتضمن أبحاثا استدلالية؛ ولكن الوسائل روايات مجردة؛ فخذ دورة في الوسائل وتعلم أسرار القنوت. ثم اقرأ روايات أهل البيت (ع) في القنوت، وفي الركوع وفي السجود. إن بعض علمائنا الكبار من المجتهدين؛ يعتمد في بحثه على الوسائل ويقرأ الروايات، رواية رواية، ويحققها سنداً ودلالة، ويجمع بين المتعارضات. ونحن لا نتحدث عن هذه الطريقة التي تحتاج فيها أن تكون مجتهدا ولكن لا بأس أن تطلع عليها اطلاعا. فبدل أن نقضي يومنا في قراءة الأباطيل التي قد يكون قسم منها محرما حتى؛ نطلع على تراث أهل البيت (ع).
لا تنس دعاء الفرج في قنوتك
من الأدعية المهمة في القنوت، هو دعاء الفرج الذي ورد في كتب الفقه، لا ما يتبادر إليه ذهن المؤمنين عند قولنا: دعاء الفرج. ودعاء الفرج يبدأ بـ: (لا إله إلا الله الحليم الكريم). إن هذا الدعاء هو دعاء مأثور. ويذكر الفقهاء في الرسالة: إن الأولى بالمؤمن أن يدعو بالمأثور. فما دام الإمام قد علمك شيئاً، فقل كما يقول الإمام. ثم بعد الدعاء الرسمي – إن صح التعبير – ناج الله سبحانه بما تُريد؛ فقد لا يخشع؛ أي لا يرق قلبه بدعاء الفرج. وبإمكانك أن تناجي الله بما ناجى به الأنبياء والمرسلون. واقتطع من أدعية أهل البيت (ع) ما تشاء. فما المانع أن تلهج في قنوت المغرب أو العشاء من ليلة الجمعة بفقرات من دعاء كميل خاصة إذا كنت عند أمير المؤمنين (ع) صاحب الدعاء؟ والهج بفقرات من دعاء عرفة عند قبر الحسين (ع) في القنوت كالتسبيحات الحسينية التي تتضمن التسبيح اليونسي وزيادة والتي منها: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من المهللين.
القنوت محطة استراحة في الصلاة…!
إن القنوت تشبه محطة الاستراحة. رأيتم المسافرين في الطرق الصحراوية؛ بعد أن يمشوا خمس ساعات أو ست ساعات يتوقفون في محطة للطعام والشراب وللراحة، لتكون هذه الوقفة عوناً لهم على إدامة الطريق. إن القنوت في الصلاة بمثابة هذه المحطة؛ فاسترح فيها قليلاً، وخذ رحيق ما مضى. فقد تصلي ولا تخضع في الركعة الأولى؛ وعند القنوت تناجي ربك وتستدر الدمعة وتخشع فيما بقي من الصلاة.
حاول أن تُطلق لدموعك العنان لتُفرغ ما كان محتبساً في صدرك. تذكر المعاصي وأنت خجل وجل. ولا مانع من أن تتذكر حوائجد الدنيوية في تلك اللحظة؛ فإن كانت لك مشكلة وقلبك منكسر لأنه أهانك أحدهم، أو لك مرض مؤلم أو رق قلبك في الصلاة؛ حول البكاء الشخصي إلى بكاء إلهي. قد تأتي إلى المسجد مكسور القلب لظرف دنيوي، فقل: يا رب، إليك أشكوا همي كما شكى يعقوب همه وبث شجونه إليك. ألم يكون يعقوب النبي (ع) يغتنم فراق يوسف للمناجات مع رب العالمين؟ إن فراق يوسف جعل عيني يعقوب؛ تبيض من الحزن؛ ولكن يعقوب النبي كان فطناً، يغتنم فراق يوسف (ع) ليبكي مع الله عز وجل في مناجات خاشعة. فتأس بهذا النبي وغيره من الأنبياء وليكن قنوتك فرصة للانطلاقة ثم للتزود بالاستغفار وما شابه ذلك للمرحلة الثانية من الصلاة.
خلاصة المحاضرة
- هناك فرق بين الوسائل وجواهر الكلام لذلك العالم العظيم. إن كتاب جواهر الكلام كتاب يتضمن أبحاثا استدلالية؛ ولكن الوسائل روايات مجردة؛ فخذ دورة في الوسائل وتعلم أسرار القنوت. ثم اقرأ روايات أهل البيت (ع) في القنوت، وفي الركوع وفي السجود.
- إن القنوت تشبه محطة الاستراحة. رأيتم المسافرين في الطرق الصحراوية؛ بعد أن يمشوا خمس ساعات أو ست ساعات يتوقفون في محطة للطعام والشراب وللراحة، لتكون هذه الوقفة عوناً لهم على إدامة الطريق. إن القنوت في الصلاة بمثابة هذه المحطة؛ فاسترح فيها قليلاً بالدعاء والمناجاة.