- ThePlus Audio
کیف تستثمر كل لحظة من لحظات الشهر الكريم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف نصوم صوماً مميزاً؟
إن من الشعارات التي يتخذها المؤمن في كل شهر رمضان يمر عليه، هو: اللهم اجعله خير شهر رمضان مر علينا منذ أن خلقتنا. هناك الكثير منا لا تهمه إلا المكاسب المادية، فهو عينه على مكاسبه التي حصل عليها في السنة الماضية، فقد كان أعزبا على سبيل المثال وأصبح الآن متزوجاً، وقد كان عاطلا عن العمل وأصبح الآن موظفا، وقد كان مستأجرا وصار مالكاً، وإلى آخر هذه المزايا التي هي كلها وإن كانت جيدة ولكنها تحت دائرة الدنيا الفانية. إن الحياة الدنيا برمتها سيجعلها كما قال في محكم كتابه: (فَيَذَرُهَا قَاعٗا صَفۡصَفٗا * لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجٗا وَلَآ أَمۡتٗا)[١].
هل وقفت على مكتسباتك المعنوية؟
أما المؤمن فعينه في كل سنة على مكتسباته المعنوية. فهو يحاسب نفسه ويسألها: هل كان لك صوم مميز؟ هل استيقظت وصليت صلاة الليل البارحة؟ هل أقبلت أو خشعت في صلواتك؟ إنني أوصي زوار الحسين (ع) دائما بأن يطلبوا عند مقامه الشريف هاتين الأمنيتين؛ فلعل الله سبحانه ينظر إليهم ويستجيبها لهم. فليقف الزائر أمام الضريح المبارك وليخاطب الإمام (ع) قائلا: أريد في كل زيارة ولو دمعة بسيطة؛ فلا أريد أن أزور كما يزور الآخرون وأخرج من دون دمعة. إنني لا أتتحدث عمن لديه مشلكة ولا يستطيع البكاء؛ فيكفيهم هؤلاء انكسار القلب.
من أدب الوقوف أمام ضريح الحسين (عليه السلام)
كيف يقف المؤمن أمام الضريح، وكأنه أمام منظر طبيعي، ثم هو يتصل بأهله ويمزح ويضحك معهم. لا تجعل هذا المقام هيناً عليك. والأجدر بك أن تدخل إلى الضريح وحيدا منفردا عن الجماعة حتى لا تنشغل بالحديث معهم؛ فأنت تعرف الطريق ولا داعي أن يرشدك أحد.
أما الأمنية الثانية وهي أمنية راقية، أن يقول: يا رب، لا أريد أن أصلي صلاة الليل إلا بدمعة ولو بمقدار جناح بعوضة. إن صلاة الوتر هي محطة الأولياء: (إِلَهِي تَعَرَّضَ لَكَ فِي هَذَا اَللَّيْلِ اَلْمُتَعَرْضُونَ وَقَصَدَكَ فِيهِ اَلْقَاصِدُونَ وَأَمَّلَ فَضْلَكَ وَمَعْرُوفَكَ اَلطَّالِبُونَ وَلَكَ فِي هَذَا اَللَّيْلِ نَفَحَاتٌ وَجَوَائِزُ وَعَطَايَا وَمَوَاهِبُ تَمُنُّ بِهَا عَلَى مَنْ تَشَاءُ مِنْ عِبَادِكَ)[٢]. فقل: يا رب، أريد من هذه الجوائز، والذي يطلب العتق من النار يدعو بهذا القلب المنكسر.
هل أقدم الصلاة على الإفطار؟
ومن الساعات التي لا يغفل عن اغتنامها المؤمن هي ساعة الإفطار. ترى البعض نصف ساعة قبل أذان المغرب تكون عينه على الطعام، ويقلب بيده تمرة يميناً وشمالا وينظر إلى الماء وكأنه عاشق ينتظر الإذن بالوصول إلى معشوقه. والحال أنه يجدر به – على الأقل – أن يصلي المغرب التي لا تستغرق أكثر من ثلاث دقائق. ما تضرك هذه الدقائق وأنت ممسك من الصباح إلى ساعة الإفطار؟ فلماذا تنسى كل شيء وتلتهي بالطعام؟ قد تلتقي برجلين في الطريق فترحب بأحدهما أكثر من الآخر، فيقول لك الآخر: لماذا رحبت به أكثر مني؟ هل هناك علاقة متميزة بينكما؟ فتقول له: نعم، إنه عالم من العلماء أو هو رجل تقي. وكذلك الأمر إذا أذن المؤذن. فأنت عندها بين السجادة وبين المائدة. فإذا رأيت قلبك يزيغ للمائدة ولا يحب أن يصلي؛ فاعلم أن هذا الصوم لم يدخل إلى الجوف بعد. هل صومي كان الكف عن الطعام والشراب فقط؟
هذا وقد نرى بعض المؤمنين قد ينشغل بصلاته ساعة، وهو لا يشتهي طعاماً ولا شراباً. وهذا امتحان يمتحن به كل واحد منا نفسه؛ هل إقبالك على الصلاة أكثر من إقبالك على المائدة؟ وقد يلاحظ الكثير أننا قبل ساعة من الأذان نتلهف إلى الطعام والشراب فإذا أئذن المؤمن وأبيح لنا الأكل لا نرى تلك اللهفة، وكأن كل ممنوع مرغوب. وهذا عنصر مساعد لأن تتقن الصلاة بين يدي الله عزوجل.
لا تمن على الله صيامك…!
ومن الناس من تسوء أخلاقه في شهر رمضان المبارك، وعندما تؤاخذه يقول لك: إني صائم، وكأنه يمن على الله ورسوله أن الله سبحانه أمره بالصيام فذلك توترت أعصابه وساء خلقه. هل رب العالمين يريد منا هذا الصيام؟
اختم القرآن عدة مرات في اليوم…!
والمؤمن كيس مستثمر لكل لحظاته وأوقاته. عندما يُعطى الإنسان أرضاً خصبة بجوار النهر الجاري يستثمر تلك الأرض ويزرع فيها ما أمكنه؛ وإلا هو في خسران مبين. من الأمور التي نوصي بها المؤمنين في شهر رمضان أن يستمروا أوقات الفراغ فيلهجوا بقراءة التوحيد، فيكون مصداق ما ورد في دعاء كميل: (وَاِجْعَلْ لِسَانِي بِذِكْرِكَ لَهِجاً)[٣]. ما هو مزية هذا الفعل؟ إن قراءة التوحيد ثلاثا في غير شهر رمضان تعدل ختمة، والآية في شهر رمضان تعدل ختمة؛ فأنت تحصل على ثواب ختمة بهذه القراءة والختمة تساوي كل آيات القرآن الكريم، والآية في هذا الشهر بختمة. أليست هذه غنيمة؟
قد يقول قائل: أليس في هذا الثواب مبالغة؟ إن أنفاسنا الكريهة في هذا الشهر تسبيح عند الله عز وجل؛ فما المانع من أن يكون في سورة التوحيد هذه الخاصية؟ إن كتاب الحسنات والسيئات فارغين عن العمل في غير شهر رمضان؛ ولكن كتاب الحسنات في شهر رمضان يكتبون نومك عبادة، وكل هذا إكرام الهي. وقمة العطاء في ليلة واحدة هي خير من ألف شهر.
لا تكن ساكتا في هذا الشهر…!
مزية أخرى في هذا الشهر؛ هو أن تلهج بسيد الأذكار الولائية: الصلاة على محمد وآل محمد (ص). فأردف سورة التوحيد بسيد الأذكار الولائية، وأنت بذلك تكون كمن يمشي في بستان من الزهور، ويتنقل بين رياحينه، فتارة يشم هذه الوردة، وتارة ينظر إلى تلك الوردة. فحاول أن تكون في شهر رمضان بين التوحيد وبين الصلاة على النبي وآله (ص) ولا تكن ساكتاً؛ فالسكوت يعني لا عمل، والذكر عمل.
ساعة الجوائز العظام وذكر الإمام الغريب
ثم إن ساعة الإفطار هي ساعة الجوائز العظام؛ فقد روي: (لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ إِفْطَارِهِ وَ فَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ)[٤]. فساعة الموت يقولون لك على سبيل المثال: هذا النور وهذه الرائحة الطيبة هي لصيامك شهر رمضان. عندما يؤذن المؤذن توجه إلى الله عزوجل، فهي أفضل ساعة للدعاء لفرج إمام زمانك (عج). بعض الناس يفطر وهو يقول: يا مولاي، أين أنت؟ ليتني كنت جالسا معك على مائدتك؛ فأنت قبل أن تأكل تدعو له بلهفة، وقد تجري دمعتك قليلا، والإمام مظهر الشكر والكرم؛ فسيرد الهدية بأعظم منها. تخيل إمام زمانك (عج) على مائدة الإفطار وهو يقول: اللهم اغفر لفلان، فقد دعا لي الليلة؟ هذه صك مفتوح؛ فلماذا نحرقه كل ليلة؟ ولا تنسى قول النبي (ص): (مَنْ حَسَّنَ مِنْكُمْ فِي هَذَا اَلشَّهْرِ خُلُقَهُ كَانَ لَهُ جَوَازاً عَلَى اَلصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ اَلْأَقْدَامُ)[٥].
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- المؤمن كيس مستثمر لكل لحظات شهر رمضان. عندما يُعطى الإنسان أرضاً خصبة بجوار النهر الجاري يستثمر تلك الأرض؛ وإلا هو في خسران مبين. من الأمور التي نوصي بها المؤمنين في شهر رمضان أن يستمروا أوقات الفراغ فيلهجوا بقراءة التوحيد؛ فهي إن كانت ختمة في غيره فما هو ثوابها فيه؟
- ومن الناس من تسوء أخلاقه في شهر رمضان المبارك، وعندما تؤاخذه يقول لك: إني صائم، وكأنه يمن على الله ورسوله أن الله سبحانه أمره بالصيام فذلك توترت أعصابه وساء خلقه. هل رب العالمين يريد منا هذا الصيام؟